من التبعية إلي العولمة

من العلاقات الاقتصادية الدولية إلى الاقتصاد العالمي

الأستاذ بشير غضبان

تمهيد:

قال أستاذ الاقتصاد المصري جلال أمين:’’ان العولمة بالنسبة للبعض مثل وصف العميان للفيل؛كّل يصفها حسب المكان الذي وضع عليه يده‘‘(في مجلة العربي،مارس1999، ص.18).وبالرغم من مثل هذه التصورات فاننا نجد أن القواميس الفكرية و السياسية والاقتصادية العالمية، تتسع يوما بعد يوم،لاكتشاف مصطلحات جديدة،تشكل كل واحدة منها رؤية تحاول الاستحواذ علي المستقبل.من هذه المصطلحات نجد مصطلح ’’العولمة‘‘. وتعود فكرة إنشاء سلطة عالمية، علي غرار سلطة الدولة السائدة علي إقليم معين، إلي سنوات الأربعينات 1940 من خلال إنشاء عصية الأمم التي خلفتها فيما بعد هيئة الأمم المتحدة.

هذا علي الصعيد السياسي، أما علي الصعيد الاقتصادي، فقد تأسست منظمة التجارة العالمية والتعريفة الجمركية سنة 1949، وذلك لبسط الهيمنة الاقتصادية العالمية،التي تدعمت في الواقع بإنشاء صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، ونوادي مالية أخري كنادي لندن ونادي باريس وغيرهما.

المبحث الأول: طبيعة و مفهوم العولمة

إن العولمة [GLOBALIZATION]، ماهي إلا مجرد عملية انخراط للدول والبلدان كلها، في الإقتصاد العالمي،و [من متطلباتها و نتائجها في نفس الوقت]، فتح حدود أقاليم الدول الجغرافية للوارد والصادر من السلع والخدمات، وتدفق الرساميل وغيرها، هذا من جهة، ومن جهة أخرين تراجع مفهوم السيادة الوطنية، والدولة –الأمة. بل إن العولمة مفهوم غربي بحت، وهو لا يعنى شيئا آخر غير سيادة النموذج الغربي في السياسة والاقتصاد والثقافة الغربية، وفرضه علي بقية دول العالم، والنظر إلي المفهوم وكأنه حتمية تاريخية،النغمة التي ألفنا سماعها من مروجي الأفكار الشيوعية الي أن تلاشت واندثرت. العولمة تتخذ مفهوما أساسيا ينبع من مفهوم وتصور غربي خاص بما يتعلق بالعالم في حد ذاته، فالعالم في نظر التصور الغربي هو أوربا حينا، وأمريكا في أحايين أخري –ويتجلي ذلك من خلال تسمية الحرب العالمية الأولى والثانية رغم أن هذين الحربين في معظمها وقعنا في حيز جغرافي محدود هو القارة لأوربية.

وفي الواقع،فإن العالم اليوم سواء من وجهة النظر الأوربية أو الأمريكية هو عالم ثقافة الغرب. وكما يبرزه تقسيم الأستاذ سمير أمين للعالم من خلال نظرية المركز والمحيط (الأطراف أو الهوامش) الذي يجعل من الغرب مركزا محوريا للعالم، وبقية العالم تبدوا وكأنها أطراف تدور حول المحور الغربي وفي فلكه، أو ما يطلق عليه ’’الأورو مركزية‘‘. وهي نظرة تذهب بعيدا، حتي الرياضة لما يسمي ب ’’فريق أوربا ’’وبقية العالم.

[والعولمة] علي حد تعريف برهان غليون: هي ’’إنسياب المنتوجات والمعلومات من القوي الاقتصادية الكبري، باتجاه بلدان الجنوب المتخلفة‘‘،ويتم ذلك من خلال نسق دولي للعلاقات الاقتصادية الدولية الغير المتكافئة. ومنشأ هذه الأزمة بالنسبة للبلدان غير المتطورة،هو ما دعا إليه الرئيس الراحل هواري بومدين بموجب دعوة الجزائر إلي تأسيس نسق إقتصادي دولي جديد أثناء فترة السبعينات من القرن الماضي، لأن’’ النظام القديم الغير منصف، بنى في غيابنا، ودون الأخذ بعين الإعتبار مصالحنا ‘‘كما قال الرئيس هواري بومدين.بمقابلة هذا التصور بتصور من يروجون للعولمة، فإن مختلف التجمعات، لا تخرج عن هذا المجال، وما يدور حاليا من تصور، هو كيف يتم تقاسم أسواق البلدان المتخلفة،خاصة الأسواق البكر فيما بين كبار العالم. وفي غمرة هذا المنعطف والتحول في طبيعة العلاقات التي تربط دول ومناطق وأقاليم العالم،تبدوا اقتصاديات أغلب البلدان العربية والجزائر في مأزق، علي غرار اقتصاديات بلدان العالم الثالث.

إن [عولمة الاقتصاد ]: هي ’’محصلة لعملية اندماج طويلة للفضاء الدولي بواسطة الشركات العملاقة التي تعود بدايتها إلي نهاية القرن التاسع عشر.التي أصبحت فيما بعد تراقب جزءا مهما من النشاط الاقتصادي والاستثماري علي مستوى العالم ‘‘. ’’وتفسر ظاهرة العولمة الاقتصادية، أساسا بتدويل الإنتاج و والإدارة والتمويل والاستثمار و السوق. وما الأهمية المتزايدة للتمويل الدولي الأخير الا خير دليل، يجد ترجمته في التصرف اليومي بمئات الملايير من الدولارات، التي تستطيع التنقل في نفس اللحظة،فيما بين المراكز المالية الهامة في العالم‘‘.

وكرس سقوط الاتحاد السوفيتي، وتفكك الكتلة الاشتراكية نهاية فترة القطبية الثائية في العالم، إذ منذ عام 1990 بدأ العالم يري مصيره كعالم وحيد القطب. مادامت القوى الغربية التي كانت تشكل السبعة الكبار تنسج معا وبشكل موحد وتضامني وشائج وخيوط علاقات متعددة الأبعاد،بفعل حسابات مصالح العالم الغربي. علي الرغم من، أن الاتجاه العام أصبح يتميز شيئا فشيئا بالتوجه نحو خلق مجموعات وتكتلات اقتصادية جهوية،وتميز أيضا بتعايش ثلاثة،أقطاب و مراكز اقتصادية مهمة، هي’’، الولايات المتحدة، واليابان،، وأوربا الغربية. وتتمظهر بالمظهر الآتي:

*الولايات المتحدة وقيادتها للمكسيك وكندا، في اطار اتفاقية التبادل الحر في شمال أمريكا، الموقعة في (1993).

*اليابان وامتداده الطبيعي لفضائه الإقتصادي، الذي يشمل الأسواق الآسيوية.

*دول أوربا الغربية واتساعها للاتفاق الاقتصادي للتبادل الحر…ثم اتساعها لاحتضان الوافدين الجدد من أوروبا الشرقية فيما بعد، لتكون الفضاء الاقتصادي الأوربي. بالإضافة إلي ذلك تتمظهر هذه الثالوثية (أو المثلث) في ميدان تتداخل فيه المصالح –مصالح الشركات العملاقة الأمريكية والأوربية واليابانية.

[إن العولمة]: عبارة عن شكل من أشكال الاتحاد العالمي، أو لنقل الهيمنة المطلقة للولايات المتحدة الأمريكية، فعندما كانت بريطانيا أكبر قوة اقتصادية في العالم، اقتنعت بأن السوق الحرة هي الوسيلة الأفضل للهيمنة علي مستعمراتها،التي كانت تريد وتحاول التحرر. تماما،مثل الولايات المتحدة،التي رفعت منذ نشأتها الأولي: قانون التبادل الحر، لأنه من خلاله،يتمكن الفاعل الدولي الأكثر قوة،من التهام الأضعف والأكثر ضعفا. وهناك، من قال بنظرية التعاقب الحرة بين الدجاج، أي الساحة الحرة التي تتيح لأحدهم أكل أو التهام الآخر. ومن ثم،تصبح نظرية العولمة الأمريكية أو أمركة العالم، تعادل في مدلولها الهيمنة.ويؤكد الكثير من المحللين والدراسيين،أن وحدانية السوق،تأخذ شكل انهيار للعلاقة الاجتماعية.وكما تصورها سبنسر:‘‘ الحرية المفتوحة للقوى لإلتهام الأضعف’’،وقد علق آخرون علي هذه البديهية، بقولهم:’’إن في العلاقة بين القوى والضعيف، تجد الحرية مجالا واسعا لممارسة الظلم‘‘.وأحسن وصف للعولمة ورد علي لسان شاعر مغربي حين قال: العولمة ’’هي الغاء كل ما هو انسانى،وانتصار كل ما هو تقني آلي،أنها أعلى سمات التعبير عن هذا القرن المظلم... ’’

وكيفما كان هذا الحكم القاسي علي [العولمة]،فان البعض الأخر يري فيها أنها ستكون عبارة عن حركية للموارد البشرية والمؤسسة.وستكون أيضا انتقالا للمعلومات،وسهولة في الاستقبال،وستكون مزيلة للمسافات، ويجب أن لا يغيب عنا أن العولمة،كظاهرة مستجدة قبل أن تكون تحريرا للسوق، أو تعبير عن ليبيرالية جديدة أليفة أو متوحشة فهي ظاهرة من طراز تكنولوجي، من مظاهرها أنها إمكانية للاتصال بدون صعوبات، وبدون كلفة، كما سنري في المبحث الثاني.

