ظاهرة التضخم الذاتي في شخصية الفرد

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: يتطلب البناء الذاتي للشخصية الانسانية جهدا إنمائيا لايختلف عن الجهد المبذول في تنمية وتأهيل العناصر المكملة لبناء الذات، فالانسان حين يبدأ مشواره مع الحياة طفلا سيبذل جهودا متوارثة ومكتسبة بمساعدة المحيط العائلي والخارجي في تنمية قدراته الجسدية والسلوكية والفكرية وغيرها، بمعنى ان الانسان لابد ان يحث نفسه ويوظف تفكيره وذكاءه وطاقاته كافة لكي ينمو من الناحيتين البايولوجية والفكرية، وان فقدان التوازن في نمو احد الطرفين المذكورين سيؤدي الى اختلال واضح في الشخصية.

لذلك فإن نمو الجسد على حساب الفكر بسبب عائق عقلي ما سينتج جسدا قويا وتفكيرا ضعيفا او خاليا من المهارات العقلية، وعكسه سنصل الى عقل راجح في جسد عليل متلكئ، ولذا فإن التوازن المطلوب يقوم على القاعدة شائعة الصيت (العقل السليم في الجسم السليم).

لذلك يرى علماء النفس والمختصون في دراسة الشخصية، ان تضخم الذات يعود الى خلل في النمو المتوازن بين القدرات الجسمية والفكرية، بمعنى ان الانسان يتجاوز الحدود المنطقية للاعتداد بالنفس فيشعر ويعبر ايضا بأنه قادر على تحقيق كل ما يعجز الآخرون عن تحقيقه.

إننا نواجه في مواقف كثيرة أناسا من هذا النوع، وأقصد النوع الذي يرى في نفسه عالما بكل شيء بل وهاضما لكل مجال من مجالات الحياة، بحيث يظن بأن اعترافه بعدم فهمه لما يقع خارج اختصاصه يعدّ انتقاصا له وضعفا في شخصيته ولذلك سيبادر ويعلن بأنه العارف بكل شيء وانه القادر على النجاح في فعل وانجاز كل شيء سواء كان ضمن اختصاصه وقدراته ام لا، وهنا تمكن نقطة الخطر!!!.

وهذا ما نعني به بالتضخم الذاتي، حيث لايعرف الانسان المدى الحقيقي لقدراته غير الجسدية او البايولوجية، فيقع في مصيدة الغرور والتعالي الأجوف الذي غالبا ما يضعه في اشكالات كثيرة مع محيطه العملي او الاجتماعي على وجه العموم، ففي الوقت الذي تهتز فيه شخصيته امام الاخرين يرى بأنه الأفضل من بينهم!!.

والمشكلة التي لا يرغب صاحب الأنا المتضخمة بمعرفتها هي عدم امكانية تحقيق قدراته القولية على ارض الواقع، وعند ذاك يكون التبجح بالمعرفة وسعة الاطلاع والقدرات وماشابه مثلبة تحط من شخصيته وذاته في آن واحد وتجعله غير محبب من لدن المجتمع افرادا او جماعات.

ولعلنا قابلنا الكثير من هؤلاء سواء في العمل او في عموم مجالات الحياة، حيث ترى صاحب الذات المتضخمة يكثر من الادعاء بالمقدرة على انجاز كذا وكذا وهو العارف بكذا وكذا وهو المتميز بكذا وكذا وحين تحين الساعة التي تتطلب تحويل هذه الادعاءات الى افعال ملموسة عنذاك تتوضح القدرات الحقيقية للذات المتضخمة التي نتجت عن غياب التوازن بين قدرات الانسان الجسمانية والفكرية، فالمحك دائما سيكون الواقع الذي غالبا ما يفضح مثل هذه الشخصيات المتبجحة بمعرفة ما لا يعرفه الآخرون وبعمل ما لايستطيع الآخرون عمله او انجازه، وإذا كان لعنصر الوراثة جانبا من تكوين هذه المثلبة في شخصية الانسان فإن لعنصر الاكتساب دور في ذلك أيضا، ويبقى المحيط العائلي ثم الاجتماعي هما الرافدان الاساسيان لتفعيل وترسيخ هذه الظاهرة او الحد منها.

بمعنى ان الاب هو النموذج الاول لابنه وهو الذي سينقل الكثير من صفاته الجيدة او الرديئة الى ابنه من خلال السلوك والقول وخلافه، كذلك الام بالنسبة لإبنتها، وفي المحيط الأكبر سيكون المعلم او الخطيب او الشخصية الفلانية المعروفة هي المثال الذي سيكتسب منه الشباب او غيرهم طباعهم الفكرية وحتى الجسدية، وكلما كان المحيطان الاول والثاني متوازنان وحقيقيان وناجحان، كلما كان تضخم الذات اقل حدة لدى الابن او البنت او الشاب او غيرهم ويصح العكس.

وعلى العموم فإن هذا العيب لا يتعلق بمجتمع دون غيره ولكنه يرتبط بطبيعة المجتمعات وافكارها وسلوكها وما يترتب على ذلك من افعال منجزة على الارض، وان الحد من تضخم الذات لدى الافراد سيتأتى من عملية تثقيف على التواضع المقرون بالثقة بالنفس وحب الاطلاع والبحث عن المعرفة واشاعة نوع جماعي من الاسلوك والاقوال المتوازنة التي لاتترفع على غيرها بل تنتشل من هو اقل منها معرفة وقدرات الى مستواها من خلال بث الوعي ومنظومة السلوك الثقافي المتوازن.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 16/حزيران/2009 - 18/جمادى الآخرة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م