شبكة النبأ: لا يختلف اثنان في إن
العمل الإعلامي بات يتمتع بهامش كبير من حرية التعبير، بدرجة قد تكون
غير مسبوقة في العراق، خصوصا بعد توافر الأجواء الطبيعية للمناخ
التعددي السائد، إلا اللهم من يعارض ذلك من باب العناد أو محاولة ذر
الرماد في العيون.
فرغم جملة المعوقات التي تواجهه انسيابية العمل الصحفي والخطر
الناجم عن ممارسة نقل الخبر ومتابعة الأحداث، تشير معظم المعطيات
المتوافرة إلى نجاح العاملين في هذا المرفق الحيوي بإتمام عملهم على
قدر كبير من الانجاز.
لكن في خضم استحقاقات النظام الديمقراطي الجديد لا تزال العديد من
الإشكاليات المغيبة تتربص بحرية العمل الصحفي، نظرا لإهمال المشرع
العراقي أثناء سنه للدستور حق المعرفة وامتلاك المعلومة، الذي يعد من
المقومات للمرفق الإعلامي.
فنجد الدستور العراقي الذي يعد أسمى قانون في البلاد قد خلت بنوده "عن
قصد أو غيره" من تشريع أي فقرة أو إشارة تجيز هذا الحق الأساسي المنضوي
تحت مفهوم المواطنة وأساسياتها أولا، وأساسيات العمل الصحفي ثانياً،
أسوة بالحريات العامة في سائر دول العالم.
حيث تناولت المادة 36 من الدستور العراق حرية العمل الإعلامي في
فقرتين لا ثالثة لهما دون الإشارة الى حق امتلاك المعلومة، بعد ان ذيلت
بفقرة هزيلة عن الحريات العامة، فتنص المادة على:
أولا- حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل.
ثانياً - حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر.
ثالثاً - حرية الاجتماع والتظاهر السلمي وتنظم بقانون.
فنرى من خلال ما ذكر تغاضي المادة 36 من الدستور بشكل صريح وواضح
عن أي تنويه ضامن لحق امتلاك المعلومة، على الرغم من إتاحتها حرية
التعبير، مسقطة في الوقت نفسه ما يعد حقا شرعيا للمواطن العراقي بصورة
عامة، ولمزاولي العمل الصحفي بصورة خاصة.
خصوصا ان ذلك الحق يعتبر من أعمدة النظم الديمقراطية الصحيحة،
وإقراره يأتي في سياق الحريات العامة المعتمدة لدى اغلب النظم الدولية
الحديثة، بعد ان تبنت هذا المفهوم.
حيث نلحظ ان العديد من دول المنطقة والعالم أقرت من خلال دساتيرها
شرعية استقصاء المعلومة ونقلها وتحليلها دون قيد او شرط.
فيما ضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ذلك في المادة (19) التي
جاء فيها: "لكل فرد الحق في حرية الرأي والتعبير ويشمل هذا الحق حرية
اعتناق الآراء دون تدخل واستقاء المعلومات وتلقيها ونقلها من خلال أية
وسائل بغض النظر عن الحدود...".
كما يشرع الإعلان العالمي بإسهاب توظيف مختلف الوسائل الممكنة
لامتلاك المعلومة والحصول على المعرفة والاطلاع على تجارب الآخرين، بعد
ان ربط هذا الحق بالحق في الحصول على المعلومات وتداولها ونقلها
وتحليلها وهو الدور الذي تقوم به وسائل الإعلام، مما يعني الحق لكل
مواطن في النفاذ إلى ملفات المؤسسات العامة، إضافةً إلى المعلومات التي
هي في حوزة شخصيات معينة "متى اقتضت الحاجة أو المصلحة العامة إلى ذلك".
فالتفسير القانوني يأتي على أساس أن "المؤسسات العامة تحتفظ
بمعلومات لا تخصها، بل بالنيابة عن العامة وأن الشأن العام هو شأن
العامة".
هذا المبدأ يشير إلى ضرورة إدخال آليات فاعلة يستطيع الجمهور من
خلالها الحصول على المعلومات ومعرفة ما تعمله الحكومات بالنيابة عنه،
وتداولها أي نشرها وتوزيعها، وبدون ذلك ستضعف الحقيقة وستبقى مشاركة
الناس في الحكومة مجزأة.
فيما تم تبني الميثاق الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية (ICCPR)،
الذي يعتبر المعاهدة ملزمة قانونياً، من قبل الجمعية العمومية في الأمم
المتحدة عام 1966، حيث قامت حوالي 149 دولة بالمصادقة عليه ابتدءا من
كانون الأول عام 2002.
ويكفل البند المماثل في هذه المعاهدة، والمادة 19 أيضاً، حق حرية
الرأي والتعبير ضمن الشروط المشابهة نفسها التي وردت في الإعلان
العالمي لحقوق الإنسان (UDHR).