المبحث الثاني:

قيادة المنظومة الرأسمالية والمظاهر الرئيسية للعولمة

 منذ نشأة المنظومة الرأسمالية،وهي في حاجة ماسة إلي قيادة مركزية، تقودها وتوجهها علي الصعيد العالمي.لذلك فانها تحتاج إلي دولة نواة، تسيطر وتتحمل أعباء و مهام الدولة الموجهة لنشاط وحركة الفاعلين الآخرين، الذين تضمهم المنظومة تحت لوائها.أي تنظيم وتسيير البيئة الاقتصادية، والسياسية والاجتماعية العالمية،المواتية لها،وما تستفيد به منها من تراكم رأسمالي علي الصعيد العالمي.

المطلب الأول:نبذة تاريخية

إذا ما استقرأنا التاريخ، فإننا نجد أن هولندا قد تولت الدور القيادي، إبان مرحلة الرأسمالية التجارية في القرن 16،واستمرت في لعب هذا الدور حتى بداية الثورة الصناعية. ثم تقلدت بريطانيا ورشة العلم الصناعية،هذا الدور من بدايات ظهور الرأسمالية الصناعية حتي اندلاع الحرب العالمية الأولي، بالتحديد فيما بين 1780 حتى 1914. ثم خلفت الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية. وعادة ما تكون الدولة القائدة للرأسمالية، هي أقوى دولة في المنظومة، من حيث حجم رؤوس الأموال التي في حوزتها، أومن حيث القوة الاقتصادية والعسكرية.

لذلك كله فبمقدار ما تتعرض إليه هذه الدولة القائدة من ضعف في قوتها، بمقدارما تنازعها دولة أو دول أخري في القيادة، بمقدار ما تتعرض له المنظومة من مشاكل وقلاقل واضطرابات وأزمات، مثل ما يحل بها الآن. فقد تعرضت الولايات المتحدة كدولة نواة لضعف نسبي واضح خلال العقود الأخيرة مما أثر علي قدرتها في قيادة المنظومة الرأسمالية وذلك للأسباب التالية:

- تراجع القوة الإقتصادية الأمريكية في الاقتصاد العالمي، بعد بروز قوة اليابان، والاتحاد الأوربي،والنمور الآسوية،

-تفاقم الإختلال الداخلي، المتمثل في عجز الموازنة الفديرالية، والاختلال الخارجي في عجز ميزان المدفوعات.

-تقلب قيمة الدولار الأمريكي،وعدم استقرار سعره، وسقوطه،ومن ثم سقوطه من علي عرش العملات الدولية، بعد أن أصبحت عملات دول أخري تتنافس معه علي احتلال عرش العملة العالمية، وعملية الاحتياطي الدولية.

-انقشاع سحب الحرب الباردة،واختفاء حاجة دول الاتحاد الأوربي واليابان لمظلة الولايات المتحدة الأمريكية النووية(*).(*) يؤرخ عادة لبدء الحرب الباردة، بالخطاب الذي ألقاه تشر شل في مدينة فالتون الأمريكية في 05/03/1946، بعد استسلام كل من ألمانيا واليابان. دعا فيه إلي تركيز الجهود في النضال من أجل إنقاذ المدنية الغربية من خطر الشيوعية الداهم.وقال: يتعين علي الانجلوسكسون قيادة هذا النضال. هذا الخطاب ألقي في حضور الرئيس الأمريكي ترومان وصفق لأخطر نقاطه.فالحرب كما يقال امتداد (استمرار) للسياسة بوسائل أخري (وسائل العنف). بغية فرض الارادة علي الآخرين بقوة السلاح.لكن تعبير الحرب الباردة كان يصف وضعا جديدا في العلاقات الدولية. ومن مراجعتنا للتاريخ المعاصر يظهر لنا أن حالة الحرب الباردة قد وجدت قبل اكتشاف التعبير ذاته.وتعلمنا أن الحرب الباردة وضع دولي شاذ يقوم علي استخدام كل وسائل الحرب وأساليبها. ما عدا القتال المفضوح، في زمن السلم، غير أننا يمكن أن نقول أن تعبير الحرب الباردة وجد مع اندلاع ثورة أكتوبر 1917 الاشتراكية في روسيا، واستمرت حتى سنة 1990 من القرن 20. وتوج ذلك، بما ظهر إلي الوجود كنتيجة لنهاية الحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي، ومطالبة العالم الثالث بتغير طبيعة العلاقات الاقتصادية،بين 1948و 1988. لأن خوف الغرب من الشيوعية السوفيتية وتحديها للمنظومة الرأسمالية (بل الرأسماليات الغربية)، كان يعني أن المنافسة (وأحيانا الصراع) بين الدول المتحالفة فيما يتعلق بالقضايا الاقتصادية والتجارية /يتعين عليهم كمجموعة أن تحتويه [IS TO BE CONTAINED].لكن بعد نهاية الحرب الباردة، نجد أن الاقتصاد الدولي والعلاقات الاقتصادية والتجارة قد تزايدت أهميتها، وبالتالي ظهر التمييز والفصل بين السياسة التجارية والسياسة العليا للدولة، وذلك لزوال اعتبارات وحجج الأمن الدولي.

 وازدادت أهمية العلاقات الاقتصادية والتجارية كوسائل تفعل فعلها في تحديد النظام الدولي لفترة ما بعد الحرب الباردة. وكما سنري فإن العلاقات القائمة بين الولايات المتحدة والدول الغربية، تحولت من التأكيد علي مجال الدفاع الذي تبوأت فيه الولايات المتحدة،مركز القيادة بدون منازع،إلي مجال آخر هو (العلاقات الاقتصادية) الذي تتكافأ فيه كفتي الإرادتين الأمريكية وبقية الدول الغربية واليابان، وأصبحتا متنافستين علي الأسواق.

 ومن المحتمل، أن يبقي هذا الصراع يلون النظام الدولي الجديد للتجارة الدولية، وعولمة أو تدويل الانتاج (أي جعل الإنتاج عالميا).[INTERNATIONALISATION].وهناك من يتكهن إن إرادة السيطرة والهيمنة الأمريكية، قد تزايدت خاصة بعد تدمير العراق الرافض للعولمة، وأصبح لدي الولايات المتحدة الأمريكية قناعة أن النظام العالمي الجديد، أصبح مضمونا بعد انقراض الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية التي كانت تسير في فلكه في أوربا وغيرها من قارات العالم.وبالنتيجة،لم يبق للولايات المتحدة،إلا أن تشمر عن ساعديها وتتحرك،علي نحو مستقل عندما يتطلب الأمر التدخل علي الفور، في أية بقعة من العالم،الصومال،العراق، كوسوفو وغيرها، وكيفما تشاء، موازاة مع حركاتها لمنع أية محاولة أوربية لقيام أي نظام أمن خارج غطاء الحلف الأطلس.

هذا بالاضافة الي تحريض ألمانيا واليابان لتأكيد رغبتهما في المشاركة الايجابية لهما، في بعث نظام أمن دفاعي مشترك، تقوده الولايات المتحدة نفسها.

المطلب الثاني: الانقلاب الصناعي

حدث الانقلاب الصناعي في الدول الأوروبية،فقلب نظام المجتمع البشري رأسا علي عقب.بدأ ذلك في إنجلترا كما بدأت فيها الحركة القومية-وكان استخدام الآلات التي ضاعفت من قدرة الإنسان علي الإنتاج، وانقصت أثمان ما يرغب فيه من بضائع نقصا كبيرا. وقد تأسست الصناعة علي ثلاث دعائم أهمها علي الإطلاق:

1-استخدام أنواع جديدة من القوى-قوة البخار الناتجة عن الفحم ثم الكهرباء، وقوة الانفجار...

2-استخدام وسائل نقل جديدة هي السكك الحديدية، والسفن التجارية، ثم السيارات..الخ

3-قيام النظم المالية الحديثة التي أمكن بواسطتها جمع موارد الآلاف من صغار المستثمرين، والانتفاع بها في المشروعات الكبيرة، تحت إشراف مهرة متمكنين. أعني تأليف الشركات المحدودة المسؤولية، والنقابات التي تضم الكثير من هذه الشركات.وقد ظلت إنجلترا زمنا طويلا مبرزة علي غيرها من الدول،لكن منذ 1840 انتشرت هذه النظم انتشارا كبيرا في غرب أوربا وفي العالم أجمع.

وما كاد يبدأ القرن العشرين حتى تحولت الدول الغربية كلها إلي مدنية صناعية.قويت الروابط بين أجزاء القارة الأوربية، بل بين العالم أجمع. وأصبح العالم كله في وقت وجيز وحدة اقتصادية متماسكة الأطراف، وأخذت أزياء الشعوب جميعا وعاداتهم وطعامهم وملابسهم تتقارب وتتشابه، و حاكت التجارة العالمية خيوطها حول العالم،خيوطا لا يحصي عددها ربطت الشعوب جميعا ببعضها البعض.ولاح أن قوة الصناعة والتجارة الموحدة ستتغلب بالتدرج علي قوة القومية المشتتة.

وهناك عامل آخر تسبب في تغيير وجه العالم، وهو ما كانت تبذله الدول الغربية من أجل بسط سلطانها، علي البلاد الغير أوربية، و استمرت علي هذا النحو أربعة قرون كاملة، منذ عهد الاكتشافات الجغرافية في القرن 15و16.الاكتشافات التي عرفت أوربا بعالم الغرب الجديد (الأمريكتين)، وبعالم الشرق القديم.

