العقل الإنساني بطبيعته ينشغل في التفكير بالغد الغامض المبهم،
فحالة الغموض وغياب اليقين حول المستقبل وما سيكون عليه مصير الإنسان
والمجتمعات بشكل عام قضية احتلت حيزاً كبيراً من النقاش والجدل
والاهتمام؛ كونها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بوعي الإنسان وإحساسه بالزمن
في أبعاده الثلاثة الماضي والحاضر والمستقبل.
فالمستقبل هو الهاجس المخيف الذي يطارد الإنسان، وكثيراً ما ينظر
إليه نظرة خوف وقلق وسلبية كما لو كان ليلاً دامساً وما يبرر ذلك هو
غياب الوسيلة أو الأداة التي يكتشف بها أسرار المستقبل تحسباً للمفاجآت
غير المتوقعة، فأصبح الغد ملجأ للتنبؤات بالأحداث والتغيرات المحتمل
حدوثها وباباً للتساؤل عما يمكن أن تخبئه السنوات المقبلة في طياتها.
إن دافع الإنسان لاستقراء المستقبل واستطلاع الغيب هو وجود رغبة
قوية لحب المعرفة والتأثير في صياغة الغد والبحث عن بصيص من الضوء
ليرشده إلى الدرب وتوفر رؤى واضحة حول الفرص المتاحة والتحديات القادمة،
كما أنها محاولة لترتيب الحياة وتهيئة النفس بتلك الأوضاع قبل أن
تداهمه وتصبح واقعاً مفروضاً لا يمكن التحرر منه.
المستقبل تجاوز دائرة الغيب المطلق ولم يعد ذلك العالم المليء
بالخيال والأسرار والخرافات التي لا تستند على وقائع وحقائق مدروسة
ودقيقة، تخطى مدى أوسع من مجرد إشباع لفضول الإنسان في التعرف على
المجهول وبات نافذة أمل لتحقيق التغيرات الضرورية والمرتقبة في مجالات
الحياة المختلفة التي تقوم على أساس التخطيط الواعي المحكم ورسم
الأهداف لغد أكثر أمناً وسلاماً ورخاءً وأساساً للارتقاء بالشأن
الإنساني.
تساعد الرؤية المستقبلية في تحفيز الإنسان نحو الانطلاق والتحرر من
أعباء الماضي والحاضر المتعثر والإيمان بأن التغيير سنة من سنن الحياة،
فالغد ساحة ينبغي ارتيادها وهتك أسرارها وغزوها واستيطانها والسيطرة
عليها وبذل كافة الجهود الممكنة لخلق الأجواء الملائمة للتغيير ورصد
المتغيرات المستمرة والاستعانة بالمعلومات والخبرات المتراكمة في
ميادين العلم والحياة والابتعاد عن العشوائية والتنبؤات وعدم الاستسلام
لواقع الحال والسعي وراء تحقيق التقدم وإيجاد واقع جديد.
إن الحاجة إلى استشراف المستقبل لا يعني التعامل مع المجهول إنما هو
فعل ايجابي لتحديد ملامح الغد والعمل على تفعيل قدرات المجتمع للدفع
بعملية التنمية.
الفرد المبدع هو من يصنع مستقبله بيديه ويحدد مصيره برؤية موضوعية
ويبحث عن منافذ للانطلاق ويحدد الآليات المطلوبة ويضع التصورات لبلوغ
الأهداف ويصحح من أخطاء الحاضر ليصل في نهاية المطاف إلى المحصّلة
النهائية والقدرة في السيطرة على المستقبل وتوجيهه وإدارته صوب ما
يريد.
* كاتبة صحافية وناشطة اجتماعية
عـــدن-اليمــن |