في حين نرى بعض الدول التي امتازت بخصوصية مجتمعاتها المتعارضة مع
تبني الإعلان الدولي لحقوق الإنسان، قامت بسن قانون خاص يكفل ذلك الحق،
كالدول العربية والإسلامية، بعد ان تبنت محاكم عليا تفسير الضمانات
الدستورية طويلة الأمد الخاصة بحرية التعبير على أنها اعتناق حق حرية
المعلومات.
في اليمن نجد إن دستورها استدرك ذلك بسن قانون خاص شرّع الحصول على
المعلومة، بعد أن أباحها لجميع المواطنين دون استثناء، آخذا بنظر
الاعتبار تأمين الحصانة القانونية لمن يروم التقصي عن أية معلومة.
فنجد نص ذلك في عدة فقرات منها على سبيل المثال:
1- الحصول على المعلومات حق من حقوق المواطن الأساسية وله ممارسة
هذا الحق في حدود القانون.
2- لكل مواطن حق التقدم بطلب الحصول على المعلومات ولا يجوز أن
يترتب على تقديم هذا الطلب أية مساءلة قانونية.
وينسحب الأمر كذلك على الميثاق الوطني الأردني في تشريعه، معتبرا حق
المعرفة والبحث من أساسيات النهج الديمقراطي، ليفصل ذلك في عدة نقاط
تحت بند الإعلام والاتصال أهمها:
1- تعتبر حرية الفكر والرأي والتعبير والاطلاع حقاً للمواطن كما هي
حق للصحافة وغيرها من وسائل الإعلام والاتصال الوطنية، وهي حرية ضمنها
الدستور ولا يجوز الانتقاص منها.
2- أن يكون للمواطن الحق في التماس الحقيقة والمعرفة من خلال مصادر
البث والنشر المشروعة في داخل البلاد وخارجها، ولا يجوز أن تحول
الرقابة على المصنفات الإعلامية دون ممارسة هذا الحق".
امتلاك المعلومة وتحصين الدولة
يصنف المشرعون حقوق البحث والاستقصاء عن المعلومة وامتلاكها من
بديهيات النظم الديمقراطية، الى جانب تصنيفه حق أساس من حقوق المواطنة،
آخذين باعتبار الحق لجميع أبناء الدولة الاطلاع على ما تقوم به
المؤسسات والحكومات الرسمية والخاصة، كون تلك المؤسسات مجرد جهة مفوضة
بالنيابة عن المواطنين في تصريف شؤون البلاد بعد أن تم ترشيح أفرادها
عبر الآليات الانتخابية والإدارية المتبعة.
فضلا عن ذلك يوفر ذلك الحق مقدارا كبيرا من الشفافية في أداء مؤسسات
الدولة وسير العمل الحكومي والخاص، مما يؤمن مقدارا من النزاهة والقدرة
على مكافحة الفساد الإداري والمالي في تلك القطاعات.
وهنا تجدر الإشارة إلى إن الفساد الإداري والمالي بمختلف أشكاله كان
دائما ما ينمو في أجواء النظم السياسية التي تحجب حق امتلاك ونقل
المعلومة، لذا نلحظ إن المفسدين هم أكثر من يعارض سن قوانين خاصة بهذا
الخصوص.
فإتاحة الحصول على المعلومات تبيح الاطلاع على البيانات والحقائق،
مما يقلل بشكل كبير انتشار الفساد الذي يترعرع عندما تغيب المكاشفة
وتتوارى والمساءلة.
وبطبيعة الحال تعد الصحافة والإعلام الناقل الصحي والشرعي للمعلومة،
باعتبارها همزة الوصل الأمينة بين المؤسسات الحكومية والأهلية من جهة
وأفراد المجتمع من جهة أخرى.
كما إن نجاح أفرادها ووسائلها المتنوعة في ممارسة حق التقصي ونقل
المعلومات يعد ابرز مقاييس التقييم في العملية الديمقراطية إيجابا أم
سلبا حسب المعطيات الملموسة.
فلا نستطيع التحدث عن وجود حرية المعلومة وحق المعرفة ما لم ترتبط
بحرية إصدار الصحف والمطبوعات والبث الإذاعي والتليفزيوني والإنتاج
المسرحي والسينمائي، بحيث تكون الحرية متاحة فعلا وحقا مكفولا للجميع
بسهولة ويسر وبغير تمييز، ويشمل حرية تملك وسائل الاتصال وحرية الطبع
والنشر والتوزيع.
التي تكون مستندة في الوقت نفسه على وجود ضمانات دستورية وقانونية
تكفل حرية الوصول للمعلومة.
من هذا المنطلق نوجه دعوانا إلى مجلس النواب والحكومة العراقية
للالتفات الى ضرورة تشريع قانون خاص يؤمن الحق الطبيعي للمعرفة وحق
امتلاك ونقل المعلومات الشامل لمختلف المواطنين، وعلى الأخص تأمين
الغطاء الشرعي والقانوني لشريحة الصحفيين بشكل خاص، لدوره البناء
والايجابي في الإسهام بشكل فاعل في النهوض بمختلف قطاعات الدولة،
والارتقاء بالعديد من الملفات الحيوية، كحقوق الإنسان والتنمية
السياسية والاقتصادية ومكافحة الفساد.
* مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام
Http://annabaa.org |