ولم يكد عام 1914 ينتهي،حتى لم يبق علي سطح الكرة الأرضية بلاد غير خاضعة لنفوذ أوربا خضوعا مباشرا أو غير مباشر. واجتمع بعد ذلك العالم كله في نظام سياسي واقتصادي واحد.كذلك لم يحن عام 1914 حتي صارت هناك طائفة من الدول العالمية العظمي تسيطر علي شؤون العالم. هي بالتحديد الإمبراطوريات البريطانية،والروسية، والأمريكية، والفرنسية،والألمانية،واليابانية، والإيطالية، الإمبراطوريات التي كانت (حدودها متلاصقة ومصالحها متضارية).

المطلب الثالث:المظاهر الرئيسية للعولمة

وإذا ما أخذنا خصائص المجتمع التكنولوجي (التقنيائي) الحديث بعين الاعتبار، ومظاهر الاختراعات المعلوماتية، فاننا نجد هذه الأمور قد تبلورت بصفة أساسية وبشكل لافت للنظر خلال العقود الأخيرة. وظهرت سماتها الرئيسية خاصة بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، واختفاء الكتلة الاشتراكية معه من الطريق.طريق ما عرف فيما بعد ’بعولمة الاقتصاد[ GLOBALISATION ]. ونقطة الانطلاق هنا، هي إلزامية معرفة وإدراك ما يدور علي الساحة الاقتصادية الدولية. أي معرفة كل ما يتعلق بالتطور التقنيائي الهائل ومقتضيات الصناعة الحديثة.لذلك كله، لم يعد الأمر مقتصرا علي مجرد تناولنا للعلاقات الاقتصادية بين الدول، بل إننا وجدنا أنفسنا في وضع يضطرنا للتفكير في عصر سيطلق عليه [عصر الاقتصاد العالمي].وبناء عليه، فالصناعة الحديثة، أصبحت لا تتميز فقط بقدراتها التكنولوجية والتسوقية العالمية، وإنما باتجاهها نحو [العالمية] في كافة مراحلها، لأن الصناعة الحديثة عالمية بطبيعتها،وفي توجهها نحو السوق العالمية، وفي نشاطها الانتاجي، الذي أصبح يعتمد باطراد علي المستخدمات الإنتاجية، من مختلف مناطق العالم.هذا بالإضافة إلي ظهور الدور المميز، لعدد من المؤسسات والوحدات الانتاجية العملاقة والشركات المتعددة الجنسيات أو عابرة القارات. وتخطيها للحدود السياسية.

وبواسطة هذا الدور المميز أصبحت التكنولوجيا عالميا،ترتبط بعدد من الوحدات الانتاجية العملاقة، التي تعمل في [تعاون، واندماج ]،أو [تنافس] علي مستوي العالم أجمع.بل ان الاتجاهات العالمية أصبحت تفرض نفسها من حين الي آخر، حتي في توحيد وتنميط المواصفات العالمية، والمقاييس الفنية، واتجاهات أذواق الناس في كل ركن من أركان المعمورة،الي أن بدأ يظهر ويتكشف لنا عن ظاهرة ما يسمي با ’’المواطن العالمي‘‘.

وعندما ننظر في [المظاهر القانونية للمعاملات واجراء الصفقات] فانها هي الأخري، لم تعد ذات نظرة وطنية بحتة، بسبب ظهور أنواع معينة من القواعد العالمية، لتنظيم العديد من المجالات في البيع والشراء الدوليين، والاستشارات، وابرام العقود الدولية، وكثرة اللجوء الي قواعد التحكيم الدولي والاعتماد عليها في العديد من المجالات التي تتعلق بالتجارة الدولية.ومن ثم بدأ،يظهر للعيان نوع من قانون المعاملات الدولية لتنظيم العديد من النشاطات.

وقد جاء إنشاء منظمة التجارة الدولية (العالمية) لتأكيد كل ذلك خاصة فيما يتعلق بتنظيم وضبط المعاملات الدولية في مجال تجارة السلع والخدمات،والاستثمار، والملكية والفكرية. في الوقت نفسه،الذي أصبح العالم يتجه فيه إلي نوع من الاقتصاد العالمي.فإننا نلاحظ كذلك، ظهور تطورات مماثلة لتطور النظام الاقتصادي العالمي المؤسس؛ كالدور المتزايد الذي تلعبه الشركات المتعددة الجنسيات، والتعاون الدولي بين الدول الصناعية، ومجموعة السبعة أو الثمانية، ومجموعة الدول العشر الصناعية،مما جعلها تكتسب أهمية متزايدة في تحديد أوضاع الاقتصاد العالمي……الخ. دون إن ننكر الأدوار التي يلعبها كل من صندوق النقد الدولي،والبنك الدولي للانشاء والتعمير في توجيه السياسات الاقتصادية والمالية لعدد لا يستهان به من الدول.وما دام أننا نعيش في عصر الآلة، فانها لم تعد تقوم بالأعمال الميكانيكية فقط، وإنما أصبحت تقلد الذكاء وتقوم بالأعمال الذهنية، وأهم ما ترتب عن هذا التطور في المعلومات والاتصالات، هو ما نتج عنها من تقارب واندماج بين مختلف أجزاء العالم. وكيفما كان هذا التطور،فاننا اصبحنا نري أن العام والخاص صار يتحدث عما يسمي بالقرية العالمية( أوالكونية) [ THE GLOBAL VILLAGE ] ,وظهرت شبكة الانترنت [INTERNET ] فأصبحت وسيلة إضافية للتخاطب والتحاور بين الأشخاص سواء كانوا طبيعيين ام اعتباريين،خارج الحدود الوطنية، وعبر القارات، وأصبح الأفراد عن طريق الأنترنت يتداولون المعلومات والمراسلات، ويكتسبون المعرفة، وأصبحت سوقا للتعاقد بين المصدرين (البائعين) والمستوردين(المشترين) المتواجدين في مختلف بقاع العالم.

وإذا ما نظرنا إلي حجم عدد المتعاملين بالانترنت ندرك تمام الادراك، ما مدى أهمية هذه الوسيلة التي تجذب الناس جذبا إلي دخول عصر العولمة. حتي صار من الممكن القول،فيما يتعلق بالحدود الجغرافية، والسياسية، والثقافية أنها كانت هنا.

 واذا أمعنا النظر في موضوع غلبة الثروة المالية،فاننا نجد إن تغير العلاقات الاقتصادية الدولية،لم يعد يقتصر فقط علي التغيير والتحول العيني في ظروف الانتاج،وأساليب ووسائل المواصلات والاتصالات، وتبادل وتغلغل وتسرب المعلومات، وسيطرتها علي الانتاج، بل التغير تعدي ذلك ليشمل أيضا،التغير في العلاقات المالية ووسائلها وأدواتها، من أسهم وسندات واوراق مالية متنوعة و من خيارات مالية.وغلبة هذه الثروة المالية، والثورة الجديدة في المعلومات والاتصالات،ولدت ثورة مقابلة وهي [ثورة الثروة]أي [الثورة المالية]. الثروة التي أصبحت تتنقل عبر شاشات الحاسبات الالكترونية من دولة إلي دولة ومن أي نقطة في العالم في لمح البصر. وتماثل بذلك تطور كبير في أشكال الأوراق المالية، وفي طبيعة النقود من ناحية،مع التطور الحاصل في تكنولوجيا الاتصالات من ناحية أخري،وهذا ما أدي إلي ثورة مالية لا تقل خطورة أو أثرا عن الثورة الصناعية الجديدة. ومهما يكن من أمر،فإن أبرز مظهر من مظاهر العولمة هو المجال المالي(أي تدفقات رؤوس الأموال) التي أصبحت الشغل الشاغل للاقتصاديين ورجالات الأعمال. لأن رأس المال استقل عن مجال الإنتاج، وفلت من الرقابة، من مجتمعاته،التي لم يسبق لها أن رأت مثل هذه الاستقلالية المالية.لماذا؟ لأن المجموعات المالية، كمجموعات تلهث وراء مصالحها،صارت تمتلك أرصدة هائلة بآلاف الملايير من الدولارات،وهي الآن تتلاعب بها كما يحلو لها، وكيفما تشاء.مثل استخدامها في المراهنة علي ارتفاع أو انخفاض رؤوس أموال أخري،دون خدمة اقتصادية حقيقية،وبهذه الطريقة تحولت المصارف والبنوك الي ما يشبه صالونات القمار.وصارت مثل الطفيليات التي أصبحت تعاني منها الشركات المالية، التي تتلاعب بها تذبذبات الأسعار…بفعل المضاربات المختلفة.

