الأدب العراقي المغترب بين الشَد للوطن والواقع الثقافي المتردّي

 

شبكة النبأ: عبّر الروائي العراقي المغترب علي عبد العال، عن شعوره بالخجل الحقيقي لأن كتبه لا تقرأ في بغداد، على الرغم من إصداره أكثر من تسعة أعمال أدبية، مشيرا إلى ان من يقرأها هم فقط بعض الأصدقاء الذين تسلموا نسخة من هذه الاعمال.

ورأى عبد العال أن “تجاوز هذه المشكلة ليست مهمة فردية، لأننا جميعا  في الخارج نطالب الدولة ومؤسساتها الثقافية بطبع أعمالنا هنا في العراق، أو على أقل تقدير استيرادها من مصادر طباعتها”.

واستدرك قائلا إن هذا الأمر “لا يتعلق بي وحدي وإنما يتعلق بجميع زملائي ممن أنجزوا أعمالهم خارج الوطن. فتلك الأعمال التي أظنها ستكون أحد الروافد المهمة التي تصب في مجرى الواقع الثقافي العام”. بحسب تقرير لـ اصوات العراق.

وبين أنه “في السابق كان هناك عذر بأن نتاجنا لا يصل إلى الداخل بسبب السلطات القمعية والدكتاتورية الحاكمة، لكن ماذا نقول الآن؟”.

وأوضح عبد العال أن “الرواية أكثر مسؤولية بشكل حتمي من كتابة الشعر، فحتى القصيدة الجيدة يمكنها أن تكتب في لحظة شعرية ربما لا تتجاوز اليوم الواحد، بينما تحتاج الرواية إلى زمن أطول من ذلك بكثير، ربما يستغرق بضعة أعوام لإنجاز رواية متكاملة وجيدة”.

وأضاف عبد العال الذي يقيم في السويد منذ عام 1990، أن “الروائيين العراقيين في المنفى عالجوا عدة ثيمات روائية، ولكن القاسم المشترك بين هذه الأعمال يكاد يكون الشد والحنين إلى الوطن، فمعظم الأسماء الموجودة في المنفى كانت البوصلة الرئيسية التي تقودها هي قبلة الوطن ونجحوا بعكس صورة جيدة عن معاناة المنفي العراقي”.

واعتبر أنها “في المحصلة أعمال مهمة تصلح لأن تكون مرآة تعكس تجارب العراقيين المريرة في منافيهم جراء الأوضاع السياسية الشاذة التي مر بها العراق”.

وعن عملية تسويق الكتاب العراقي المنجز خارج العراق قال إنها “متعثرة وتكاد تكون شاذة كحال الوضع السياسي السائد في العراق حاليا”.

وبين أن “الأمر يصل إلى حد الإجحاف من قبل مؤسسات الدولة المعنية بذلك، وتقصيرها الفادح بلملمة أشلاء المنجز الأدبي والفني العراقي في الخارج، وبعث الروح فيه عراقيا عبر أسواق العراق ومكتباته ومنتدياته الثقافية والأدبية،كي تصل إلى المواطن العراقي”.

وعن آخر اعماله، قال “روايتي الجديدة (في الطريق إلى الرحم)، أتمنى انجازها في المرحلة القادمة ولا أريد الاستعجال بإكمالها، لأنني بدأت الكتابة فيها منذ زيارتي الأولى للعراق في آب 2003، وهذه هي الزيارة الثالثة لي”.

وأوضح قائلا “في كل زيارة أرى وأشهد وأعيش حالات جديدة أخرى غامضة ومفجعة وواضحة حد الوجع، حتى تكاد الصورة أن تكون في غاية التشويش حتى اليوم، إذ أنجزت قسما كبيرا من هذا العمل عن العودة إلى العراق، إلا أن الأمر الطاغي في هذا العمل هو ولادة كيان جديد غريب عليّ وعلى ذاكرتي ومخيلتي، كما لو أن الأمر أشبه بولادة طفل معاق”.

