شبكة النبأ: من السجايا العظيمة التي
ميزت الانسان عن غيره من الكائنات الحية هي سجية الانتاج بنوعية المادي
والفكري.
حيث يسعى الإنسان دائما وأبدا وبصورة قسرية الى تحقيق ذاته، فهو غير
مخيّر أبدا في هذا الجانب، إذ تدفعه سجاياه وملكاته لتحقيق شروط الذات
من اجل ان يشعر بأنه كيان منتج له بصماته ودوره في هذه الحياة، ولعل
هذا الامر هو الذي جعل من الانسان كائنا باحثا وساعيا الى الانتاج بشكل
دائم.
من هنا اصبح العمل شرطا انسانيا هاما، لدرجة ان فقدان العمل
والانتاج بأنواعه يعني تهميش الانسان ووضعه في خانة الفائضين عن الحياة،
وبكلمة أدق سينتمي الى صنف الاموات الذين لا دور لهم في تحقيق الذات
الانسانية من جانب ولا دور لهم في تحقيق قفزة ما في نمو الحياة وتطورها
من جانب آخر، ولعل هذا التهميش وهذا الفقدان لدور الانسان الانتاجي
ينبثق من حدوث الفراغ المزمن حيث يعجز الانسان عن ملئه تحت اسباب قد
يعجز عن حصرها او تحديدها او حتى عن معالجتها، لهذا السبب يُعدّ الفراغ
الفائض او المزمن من اخطر الامراض التي تواجه الانسان فردا كان او
جماعات!.
لذا تطفو على السطح أهمية تنظيم الوقت، فلا إسراف في إضاعته ولا
تقتير في الافادة منه، بمعنى أن الانسان لا يجب ان يكرّس وقته كاملا
للعمل العضلي او الفكري او الانتاجي بصورة عامة ودائمة ولا ينبغي له ان
يقتل وقته في اللهو والخمول والتسكع وما شابه، فالموازنة هنا يجب ان
تميل الى كفة الانتاج على حساب الترفيه، او بمعنى آخر ينبغي ان تكون
هناك عملية تنظيم دقيقة لاستثمار الوقت وتوظيفه في جانبي العمل
والانتاج من جهة والترفيه والترويح من جهة ثانية.
ولعل هذا السبب الذي يقف وراء تلك القاعدة الجميلة التي تقول (نظِّم
وقتك يتَّسع)، وهنا ستشعر أن لا إسراف ولا تبذير في الوقت على امور
لاتستحق الاهتمام والعناء، كما انك ستتلافى حالات الاجهاد والانهاك
المتأتية من الغوص عميقا في تفاصيل ودقائق العمل، وكلنا او معظمنا
يتذكر ذلك الطفل الياباني الذي يبلغ من العمر اربعة عشر عاما، حيث
وجدوه بعد ثلاثة ايام متواصلة من التعاطي مع الحاسوب والانترنيت ميتا
على كرسيّه، وهذا يعد نوعا من الاسراف في التعامل مع الوقت .
ولعل هذا الفصل الذي نعيشه الآن (الصيف) من الفصول المتخمة بالفراغ
لاسيما بالنسبة لشريحة الطلاب بجميع مراحلهم، حيث ينتهون من معاناة سنة
دراسية متعبة ليجدوا أنفسهم في ظل فراغ قاس وكبير في الوقت نفسه، وقد
ذكرنا سابقا ان الفراغ المزمن (أي الذي يستمر اياما او أسابيعا وربما
شهورا) هو من اخطر انواع الفراغ كونه يهمّش دور الانسان في الحياة
ويدمّر ثقته بنفسه، أما إذا تحدثنا عن الطالبات فإن الطامة ستكون أكبر،
ولذلك تتضاعف هنا أهمية تنظيم الوقت ومحاولة توظيفه بالطريقة المثلى
لصالح الانسان، بمختلف أعماره او أعماله.
ويمكن ذلك من خلال التعاون والتخطيط من لدن ذوي العلاقة سواء الجهات
الرسمية او المحيط العائلي او التربوي او الجهات الدينية وما شابه ذلك
من اجل رسم سياسة عملية قابلة للتطبيق لغرض امتصاص الفراغ من خلال
الاستثمار الامثل لطاقات الشباب وغيرهم.
كما إن الاستفادة من النصائح والاحاديث الشريفة والتوجيهات
التربوية والدينية في هذا الصدد يمكن أن تجد حلا للفرد ولو كان في حدود
معينة وتبعا لجهود الشخص نفسه وطبيعة وعيه وافكاره، بمعنى ان على
الانسان ككيان قائم بذاته ان يبادر للبحث عن الحلول، ولا يستسلم لسطوة
الفراغ بشكل كلي، وهنا يحضرنا قول للامام علي ابن ابي طالب (ع) يقول
فيه: (للمؤمن ثلاث ساعات : فساعةٌ يناجي فيها ربّه، وساعة يرمُّ فيها
معاشـه، وساعة يخلّي بين نفسه وبين لذّتها فيما يحلّ ويجمل).
وأضافت بعض الأحاديث ساعة اُخرى للقاء الاخوان الثقاة الذين
يعرفوننا بعيوبنا، وهذا يدخل ضمن عملية التحاور المطلوبة لمناقشة
واستظهار الاخطاء ومعالجتها وتنمية النجاحات وتبادلها بين الافراد لدرء
خطر الفراغ الذي غالبا ما يشكل عبئا ثقيلا على نفسية الانسان ويحد من
طاقاته ويضعف مواهبه وبالتالي يجعل منه طاقة مهدورة كان يمكن ان
تُستثمَر على نحو أفضل، فتصب في صالح الفرد والمجتمع معا.
وأخيرا نقول ان تنظيم الوقت يمكن أن يقدّم لنا الفوائد التالية :
1 ـ سعة في الوقت غير معهودة قبل التنظيم .
2 ـ يطرد عنّا التشويش والفوضى التي نعيشها في تداخل الأوقات.
3 ـ يمنحنا شخصية محترمة من قبل زملائنا وأصدقائنا والمحيطين بنا .
4 ـ يجعلنا نعيش حالة من الرضا النفسي والسعادة الذاتية بما أنجزنا
.
5ـ يجعلنا نتحكّم بالوقت ولا نترك الوقت يتحكّم بنا . |