 ومن خلال العولمة ووحدانية السوق، يمكن للشخص المالك لمثل هذه الأموال أن يكسب أكثر مما مقداره أربعين مرة تقريبا،عن طريق عمليات المضاربة علي المواد الأولية،والعملات الحرة،أو المنتخات المشتقة …،وكل ما يقوم علي التزامات بتسوية مستقبلية للعمليات، كالعقود بأجل،وسعر العملات …إلخ …بدلا من استثمار رؤوس الأموال المتوفرة في الأعمال أو الخدمات المنتجة (عن رسالة الأطلس، عدد164، نوفمبر1997، ص.13.). وفي مثل هذه الحالات،فإن عمليات البيع والشراء لاتتبعها فورا عمليات تسليم البضائع المباعة أو تسلم بضاعة مشتراة،إذ يكتفي المضارب بائعا كان أم مشتريا بالحصول علي فروق الأسعار.ولا يتبرم المضارب من نشر الشائعات والأنباء الكاذبة، التي تغري بالدخول في حلبة المضاربة، دونما حذر وترو، مما قد يترتب عنه في أحايين كثيرة كوارث محققة.مثل …هذه التصرفات، هناك من يعتبرها جرائم اقتصادية؛لأنها قد تلحق أضرارا بالسياسة الاقتصادية لأية دولة. وهذا هو ما وفر للمجموعات المالية سلطة صنع واتخاذ القرار الاقتصادي والسياسي،الذي لم يعد معه في وسع أية دولة،أوحكومة،أو إدارة أومجموعة مالية أخري التأثير في سلوكات وتصرفات المجموعات المالية.

هذا لأن رؤوس الأموال في وقتنا الحاضر أصبحت تتنقل بكميات هائلة،وبصورة مدهشة ومذهلة في سرعتها،مما عراها ونزع عنها ثوب الصفة والهوية الوطنية. نزع ثوب الهوية هذا، هو الذي فتح المجال للحديث احيانا عما يسمي الآن ب [الكوكب الماليTHE FINANCIAL GLOBE] وكذلك،[’المولنة‘LA FINANCIARISATION] وغيرها من المشتقات علي غرار تعبير’’القرية العالمية‘‘.

 ويمكن رد كل هذه التحولات والتبدلات الي عاملين أساسين ساهما بقسط معتبر في ذلك،هما [السياسة المالية والنقدية]:التي اتبعتها الدول والحكومات منذ سبعينات القرن الماضي التي اعتمدت علي التفكيك التدريجي للقوانين التي كانت تنظم الأسواق المالية والنقدية بفعل ضغوطات الرأسمال،وتحرير سوق العملات والرساميل،والأسهم والسندات،وتعويم أسعار الصرف والفائدة…إلخ… وتطور المضاربات كما أشرنا-الذي تولد عنه ارتفاع أسعار الفائدة،وتحويل جزء كبير من الرساميل التي كانت تضخ في الإنتاج الحقيقي،الي ما اصطلح علي تسميته الآن[الاقتصاد الشكلي]،هذا هو الذي أدي الي تمركز رؤوس الأموال(الرساميل)والمجموعات المالية التي تسيرها وتتحكم في تدفقاتها عبر الحدود الوطنية. وهناك العامل الثاني:كما رأينا- هو التطور الهائل الذي يعرفه[ قطاع المعلوماتية والاتصال] الذي هو الآخر ساهم بقسط معتبر في تفعيل عملية انفجار وتشضي [ الكوكب المالي].حسب بعض التحاليل ؛يوجد هناك إجماع علي أن ربط البورصات بشبكة الإعلام الآلي أو الإنترنت،وهشاشة الاقتصاد العالمي الذي يرتكز علي الجوانب الشكلية وليس المجالات الفعلية الحقيقية(التي هي الإنتاج) عاملان ساهما مساهمة كبيرة وفعالة في حدوث حالة الانهيار واللا استقرار المزمن الذي يعاني منه الاقتصاد العالمي.والأزمة التي يعيشها العالم اليوم لخير دليل علي صحة هذا التصور. ويزداد الوضع ترديا،ببروز ظاهرة [الرأسمال الّلا أخلاقي]،لأن القيام بتفكيك القواعد، التي كانت تنظم وتسير السوق المالية،منذ سبعينات القرن الماضي خلق كذلك نوعا من الشبكات الواسعة الانتشار التي أصبحت بعد ذلك، ودون رادع تقوم بمهام قذرة مثل تبييض الأموال من مصادر المخدرات، وعمليات التهريب،والرشوة،واختلاسات الأموال العامة من الشعوب والأمم الفقيرة.أكثر من ذلك، سمح بتمويل العديد من النشاطات العابرة والمخترقة للحدود الوطنية كتمويل العنف والجريمة المنظمة،والإرهاب،والحروب الأهلية،وغيرها من النشاطات المماثلة.يضاف الي ذلك ثورة التطلعات في الدول المتقدمة، وما يقابلها من حالات الشعور بالإحباط واليأس في البلدان المتخلفة،هذا دون ان ننسي ما يرتبط بذلك من الثورات في التكنولوجيا وفي المعلوماتية وفي المالية،وهو ما يعني حدوث ثورة أخري نفسية، قد لا تقل عمقا وتأثيرا،وهي ما يمكن تسميته ب[ثورة التطلعات] الي مستويات من المعيشة أفضل،في الدول المتقدمة. والشعور باليأس والاحباط في الدول المتخلفة بسبب العجز في اللحاق بركب التقدم وتحقيق مثل هذه المستويات من المعيشة.ويكون ضربا من الخيال و المبالغة اذا قلنا ان الاتجاهات المعاصرة تزحف فقط باتجاه العولمة، والنمطية، والتوحيد.

لأنه توجد اتجاهات أخري معاكسة لذلك.لبروز أعراض خصوصيات الرغبة في التقوقع والانعزال، وحتي الانفصال التي صارت تفرض نفسها علي عدد كبير من المجتمعات، خاصة بعد انقشاع سحب الحرب الباردة وزوال دولة الاتحاد السوفيتي وانطفاءها ! وليس الحال أفضل في الدول الفقيرة، فبعض التقدم الذي عرفته كان ليس إلا سلعة مستوردة،وليس من نسج الإبداع،حيث أن هذا التقدم لم يؤد إلي مزيد من التحرر ومواصلة التطور –لأن الأسباب التي كانت تفعل ذلك في الدول التي سبقتها الي التقدم، أدت في أحيان كثيرة الي عكسها في الدول المتخلفة.ونجد أن الأسباب التي أدت الي تزايد وتعميق الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان في الدول المتقدمة،قد يصاحبها مزيدا من القهر والاستبداد في الدول المتخلفة،ولأن توافر منجزات العلم والتكنولوجيا الحديثة في أيدي من يملكون بزمام الأمور في المجتمعات المتخلفة،قد يتسبب في أبلغ الآثار والأضرار، بل وأفدحها.وتفيد الإشارة في الأخير –الي أن أحد نتائج الثورة العلمية التقنيائية كان هو تضاؤل الأهمية النسبية للموارد الطبيعية، وهذا مما شجع علي الاستخفاف بوجود الدول المتخلفة وفعالية دورها علي مستوي النسق الدولي العام،لتضاؤل أهميتها التي افتكتها لها الجزائر في بحر سبعينات القرن الماضي، بقيادة الراحل هواري بومدين. ثم بعد ذلك، تغلبت النزعة الفردية الأنانية في الإنسان،والمصلحة المادية المباشرة علي سلوكات وتصرفات الأفراد والجماعات.وهذا مما ساهم في تراجع،قيم الوطنية،والشرف،والتضحية،والمجد،والخلود، لأنها أصبحت عملة قديمة ليست ذات قيمة تذكر. وتبوأت مكانها في الصدارة قيم أخري بديلة،مثل نزعات الاستهلاك المادي الفاحش، والمتعة المباشرة. و الغريب في الأمر، هو أن ما أدي الي تزايد الاتصال والمعرفة،هو نفسه الذي أدي الي العزلة والجهل بالوسط الذي يعيش فيه الإنسان،وبالنتيجة تأكد نوع من المزاج العام، صوب الانعزالية والفردانية المتطرفة.

وهنا لا نبوح بسر عن الحاسوب وشبكة الإنترنت،الوسائل التي تفتح امام الفرد إمكانات غير محدودة من المعرفة والمعلومات من أي زاوية في العالم،لكن للأسف نجد أن أي شخص يحصل علي كل ذلك وهو وحيد منعزل أمام شاشته،دون أي اتصال إنساني مباشر.ياله من عالم يتعولم كما هو يتعولم !

المبحث الثالث:آراء ونظريات تدعم التوجه نحو العولمة

كما أشرنا سابقا، فإن العولمة ليست إطارا اقتصاديا فقط وإنما تتحرك علي أسس ودعائم فلسفية وفكرية وثقافية تعتبر هي حجر الأساس الذي تبني عليه النظرية، ولعل تسارع انتشار مفهوم العولمة من خلال فهم و إستيعاب الرسالة الأمريكية ’’أمريكا هي العالم-والعالم هو أمريكا ‘‘ كان نتيجة لانقشاع سحب الحرب الباردة،وانشطار الاتحاد السوفيتي، وزوال الكتلة الشرقية وخروجها من حلبة الصراع والمنافسة العالمية بين الشرق والغرب

ومهما كان ذلك، فإن هناك من يري أن العولمة ما هي إلا ظاهرة ترتبط بفتح (أو انفتاح) الاقتصادات والأسواق الوطنية علي بعضها البعض، مم ينتج اتساع في السوق العالمية،وذلك بظهور فاعلين جدد علي الساحة الدولية بأنضمام دول وشعوب أخري إلي هذه الحركيات النشيطة مثل الصين،والهند وروسيا ومجوعة الدول المستقلة وكل الدول التي كانت تشكل كل من الاتحاد السوفياتي والكتلة الاشتراكية إلي جانب الدول التي انسلخت عن يوغسلافيا،بالإضافة إلي تسارع وهرولة عدد كبير من دول الجنوب للانخراط في هذا النشاط.

