تزوير الشهادات في العراق مشكلة متفاقمة تواجه السلطات وتهدد المجتمع

 

شبكة النبأ: "زوّرتُ شهادة اعدادية في عام 2006 لأتعيّن بها في احدى الوزارات بعد فشلي مرتين باجتياز الامتحان الوزاري". هكذا قال مصطفى… الذي أضاف بنبرة حزن، انا الآن موظف ومستحقاتي مماثلة لأقراني من ذوي الشهادات الرسمية، لكنني اشعر بالندم في أحايين كثيرة بسبب عدم أصولية شهادتي.

مصطفى… ليس الوحيد الذي ينتابه هذه الشعور، فهناك آلاف مثله يشعرون بالذنب، وبالخوف ايضا من احتمال اكتشافهم، وأصبحوا يمثّلون مشكلة متفاقمة تواجه السلطات الحكومية وتهدد المجتمع العراقي.

فبحسب احصاءات لديوان الرقابة المالية لسنة 2008 تم اكتشاف اكثر من ألف شهادة مزورة في مديرية واحدة تابعة لوزارة التربية.

أثرت هذه الظاهرة، التي بدأت في تسعينيات القرن الماضي اثر التدهور الاقتصادي الذي شهده العراق الرازح آنذاك تحت وطأة حصار دولي شامل وتفاقمت بعد انهيار الدولة العراقية اثر الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، على سمعة شهادات الجامعات العراقية المشهود لها بالرصانة الاكاديمية، ولذلك قامت الحكومة الحالية من جانبها بإجراءات مضادة لم تستطع الحدّ منها، ونفذت مطلع آذار مارس الماضي عملية امنية واسعة اسفرت عن اعتقال المئات من المزورين “الذين يرتبط معظمهم بمنظمات ارهابية”، بحسب مصادر امنية.

يعترف (ابو نوفل) وهو الاسم الوهمي لأحد المزورين في منطقة الزعفرانية شرقي العاصمة بغداد، بأنه واحد ممن يساعد الباحثين عن شهادات دراسية حسب الطلب، ويقول بشيء من الاعتداد “لقد كنت أزوّر في اليوم الواحد خلال السنوات 2003 - 2006 اكثر من اربع شهادات غير ان الوضع قد اختلف بعد عام 2007 وبات باستطاعتي تزوير اضعاف هذا العدد يوميا.

وأظهرت احصائية لمنظمة التعليم العالمي، وهي منظمة دولية لها مقر في بغداد داخل المنطقة الخضراء، نسب تزوير الشهادات في محافظات العراق خلال عامي 2007 - 2008، واحتلت فيها محافظة البصرة الواقعة في أقصى الجنوب المركز الاول بواقع تزوير نسبته 19% تلتها العاصمة بغداد بفارق نصف درجة. وكانت اقل المحافظات نسبة هي محافظة المثنى الواقعة جنوب غربي العراق التي بلغت نسبتها 2% . في حين لم يشمل التقرير المحافظات الثلاث في إقليم كردستان العراق، وهي اربيل ودهوك والسليمانية الواقعة في شمالي البلاد. وهناك جهات رسمية كوزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي والبحث العلمي اعترفت بهذه الظاهرة.

واتهم محمد العزاوي الخبير في وزارة التربية في تصريح لوكالة اصوات العراق بعض الجامعات الاهلية “بتعاونها مع المزورين فلا تصدر كتبا رسمية لوزارة التربية لغرض تصديق صحة صدور الوثائق”.

وقالت سهام الشجيري مديرة المكتب الإعلامي لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي ان الوزارة اعتمدت نظاما الكترونيا للكشف عن شهادات الطلبة المزورة.

واضافت ان الوزارة ستتخذ “اجراءات صارمة بحق الطلبة المتورطين بالتزوير”، مبينة أن الطالب الذي تثبت عليه قضية تزوير شهادته سيفصل ويحال الى القضاء ويحال الموظفون المزورون الى لجنة النزاهة.

وكان وزير التعليم العالي والبحث العلمي عبد ذياب العجيلي قد صرح (يوم 22/2/2009) أنه تم رصد 1393 شهادة مزورة للعام الدراسي 2006-2007 و1374 للعام الدراسي 2007- 2008- و75 للعام 2008-2009″، منوها إلى أن العمل يتواصل لتدقيق شهادات الطلبة وكشف أية حالة تزوير أو تلاعب فيها.

