إن المتغيرات اليومية التي تجري على الساحة الشرق اوسطية مثيرة
للغاية لفهم الحراك السياسي والعسكري والاستراتيجي الحاصل. ومن جهة
أخرى فإن زخم هذه المتغيرات قد لا يتيح للباحث أو المهتم أو حتى
السياسي بمتابعة مستمرة ودقيقة لما يجري. إنما الملاحظ أن منطقة الشرق
الاوسط وخاصة قضيتها المركزية ألا وهي قضية فلسطين ما تزال تتمتع
بوجودها بامتياز، وأنه لا يمكن التوصل إلى حل للصراع الاسرائيلي ـ
العربي إلا بحل القضية الفلسطينية، ولقد بينت الأيام الخوالي أن
معاهدات أو تسويات سلمية مع اسرائيل لم تفرز حالة من الهدوء أو
الاستقرار في المنطقة ولا حلت القضية الفلسطينية.
وكمراقب ومتتبع للحالة الصراعية في الأساس في الشرق الاوسط،
واسرائيل وما يجري بداخلها، قرأت قبل قرابة الشهر كتاب "اسرائيل الاخرى"
للباحث جوني منصور. ولاحظت بجلاء أن الكتاب عبارة عن مجموعة قيّمة من
الفصول الشاملة لعدد من القضايا التي تجري في اسرائيل ومن المهم على
العرب عموما التعرف عليها، والبحث عن مصادر معرفية إضافية لكشف المزيد
منها. ولاحظت أن المؤلف لم يترك ميدانا إلا وطرقه من باب نقل صورة ما
يجري ويدور في اسرائيل من تغييرات وتحولات، وكيفية تعامل اسرائيل مع ما
يجري في داخلها ومن حولها.
وكان همي وما يزال بالنسبة لاسرائيل أن اعرف كيف تعمل هذه الدولة
المخلوقة وغير الطبيعية. وملفت للانتباه أن تركيبة السكان في اسرائيل
مثيرة للاهتمام، ونسأل السؤال كيف تعيش هذه التركيبة يوميا وما هي
أليات عملها وتحركاتها؟ وبالتالي همنا بعد التعرف على اسرائيل وكيف
تشتعل وتدير أمورها، أن نعرف كيف نتعامل معها سياسيا وصولا إلى إحقاق
حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة بإقامة دولته المستقلة وتحقيق كافة
القرارات الدولية الشرعية المتعلقة بالفلسطينيين.
إلا أنني قرأت مقالة للاستاذ علاء البيومي يُراجع فيها الكتاب أعلاه،
وتفاجأت من عدة قضايا يطرحها في مقالته، بحيث انه يطلب من مؤلف الكتاب
أن يتطرق إلى مواضيع معينة تبدو مهمة بالنسبة للاستاذ البيومي، أو انه
يريد أن يراها في هذا الكتاب. فعدت إلى قراءة جديدة للكتاب على ضوء ما
أورده البيومي في مقالته، وتبين لي ما يلي:
أولا: إن الفصل الخاص بالاقتصاد الاسرائيلي يتعاطى مع الموضوع حتى
العام 2008، أي قبل صدور الكتاب وقبل بروز الأزمة الاقتصادية العالمية
وتأثيرها على الاقتصاد الاسرائيلي. ولكن الملفت للانتباه أن هذا الفصل
بالذات ليس اقتصاديا بقدر ما يوضح فكر اسرائيلي توسعي يهدف إلى توضيح
فكرة قوة اسرائيل ونفوذها الاقتصادي المحلي والاقليمي. أما المعطيات
فهي لتوضيح فكرة سير اسرائيل نحو الخصخصة والتخلص من موروث القطاعات
العامة التي كانت ضرورية لاسرائيل بعد تأسيسها لدعم مجتمعها الحديث.
ثانيا: تطرق مؤلف الكتاب الى عدد كبير من القضايا الملحة اسرائيليا
واقليميا ودوليا. ولا يمكن أن ينقل كتاب كهذا كل ما يريده الاستاذ
البيومي، يريد معلومات عن شخصيات وأعلام وعن مؤسسات بحثية وغير ذلك، هل
يمكن القيام بتوفير كل هذا في كتاب واحد؟! هذه مطالب تحتاج إلى مزيد من
البحوث وهذا دليل على حاجة العرب عامة إلى معرفة اسرائيل وكشف خفاياها.
