
شبكة النبأ: أوفى الرئيس الأمريكي
باراك أوباما في الرابع من يونيو بوعده الذي قطعه على نفسه إبان حملته
الانتخابية الرئاسية الأمريكية بالحديث إلى العالم الإسلامي من عاصمة
إسلامية مركزية. فمن جامعة القاهرة ألقى أوباما خطابه المنتظر إلى
العالم الإسلامي وفي القلب منه منطقة الشرق الأوسط. ليفتح صفحة جديدة
مع العالم الإسلامي بعد ثماني سنوات من التدهور والتراجع في الصورة
الأمريكية في الدول الإسلامية لسياسات بوش وأقطاب المحافظين الجدد.
خطوة أوباما الأخيرة للتقرب إلى العالم الإسلامي بخطاب من جامعة
القاهرة لم تكن الأولى. فقبل أن يصل أوباما إلى البيت الأبيض وهو يسعى
إلى تدشين عهد جديد من العلاقات الأمريكية ـ الإسلامية. ابتداءً بخطابه
التنصيبي وإجرائه أول حور تلفزيوني له كرئيس للولايات المتحدة مع قناة
العربية الفضائية، مرورًا برسالة تهنئته الشعب الإيراني بعيد النيروز
وخطابه أمام البرلمان التركي، وانتهاء باختيار وزيرة خارجيته جاكرتا
لتكون أول عاصمة إسلامية تزورها، وهو اختيار لم يكن من باب المصادفة
كما صرحت الوزيرة نفسها. وهو ما يثير تساؤلاً رئيسًا مفاده هل من جديد
في خطاب "أوباما" الأخير للعالم الإسلامي الذي أطلقه من القاهرة؟.
خطاب أوباما للعالم الإسلامي من جامعة القاهرة يمكن تقسيمه إلى
جزأين، الأول للتقرب إلى العالم الإسلامي وتدشين عهد جديد من العلاقات
الأمريكية ـ الإسلامية. أما الثاني عن القضايا المشتركة بين الولايات
المتحدة الأمريكية والعالم الإسلامي والتي قسمها إلى سبع قضايا رئيسة.
بحسب موقع تقرير واشنطن.
اللا جديد في خطابه الإسلامي
تُظهر قراءة الجزء الأول من خطاب "أوباما" في القاهرة أنه لا يختلف
كثيرًا على محاولاته السابقة إلى العالم الإسلامي، فليس هناك جديد في
لهجة الخطاب الأمريكي وحماسته وبراعته الخطابية وتواصله السحري مع
مستمعيه، ولا في مضامينه ومصطلحاته ومفاهيمه. ففي كل خطاباته إلى
العالم الإسلامي يؤكد أوباما على أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست
في حرب مع الإسلام وأنها لن تكون معه في حرب. وأن العلاقات الأمريكية ـ
الإسلامية لابد أم تقوم على الاحترام المتبادل والمنفعة المشتركة.
وفي كل مرة يحاول أن يُؤكد على أن العالم كله بما فيه الولايات
المتحدة الأمريكية استفاد من الحضارة والتقدم الإسلامي، والى الدور
المتميز للمسلمين ـ الأمريكيين وغير الأمريكيين ـ في تقدم الولايات
المتحدة الأمريكية العلمي والتكنولوجي. وفي كل حديث إلى العالم
الإسلامي يتطرق "أوباما" إلى وضع مسلمي الولايات المتحدة الأمريكية
والى مدى اندماجهم في المجتمع الأمريكي والى التقدم الذي يحققونه في
كافة المجالات العملية والفنية والثقافية.
ولم يتخلف خطاب أوباما بجامعة القاهرة عن غيره من خطاباته السابقة
إلى المسلمين بالحديث عن تجربته ونشأته الإسلامية في أسرة إسلامية
وبلدة تضم أكبر عدد من المسلمين "إندونيسيا" وإلى مدى التسامح الإسلامي
مع الأديان الأخرى.
حاول أوباما في خطابه الأخير ألاَّ يكون موجهًا إلى شعوب الدول
الإسلامية ولكنه كان موجهًا إلى أي مسلم يعيش في أي بلد حتى وإن كانت
غير إسلامية. فهو خطاب إلى كل المسلمين وليس إلى العالم الإسلامي فقط.
ولكسب قلوب وعقول كل المسلمين كرر "باراك أوباما" كلمة القرآن
الكريم ما يقرب من خمس مرات في خطابه واستشهد به أربع مرات أيضًا في
وقت لم سيتشهد من التلمود والكتاب المقدس إلا مرة واحدة من كل منهما.