كل ذلك كان مرفوقا بانظمام كثير من القطاعات والمؤسسات والشركات خاصة التي تعمل في ميدان الالكترونيات والاعلام الآلي والاتصالات والخدمات المرتبطة بها في السوق الدولية. لأن هذه الظاهرة ارتبطت بالفعل بما يتطلبه وما يفرزه التطور التكنولوجي الذي أدي بدوره إلي إحتدام المنافسة بدخول فاعليين جدد إلي الساحة العالمية.

وهناك رأي آخر يذهب إلي إن العولمة ما هي الا نتيجة تعكس إلي حد ما مدي تطور المهام والأدوار التي تقوم بها الشركات العالمية التي تنشط في المحيط الاقتصادي العالمي، بقوة وبحرية تامة خاصة ضمن البلدان المتخلفة (النامية) وهذا مرده إلي امتلاكها واحتكارها للتكنولوجيات الحديثة واستغلالاتها.

ومهما يكن من أمر، فإن هناك رأي ينبع من موقف ينظر إلي العولمة وكأنها ثمار تطور تاريخي يمر به نمط الانتاج الرأسمالي لتطور قواه المنتجة التي تبرز تطور الفن الانتاجي وتظهر للعيان التطور التكنولوجي الهائل في وسائل الانتاج واستخدامات ال:

 [KNOW-HOW]: البراعة،والمهارة، والحذق، وبالتالي حدوث تأثير علي علاقات الانتاج لمواكبة التطور الجاري،مما جعل التحولات تؤثر في ’’البناء الفوقي‘‘ [LA SUPERSTRUCTURE] الذي يتكون من المنظمات السياسية، والقانون،والثقافة،والفكر، والدين، والأخلاق،والفن إلي آخره.

ولأن ’’المعلومات‘‘ أصبحت هي[الأيديولوجية الفعلية] في الوقت الحاضر،فإنها أصبحت تسعي وراء التغير السياسي،والاقتصادي والاجتماعي والفكري والثقافي..الخ ومهما كان هذا التصور،فإن مثل هذه التحولات الحالية،كانت في السابق في (أو ضمن) عملية التطور التاريخي للمنظومة الرأسمالية، مرورا بمرحلة الكلاسيك /ومرحلة النيوكلاسيك اللتين كانتا تتصفان بميكانيزمات التقليدية الليبيرالية الاقتصادية التي كانت تؤكد علي الحرية الفردية والمنافسة الحرة، بمفهوم ذلك العصر.

المطلب الأول: نهاية التاريخ أم التحررية الجديدة

في كتابة ’’نهاية التاريخ’’ كتب مفكر البانتاغون ذو الأصل الياباني فرنسيس فوكويايا أن الديموقراطية الليبيرالية قد تشكل ’’نقطة النهاية في التطور الأيديولوجي للإنسانية ’’،وإن هذه الليبيرالية السياسية هي ’’الصورة النهائية لنظام الحكم البشري ’’،وبالتالي فهي مثل ’’نهاية التاريخ‘‘ وفي نهاية التاريخ –كما يوضح كتابه المذكورـ ’’ليس من المستطاع أن نجد ما هو أفضل من الديموقراطية الليبيرالية مثلا أعلي‘‘ كما يعني فرنسيس فوكويايا أن ’’الأنباء السارة تطرق الآن أبوابنا‘‘ مشيرا إلي أن أبرز تطورات الربع الأخير من القرن ال20 هي تهاوي النظم الديكتاتورية الشمولية الشيوعية وغيرها. ثم يضيف فوكوياما، زاعما ’’أن المبادئ الليبيرالية في الاقتصاد –أي السوق الحرة -قد انتشرت ونجحت في خلق مستويات من الرخاء المادي لم يعهدها من قبل، سواء في الدول الصناعية المتقدمة،أو في دول كانت وقت انتهاء الحرب العالمية الثانية جزءا من العالم الثالث الفقير. فالثورة الليبيرالية في الفكر الاقتصادي كانت تسبق أحيانا، وأحيانا تتلو، الاتجاه صوب الحرية السياسية لمختلف بقاع الأرض ’’.في إطار ما يسمي بالنيوليبيرالية [THE NEW LIBERALISM] [أو التحررية الجديدة ] التي ليس من المستبعد أن تمس بصفة جذرية كل جوانب الحياة الإنسانية،أفرادا، ومجموعات،وشعوبا، و أمما،إلي هذا الحد أو ذاك. تعتبر الليبيرالية الجديدة هي الأساس النظري للعولمة،نظرة الذين يدعون [THE GLOBAL PLAYER] ويدعون الي سلطة السوق المطلقة،في وقت يظهر فيه للعيان الاندماج العالمي المتواصل للأسواق الوطنية والاقليمية،ورؤية هذاالاندماج، كأنه نظام طبيعي،وتطور حتمي لا مفر منه(*).وبهذا الصدد،نجد ما يفيدنا عند المؤلفين الألمانيين بولسبرغر وكليمنتا لمايكشفانه من مزاعم عن حتمية العولمة،حيث يؤكدان علي أنها نتاج لسياسة الاحتكارات الكبري في الدول الرأسمالية.وبهذه الطريقة يتكشف زيف الكذبات العشر للعولمة،التي تتداول في النقاش اليوم،من خلال ما قدماه في كتابهما المترجم الي اللغة العربية. علي سبيل المثال لاالحصر،نذكر من هذه الكذبات:عدم قابلية العولمة للقيادة والتوجيه،الدولة الاجتماعية مكلفة جدا، العولمة فرصة للتخلص من البطالة،بريطانيا والولايات المتحدة قدوة لخلق فرص العمل،وتحقيق الرفاه،وتربح البلدان النامية من العولمة...وغيرها،،كأن تنتج العولمة تنوعا في كل مكان من العالم.ومع أن الكاتبين اهتما بوطنهما ألمانيا،الا أنهما تجاوزا هذا الانتماء،لمناقشة مصداقية العولمة والسوق،وتجليات ذلك ليس فقط في الدول الصناعية المتقدمة بل في دول الجنوب أيضا (*).

ثم بعد ذلك،يكشف الكاتبان بجلاء ووضوح عن أن كذبات العولمة هي نفسها كذبات السياسة الاقتصادية النيوليبيرالية،وبذلك تتضح الأمور وكأن التاريخ يعيد نفسه،بصورة أو بأخري،فيما يتعلق بالتجارة الحرة،الأسواق الحرة،مع اقصاء متعمد للدولة من النشاط الاقتصادي الاجتماعي بشكل مستمر.لأن الحيز الوطني في عصر العولمة أصبح يضيق بأبنائه، وذلك لأن العولمة تصنع بدله فضاء بحجم العالم(*).لغته الاندماج المتزايد للشركات العالمية العملاقة،فكأن الرأسمالية [ تفترس أبناءها] علي حد تعبير عنوان صدر في باريس،وتمد بعد ذلك العولمة ساقيها الي كل مكان في العالم (*).

المطلب الثاني: ’’صراع الحضارات’’ أم ’’حرب المعرفة’’

لعل [نظرية نهاية التاريخ] التي بادر بها مفكر البانتاغون’’فوكوياما‘‘،ما هي إلا محاولة منه لتأسيس عالم خيالي خال من المنافسة الأيديولوجية وانتصار أفكار العالم الحر من الناحية النظرية أو التطبيقية. ولكن رد صمويل هنتجتون‘‘ [بنظرية صراع الحضارات]التي هي تذكير وتحذير منه بأن التاريخ لم ينته. وأن عصر نهاية الأيديولوجيا لم يحن بعد [لماذا] وذلك ما نكتشفه من قوله أن الغرب بقيادة الولايات المتحدة سيواجه في المستقبل ’’صراعا بين الحضارات، حضارة الغرب مع الثقافة الإسلامية المتحالفة مع الثقافة الكونفوشيوسية’’.علاوة عل ذلك، فإن الاستثمار في التكنولوجيا الدقيقة تمهيدا للسيطرة علي السوق العالمية،وتحسين الأداء الاقتصادي، سيتركز من الآن فصاعدا علي ’’حرب جديدة، يطلق عليها إسم ’’حرب المعرفة ‘ [THE WAR OF KNOWLEDGE …GUERRE DU SAVOIR]‘ و’’البراعة، والمهارة، والحذق ‘‘[THE KNOW HOW]. كما يذهب مفكر الاستشراف المستقبلي الأمريكي [ألفين توفلر]: الذي يملك المعلومة والمعرفة هو الذي يستطيع أن يسيطر علي العالم من خلال إنتاج أشياء عالية الآداء، ورخصية التكاليف،ويتم إنجازها!

