اوباما وإعادة اكتشاف الدبلوماسية العامة الامريكية

توظيف القوة الناعمة لإعادة مكانة الولايات المتحدة

 

شبكة النبأ: أثار وصول الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما لسدة الحكم في الولايات المتحدة التفاؤل لدى غالبية الأوساط السياسية والأكاديمية في العالم؛ لما نادى به من ضرورة العمل على توطيد أواصر العلاقات بين مختلف الدول عبر منهج دبلوماسي منظَّم يقوم على الحوار وتبادل وجهات النظر بهدف التوصل لأفضل نتائج.

وفى إطار تفسير مدى جدوى هذا المنهج الدبلوماسي الجديد أصدر مركز الدراسات الدولية والإقليمية، بجامعة جورج تاون، دراسة بعنوان "الدبلوماسية الأمريكية العامة ما بعد فترة رئاسة بوش"، للكاتب "سينتيا شيندر"، كمحاولة جادة لتدشين مرحلة جديدة في تاريخ الولايات المتحدة تهدف لتحسين وضعها ومكانتها العالمية التي كانت قد تشوهت نتيجة نهج إدارة بوش القائم على عنصر القوة كأساس لحل المشكلات الدولية.

تقوم تلك الدراسة على فرضية مفادها أن الولايات المتحدة الأمريكية قد فقدت مكانتها وتدهورت صورتها في العالم كدولة تسعى لحماية قيم ومبادئ عالمية مما أثر بشكل ملحوظ على نفوذها على المسرح الدولي، وبالتالي عليها اللجوء إلى مصادر وأساليب أخرى غير القوة التي أثبتت أنها غير قادرة على نشر القيم العالمية، كما أثبتت فشلها في إيجاد حلول مرضية للمشكلات الدولية المختلفة. وفى هذا الإطار يقترح كاتب ضرورة تبني ما أسماه " الدبلوماسية العامة".

الدبلوماسية العامة بين الأفعال والأقوال

وفى إطار الحديث عن الدبلوماسية العامة كأداة لاستعادة المكانة الدولية للولايات المتحدة، تؤكد الدراسة على ضرورة قيام أوباما بعميلة دمج بين الأفعال والأقوال كدولة كبرى تسعى لنشر مبادئ وقيم عالمية، وليس فقط الاكتفاء بالأقوال فقط.

ولهذا يؤكد الكاتب على ضرورة القيام بأفعال تدعم وتساند ما تنادى به من مبادئ كنشر الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان لاسيما إغلاق معتقل جوانتنامو الذي يمثل أحد معاقل انتهاك حقوق الإنسان.

وفى مستهل تحليلها أكدت الدراسة على أن الدبلوماسية العامة لا تعني بالضرورة فرض الولايات المتحدة سياستها على الآخرين أو إقناعهم بها بل هي عبارة عن عملية ثنائية الاتجاه Two way street بين الولايات المتحدة والآخرين لا تقوم على التلقين فحسب وإنما على الاستماع والاحترام والمتبادل بين الأطراف المعنية وذلك بهدف إيجاد رؤية أكثر وضوحًا.

كما أن نجاح الدبلوماسية العامة وفقًا للكاتب يتوقف بالأساس على مدى قيام الولايات المتحدة بتوسيع أو إعادة تعريف دورها على المسرح الدولي بحيث لا يقتصر فقط على المناحي السياسية كشئون المعاهدات والعلاقات الدولية بل يمتد ليشمل مجالات أخرى كالإعلام والثقافة والعلوم والتكنولوجيا والتعليم. وبالتالي ينظر الكاتب إلى الدبلوماسية العامة بمفهومها الواسع ويعرفها على أنها كل الوسائل التي تستطيع الدولة استخدامها بهدف تقديم رؤيتها الخاصة للعالم.

شروط نجاح الدبلوماسية العامة

أما عن كيفية استغلال الإمكانات المتاحة، تشير الدراسة إلى ضرورة استخدم الولايات المتحدة ما تملكه من مقومات مثل: قدرتها على استيعاب التنوع الاجتماعي، زيادة الفرص في المجتمع، حرية الرأي والتعبير، الجدارة الاجتماعية أو المجتمع القائم على الجدارة والمنافسة Merit Based Society، في التأثير على الدولة المضيفة. ذلك علمًا بأهمية حسن اختيار الوسيلة أو الأداة المناسبة في كل حالة أو دولة على حدة والتي تتفق ومصالح الدولة الأخرى، فما قد يفلح البعض قد لا يصلح مع البعض الآخر.

ترصد الدراسة عدة عوامل لابد من توافرها حتى تنجح الدبلوماسية العامة في تحقيق أهدافها المرجوة، يأتي في مقدمتها مايلى؛ أولاً: أن تقدم الخبرات والمساعدات للدول الأخرى في إطار تبادلي يقوم على الاحترام ويتمثل في فتح قنوات بين الدبلوماسيين الأمريكيين والدولة المضيفة لهم على أن يكون ذلك في إطار استراتيجية طويلة المدى تهدف لإقامة علاقات قوية فيما بينهم تسهم في تحقيق مزيد من التعاون بين الطرفين. ثانيًا: يجب أن تتسم الدبلوماسية العامة بقدر كبير من المرونة في اختيار بين البدائل المتاحة والإبداع من حيث إيجاد حلول للمشكلات التي قد تنشأ من جراء استخدامها لتلك البدائل.