وبحسب الوزير فإن أن الحصة الأكبر من الشهادات المزورة المكتشفة كانت من نصيب الجامعة المستنصرية ببغداد وبواقع 228 شهادة.

وهناك من يتهم بعض اعضاء مجالس المحافظات (القديمة والجديدة) وبعض الحاصلين على مناصب حكومية بأنهم متورطون بتنظيم شهادات مزورة لغرض البقاء في مناصبهم والحصول على امتيازات هذه المناصب.

وكانت هيئة النزاهة أعلنت في تشرين الثاني نوفمبر الماضي قبل الانتخابات المحلية الماضية لانتخاب أعضاء مجالس 14 محافظة عراقية غير منتظمة في إقليم التي جرت في 31/1/2009 أنها شكلت 14 فرقة من المحققين والتحريين للتحقق من صحة صدور الشهادات والوثائق الدراسية المقدمة من المرشحين لانتخابات مجالس المحافظات غير المنتظمة بإقليم، لضمان نزاهة الانتخابات وعدم التحايل فيها. ثم أعلن عن رصد حالات تزوير شهادات قام بها مرشحون في عدة محافظات.

وأوضحت النائبة امل القاضي، وهي عضوة بلجنة النزاهة في مجلس النواب، أن التزوير “أصبح ظاهرة استفحلت في جميع وزارات ومؤسسات الدولة”. وقالت “إن الموضوع لا يخص وزارة بعينها”.

واضافت ان “لجنة النزاهة تتابع مسألة الشهادات المزورة وتبلغ بها جميع الوزارات التي يعنيها هذا الامر”.

وتزوير الشهادات العلمية غير مقتصر على وزارة واحدة فبين الحين والاخر تعترف احدى الوزارات باكتشاف اعداد غير قليلة من الشهادات المزورة لكن يرى بعض المراقبين ان العقوبات التي تطال هؤلاء المزورين غير كافية لردع الاخرين من القيام بالعمل نفسه سعيا للحصول على الامتيازات.

وللحد من هذه الظاهرة أصدرت الأمانة العامة لمجلس الوزراء في 30/3/2009 قرارا بتشكيل لجنة لتدقيق الشهادات الدراسية برئاسة رئيس ديوان الرقابة المالية وعضوية ممثلين عن هيئة النزاهة العامة والمفتش العام لوزارتي الخارجية و وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، تتولى اتخاذ الإجراءات اللازمة لقيام الجامعات والمعاهد العراقية بنشر أسماء خريجيها على مواقعها الالكترونية ابتداء من سنة 1990 فصاعدا بموجب ضوابط محكمة تعدها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بالتعاون مع دائرة المفتش العام فيها للتثبت من صحة صدور الشهادات الدراسية عنها. بحسب تقرير اصوات العراق.

وأشار القرار الى تولي مكتب القائد العام للقوات المسلحة التنسيق مع اللجنة لتدقيق شهادات منتسبي وزارة الدفاع والداخلية مع التأكيد على قيام مجلس القضاء الأعلى بالتعاون مع هيئة النزاهة العامة لاتخاذ الإجراءات القانونية بحق كل من زور شهادته الدراسية لأغراض التعيين بعد ان ترفع الجهات الرسمية أسماء المخالفين الى هيئة النزاهة العامة و يتم إسترداد كافة المبالغ والامتيازات التي كانوا قد حصلوا عليها.

يقول عبد الحسين العنبكي، وهو من مستشاري رئيس الوزراء نوري المالكي، ان “معاقبة الموظفين الذين يعملون في دائرتين حكوميتين وعدم السكوت عن المتورطين في ملف تزوير الشهادات، هو جزء من خطة للقضاء على الفساد الاداري التي تعمل الحكومة في سبيل السيطرة عليه”.

من جانبه أوضح رئيس لجنة التربية والتعليم في مجلس النواب علاء مكي أن لجنته مهتمة بهذا الموضوع “لحساسيته وتأثيره على الادائين العلمي والوظيفي”، وقال “نحن جادون فعلا في معالجة هذه الظاهرة الخطيرة، لكننا نواجه صعوبات كبيرة في هذا المجال. وأردف مكي “هناك شبكات تشرف على هذا النوع من التزوير، ولها امتدادات خارج العراق.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 17/حزيران/2009 - 19/جمادى الآخرة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م