 في أوقات قياسية، ولعل مصطلح [حرب الجاسوسية الصناعية] التي اندلعت بين ألمانيا وفرنسا منذ سنوات إلا دليلا علي ذلك. مما حدا بتوفر أن يقدم نصيحة إلي جواسيس الحرب الباردة بأن يستعدوا للخروج من البطالة التي سببتها نهاية الحرب الباردة –والتأهب إلي التحول إلي [جواسيس صناعيين]هدفهم الأساسي هو كشف أسرار الابتكارات والمنتجات بغرض الاستفادة منها وتجاوزها …

إن أحكام السيطرة علي العالم ليس مشروعا سياسيا فحسب لكنه مشروع يتشابك مع الاقتصاد مرورا بالإعلام. ما تقوم به [هوليود] ليس سوى سيرا علي هذا النمط من خلال فرض الذوق والأفكار الأمريكية في قالب إشهاري جذاب يتفوق علي نظيره الأوربي، ولعل ما قاله المخرج الفرنسي جون لوك غودارد لا يخرج عن هذا الإطار: ‘‘تتطرق السينما الفرنسية لمشاكل كبيرة بإمكانيات صغيرة، بينما تتطرق السينما الأمريكية إلي مشاكل صغيرة بإمكانيات كبيرة‘‘، إن سيادة السينما الأمريكية واحتلالها لسماء العالم أصبح أمرا واضحا فرامبوا الأمريكي عبارة عن تجسيد عملي،يرمز لقوة أمريكا وسيطرتها، عبر الفضاء والأرض وما بينهما.وكيفما كانت الهيمنة الأمريكية،فان ذلك هو ما دفع المخرج العربي مصطفي العقاد ليقول: ’’إن الفيلم الأمريكي هو الفيلم العالمي ‘‘ ومما وجعل أيضا، فرنسا لا توقع علي اتفاقية الغات [GATT] الخاصة بإسقاط التعريفة الجمركية علي المنتجات الثقافية.هذه المواقف لم تنبع أو لم تتأسس إلا علي مبدأ [محلية الثقافة].الرأي القائل أن الثقافة محلية وليست عالمية،وهو ما يعني أيضا نسبية الثقافة ومحليتها. وهي نفس العبارة التي واجه بها الرئيس الفرنسي (ميتران) المسؤولين الأمريكيين. ومن أجل تحديد أفضل لأبعاد المسألة سيكون من الملائم الرجوع إلى مفهوم العولمة ومحاولات تعميم تطبيقها علي المستوي الدولي.

 فعلي مشارف القرن الواحد والعشرين 21 احتكر العالم الغربي القوة السياسية والعسكرية، ويحتكر الآن الثروة والتكنولوجيا علي المستوي العالمي،لكن هذا لا يخفي عنا الصراع من أجل السيطرة والتفوق التي تنخرط فيها الاقطاب الثلاثة التي ذكرناها سابقا(أمريكا، أوروبا، واليابان...)، فمصالح هذه الأقطاب لا تلتقي دائما سواء علي المستوي الصناعي، أو التجاري،أو المالي، ومن هنا يأتي أو ينبع عنف كل واحد منها،من أجل غزو وأحكام السيطرة علي الأسواق الخارجية،في العالم غير الغربي، من أجل تقوية كل واحد منها لموقعه الخاص علي المستوى الدولي. هذا وأن ظهور فضاءات اقتصادية واستراتيجية جديدة في العالم غير الغربي يذكي نار المنافسة فيما بينها.

أما العالم الثاني (تجاوزا)، أو البلدان التي لعبت دور إيديولوجية التنمية،ففي سنة (1996) تحدث رئيس برنامج الأمم المتحدة حول التنمية،في حوار مع صحيفة العالم الفرنسية (لوموند) بدقة متناهية عن أن التفاوت بين الدول الغنية والعالم الثالث، يزداد في الاتساع، منددا بأسطورتين الأولي:[أن العالم الثالث يستفيد من نمو مستمر ] والثانية:[أن القطاع الخاص هو الحل المعجزة لمشكلات التنمية]. يقول غوستاف مبات: [هناك أسطورة أولي يجب محاربتها،فحواها أن عالم ينمو بامكانة وبفضل عولمة الاقتصاد، أن يسير من حسن إلي أحسن بقيادة 15 تنينا]ويضيف [في الواقع في أكثر من 100 دولة يقل دخل الفرد اليوم عما كان عليه قبل 15سنة، ومن هنا يعيش ما يقارب 1،6 مليار نسمة في حالة أسوأ من تلك التي كانت في بداية ال1980] [وعلي مدي جيل ونصف …ارتفع التفاوت بين الدول الأكثر غني والدول الأكثر فقرا، في بداية،1960 كان يساوي (1) إلي (30)، بين ال20% الأكثر غني في العالم وال20% الأكثر فقرا، اليوم نجده يساوي من (1)إلي (60) في حين أن الثروة الكلية ارتفعت هي ذاتها بشكل مذهل]بل أن هناك من يقول:[لماذا يهتم العالم الغني بردم ثقب الأزون ولا يهتم بردم الهوة التي تفصل دول الشمال عن دول الجنوب … وإذا كان سبب الثقب هو تكنولوجيا الغرب التي تستعمل (CFCa) الكلوروفليوروكربون،وهي ليست من إنتاج الدول المتخلفة مثلها مثل إنتاج الهوة السحيقة المذكورة التي هي من إنتاج الغرب أيضا].إن العالم النامي اليوم وقع ضحية لأسطورة أخري..فقادته ومسيروه يعتقدون اليوم أن القطاع الخاص هو الترياق العالمي الذي يمكنه أن يدفع بعمليات التنمية إلى الأمام..غير أنه في الواقع،لا يمكننا أن ننتظر من الاستثمار الخاص أن يؤدي هذا الدور بشكل طبيعي، ومن ثم إحداث عالم منصف. لأنه ليس هناك ارتباط وثيق بين حاجات دولة (ما)…وبين الاستثمارات الأجنبية المباشرة الحالية فوق ترابها أما…الخوصصة (الخصخصة) واللبرلة، فهي عبارة عن الكلمات الأولي في قاموس الليبيرالية الجديدة التي برزت إلى الوجود في أواخر القرن العشرين20. الدعوة التي يفهم منها أنها تشجع علي النمو، ولكن الشئ الملاحظ هو أنه مجرد نمو يرافق فقرا مدقعا ولا مساواة صارخة، وبطالة في ارتفاع دائم.

المطلب الثالث:ما هي طبيعة الرأسمالية في الجزائر وفي الوطن العربي؟

 قديما لاحظ آدم سميث نزوع التجار إلي إقامة احتكارات أو شبه احتكارات، ورفع الأسعار،وأن وجودهم (أو مؤامراتهم) حسب تعبيره، كانت في الغالب ناجحة(1)

إن طبيعة الرأسمال الخاص، في كثير من بلدان الهامش (المحيط) وخاصة البلدان العربية، هو إلي حد ما رأسمال غير منتج،وإنما رأسمال تجارة ومضاربة وتمويل والاتجار في السلاح، ووكلاءوسماسرة لبعض الشركات الأجنبية، ويقديم لخدمات أخري.و يمكن لهذه الفئات أن تجني أرياحا طائلة خيالية،وذلك بفضل مركزها الاحتكاري، أو شبه الاحتكاري، و بفضل علاقاتها بالسلطة.وهذا مما ساعد علي تفاقم سوء توزيع الثروات والدخول.فمن المعروف مثلا،أن أغني أغنياء العرب وأثريائهم ليسوا بناة مصانع أو مستصلحي أراض زراعية، وإنما تجار سلاح ووكلاء لشركات أجنبية و سماسرة.

 ومهما يكن من أمر، فإن هذا التصرف لا يجعلنا ننكر أن التجارة كانت ومازالت تقدم خدمات جمة منها إتاحة فرصة الحصول علي السلع في المكان والزمان المناسبين، ولكن هذه الخدمات لا تساهم في زيادة الطاقات الإنتاجية، إلا بعد استعمال الأرباح الناجمة عن التجارة،في الاستثمار في قطاعات الاقتصاد الحقيقي وليس الشكلي كما سبق وأن بينا، أي القطاعات المنتجة مثل الزراعة أو الصناعة. علاوة علي ذلك،نجد أن الأرباح الكبيرة التي يجنيها التجار نتيجة مركزهم شبه الاحتكاري تفوق جدا قيمة الخدمات التي تقدمها هذه الفئات التي تتحكم بزمام أمور الاقتصادات الوطنية.

بالإضافة إلي الإنعكاسات السلبية لتسارع عملية العولمة علي بلدان التخوم خاصة.أحدثت التحولات الجارية في العالم،التي ترتبط بظاهرة العولمة والنظام العالمي الجديد، اهتماما لا نظير له في بلدان العالم الثالث (الجنوب حاليا)، وجدلا نشيطا حول مدلولات و مضامين هذه المفاهيم المستجدة.ومبعث هذا الاهتمام هو أن الدول الهامشية في مجموعها هي إحدى أجزاء هذا العالم، التي مازالت تعاني في معظمها ظاهرة الفقر والتخلف وعدم التكافؤ و اللامساواة. لذلك كله، فإن التغيرات التي تريد أن تفرزها عملية العولمة حالا ومستقبلا أحدثت صدى عالميا،وأثرا في الفكر والممارسة. ولم يكن الوطن العربي والجزائر بمعزل عن هذه الاهتمامات العالمية، إذ يبدو أن الفكر العربي عامة،يظهر نوعا من الحيوية والنشاط، في تناوله ومناقشته لهذه التغيرات المستجدة،محاولا ابراز معالم ومضامين العولمة، سواء بالنسبة لمستقبل دول الجنوب أو بالنسبة للعرب، مما أنتج تخوفا من أن هذه التغيرات الجديدة، جاءت لتدعم وجهة نظر المنادين بالرأسمالية الليببرالية، التي من المحتمل أن تصحب معها متاعب جديدة للدول الفقيرة كل عاي حدة،أو تصيب بضرر فادح الأطراف الأضعف في مساومات نسيج العلاقات الاقتصادية الدولية،والاقتصاد العلمي، نظرا لارتفاع أسعار الفائدة،الذي يضاف إلي تفاقم أزمة المديونية وأعباء خدماتها. ومن سوء طالع هذه البلدان أن هذا التحول يتزامن مع انحدار قيمة وأهمية محاصيلها النقدية من الزراعة،المواد الخام التي تعتبر بحق مصدر دخلها الوحيد الذي عولت عليه كثيرا في تغطية تكاليف المعيشة والتطوير والتنمية واصلاح عجوزات موازين مدفوعاتها.