وكرر "الإسلام" كديانة ما يقرب من سبع عشرة مرة والمجتمعات الإسلامية
من عشر مرات والتسامح من عشر مرات أيضًا. كانت تلك الكلمات وتكرراها
تأثير سحري على مستمعيه وهو ما عبروا عنه في التصفيق المتكرر والذي وصل
إلى اثنتين وأربعين مرة خلال خطاب باراك أوباما. وكل هذا ناهيك عن
رغبته في أن يجعل كل مسلم مستمع إليه بأنه منه وأنه يعرف كل شيء عنه
باستهلال كلمته بالترحيب بكلمات الإسلام "السلام عليكم" التي يستخدمها
كل مسلم باللغة العربية.
اللا جديد في السياسة الخارجية
في الجزء الثاني من خطابه الذي يتحدث عن القضايا السبع المشتركة مع
العالم الإسلامي لم يأت أوباما بجديد على صعيد الصراع الفلسطيني ـ
الإسرائيلي. فقد تضمن الخطاب تأكيدًا على العلاقات الاستراتيجية بين تل
أبيب وواشنطن والى العلاقات القوية بين البلدين. وقد تأكد هذا ـ والذي
ليس بجديد ـ عن حديثة عن المحرقة اليهودية (الهولوكوست) والتي أودت
بحياة ـ حسبما جاء في خطاب أوباماـ إلى ستة ملايين يهودي وهو عدد يقول
عنه "باراك أوباما" إنه أكبر من عدد اليهود داخل إسرائيل وتحدث عن
معاناة الإسرائيليين من جراء عمليات "العنف الفلسطيني". وفي المقابل
أشار بصورة عابرة إلى معاناة الشعب الفلسطيني ولكنه لم يتطرق في هذه
القضية كثيرًا مثلما فعل عند الحديث عن الإسرائيليين.
ففي خطابه أشار "أوباما" إلى كلمة الصراع بين الفلسطينيين
والإسرائيليين مرة واحدة والى الصراع بين العرب وإسرائيل مرة واحدة
أيضا. وعن السلام بين الجانبين الفلسطيني الإسرائيلي فقد أشير لها ست
مرات في الخطاب وأشير إلى حل الدولتين مرة واحدة. ولكن الخطاب لم يشر
إلى كلمة فلسطين إلا في ثلاثة مواضع فقط منها مرة دولة فلسطينية وفي
المقابل وصل عدد تكرار كلمة إسرائيل في الخطاب أربع عشرة مرة منها مرة
واحدة إلى دولة إسرائيل. وكان أوباما يقصد بإسرائيل ككلمة مجردة دولة
إسرائيل. وفي مقابل تعدد ذكر كلمة إسرائيل تفوق عدد مرات ذكر وصف
فلسطيني على إسرائيلي تصل إلى ما يقرب من أربع عشر وتسع مرات كل منهما
على الترتيب.
ولكن هذه المرة لم يتحدث أوباما عن القدس عاصمة موحدة لإسرائيل، فقد
أشار لها صراحة مرة واحدة مؤكدًا أنها وطن دائم لليهود والمسيحيين
والمسلمين، ووردت كلمة الأرض المقدسة مرة واحدة أيضًا.
خطاب أوباما لم يأت بجديد تجاه الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، إلا
عند حديثه عن حماس، فتلك المرة لم يتحدث عنها بأنها حركة إرهابية كما
اعتاد، فقد ذكرها أوباما ثلاث مرات مرة منها بأنه يحظى بدعم
الفلسطينيين ويدعوها في المرة الثانية إلى تحمل مسئوليتها، وفي الأخيرة
إلى التراجع عن لاءاتها الثلاثة وهي: لا للاعتراف بإسرائيل، لا لإلقاء
السلاح ولا للاعتراف بالاتفاقيات السابقة.
وعن الأزمة النووية الإيرانية لم يكن هناك جديد في الحديث عن ضرورة
عم سعيها إلى امتلاك أسلحة نووية طارحًا المبررات المعهودة من أجل
الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة، ومشيرة بصورة غير مباشرة عن ضرورة
توقف طهران عن تهديد إسرائيل والدعوة إلى محوها وإنكار وجودها مؤكدة
على الوجود الإسرائيلي الذي لا يشكك فيه أحد من وجه أوباما. ولم يكن
هناك جديد أيضًا فيما يخص العراق. فكلماته تلك المرة عن العراق لا
تختلف عَّما ذكره في السابق من تحمل العراقيين مسئولية إدارة البلاد
وسحب القوات الأمريكية ومساعدة الولايات المتحدة للحكومة العراقية
لتحمل مسئولياتها والحفاظ على استقرار العراق.