ولفت عبد العال أن الرواية التي يكتبها “تتخطى موضوعة الحنين إلى ماهو أبعد من ذلك، فقد عملت في السويد في المؤسسات السويدية (الصحافة والمكتبات)، الأمر الذي أتاح لي الاطلاع على تجارب أبعد من التجارب الذاتية، تلك المرتبطة بالحنين فقط، فهناك جرائم شرف حدثت بين شرائح من الجالية العراقية، أقدم فيها آباء على قتل بناتهم وأحيانا زوجاتهم، تحت عنوان درجت على تسميته الصحافة السويدية جرائم الشرف”.

واستطرد “روايتي أقمار عراقية سوداء تتحدث عن خراب ودمار أسرة عراقية حدثت لها صدمة الحضارة، وعالجت في رواية (ميلاد حزين) إقدام أب على قتل ابنته المراهقة الجميلة، كونه شكَّ بفقدانها لبكارتها وغيرها من الأعمال التي عالجت الإخفاقات والنجاحات التي أحرزها العراقيون في منفاهم مثل مجموعة (أزمان للمنافي)”.

ونوه إلى أن “الاشتغال على مشاكل العراقيين ومعاناتهم في الخارج هو احد أهدافي من الأعمال التي أكتبها، خاصة وأن العيش في الغرب يوفر عناصر حيوية وهامة وجديدة تسهم في أغناء العمل الأدبي وتمنحه صفة عالمية أبعد من تلك المحلية التي تكتب فيها الأعمال داخل العراق”.

ورأى  أن “الفرق بين الرواية المكتوبة خارج العراق عن تلك التي تكتب فيه، يكمن في مقدار الحرية المتاحة للطرفين، واعتقد انه لو توفرت الحرية للكاتب العراقي في بلده سينجز أعمالا أجمل وأكثر إبداعا وبهذا الحال ربما تتقارب درجة الإبداع على المستويين”.

وشدد عبدالعال على أنه “مازالت هناك قيود تتحكم بذهنية الكاتب وأدواته، فالمحاذير كثيرة، واللعنة الأشد تنتظر الكتاب الذين يتجاوزون الخطوط الحمر، فالمنع لبعض الأعمال الأدبية موجود لحد اللحظة كما ذكرنا”.

وبخصوص رؤيته لبغداد في سادس سنة لها بعد تغيير النظام، قال “من الناحية العاطفية أنا أحب بغداد واهلها وجميع المدن العراقية التي رأيتها، وأتمنى أن يتبدل هذا الوضع المعقد في العراق بأسرع ما يمكن فان هناك فقرا، وربما بمديات أكثر من سابقه”.

وعن أهم المشاكل التي تواجه المثقفين العراقيين المغتربين، قال “مشكلتنا أننا انسلخنا هناك من ذواتنا، إلى درجة لا يمكن فيها لأطفالنا أن يعرفوا ماذا نكتب، سوى شعورهم بفجيعتنا الدائمة كلاجئين في أوطان غريبة”.

وعلي عبدالعال، روائي عراقي، مواليد الديوانية 1956، درس القانون والسياسة في جامعة بغداد 975-979، غادر العراق بعد العام 1979، عمل في الصحافة العراقية والعربية والسويدية وهو عضو في اتحاد الكتاب السويديين منذ عام 1996، يقيم في السويد منذ عام 1990، صدر له من الروايات: (مقتل علي بن ظاهر)  دار المنفى 1996، (أقمار عراقية سوداء ) دار المدى 2004،(أزمان للمنافي) دار حوران 2005، (ميلاد حزين) دار حوران 2005،(جمر عراقي على ثلج سويدي) دار التكوين 2008، ومن القصص: (المشي في الحلم) دار الصداقة –بيروت، (العنكبوت) دار المنفى 1998، (عالم صغير جدا) وزارة الثقافة السورية 2007.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 10/حزيران/2009 - 13/جمادى الآخرة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م