 ومادام أن علم الاقتصاد هو علم إدارة وتسيير الموارد النادرة المحدودة،من أجل إشباع أفضل للحاجات الإنسانية غير المحدودة،فهل يعني هذا أنه مهما تقدم علم الاقتصاد فإنه سيبقي عاجزا عن إشباع الحاجات الإنسانية المتزايدة ؟ منطقيا،تكون الإجابة علي هذا السؤال إيجابية، يعني أنه لا يمكن بلوغ متطلبات الحاجات مهما تقدمت العلوم والتكنولوجيا وتحسن تنظيم وتسيير الموارد المتاحة، لأن الوفاء بالحاجات الراهنة يخلق بذاته حاجات أخري جديدة متجددة وهكذا … و لكن يتعين علينا أن نطرح السؤال بصيغة أخري: هل يمكن للإنسانية إذا ما عقدت العزم علي، توحيد جهودها، وتخلصت من تناقضاتها، واعتمدت علي بعضها اعتمادا متبادلا متماثلا،وتكاملت أعمالها وأنشطتها، أن تحسن من مستوي إشباع حاجاتها؟ الاجابة علي هذا السؤال ستكون إيجابية أيضا:ومن هنا نجد أن السبب الفعلي في مطالبة دول عدم الانحياز بقيادة الجزائر‘‘ بضرورة قيام نظام اقتصادي دولي جديد،يسمح ويتيح لكل دولة- السيادة علي ثرواتها ومواردها مما يسمح بتحقيق التعاون في خدمة الانسانية جمعاء‘‘. غير أن تحقيق ذلك ليس بالأمر السهل أو الهين:ما دامت - كما يقول روبرت جيلبين [RADERT GILPIN] أحد مؤسسي علم الاقتصاد السياسي الدولي، في كتابه قوة الولايات المتحدة والشركات المتعددة الجنسيات:الاقتصاد السياسي للاستثمار الأجنبي المباشر (نيويورك:الكتب القاعدية،1975 )،ص. 40. [العلاقات الدولية، تعني التفعيل،الحركي والمتبادل بين السعي وراء الثروة،والبحث عن القوة، لأن العلاقات الاقتصادية الدولية القائمة من صنع عوامل اقتصادية وكذلك عوامل سياسية]. وإذا كان تعريف السياسة أنها مجموعة العلاقات خارج لعبة السوق، التي تسهم في تحقيق أهداف جماعية باللجوء إلي القوة سواء كانت مشروعة أم غير مشروعة، والعنف أو الإكراه المادي، التنظيمي أو المؤسساتي.

 وكيفما كان ذلك، فإن هذا النمط من السياسة هو الذي يمارس اليوم باستمرار في مجال العلاقات الدولية، وأصبحت القوي العالمية تكيل بمكيالين، من خلال المؤسسات الدولية السياسية كمنظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن،والاقتصادية كصندوق النقد الدولي،والبنك الدولي للانشاء والتعمير، والمنظمة العالمية للتجارة. وبتأثير السعي، وراء أهداف القوة والهيمنة تحدث اليوم مزاوجة للاقتصاد مع السياسة من أجل خدمة أغراض عولمة الاقتصاد والسياسة الدولية،من قبل الذين كانو أنفسهم يدعون بالحاح لابعادهما عن بعضهما علي المستوي الدولي. وينطبق علي العلاقة فيه بين الدول المتقدمة والدول الفقيرة تماما ما ينطبق علي العلاقة بين مالكي وسائل الإنتاج من جهة والطبقات الكادحة في المجتمع الواحدمن الجهة الأخرى.

ويكاد يجمع علماء الإعلام في العالم، علي صعوبة التنبؤ بنتائج وتداعيات عولمة قطاعاتهم. أي الإعلام الذي يملك استخدام الوسائل والإمكانات،التي لم تكن موجودة من قبل، وأصبح الاتصال بفضلها يتم بشكل أسرع، وأقل تكلفة، وأكثر تنوعا وشمولا. مما جعل المجتمعات المعاصرة تطرق أبواب حضارة من جديدة هي حضارة المعلومات أو[ مجتمع المعلومات]، وذاك بفضل الأقمار الصناعية،والقنوات الفضائية،والأنترنت،والنظم المعلوماتية،التي يعمل معظم أبنائها، في انتاج منظومات فكرية، التي يعاد من خلالها تشكيل الهندسة الفكرية،بواسطة انتاج، وتوزيع وترويج تكنولوجيا المعلومات.حيث ترسخ مبدأ [لامادية الاقتصاد ]،حسب تعبير المفكر العربي مهدي المنجرة؛وفي مرحلة المجتمعات ما بعد الصناعية، حسب تعبير المفكر الأمريكي ألفين توفلر، ودانيال بيل،وآلان توران،يري هؤلاء أن العالم مقبل علي مرحلة من تطوره تحتل فيها المعلومات قيمة أعلي بين عناصر الانتاج الأخري.لأن عنصر العمل أو المورد البشري ( الرأسمال الحقيقي)، ورأس المال،والطاقة وغيرها من المواد الخام بدأت تتراجع أهميتها، مقابل قيمة المعلومات، في ظل انتشار المعرفة والتجديد المعرفي والمعلوماتي. إذ يقدر العلماء أن المعرفة العلمية تتضاعف بمعدل مرة كل (7)الي(10)سنوات. الواقع أن الآمر الذي يشهد به الجميع حاليا،هو أن هناك تدفقا للمعلومات والأخبار والبرامج بين مركز العالم وأطرافه. وأن هذا المركز هو الولايات المتحدة التي تتزعم العالم بلا منافس حقيقي، بسبب تحقيق السبق في هذا الميدان،وأن الأطراف أي بقية بلدان العالم،تتسابق الآن من أجل احتلال مواقع في سلم القوة،الذي يتحدد بقدرتها علي انتاج حقيقي لمصادر القوة المعلوماتية. وبما أن الجزائر والبلدان العربية يحتلان حاليا موقع المستهلك والمتلقي، في هذه الحضارة الجديدة،جاء موقعها متدنيا في سلم القوة المعلوماتية. فيما انتفت عمليا مفاهيم السيادة التقليدية بالنظر الي ازدياد الاختراق الإعلامي المتنامي،كما سنري في المحث اللاحق.

المبحث الرابع: العولمة والسيادة الوطنية:ما مصير سيادة الدولة -الأمة ؟

باختصار مكثف،إن زيادة الترابط والتشابك والتداخل فيما بين الفاعلين الاقتصاديين علي المستوي العالمي،الذي تعمق بفضل صنع،و قيادة، وتوجيه الشركات العملاقة،دولية النشاط، العابرة للقارات.وعلي ضوء،ما تطلبته من تحرير متزايد للاقتصاديات الوطنية المحلية،من أجل توفير حرية أكبر لتدفقات السلع،والخدمات،ورؤوس الأموال، والسعي لإزالة الحواجز الجغرافية والجمركية. هذا أدي تدريجيا،إلي ظهور نوع من التناقض الصارخ الذي أصبح يتزايد فترة بعد أخري…[العولمة والسيادة الوطنية]،وهو ما يمكنه أن يسبب كثيرا من الحرج بل والصعوبات الجمة لكثير من الحكومات في الدول المضيفة؛ خاصة فيما يتعلق بضبط وتسيير الأمور الداخلية في نطاق الحدود الجغرافية.علي سبيل المثال أصبح من الصعب علي البنوك المركزية مراقبة وتوجيه السياسة النقدية داخل أي بلد. وعدم جدوى السياسة الوطنية التي تتعلق بمواجهة صعوبات ومشاكل تقلبات الدورات الاقتصادية،أمام انفتاح الاقتصاد علي السوق الدولية (وحدانية السوق). وانتقال بعض المهام التقليدية للدولة –إلي الشركات العالمية،كالبريد والاتصالات وحتى الأمن …الخ إن النمو المتزايد لعولمة النشاط الاقتصادي الوطني، وجعله جزء لا يتجزأ من النشاطات الاقتصادية العالمية، يفترض نظريا القبول بالانتقال التدريجي للمهام التنظيمية والإدارية والتسييرية، ونقل السياسات من بينها الوطنية، منذ نشأة الدولة –الأمة إلي إطار عام،علي المستوى العالمي.وذلك يعني رضاء ممثلي الدول والشعوب بالتنصل من أو التخلي عن جزء لا يستهان به من السيادة الوطنية، لمصالح كلية الاقتصاد العالمي، كنسق عام يتألف من أجزاء مترابطة متفاعلة يعتمد بعضها علي البعض الآخر،وأي تأثير في جزء منه يؤدي إلي التأثير في بقية الأجزاء قل أو كثر إيجابا أم سلبا. وهذا ما يتطلب كما وضحنا ذلك سابقا ضرورة إدراك ما يدور علي الساحة الاقتصادية الخارجية،أو من ناحية التطور التكنولوجي،ومقتضيات الصناعة الحديثة،فلم يعد يقتصر الأمر هنا علي مجرد علاقات اقتصادية بين الدول، بل إننا بدأنا نري بزوغ عصر الاقتصاد الدولي أو العالمي، وتري [برتران بادى BERTRAND BADIE] في كتاب [نهاية الأقاليم] إن العولمة تحدث من بين ما تحدثه،هو إضعاف الدولة- الأمة المحددة با قليم (ما) لصالح (دياسبورات) (طوائف مشتتة)،وشبكات، وولاءات متعددة.،ضمن هذا السياق نفسه،تسائل البعض عن مصير المواطنة كما تصورها الناس، منذ القرن التاسع عشر في أوروبا. حيث كان في النموذج الجمهوري للقرن القرن التاسع عشر ولاء المواطنة من حيث الترتيب الأعلي علي كل أشكال الولاءات الأخرى، فقد كان الفرد أولا مواطنا ثم تأتي الخصائص الأخري لهويته، لأن الدولة- الأمة التي نجحت في كسب رهان المواطنة في شكله الكلاسيكي لا تستطيع تحقيق نفس الانتصارات داخل سياق[العولمة].

