قراءة في كتاب: شخصيات مصرية فذّة

بانوراما لمصر منذ الستينيات بقلم جلال أمين

 

 

 

 

الكتاب: شخصيات مصرية فذّة

المؤلف: جلال أمين

الناشر: دار الشروق- القاهرة

عدد الصفحات: 112 - كبيرة القطع

 

 

 

شبكة النبأ: في كتابه الجديد أراد الكاتب المصري المرموق جلال أمين أن يقدم لقرائه أبرز جوانب التميز في بعض الشخصيات المصرية البارزة لكن المقالات التي نشرت متفرقة في مناسبات احتفاء بهؤلاء تثير في النفس كثيرا من الشجون اذا قرئت مجتمعة في كتاب.

فأمين الذي يعمل أستاذا للاقتصاد بالجامعة الامريكية بالقاهرة يحظى باحترام كبير بين معظم المثقفين الذين يرونه منحازا للجماهير قدم في كتابه (شخصيات مصرية فذة) بانوراما لمصر منذ الستينيات من خلال تأمل عدد من الذين عرفهم ومنهم اقتصاديون وقانونيون وشعراء وممثلون.

والمؤلف (72 عاما) مهموم بقضايا العدالة الاجتماعية والاستقلال الاقتصادي الذي لا يقل أهمية في رأيه عن الاستقلال السياسي وهذا جانب يفسر اعتزازه بمصطفى الجبلي الذي عين وزيرا للزراعة لوقت قصير في السبعينيات وكان ينتمي لمدرسة الاستقلال الاقتصادي ثم "اكتشف (الرئيس الراحل أنور) السادات أن مدرسة الجبلي في الاستقلال الاقتصادي لا يمكن أن يرضى عنها الامريكيون فاستغنى عن خدماته" في اشارة الى اخراجه من الوزارة.

وتولى الجبلي وزارة الزراعة واستصلاح الاراضي في الفترة من 27 يناير كانون الثاني 1972 حتى 27 مارس اذار 1973. بحسب رويترز.

ويقول أمين انه استمع الى محاضرات للجبلي "فاذا بي أجد أن هذا الرجل العظيم يقدم خطة شاملة ومفصلة للغاية لما يجب على مصر أن تفعله لتحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الغذائية الاساسية وللاستغناء تماما عن المعونة الامريكية مع انتهاء القرن العشرين ومن ثم تستطيع مصر أن تتخذ ما تشاء من قرارات من وحي مصالحها الخاصة وانتمائها العربي.

وصدر الكتاب في القاهرة عن (دار الشروق) ويقع في 112 صفحة كبيرة القطع ويتناول شخصيات منها الروائي نجيب محفوظ والاقتصادي علي الجريتلي والقانوني ابراهيم شحاته والكتاب الصحفيون محمد عودة وعادل حسين ولطفي عبد العظيم ونجلاء بدير.

وللمؤلف بالعربية أكثر من 30 كتابا منها (ماذا حدث للمصريين.. تطور المجتمع المصري في نصف قرن 1945-1995) و(محنة الاقتصاد والثقافة في مصر) و (الدولة الرخوة في مصر) و(التنوير الزائف) و(العولمة والتنمية العربية) و(المثقفون العرب واسرائيل) و(شخصيات لها تاريخ).

ويلخص كتابه (ماذا علمتني الحياة...سيرة ذاتية) توجهاته العامة وفيه وصف نفسه بالقسوة وهو يتحدى أباه الاديب أحمد أمين متهما دولة الرئيس الاسبق جمال عبد الناصر بالبوليسية الخانقة التي كانت "لصالح النظام وليس لصالح القضايا الوطنية" واعتباره دولة السادات رخوة وجزءا من مخطط أمريكي ثم اكتشف فيما بعد ما يراه انجازات لعبد الناصر في مجالات الاقتصاد والسياسة الخارجية والعربية مقارنة "بخطايا السادات في كل هذه المجالات."

وفي كتابه الجديد يكتب أمين عن الذين يحبهم لكنه يسجل أيضا رأيه بوضوح في كثير من القضايا والسياسات المصرية والمؤسسات الدولية فهو يرى أن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في نهاية الامر ورغم ما يرفعانه من شعارات يمثلان "مصالح رأس المال الدولي" ومصالح الشركات متعددة الجنسيات وبخاصة في العقود الاخيرة.

كما يشدد على أن ما يصفه بالاصابع الخارجية "وراء متاعبنا الاساسية" في مصر ولا يثق كثيرا في امكانية حدوث اصلاحات على أي مستوى قبل "التحرر من الارادة الاجنبية أولا."

