الجفاف يتسبب في هجرة أهالي الاهوار من جديد

زحف الأفاعي ونفوق الحيوانات ينفي أسباب الحياة

 

شبكة النبأ: المواطن أبو مسلم، وهو مهجر عاد الى موطنه الاصلي في هور الجبايش قبل سنوات، دأب على ممارسة حياته اليومية من جلب الحشائش وصيد الاسماك، إلى الاعتناء بحيواناته، يجد نفسه الآن أمام سبب جديد لهجرة موطنه، تقف وراءه ظاهرة غريبة تتمثل بزحف الافاعي الى مناطقهم جراء جفاف الاهوار التي يعيشون في جنباتها وهو مشكلة أخرى زادت من معاناتهم اليومية.

يقول ابو مسلم” بعد تهجيري من جنوب بغداد، عدت إلى هنا حيث موطني الأصلي، وابتنيت بيتا من القصب إلى جانب أخوتي وأعمامي، كما اشتريت عدة للصيد وبعض الحيوانات، التي هي لازمة لمن يعيش في الهور، كما ترى”.

وأضاف مستدركا “لكن علي أن ابدأ هجرة جديدة، وهذه المرة ليس بسبب المسلحين أو العنف الطائفي بل بسبب الأفاعي. وتساءل بدهشة “هل تصدق ذلك”.

وتابع” دخلت الليلة الماضية، أكثر من ست أفاعي البيت واحتلت أماكن مختلفة فيه، ولا اعرف مدى خطورتها على أطفالي، وخصوصا أصغرهم، الذي يعتقدها لعبة جديدة، ولا يستمع لكلامنا بعدم الاقتراب منها وخصوصا أنها تلتف على عمود الغرفة وبقرب الدولاب الوحيد فيها. بحسب اصوات العراق.

وقال رئيس المجلس البلدي للجبايش إن “الجفاف اثر على الاهوار، كلها وبدأنا نشهد هجرة للأفاعي من المناطق الجافة إلى المناطق السكنية والقريبة منها والتي تتوفر فيها بعض الرطوبة، لمرور احد فروع دجلة فيها، فقد بدأت كميات كبيرة من الأفاعي المائية، تعبر الشارع الرابط بين الناصرية _جبايش_منطقة المدينة هربا من الجفاف”. مستدركا  وهو أمر “ولد رعبا لدى المواطنين، فقد دخلت بيوتهم ومرابط حيواناتهم. ولفت“ وجهنا مذكرات رسمية إلى المحافظة ومجلس المحافظة وننتظر قرارهم.

أبو مسلم يقول انه” ابن الهور على الرغم من عيشي لثلاثين عاما ببغداد، ولكن هذه النوعية من الأفاعي لم نشهدها من قبل”.

من جهته قال مدير المستشفى البيطري في الجبايش إن “الاهوار شهدت تغيرات بيئية كبيرة بسبب الجفاف مما جعل الأفاعي تنتقل من الجانب الأيمن لأهوار منطقة الجبايش، إلى الجانب الأيسر الذي يضم المناطق السكنية للقضاء”.

وذكر وسام الاسدي أن “ليس هنالك إصابات بشرية أو حيوانية جراء هجرة الأفاعي الغريبة لمنطقتنا إلا أنها حالة غير طبيعية، وهنالك عوائل في منطقة(المواجد) بدأت تتعايش مع الأفاعي الكثيرة التي غزت بيوتها، وهي تعيش حالة رعب لأن الأفاعي تدخل في كل مكان ونحن بانتظار الحل .

وكان الاسدي كشف في تصريحات سابقة عن وجود هجرة جماعية لأنواع غريبة من الافاعي باتجاة المناطق اليابسة في ظاهرة تحدث للمرة الاولى مسببة حالة رعب جماعي للاهالي. مبينا ان “هنالك أنواعاً عديدة من الافاعي هاجمت منطقة الجبايش بعضها من انواع معروفة والقسم الاكبر من انواع جديدة”.

