العلاقة الزوجية بين الحب والملل

السيد محمود الموسوي

حالة الملل والسأم في العلاقة الزوجية، حالة مرضية تسمم صفو العلاقة، وهي حالة نفسية تشعر أحد الزوجين بالنفور وعدم الرغبة في مجالسة الآخر، مما تدعوه إلى الهروب، واختلاق الأسباب التي تبعده عن المنزل.

وهذه الحالة بحد ذاتها مرض يصيب النفس، وقد تؤدي إلى نتائج أليمة، منها الطلاق أو البحث عن زوجة ثانية أو على اقل تقدير، فهي حالة من الذبول والصحبة الثقيلة التي تظل حائمة فوق سماء الحياة الزوجية.

 ((جمع العلماء عينة من السيدات اللاتي لم يوفقن في حياتهن الزوجية لإجراء الدراسة عليهن، فقالت إحدى الزوجات: لقد تزوجت رجلاً صامتاً، سريع الانفعال، حاولت التعايش معه في سلام، فلم أتمكن، وخانني التوفيق، فهو نادراً ما يتكلم، وإذا ما تجاذبنا الحديث فغالباً ما يكون كلامه انتقادا ظالماً أو ثورة عارمة، على تصورات واهية، فهو عادة ما يقاطعني أياماً عديدة، بلغت في إحدى المرات عشرة أيام، وحتى الآن لم استطع التوصل إلى سبب مقنع يبرر هذه النوبة المفاجئة من الصمت الطويل..

لقد بدأ يهرب من بيت الزوجية إلى بيت أسرته أو منازل الأصدقاء طلباً للراحة النفسية (على حد قوله)))[1].

كيف يمكن أن نتخلص من الشعور بالملل تجاه الشريك؟

إن الخروج من الشعور بالملل أمر سهل إذا أردنا ذلك، بحيث نعطي هذه المشكلة شيئاً من الأهمية، فكثير من الأزواج لا يألون جهدا للتخلص من مشكلاتهم الزوجية، رغم أنها تتصدر قائمة المشكلات في الأهمية.

وللتخلص من هذه الحالة الشعورية علينا أن نتعرف على اسبابها، والسبب في شعور النفس بالملل هو الحياة الروتينية التي تخلو من التغيير والتجديد، ولان الطبع البشري متطوّر يبحث عن الجديد، فستكون الحياة التي تفتقر إليه حبيسة السأم والضجر.

يقول علماء النفس أن (الحياة الروتينية عادة ما تؤدي إلى الجمود والتشاؤم ومن ثم الخلافات والمشاكل، وعلى النقيض من ذلك فإن التطوير والتجديد المستمر يؤدي إلى التفاؤل والسعادة)[2].

إذاً لابد أن نعيش دائماً حياة تتصف بالتطوّر وفي جميع المستويات، فإن التعاليم الإسلامية تدعو الإنسان دائماً إلى الارتفاع ولو درجة واحدة كل يوم، في الحديث (من تساوى يوماه فهو مغبون..).

اليوم أفضل من الأمس، وغداً أفضل من اليوم.

أو اليوم مختلف عن الأمس، وغداً يختلف عنهما.

هذه هي القاعدة الذهبية التي ينبغي اتباعها في شتى مستويات الحياة، وعلى الخصوص، الحياة الزوجية، وللابتعاد عن حالة السأم في حياتنا الزوجية بشكل دائم والتي تتركز في ثلاثة جوانب..

الأول:- الجانب العاطفي للزوجين.

 فإن النفس إذا تعوّدت على معاملة متشابهة بشكل مستمر فسوف لن تحس بها بعد مرور الوقت، تتمثل هذه الحالة في الكلمات التي تصدر من الزوجين معبرة عن الأحاسيس العاطفية تجاه الآخر، لذلك فإن هذه الرسائل الحبية ينبغي أن لا تصاغ في قالب واحد متشابه طوال الحياة الزوجية.

قم باتباع أسلوب التطوير والتغيير في التعبير عن الحب، يتم ذلك عن طريق تبديل الكلمات، فبدل أن تقول (حبيبتي)، قل (حياتي)، أو أميرتي أو غير ذلك.