الجديد في السياسة الخارجية الأمريكية
يشير هذا الخطاب إلى عدة تغيرات في السياسة الخارجية الأمريكية خلال
إدارة أوباما عن النهج الذي اتسمت به السياسة الخارجية الأمريكية خلال
السنوات الثماني الماضية، في عدة ملفات، هي:
أولاً: قضية الحرب على الإرهاب. في خطابه لم يذكر "باراك" كلمة
الإرهاب ولا الحرب الأمريكية على الإرهاب، ولكنه استعاض عنها بالحديث
عن التطرف والعنف فقد تكررت الأولى مرتين في حين تكررت الثانية عشر
مرات وذكر تنظيم القاعدة ثلاث مرات. وهو ما يؤشر إلى تغير في السياسة
الأمريكية تجاه الحرب على الإرهاب بالتركيز على أفغانستان وباكستان
موطن نشاط القاعدة، وعدم التركيز على الجوانب العسكرية فقط محاربة
التطرف والعنف، ولكن سياسة أوباما ترتكز بجانب القوة العسكرية على
المعونات لتنمية مناطق نشاط التطرف لتقويض فرص المتطرفين استخدام تلك
الأحوال لتجنيد أعضاء جدد.
ففي خطابه أشار "أوباما" إلى خطة لاستثمار 1.5 مليار دولار سنويًّا
على مدى السنوات الخمس القادمة لإقامة شراكة مع الباكستانيين لبناء
المدارس والمستشفيات والطرق والمؤسسات التجارية وكذلك توفير مئات
الملايين لمساعدة النازحين. تخصيص ما يزيد على 2.8 مليار دولار لمساعدة
الأفغان على تنمية اقتصادهم وتوفير خدمات يعتمد عليها الشعب.
ثانيًا: قضية الديمقراطية. كان لقضية الديمقراطية محورًا أساسي في
خطاب أوباما، وهذه المرة لا تكون الديمقراطية أحد أدوات الضغط الأمريكي
على الدول لتحقيق المنفعة الأمريكية، ولكن أوباما تحدث عنها كقيمة
أمريكية تريد أن تراها في كل الدول، وهو ما يعني عدم اعتراض السياسة
الأمريكية على نتائج الانتخابات الديمقراطية طالما اتسمت الانتخابات
بالقيم والمبادئ الأمريكية الديمقراطية، على عكس إدارة بوش التي اعترضت
على تطبيق الديمقراطية في المنطقة بعد تمخضها عن قوى معارضة للولايات
المتحدة والذي صب في منفعة كثير من النظم العربية غير الراغبة في
الإصلاح السياسي.
ثالثًا: احتلال البعد التنموي والتعاون العلمي والتكنولوجي محورًا
مهمًّا في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه العالم الإسلامي بعد فترة
من النظرة الأمريكية الاستعلائية إلى العالم الإسلامي، وإلى العالم
الإسلامي على أنه تهديد للمصالح والأمن القومي.
رابعًا: عمل إدارة أوباما إلى تخفيف بعض القيود على ممارسة المسلمين
لطقوسهم وشعائرهم سواء داخل الولايات المتحدة أو خارجها من ارتداء
المرأة المسلمة الحجاب وتخفيف القيود على إخراج المسلمين لفريضة الزكاة،
وتحمل الإدارة الأمريكية مهمة تغيير الصورة النمطية السلبية عن
المسلمين أينما ظهرت.
إن تحسين صورة الولايات المتحدة في العالم الإسلامي ليست من الأمور
السهلة، خاصة أن الصورة السلبية لواشنطن والمرسخة في عديد من بلدان
العالم الإسلامي لم تتكون بين عشية وضحاها ولن تتبدل بين ليلة وضحاها.
وأن نجاح الدبلوماسية العامة الأمريكية لا يمكن أن تنفصل عن
الدبلوماسية الرسمية.
ولا تعني سياسة أوباما للتعامل مع تراجع التأييد للولايات المتحدة
الأمريكية في العالم الإسلامي وتدهور الصورة الأمريكية، والسياسة
الأمريكية التي كانت وراء هذا التدهور والتراجع في المكانة الأمريكية
تغييرًا في ثوابت السياسة الخارجية الأمريكية. فالقراءة التاريخية
للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه العالم الإسلامي وفي القلب منه الشرق
الأوسط منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية إلى بدايات القرن الحادي
والعشرين تكشف أن سياسات الإدارات الأمريكية على اختلافها، ديمقراطية
وجمهورية، تجاه الشرق الأوسط لم تتغير بصورة جوهرية، فهناك مصالح
استراتيجية ثابتة منها أمن إسرائيل والنفط والدفاع عن النظم العربية
الصديقة والحليفة للولايات المتحدة الأمريكية هذه مصالح لم تتغير
كثيرًا على اختلاف الإدارات. وهو ما يؤسس صورة بنيوية ثابتة للسياسة
الأمريكية تجاه قضايا الشرق الأوسط. ولذا فإن أي تغيير في السياسة
الأمريكية تجاه قضايا العالم الإسلامي ومنه منطقة الشرق الأوسط سيكون
تغييرًا تكتيكيًّا وليس استراتيجيًّا.