واشار الى ان “هنالك عوائل بدات تترك منازلها اثر ذلك خشية من اصحاب قطعان الجاموس ان تتسبب تلك الافاعي بهلاكات لديهم مما يضيف لمشكلة الجفاف التي يعانوها عاملا سلبيا جديدا”.

وتعد اهوار الجبايش التي تقع على بعد 95 كم شرق الناصرية اكبر مناطق اهوار جنوبي العراق وتبلغ مساحتها نحو 600 كم2، ويبلغ عدد سكانها والمناطق المحاذية لها نحو 380 ألف نسمة، يمتهن معظمهم الزراعة وصيد الأسماك والطيور وتربية الجاموس.

وتعرضت الاهوار الى عمليات تجفيف في ثمانينيات القرن الماضي ما ادى الى هجرة اكثر سكانها واختفاء مسطحات مائية واسعة قبل ان تعود لها المياه بعد سقوط النظام السابق عام 2003 لكنها تشهد منذ العام الماضي شحة في المياه بسبب قلة مناسيب نهري دجلة والفرات.

وكشف مدير منظمة طبيعة العراق عن “احتضار الاهوار الوسطى بعد أن انحسرت المياة عن أكثر من 90% منها، والمساحة الباقية آخذة بالتقلص”.مشيرا إلى أن بيئة ذي قار “بدأت إجراءاتها لفتح منفذ من المصب العام للمحافظة، على نسبة من مياه الاهوار ولكن تلوث بقعة من الأرض بالأسلحة الكيمياوية من زمن النظام السابق اوجب إجراءات فنية جديدة ستؤخر الحل”.

وقال المهندس جاسم الاسدي، هناك مشكلة تصحر تواجهها الاهوار الوسطى والبالغة مساحتها أكثر من 3000كم2،حيث  وصلت نسبة أغمارها إلى اقل من   10% ، وهي في تناقص مستمر بسبب عدم تزويدها من نهر الفرات الذي وصل مستوى المياة فية إلى 60سنتمتر بينما المستوى المطلوب لتغذية الاهوار هو 1.3 متر ” موضحا “أن الاهوار الوسطى كانت تتغذى من عدة روافد ومشاريع مائية من محافظة ميسان، تم إغلاقها في فترة سابقة ولم يتم فتحها لحد الآن، وهنالك مشروع ناظم لإعادة تزويد الاهوار بالماء من تلك المنطقة”. مشددا “لكننا نحتاج إلى حلول سريعه بعد الجفاف الذي هجر سكان المنطقة، من الذين فقدوا بالأصل مصادر رزقهم المعتمدة على الصيد أو منتجات الجاموس الذي فقد البيئة المناسبة لة اثر الجفاف”.

وذكر مدير بيئة ذي قار المهندس راجي نعيمة منشد أن “هناك العديد من المشاريع لإنعاش الاهوار، تواجه بالاعتراض من قبل شيوخ العشائر المتواجدين بالمنطقة، والمختصين لا يستطيعون فرض رأيهم الفني للمحافظة على نسب معينة من المياة في تلك المناطق بالهور.

واضاف “اتخذنا إجراءات عملية، بالترتيب مع مركز إنعاش الاهوار وبالتنسيق مع مجلس المحافظة لإعادة تغذية الاهوار من مياه المصب العام، والتي بلغ معدل التدفق فية 70 م3/ثانية، وهي نسبة جيدة بعد أن أثبتت فحوصاتنا المختبرية تحسن نوعية مياة المصب بعد تشغيل محطة في منطقة الفضلية(20كم شرقي الناصرية)، لتصل إلى معدلات مقاربة لنسب المياة بهور السناف المجاور، وخصوصا أن الاهوار كانت تستقبل كل مياة المصب العام قبل اكتمال نصب محطات الضخ في بداية العام الحالي.

