هل نحن أقوياء بما يكفي؟

محمد علي جواد تقي

يبدو ان البعض في البلاد الاسلامية مستأنسين من هزّ العصا في الهواء وهم يغطون في نومٍ عميق، يتلذذون بالاحلام الوردية والمكاسب التي تداعب خيالهم دون أن تلامس واقعهم في عالم اليقظة، وربما يكررون ما عمل ذلك البائس الذي كسر جرّة السمن المتبقية لديه بعصاه قبل أن يهشّ بها قطيع الأغنام في عالم الأحلام.

وربما يصح القول باننا كسرنا الجرّة أكثر من مرة في أكثر من بلد اسلامي، فتعرض الناس لخسائر فادحة بدلاً من أن يشهدوا التقدم والرخاء والسلام رغم الكم الهائل من القدرات المالية والانسانية التي تتمتع بها الكثير من بلادنا الاسلامية لاسيما في منطقة الشرق الاوسط، ورغم كل الشعارات والوعود وحتى المفردات الثقافية والفكرية التي تسوّق هنا في محاولة لإضفاء بعض من المصداقية والشرعية على الوجود السياسي وحتى الاجتماعي، وما ابتلاء العالم الاسلامي بوباء (الإرهاب الطائفي) الفتاك إلا مثال بسيط وحيّ على ما نذهب اليه.

بهذا الواقع قيّم البعض خطاب الرئيس الامريكي باراك أوباما الأخير الى العالم الاسلامي، وعدّه ضعيفاً ولا يلبي الطموح والأهداف ويفتقد الى المصداقية، والسبب في ذلك أمرٌ واحد هو تأكيد الرئيس الامريكي على السنّة الجارية في واشنطن منذ عقود من الزمن، وهي عدم المساس بحق الكيان الصهيوني في العيش على أرض فلسطين المحتلة، وعدّ الكثير – وليس البعض وأنا منهم- هذا تناقضاً مفضوحاً من أوباما بأن يسترضي المسلمين من جهة، ثم يربت على أكتاف الجنود الاسرائيليين الذين يقتلون المسلمين في فلسطين المحلتة، أو يتحاشى الموقف الحازم إزاء سياسات الاستيطان وتجريف الأراضي الزراعية الفلسطينية وغيرها من السياسات القمعية، الى جانب اتباعها سياسة الكيل بمكيالين وعدم الانصياع للقرارات الدولية القاضية باعطاء الفلسطينيين الحق في تشكيل دولتهم المستقلة على أرضهم.

كل ذلك لا يخفيه أوباما وهو يعرف قبل غيره معنى أن يكون شخصاً رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، لكن بداية لنطبق ما أمرنا به إمامنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) حيث قال: (أنظر الى ما قال ولا تنظر الى من قال)، وننظر الى الحديث الشريف الآخر عنه أيضاً (عليه السلام): (رحم الله إمرءاً عرف قدر نفسه)، ثم ننظر بامعان وفي عالم اليقظة، أ يصح أن نتعامل مع شخص مثل رئيس الولايات المتحدة الأمريكية وهو يتحدث كأول رئيس أمريكي عن وجود حضارة اسلامية وثقافة لدى المسلمين، بالتكذيب والتشكيك؟ أم يجب إتخاذ كلام الرئيس الأمريكي - وإن كان مجرد كلام- حجةً ودليلاً عن صدق الاسلام في التبروء من العنف والدموية والديكتاتورية، وعلى حقيقة نهجه المغيب في ضمان الحياة السعيدة للإنسان؟

وحسناً فعل سماحة المرجع الديني السيد محمد تقي المدرسي (دام ظله) عندما أشار في محاضرته الأخيرة الى أن الاسلام حكم العالم (700) عاماً ولم يتعرض الناس في ظل الحكم الاسلامي  الى أزمات صحية أو اقتصادية أو اجتماعية، ولم تُزج الشعوب في أتون الحروب كما يحصل لها اليوم، هذه المعلومة والرسالة ربما وصلت الى مسامع أوباما، ونحن نرجو أن تصل أيضاً الى أسماع جميع المسلمين وتحديداً المعنيين وأصحاب القرار في ميادين الثقافة والفكر في العالمين العربي والاسلامي، حتى يكونوا بمستوى الطرح الحضاري والثقافي الذي يقدمه الرئيس الأمريكي الجديد وهو في إطاره النظري، فعلى الأقل لتكن عندنا نظرية بالمقابل، وحتى لا يفكر أوباما والمؤسسات البحثية والخبراء والمستشارين الذين يقفون خلفه، بانهم يتحدثون الى عالم اسلامي يحمل الحضارة والثقافة بين دفتي الكتب التاريخية وحسب، ويقف وسط الصحراء القاحلة ينتظر من ينتشله من الضياع والحيرة.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 13/حزيران/2009 - 15/جمادى الآخرة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م