عندما تجهل هيئة "كبار العلماء"!!

أحمد عبد الرحيم-صفوى

قبل أن تهدأ عاصفة الاستهجان التي أثارها الكلباني إمام الحرم المكي، جاءنا الجواب: "إن لم ترضوا بالتطاول على علمائكم كما فعل الكلباني، سنتعرض لأئمتكم المعصومين أيضا" حيث أطل علينا الشيخ عبد الله المنيع عضو هيئة كبار العلماء بمقال في جريدة الوطن السعودية يسخر فيه من أحد أهم أركان العقيدة الشيعية وهو اعتقادهم بوجود الإمام المهدي المنتظر(عج). وبالغ الشيخ المنيع في التعدي على هذه الطائفة الكبيرة عندما لم يكتفي بالسخرية فانتقل إلى نشر الأباطيل والترهات واصفاً عقيدة الشيعة الإمامية في الإمام المهدي(عج) بأنه "طفل مات قبل ثمانية قرون أو أكثر ولا يزالون ينتظرون قيامه من قبره ليحكم الشيعة، وأن مرجعية الشيعة وهم يمارسون السلطات الحكمية يعتبرون أنفسهم نوابا لهذا المنتظر حتى يقوم من قبره... أليس قولي عن المهدي أخف في التصوير والتقدير العقلي من عقيدة قيام المنتظر من سردابه؟"[1]

وهنا نقف أمام احتمالين وهما أما أن الشيخ كان يجهل بالفعل عقيدة الشيعة تجاه غيبة الإمام المهدي(عج) -وهذا ليس مستغربا فمن يقرأ كتابات الشيخ المنيع يجدها مليئة بالاستدلالات الركيكة والحجج الواهية والخروج عن موضوع النقاش فليس هذا المقال يتيما من هذه الناحية- أو أنه كان يدلس على القراء ليصور لهم سخافة العقيدة الشيعية التي كانت ولا زالت تمثل كابوسًا مرعباً للمتشددين من علماء المذهب الوهابي.

إن هذين الاحتمالين يفتحان الباب على مصراعيه على الكثير من الأسئلة الجوهرية والخطيرة التي تحتاج إلى إجابة عاجلة وشافية:

أولاً: عن المستوى العلمي لرجال الدين الذين يتبوؤون مناصب رسمية رفيعة وخصوصا في هيئة كبار "العلماء". فعندما يجهل عضو في هيئة كبار "العلماء" أسس عقيدة طائفة من المسلمين تعيش ضمن حدود الوطن، فإن ذلك يقودنا لتساؤل جدي حول المستوى العلمي لأعضاء هذه الهيئة ومصداقية فتواها بشكل عام وفتاواها المتعلقة بهذه الطائفة بشكل خاص.

إن الأسلوب اللاعلمي الذي اتبعه المنيع في احتجاجه الساخر على عقيدة الشيعة يظهر لنا أيضًا وبشكل جلي ضحالة مستواه العلمي. فبغض النظر عن الموقف تجاه إمكانية بقاء الإمام(عج) على قيد الحياة قرونًا طويلة -كما يقول أغلب المسلمين بما فيهم السلفيون بالنسبة لنبي الله عيسى(ع) الذي يكبر الإمام المهدي(عج) بقرون طويلة وغيرها من الأدلة العقلية والنقلية-، فإن المنيع انحرف عن الأسلوب العلمي من عرض الرأي المخالف كما يقول به أصحابه ثم الانتقال إلى مرحلة نقده والإشكال عليه، وقام بالتقول على الآخرين بشيء لا يعتقدون فيه ساخرًا من عقولهم التافهة عندما ألقمهم الحجة البالغة على بطلان معتقد من نسيج خياله هو.

هذا الأسلوب العلمي الذي خالفته يا شيخ ليس مطلب أهل الضلالة، بل هو ما علمنا الله –عز وجل- في كتابه، فمع كل عظمته وجزمنا بصحة كلامه المطلقة إلا أنه نقل لنا رأي الشيطان الرجيم –الذي مهما بلغ الشيعة من الضلالة فإنهم لن يصلوا لمستواه- كما قاله هو بلسانه حيث قال تعالى:(قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)[2]، ثم حكم الله عليه بأنه متكبر بعد أن بين رأيه هو بنفسه. فأين ذهب عضو هيئة الكبار من أسلوب كتاب الله وسنة رسوله(ص) الذي طالما صرخ المتشددون بأنهم يحتكرون حمل لوائهما والدفاع عنهما في العالم؟!