العلوم والتكنولوجيا كأحد أدوات الدبلوماسية العامة

أكدت استطلاعات الرأي وفقًا للدراسة على أن مجالي العلوم والتكنولوجيا في الولايات المتحدة هما الأكثر جاذبية بالنسبة للسكان العالم لاسيما في منطقة الشرق الأوسط مما يعطي الولايات المتحدة ميزة نسبية في حالة استخدامهما لتحقيق أهدافها باعتبارها أحد أهم أدوات الدبلوماسية العامة، وبالتالي ينتقد الكاتب عدم تقديم الولايات المتحدة مساعداتها في هذين المجالين، كما ينادي بضرورة الاهتمام بالقطاع الخاص فيما يتعلق بتقديم المساعدات التنموية وعدم قصرها على الدعم الحكومي فقط.

وتأسيسًا على ذلك، تؤكد الدراسة على ضرورة استخدام العلوم والتكنولوجيا استخدامًا استراتجيًّا وذلك من خلال تكثيف الولايات المتحدة من مساعداتها في هذين المجالين اللذين يؤثران بشكل ملحوظ في المنظومة التعليمية لتلك البلدان مما يعطيهم القدرة على التوصل لحلول جذرية لمشكلاتهم المجتمعية بدلاً من محاولة حلها بصورة مباشرة.

العالم الإسلامي من المنظور الأمريكي

يأخذ الكاتب في تلك الدراسة بالمفهوم الواسع للعالم الإسلامي والذي لا يقصر الإسلام على الدول العربية فقط وإنما المسلمين في شتى مناحي المعمورة بما فيها بعض مناطق قارة آسيا وحتى المسلمين الموجودين في الولايات المتحدة ذاتها.

وفى محاولة لمعرفة الأسباب الحقيقة وراء الخلاف بين العالم الإسلامي والولايات المتحدة، تؤكد الدراسة وفقًا لاستطلاعات الرأي الصادرة عن معهد جالوب لقياسات الرأي العام العالمي، على أن غياب الاحترام والتفاهم هما وراء كراهية المسلمين للولايات المتحدة وليس كما يظن البعض الحرب على العراق أو الإمبريالية الأمريكية أو حتى قضية الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. وبالتالي تجيب نتائج تلك الاستطلاعات على التساؤل الأمريكي الهام والأكثر إلحاحًا وهو " لماذا يكرهوننا؟" why do they hate us. وعلى الصعيد الآخر، تؤكد الاستطلاعات السابقة عدم معرفة الشعب الأمريكي كثيرًا عن العالم الإسلامي حتى يستطيع الحكم عليه بصورة واضحة.

من هنا يؤكد الكاتب، على أهمية ذلك الدور الذي من الممكن أن تقوم به الدبلوماسية العامة بخاصة العنصر الثقافي منها العادة تشكيل المنظومة الفكرية والثقافية للعالم الإسلامي مما يؤدي لتغير رؤيتها تجاه الولايات المتحدة.

إشكالية الثقافة في الولايات المتحدة

بما أن الدراسة قد أكدت على أهمية الثقافة كأحد أكثر أدوات الدبلوماسية العامة تأثيرًا، كشف الكاتب النقاب عن أن المشكلة الحقيقة وراء عدم نجاحها حتى الآن يرجع إلى أن الثقافة في الولايات المتحدة لا تلقى أي دعم حكومي وتتمتع باستقلالية تامة، حيث يتولى إدارتها القطاع الخاص وبالتالي فهي تعبر عن رؤية من يملكها وليس رؤية الدولة.

وفى إطار محاولة حل تلك الإشكالية، يؤكد الكاتب على ضرورة استثمار مزيدٍ من الأموال العامة والحكومية في توزيع وتسويق المنتجات الثقافية الأمريكية كبرامج والأفلام الموجودة بالفعل والتي تتفق مع الرؤية التي تريد الولايات المتحدة نشرها وليس صناعة منتجات جديدة.

ولتحقيق مزيدٍ من النجاح، ينصح الكاتب ساسة الإدارة الأمريكية بتقديم دعم أكبر لكل من يسهم في نشر الوعي الثقافي والقيم العالمية في أي مكان في العالم لاسيما الممثلين، المفكرين، الأدباء، والقيادات المثقفة، ذلك تقديرًا لدورهم الهام في تحقيق أهداف الولايات المتحدة وخاصة في إنشاء مجتمعات منفتحة تتمتع بقدر لا بأس به من حرية الرأي والتعبير.

الخلاصة

إن الإخفاقات المستمرة والمتتالية التي شهدتها الساحة الأمريكية في الثماني سنوات العجاف وهي فترتا حكم الرئيس السابق جورج بوش وإدارته، قد أفرزت قدرًا كبيرًا من الوعي لدى الإدارة الجديدة بقيادة أوباما بضرورة العمل تعديل أسلوب تطبيق الاستراتيجية الأمريكية وذلك بالعدول عن فكرة استخدام القوة المفرطة في حل الأزمات الدولية المختلفة وإحلالها بصيغة دبلوماسية جديدة تقوم على ثنائية الإقناع والاحترام المتبادل مما يسهم في تحسين صورة الولايات المتحدة والتي قد أصابتها عديد من التشوهات في الآونة الأخيرة ناهيك عن عدم قدرتها على مواكبه سرعة الأحداث العالمية .

واعتماد الإدارة على الدبلوماسية العامة سيمكنها من تحسين الصورة الأمريكية عالميًّا وعلى وجه الخصوص في العالمين الإسلامي والعربي، ولكن نجاحها يرتبط بثلاثة عوامل هامة ورئيسة هي كالتالي؛ أولاً: إحداث شكل من أشكال الترابط بين الأقوال والأفعال، ثانيًا: ضرورة التركيز على الانخراط مع الآخرين في علاقات وليس توجيهم، ثالثًا: الاهتمام بالعنصر الثقافي سواء أكان أمريكيا أم غير ذلك.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 13/حزيران/2009 - 15/جمادى الآخرة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م