وتابع “تم استحصال الموافقات (الشفهية) لوزارتي البيئة والموارد المائية، على فتح نهر صغير طوله سبعة كيلو مترات، ليصل بين المصب العام والهور إلا أن هنالك مشكلة تلوث أذ أن المكان المختار لأسباب فنية في منطقة الخميسية والواقع  بعد المضخات، كان يستغل من قبل النظام السابق كمخزن للأسلحة الكيمياوية وقامت القوات الأمريكية في تسعينات القرن الماضي بتفجيره تحت السيطرة، وسنعمل بداية الأسبوع القادم على أخذ عشر عينات من أماكن مختلفة للمواقع لفحصها وبيان صلاحية التربة ونأمل ان تكون المنطقة سليمة. مؤكدا ”أن هذا الحل سيزيد من نسبة الغمر في الاهوار.

وتعتبر أهوار جنوب العراق من أوسع مناطق الاهوار وأقدم المآوي الطبيعية في العالم ولها دور بيئي  كبير في إيواء الطيور المستوطنة و المهاجرة والمحافظة على أنواعها وتقدر مساحتها مع ما يتخللها من مدن وأراض زراعية أو صحراوية بحدود خمسة عشر إلى عشرين ألف كيلو متر وكان عدد سكانها 500 ألف نسمة، وتقلصت مساحتها إلى حوالي عشر حجمها السابق في عهد صدام بعد أن جرى تحويل مجاري الأنهار عنها وأنشئت السدادات لتقسيمها وهجر معظم سكانها.

مدير مركز إنعاش الاهوار أسامة هاشم أوضح أنه “تم إحالة مشروعين منفصلين للتنفيذ لشركات عراقية، ضمن مبادرة سيادة رئيس الوزراء  الزراعية في العام الماضي ويتكونان من تسع منشآت هيدروليكية على مخارج الاهوار الوسطى، وهي عبارة عن سياج كونكريتي بعلو 1,75 سنتمتر سيوفر منسوبا جيدا للاهور الوسكى ومن المؤمل انجازه بداية العام القادم.

وتابع كما أن “هنالك أربع بوبات تبلغ كلفة إنشائها مايقارب ستة مليارات دينار، وخمس بوابات أخرى في محافظة البصرة وأن المؤمل أن تسهم في حل هذه المشكلة. لافتا إلى أن الاهوار في الوقت الحالي “تتغذى من الفرات وهذا عكس طبوغرافية المنطقة، بعد أن كانت تتغذى من نهر دجلة إلا أن تم إغلاق المنافذ ويوجد فقط تغذية عبر قناة ناقلة من نهر العز بالعمارة.

ويذكر ان وزير الموارد المائية دعا الحكومة التركية إلى الإيفاء بوعودها المتكررة بإطلاق الزيادات المائية في نهر الفرات لعدم كفاية النسبة الحالية، مطالبا أن تكون الزيادات أكثر من 500 م3/ثا.. وذلك لكون “المياه المطلقة إلى العراق في الوقت الحاضر باقية على حالها بدون زيادة ولا تكفي للاحتياجات المختلفة.

وطالب مجلس محافظة ذي قار الحكومة في الشهر الماضي “بإعلان اهوار مدينة الناصرية كمنطقة منكوبة نتيجة شحة المياه التي تواجهها وتدهور بيئتها. 

وكانت الاهوار موطن السومريون سكان العراق الأوائل الذين يطلقون على أنفسهم اسم (كي ـ ان ـ جي ki-en- ji) ومعناه أجمة القصب ويعود أول ذكر للأهوار إلى ماقبل ستة آلاف سنة كونها هي ارض الطوفان.

في عام 2001, قام برنامج الأمم المتحدة للبيئة بتنبيه المجتمع الدولي حول تدمير الاهوار عندما قام بنشر صور الأقمار الصناعية التي توضح فقدان 90% من مساحة منطقة الاهوار. وأشار الخبراء حينها  إلى أن الاهوار قد تختفي نهائياً من العراق في غضون 3 – 5 سنوات ما لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة بهذا الشأن.

لتتزايد نسبة الغمر لتصل إلى 20% من المساحة الأصلية في نهاية 2003، ورافق ذلك استعادة حوالي 30 % من النظام الطبيعي.

بينما قدرت وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) أن المساحة التي كانت مغمورة بالمياه والتي تقدر بنسبة 7% تزايدت الآن إلى 30% - 40% في الوقت الحاضر.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 15/حزيران/2009 - 17/جمادى الآخرة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م