ولا سبيل لرد هذا الإشكال عن المنيع إلا بالقول بأنه لم يكن يجهل عقيدة الشيعة، وإنما كان يدلس عليهم ويعتم على الحقائق لتنفير بقية المسلمين منهم ومن عقيدتهم، وهذا يفتح تساؤلات أخرى حول المستوى الأخلاقي والقيمي عند هؤلاء "العلماء" وعن مدى استئهالهم لثقة الناس بكلامهم.

إذا كان هؤلاء المتشددون بهذا المستوى، فهل لفتاواهم التكفيرية أو التحريضية المبنية على الجهل الكبير أي مصداقية؟ وإذا كان هذا حالهم مع طائفة كبيرة تشاركهم تراب الوطن، فما هي مصداقية فتاواهم المتعلقة ببقية المذاهب والأديان بما فيها الطوائف الأخرى التي تعيش على أرض هذا الوطن؟ ألا يدعو هذا هؤلاء المتشددين وأتباعهم إلى وقفة تأمل وتحقيق في ما يعتبرونها أدلة على كفر الكثير من المسلمين وضلالهم واتقاء الله في دماء المسلمين التي تسفك يوميا في شرق الأرض وغربها بناء على هذه الفتاوى التكفيرية أو التحريضية حتى؟

ثانيًا: يحق لنا كمواطنين أن نتساءل عن درجة نزاهة الترشيح للمناصب الدينية العليا، خصوصا بعد أن شهد شاهد من أهلها حينما زل لسان الكلباني أو دعنا نقول غفل عن تقيته الشديدة في لقاءاته التلفزيونية حيث صرح بأنه يوجد "علماء" يسعون لتقلد مناصب رفيعة عن طريق الواسطة والعلاقات. كما يحق لنا أن نتساءل عن مدى حجية كلام هذه الشخصيات، وكيفية تفادي العواقب الوخيمة الناتجة عن ما يرتكبونه من أخطاء.

ثالثا: هذا المستوى العلمي المتدني لعضو هيئة كبار "العلماء" يقودنا لتساؤل آخر حول حدود وصلاحيات هذه الهيئة التي لها اليد المطلقة في تحديد القوانين وإصدار الفتاوى التي يتعلق بها مصير الكثير من البشر داخل البلاد وخارجها، وخصوصا من أبناء الطوائف والأديان الأخرى التي تجبر على تنفيذ أوامر الهيئة دون نقاش، والتي يبدو أن أعضاء الهيئة يصدرون بحقها الفتاوى بناء على معلومات مغلوطة أو نية سيئة لتنفير الناس منها مما ينعكس بصورة سلبية على مستوى العدالة في البلاد وعلى صورتها الخارجية أمام العالم، خصوصا وأن هذه الهيئة تظهر للمسلمين وللعالم بأنها تحكم بكتاب الله وسنة رسوله(ص)، فتتحكم في كل شاردة وواردة في البلاد وتقمع كل رأي وتفسير آخر لهما من الطوائف التي تخالفها وكأن الوحي نزل عليها هي مباشرة.

إن كان هذا هو ما يعلمه المنيع حول عقيدة الشيعة -الذي يضحك على مقاله صغير الشيعة قبل كبيرهم-، فهل يحق لهيئة هذا مستواها العلمي والأخلاقي أن تكون جهة الإفتاء الأولى والرسمية في وطن يضم طوائف مختلفة؟ وهل يحق لها أن تفتي في كل المجالات بدون حساب؟

هل تستطيع الدولة أن تفرض الرقابة على ما يصدر من المؤسسات الدينية الرسمية كهيئة كبار العلماء وتدقق في فتاواها وأن تعزل من يرتكب الأخطاء الفادحة كما فعلت في قضية الشيخ صالح اللحيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى الذي أعلن أنه عزل بناء على طلبه بعد أن تعرض بشكل غير مباشر لبعض أفراد الأسرة الحاكمة من ملاك القنوات الفضائية ولم يشفع له تراجعه عن ذلك؟

رابعاً: نسجل تساؤلنا أيضا عن حرفية وحيادية جريدة الوطن التي تعتبر نفسها رائدة هذا المجال، فهل يدل سماحها بنشر هذا المقال وغيره من المقالات التي تتعدى وتفتري وتسخر من معتقدات الطوائف الإسلامية التي ينتمي لها الكثير من أبناء الوطن على مستوى مهني عالٍ؟ وهل يقع كل هذا تحت عنوان شرف المهنة الصحفية؟ هل تستحق هذه الجريدة اسم "الوطن" وهي تتهجم وتتحيز باستمرار ضد شرائح واسعة من أبنائه؟