ما يدعوا للحيرة والقلق اليوم، هو أن الدولة –الأمة ليست متكيفة كلية مع معطيات العالم الحديث. فالعولمة إذن هي الانفتاح والارتباط المتبادل، فهما في نفس الوقت هندسيات متغيرة،والدولة لم تعد هي المقياس الوحيد للمشاركة السياسية، وبتعريف التعايش إن المناطق الكبري في العالم أصبحت أماكن يتم فيها هذا الارتباط،هذا التبادل، وهذا الانفتاح،ويمكن لمشاركة المواطنين بداخلها أن تتجدد.

الخاتمة:

 وخير ما نختم به هذه الدراسة [أيضا] هو طرح هذه الإشكالية:ما الفرق بين الاعتماد المتبادل والعولمة؟هذا السؤال يلفت نظرنا الي ظاهرة تحدي العولمة لبلدان الجنوب (التخوم أو الهوامش التابعة أو العالم الثالث…إلخ) خاصة.وبالتالي النظر مليا في مقولتي الاعتماد المتبادل المتماثل والإعتماد المتبادل غير المتماثل.وهل العولمة الآن تتم علي أساس من هذا أو ذاك؟والحقيقة؛أنها إذا ما تمت أي العولمة من منظور مصالح دول المركز المتقدمة الغنية القوية فإنها قد تبقي علي وضع الاعتماد المتبادل المتماثل للقيام بالمعاملات فيما بينها،وعلي وضع الاعتماد المتبادل غير المتماثل في عمليات إجراء صفقاتها مع دول التخوم المتخلفة الفقيرة الضعيفة تجاوزا السائرة في طريق النمو، إن لم نقل أنها ستعمقه.

 وعلي كل، وفي حالتما إذا أريد لهذه العولمة أن تتم علي أساس من الاعتماد المتبادل المتماثل الشامل؛ففي هذه الحالة يتعين علي كل أطراف المجتمع الدولي أي كل الفاعلين الدوليين سواء من الشمال أو من الجنوب علي حد سواء، أن تدعم آليات وميكانيزمات التعاون،وتكثيف كل الجهود بغية ردم الهوة السحيقة التي تفصل بين المجتمعات التي تزداد غنا وقوة، وتلك التي تزداد فقرا وضعفا.وذلك لكي تقوم العلاقات بين الأفراد، والشعوب،والأمم علي أسس متكافئة ومن ثم عدالة توزيع مكاسب التقدم والنمو والازدهار،وقديما قالت العرب [إن العدل أساس العمران] لأن العدل مطلب إنساني دائم،ومازالت البشرية تنشده منذ فجر التاريخ،ومعارك المطالب الاجتماعية مازالت متأججة حتى الآن في كل زاوية من المعمورة،وسيري هذا القرن؛أي الألفية الثالثة ما هو مصير هذه المعارك؟

 هذا التصور لا يحجب عنا حقيقة أن العولمة كظاهرة متسارعة الظهور والنمو والانتشار والتعميم يمكن أن تكون [موضوعية] لأنها تتم الآن بتحد تحت غطاء ولواء قيادة التصور والفكر النيو-ليبيرالي[NEW-LIBERALISM] وهو في طبيعته ومفهومه تصور وفكر يقوم علي تعميم نمط أو نموذج سياسي،اقتصادي،واجتماعي وثقافي يقدس المصلحة الفردية،ويمجد منطق المكاسب والأرباح.في نفس الوقت يحث علي تفعيل ميكانيزمات تفعل فعلها في تفكيك الروابط الاجتماعية،ويختزل فكرة التضامن والمصالح المشتركة المتبادلة، والتعاون فيما بين الأفراد والشعوب والأمم- من قاموسه ومن ثم،إذا [لم] تكن هذه العولمة تتضمن تباشير التقدم والنمو والتطوير الاقتصادي للبلدان الهامشية المتخلفة والفقيرة خاصة،فإنها لا محالة –لاتقضي علي الفوارق بين قوي المركز وبلدان التخوم بل ستعمقها.

لذلك كله،فالسؤال الأخير في هذه الورقة هو:هل من عولمة غير هذه العولمة؟هل من عولمة ستكون في صالح كل الأفراد،والجماعات،والشعوب،والأمم؟باختصار مركز[عولمة عادلة] تأخذ بعين الاعتبار علاقة الإنسان بأخيه الإنسان.وإلا ما قيمة حقوق الإنسان التي تتغنى بها شعوب المعمورة صباح مساء إذا لم تكن حقوقا في السلطة،وفي الثروة،وفي العلم والمعرفة –ما هو معناها إذن؟هذا ما طمح اليه هذا العمل دون كبير عناء وادعاء!

............................

هوامش:

(*) أنظر كتاب: ج.بوكسبر غر وه.كليمنتا،ترجمة د.عدنان سليمان،الكذبات العشر للعولمة:بدائل دكتاتورية السوق (دار الرضا للنشر،1999).

(1)RALPH MILIBAND, THE STATE IN CAPITALIST SOCIETY: THE ANALYSIS OF THE WESTERN SYSTEM OF POWER (LONDON: QUARTET BOOKS,1973).

..........................................

المراجع الأساسية:

 مرتبة حسب أولوية وكثافة الاستعمال وليس حسب الحروف الأبجدية

قائمة مراجع يجد فيها الطالب أيضا مواضيع في الأنظمة السياسية للإمبراطوريات الاستعمارية،وسياسات الاندماج السياسي والاقتصادي والاعتماد المتبادل،والإمبريالية الاقتصادية،والتبعية،بالإضافة الي بعض التوقعات المستقبلية(في الماضي طبعا)حول مستقبل النظام الاقتصادي العالمي.المادة العلمبة للفصل الخامس في أغلبها مأخوذة عن المصادر التالية:-

 JOAN E. SPERO, THE POLITICS OF INTERNATIONAL ECONOMIC RELATIONS (1985).هذا العمل يغطي الجوانب الاقتصادية من العلاقات الدولية

 Karl W. Deutsch, THE ANALYSIS OF INTERNATIONAL RELATIONS (NEW JERSEY: PRENTICE-HALL, 1978), Chapter 19.تحليل العلاقات الدولية هو الآخر يغطي الجوانب السياسية من العلاقات الدولية

 HAAS, E.G., THE WEB OF INTERDEPENDECE (NEW JERSY: PRENTICE, 1970).

 بول.أ. سامويلسون،ترجمة د.مصطفي موفق،علم الاقتصاد(6): العلاقات التجارية والمالية الدولية (الجزائر: ديوان المطبوعات الجامعية،1991).

 د.جورج قرم، التبعية الاقتصادية:مأزق الاستدانة في العالم الثالث في المنظار التاريخي(بيروت:دار الطليعة،1986).

 ----------،العلاقات الاقتصادية والمالية العربية –الأوروبية 1960-1987 حصيلة وآفاق(بيروت:مركز الدراسات الإستراتيجية والبحوث والتوثيق،1994).

 بول أ. باران وبول م.سويزي، رأس المال الاحتكاري:بحث في النظام الاقتصادي والاجتماعي الأمريكي،ترجمة:حسين فهمي مصطفي(الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر المطبعة الثقافية،1971)

 د.عبد الرحمن يسري أحمد،الاقتصاد الدولي(السكندرية:كلية التجارة –دار الجامعات المصرية،عدة طبعات منذ 1973).

 د.سمير أمين/ ت.حسن قبيسي،التراكم علي الصعيد العالمي: نقد نظرية التخلف(بيروت: دار ابن خلدون،ط2،1978).

 د. محمد زكي شافعي،مقدمة في العلاقات الاقتصادية الدولية(بيروت:دار النهضة العربية،1970).

 هاني-بيتر مارتين وهارولد شومان،صدر بالألمانيةفي1996،ترجمة عدنان عباس علي،تقديم ومراجعة د.رمزي زكي،فخ العولمة:الاعتداء علي الديمقراطية والرفاهية(الكويت:سلسلة عالم المعرفة،نشر في أكتوبر1998).

 د. محمد عبد العزيز عجمية، الاقتصاد الدولي(الإسكندرية:دار الجامعات المصرية،1977).

 ج.بوكسبر غر وه.كليمنتا،ترجمة د.عدنان سليمان،الكذبات العشر للعولمة:بدائل دكتاتورية السوق (دار الرضا للنشر،1999).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 21/حزيران/2009 - 23/جمادى الآخرة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م