وتبدو بعض فصول الكتاب كأنها تحية لشخصيات كان لها تأثير وحظيت بشيء مما يعتبره اجماعا من المصريين كما في حالة الكاتب الراحل أحمد بهاء الدين ويفسر المؤلف ذلك قائلا ان بهاء الدين " كان يتمتع بصفة نادرة حقا بين الموهوبين من الناس وهي عدم تضخم الشعور بالذات" وتغليبه الصالح العام على الشخصي ونفوره من الكلام عن نفسه بأكثر مما يجب وفتح صدره للموهوبين وفرحه بنجاحهم.

وفي تناوله للناقد الراحل عبد العظيم أنيس يتوقف أمام كتاب مشترك أصدره عام 1955 مع رفيق عمره محمود أمين العالم بعنوان (في الثقافة المصرية) واصفا الكتاب بأنه كان "أشبه بالمنشور السياسي" الذي رسخ شعار الفن للمجتمع بدلا من شعار الفن للفن.

ويستعرض أمين بعض الذين انتقدهم أنيس والعالم مثل عميد الادب العربي طه حسين الذي رحب بملك مصر السابق فاروق في افتتاح جامعة الاسكندرية قائلا "شرفت العلم يا مولاي" ويقول أمين ان هذا " كان يسوؤنا بشدة" كما يورد أبياتا من قصيدة لعباس محمود العقاد في مدح فاروق قائلا..

"وما اتخذت غير فاروقها-عمادا يحاط وركنا يؤم. ولا عرفت مثله في العلا-صديقا يشاركها في السقم. مليك يلوذ به عرشه-وكم ملك بالعروش اعتصم. وراع رعيته عزه-اذ عز بالصخر باني الهرم."

ويعلق أمين قائلا ان صدور هذه القصيدة عن العقاد "أمر مدهش" ولكن وقعها على الناس في ذلك الزمان "كان بلا شك أخف بكثير من وقع أقوال وأعمال النفاق الحالية" في اشارة الى مصر في عهد الرئيس حسني مبارك (81 عاما) الذي يحكم البلاد من 28 عاما.

وأمين ينتصر لسياسة اقتصادية موجهة يعاد من خلالها توزيع الدخل ويتحقق العدل الاجتماعي وهذا يفسر تصالحه مع نظام عبد الناصر -الذي اختلف مع توجهاته غير الديمقراطية- بعد أن تحول " الى نظام وطني لا شك فيه وتطبيق اجراءات جادة في اعادة توزيع الثروة والدخل لصالح الفقراء".

ويستعرض اثنين من النماذج الفذة أحدهما اشتراكي هو محمد حلمي مراد وزير التربية والتعليم الاسبق الذي لم يكن يتصور تقدما حقيقيا بعيدا عن تدخل الدولة والثاني رأسمالي هو سعيد النجار مؤسس جمعية (النداء الجديد) الذي كان يرفض مبدأ تدخل الدولة في الاقتصاد الا لمنع الاحتكار وكان يرى أن "الفقراء أحسن حالا بدون القطاع العام منهم به."

وتولى حلمي مراد وزارة التربية والتعليم في مارس اذار 1968 وأعفي من منصبه في العاشر من يوليو تموز 1969.

ويقول المؤلف ان مراد والنجار لم ينالا رضا الدولة "فالدولة لا تبحث عمن يؤمن بالاشتراكية أو الرأسمالية بل عمن لا يؤمن بشيء على الاطلاق" مضيفا أن من الطبيعي في هذه الحالة ألا يحظى مراد والنجار من الدولة الا بالنفور.

وبعيدا عن السياسة يرى أمين أن المثقفين المصريين يعانون منذ فترة طويلة من حالة أشبه بالاكتئاب العام الذي يؤدي للاستجابة لدواعي الحزن أكثر من الفرح كما أن لديهم استعدادا مجانيا للشعور بالذنب مستشهدا بموقفهم في "محنة أقرب الى المأساة الاغريقية" بطلتها الممثلة سعاد حسني التي توفيت في حادث غامض في لندن عام 2001.

وحين يكتب عن الشاعر صلاح جاهين يقارن بينه وبين النجم السينمائي البريطاني الجنسية شارلي شابلن حيث يجمع بينهما "الحزن أو الاكتئاب العظيم الذي يفجر الموهبة أو الذي يشكل جزءا لا يتجزأ من هذه الموهبة نفسها" فشابلن هو الصعلوك البسيط والساخر العظيم وجاهين ساخر كبير حتى من نفسه وحين يكتب الشعر والغناء فلا يكون غناؤه الا للبسطاء "ولا يمتدح عبد الناصر الا لاعتقاده بأنه زعيم هؤلاء البسطاء."

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 15/حزيران/2009 - 17/جمادى الآخرة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م