وبعد هذه التساؤلات التي تنتظر الإجابة عاجلاً، نطرح عدة مطالب مهمة لعدة جهات:

1)  نجدد مطالبة الدولة بأن تقوم بدورها اللازم وأن تخرج من هذا الصمت الذي يضعها تحت دائرة الاتهام المباشر بدعم الفتاوى التحريضية والتكفيرية بحق مختلف طوائف المسلمين التي لا تتبع النهج السلفي الوهابي، لأن هذه الفتاوى لا تصدر من عوام الناس بل يصدر الكثير منها من مؤسسات رسمية في هذه البلاد تتلقى الأموال والرواتب من خزينة الدولة وتحظى باحترامها. فيجب على الدولة أن تسن القوانين التي تجرم مثل هذه الفتاوى والدعوات وأن تفرض الرقابة على كل فتوى تصدر من مؤسسة رسمية كما فعلت مع فتاوى الإرهاب الذي لم يضرب البلاد إلا نتيجة مثل هذه الفتاوى، وهذا أضعف الإيمان.

2)   كفاكم إقصاءً أيها المتشددون، اعرفوا على الأقل أهم عقائد من تخالفون، إن لم يكن من باب الإنصاف فمن باب أن لا تظهروا أنفسكم بمظهر الحمقى تعادون وتكفرون وتقتلون من لا تعرفون!! غيروا طريقة تعليمكم في مدارسكم ومعاهدكم والمستوى المشروط لإصدار الفتوى لتخرجوا من تصنيف الحمقى والجهال.

3)  يجب على الجرائد ووسائل الإعلام أن تدقق فيما تنشر من باب المهنية ومن باب تجنب العواقب غير المرغوب فيها، فالتعدي على الجمهور يسبب فقدان المصداقية وخسائر مادية و ربما إجراءات قانونية أيضاً.

4)  إلى كل الكتاب والإعلاميين الشرفاء: عليكم بفضح هؤلاء المتشددين الجهال وعدم التغافل عن ما يرتكبوه من جرائم ومخالفات، فكما فضحتم التصرفات الهوجاء لما يسمى بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عليكم بمواصلة المشوار ضد كل من يستغل منصبه وعنوانه الديني ليتجاوز على حقوق الآخرين بدون حق.

5)  ينبغي على المسلمين شيعة وسنة أن يُفهموا هؤلاء بأن مثل هذه التعديات لن تمر مرور الكرام، وأن معتقدات الآخرين ليست لقمة سائغة محللة لكل من هب و دب. فالساسة يجب أن يفهموا أن عقائد الناس ليست للتلاعب والتراشق السياسي لتصفية الحسابات المحلية والإقليمية. ورجال الدين يجب أن يفهموا أنه لا يمكنهم السخرية من عقائد الآخرين والافتراء عليهم أمام الملأ  ثم يمرر ذلك وكأن شيئا لم يكن، فلقد ولى ذلك الزمن للأبد. وسائل الإعلام يجب أن تفهم أنه عندما تتعدى على المعتقدات في لعبة سياسية أو غيرها فإن أصحاب هذه المعتقدات وبقية أخوانهم في الدين بيدهم الكثير ليفعلوه، فزمن الإعلام الأحادي ولى، وزمن الدوس على الأعناق ومصادرة الحقوق وكتم الأصوات ولى كذلك، فالآن بإمكان الجميع أن يتكلموا بل ويصرخوا ويقاطعوا ويحاكموا كل من يعتدي على حقوقهم وكرامتهم.

وأخيرًا، أتمنى من جميع المسلمين شيعتهم وسنتهم أن يجعلوا من هذه الحادثة خطا فاصلا لهذه المهازل، وأن يجعلوا منها درسا لكل من تسول له نفسه بأن يتعدى على حقوق الآخرين ومعتقداتهم أيا كان انتماؤه المذهبي أو منصبه، ولكل من يفكر في دعمه ونشر أباطيله التي تثير الفتنة بين المسلمين عامة وأبناء الوطن الواحد خاصة.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )[3].


[1]   مقال عندما تغيب العقول، عبد الله بن سليمان المنيع، جريدة الوطن بتاريخ 28 جمادى الأولى 1430هـ:

 http://www.alwatan.com.sa/news/writerdetail.asp?issueno=3158&id=11577&Rname=274

[2]   سورة الأعراف، آية 12

[3]  سورة الأحزاب، آية 70-71

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 13/حزيران/2009 - 15/جمادى الآخرة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م