أو غيري أسلوب تعبيرك عن مشاعرك من الكلمات إلى النظرات، أو الأفعال المختلفة، كالّلمسات الحانية، أو اتبعي طريقة المفاجأة، لأن المفاجأة لا يتوقعها الآخر، بل يتوقع الانشغال بأعمال أخرى أو يتوقع أسلوبا روتينياً فيفاجئ بما ليس على باله، وهو أفضل تغيير. (التغيير الذي لا يتوقعه الطرف الآخر).

لا تكثروا من تعبيرات الحب إلى حد الإفراط وفي جميع الأوقات، فعليكم أن تتعرفوا على الأوقات التي تكونون بحاجة فيها إلى العاطفة أكثر، ومن الأخطاء التي يقع فيها الأزواج هي عدم التفريق بين الحاجة إلى المساندة والحاجة إلى الدفعات العاطفية.

الثاني:- الجانب الثقافي والعلمي

 كثيراً ما ترجع حالات الصمت المطبق بين الزوجين إلى عدم وجود مادة للحديث عنها، لأنهم إما لا يعيرون الثقافة أية أهمية، أو أنهم يتشاركون في ما يكتسبونه دائماً بحيث لا يمتلك أحدهم ما يقوله للآخر من جديد.

فينبغي أن يركز الزوجان على جانب اكتساب المعارف العامة، لكي تتوفر لديهم مادة مفيدة للحديث، ويتم ذلك عبر:

أ‌- القراءة المستمرة للكتب والمجلات والجرائد.

ب‌- متابعة المستجدات عبر برامج التلفزيون أو الراديو.

ت‌- الاندماج في المجتمع والمشاركة في الفعاليات الثقافية كالمحاضرات والندوات.

بهذا تتكون لدى الزوجين حصيلة ثرية بالمتغّيرات في عقلهما، لتترجم إلى أحاديث حيوية جديدة لا تبلى.

الثالث:- الجانب الشكلي.

كذلك فإن التعّود على الأشكال المتشابهة لمدة طويلة تفقدها بريقها، لأن العين تتذوّق ما تراه، وإذا اعتادت على مشاهدة متكررة مدّة زمنية طويلة فلا شك أنها لن ترى الإثارة التي كانت تراها سابقاً، تتجسد المشاهد الشكلية في التالي:

أ / ديكور المنزل.

ب/ المناظر المعلّقة على الحائط، والزهور وأغراض الزينة.

ج / أماكن التنزّه، وغيرها من الأمور الشكلية.

فينبغي تغيير ديكور المنزل أو إعادة تشكيله من جديد بحيث يصبح شيئاً آخر غير المعهود، وكذلك المناظر المعلّقة على حائط منزلك، والزهور التي تتزين بها أركان المنزل، فتغيرها يعطي طابعاً مختلفاً عماّ قبل..

· السفر فكرة مناسبة

قد تصل بعض الحالات الزوجية لحالة أكثر صعوبة وهي الملل من الشخص ذاته، أو مما حوله كالمنزل، والمنطقة وما إلى ذلك من أشياء مرتبط مبها، وفي هذه الحالة قد يلجأ البعض من الأزواج للخيانة الزوجية أو الطلاق، أو التخبط في قراراته، ولا يدري ما هو العمل، للخروج من هذه المحنة، في هذه الحالة ستكون فكرة السفر كفيلة بأن تزيل إحساس الملل ذاك، ففي السفر يصبح التغيير هو السائد، فلاشيء متكرر على النفس والعقل والشكل.. فكل ما يراه مختلف، وفي السفر يتمثل البعد الجسماني عن الزوجة والذي بدوره يؤجّج الشوق إليها، خصوصاً عندما يفتقد كل الأشياء التي توفرّها له زوجته من الحاجة الجنسية، والعاطفية، وترتيب الملابس، وإعداد الطعام.. ولعلنا سمعنا كثيراً عن حالات طلاق فشلت جرّاء إحساس الزوج بقيمة ما تقدّمه له زوجته في كل تلك الاحتياجات..

إذاً الملل الزوجي ليس حتماً أن يصاب به الأزواج إذا عاشوا حياة متغيرة متجدّدة، وإذا أصيبوا به فإن بالإمكان يطردوه من حياتهم.

* فصل من كتاب الحب في العلاقات الزوجية

www.mosawy.org


[1] / الأمراض النفسية وعلاجها في ضوء التقدم الطبي الحديث –ص21.

[2] / الأمراض النفسية في ضوء التقدم الطبي الحديث-ص23.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 13/حزيران/2009 - 15/جمادى الآخرة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م