ثالثا: لاحظت ولأول مرة عرض من المؤلف عن اسرائيل من داخلها، أي
التعاطي وفقا لما هو قائم وموجود في ميادين الحياة الاسرائيلية، وهذا
لا يمكن أن يقوم به أي باحث عربي ينظر ويراقب اسرائيل من الخارج. وهنا
أود أن أُقدّم خبرة شخصية، واعذروني، إذ أنني حتى الانتفاضة الثانية
كنت أقوم بزيارات الأهل في الضفة الغربية في كل صيف، وتمكنت من التعرف
شيئا ما على مجريات الأحوال في اسرائيل، ودهشت للغاية من مسألة كيف
يمكن لدولة كأسرائيل أن تدير شؤونها وهي عبارة عن تركيبة غريبة وعجيبة
من الشعوب والشرائح البشرية؟ ثم كنت وما أزال اسأل نفسي ما هو جوهر
وجود اسرائيل وما الذي يضمن وجودها وحياتها إلى اليوم بالرغم من قوة
العرب العددية والمالية وغيرها. فتبين لي أننا بحاجة ماسة إلى مزيد من
الدراسات والبحوث التي يقوم بها من يعرف تحرك الشارع الاسرائيلي وكيف
يتنفس وفكر ويخطط. ولهذا وجدت أن كتاب اسرائيل الاخرى يقدم إجابات حول
عدد من القضايا بروح واقعية ومتتبعة يوميا لما يجري في اسرائيل.
رابعا: يدّعي الاستاذ البيومي انه لم يجد منهجا في فصول الكتاب، إلا
أنني اتساءل كيف يمكن أن يكون في كتاب متعدد الفصول والمواضيع منهجا
موحدا؟ فدراسة الاقتصاد والتعليم والدمغرافيا والشأن الاجتماعي ويهودية
اسرائيل ام ديمقراطيتها وحالة العرب الفلسطينيين في الداخل والصراع
الاسرائيلي ـ العربي وملفات سوريا وحزب الله والنووي الايراني، كلها
مواضيع متعددة وذات استقلالية معينة. أنا لا اتفق مع الاستاذ البيومي
في توجهه هذا لكون البحث عن منهج هو في حد ذاته التمسك بالقشور
والمظاهر، دون النظر إلى محتويات وجوهر الكتاب وطروحاته البراغماتية
والعملية اليومية.
مشكلة العرب في هذا السياق أنهم يبحثون عن منهج وعن معلومة هنا
وهناك دون أن يتنبهوا إلى المجمل الكلي. وهذا يذكرني بمثل الحمار
اليهودي الذي وقع في حفرة عميقة يوم السبت، ويوم السبت عند اليهود وفق
الشريعة اليهودية مقدس ولا يجوز القيام بعمل ما. فهل ينتظر اليهودي
صاحب الحمار انتهاء يوم السبت ليتحرك أم يُنقذ حماره في الحال؟؟ الجواب
أن يبادر إلى إنقاذ حماره للتو لأنه ينقذ حياة ووسيلة نقل وعمل مهمة
له. ومن هنا هل المنهج مقدس أم أن الموضوع يدعو إلى التحرك والتفاعل مع
القضية الصراعية؟ إنني أرى في الكتاب عموما خطوة جريئة نحو وضع قضايا
اسرائيلية خالصة واسرائيليى ـ عربية واقليمية ودولية على المحك بكونها
تدعو إلى دراستها والتعمق فيها.
خامسا: ان الفلسطينيين في الداخل يمتلكون من القدرة ما يكفي للعرب
عامة على فهم ما يجري في اسرائيل وتحركاتها. وهذا أمر ايجابي يساعد في
توجيه ما نحتاج إليه كأمة من اجل مواجهة مستقبلية مع طروحات اسرائيل
وحلفائها في الشرق الاوسط والعالم. اما بقية المواضيع التي يطالب بها
الاستاذ البيومي فهي في باب مناشدة العرب للكتابة عنها وليست بالضرورة
نقيصة في الكتاب. |