ساتلوف يفتح النار على فكر أوباما
وجاء الرئيس الأمريكي إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة واضعًا في
اعتباره مجموعة من الدروس المستفادة التي كشفت عنها سياسات سلفه السابق
جورج دبليو بوش، والتي أدت إلى تدهور علاقات الولايات المتحدة بكثيرٍ
من الدول والقوى المؤثرة على الساحة الدولية، مما أثر كثيرًا على قدرة
الولايات المتحدة على الحفاظ على مصالحها الحيوية، لذلك كان من المهم
بالنسبة للرئيس الجديد أن يستعيد مساحة النفوذ والتأثير التي فقدتها
الولايات المتحدة الأمريكية نتيجة هذه السياسات الخاطئة - في مجملها -
من جانب سلفه.
وكانت أولى مساحات النفوذ التي اندفع الرئيس الأمريكي – بقوة - إلى
استعادتها، هي تلك التي فقدتها واشنطن في دول العالم الإسلامي، نتيجة
لعوامل كثيرة - ليس هنا مجال للخوض فيها - لذلك حاول أوباما منذ يومه
الأول في الرئاسة إعادة تأسيس العلاقة مع العالم الإسلامي على أسس
وقواعد جديدة، وتحسين صورة الولايات المتحدة لدى الشعوب الإسلامية،
بتأكيده على أن العلاقة معهم يجب أن تقوم على الاحترام والمصالح
المتبادلة.
وبعد الرسائل المتعددة التي وجهها أوباما إلى العالم الإسلامي ـ منذ
توليه الرئاسة - اختار أوباما جامعة القاهرة في قلب العاصمة المصرية،
من أجل أن تكون منبرًا جديدًا له يؤكد من عليه رسالته التي أعلن عنها
من قبل إلى الشعوب الإسلامية.
وقد حظيت تحركات أوباما في هذا الشأن باهتمام كبير من جانب وسائل
الإعلام الأمريكية والمتخصصين في هذا الشأن، حيث أثارت هذه الممارسات
كثيرًا من علامات الاستفهام حول قدرة أوباما على أن يأتي بجديد في
التعامل مع العالم الإسلامي؟ وماذا يحتاج لينجح في مهمته؟ والمدى الذي
يمكن أن يصل إليه في هذا الشأن؟
أوباما والحاجة إلى فكرة كبرى
فمن جانبها نشرت صحيفة لوس أنجلوس تايمز تقريرًا أعده روبرت ساتلوف
Robert Satloff المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى
Washington Institute for Near East Policy، استهله الكاتب بالتأكيد
على أن أوباما وإن كان حتى الآن قد أعطى انطباعًا جيدًا عن رؤيته
للمسلمين والعالم الإسلامي من خلال عدد من التحركات والتصريحات التي
أدلى بها منذ توليه منصب الرئاسة، إلا أن هذه التحركات ما تزال بعيدة
كل البعد عن طرح رؤية واضحة حول ما يجب أن تكون عليه العلاقة بين
الولايات المتحدة والعالم الإسلامي خلال المرحلة القادمة.
وأكد ساتلوف أن خطابه من القاهرة وبالتحديد من واحدة من أعرق
الجامعات في المنطقة جامعة القاهرة ليس الأول الذي يتوجه به أوباما إلى
العالم الإسلامي، فقد فعل هذا الأمر على الأقل ثلاث مرات من قبل، ولذلك
فإن أوباما مطالب بأن يقدم فكرة كبرى"Big Idea" تمثل جوهر السياسات
الأمريكية تجاه العالمين العربي والإسلامي خلال الفترة القادمة، وليس
مجرد كلام عام لن يقدم أو يؤخر.
بوش ملك فكرة كبرى
ومن ناحية أخرى أشار ساتلوف Satloff إلى أنه على الرغم من الأخطاء
الكثيرة التي ارتكبتها الإدارة الأمريكية السابقة برئاسة جورج دبليو
بوش، إلا أنه كان يمتلك بالفعل رؤية لمشروع وفكرة كبرى، تدور حول أن
الإسلام الراديكالي المتطرف - الذي تحمل رايته جماعات العنف في العالم
الإسلامي، والأوتوقراطية القمعية التي تتسم بها نظم الحكم في العالمين
العربي والإسلامي، قد أدتا إلى تخريب بنية المجتمعات في هذه البلاد،
ومن ثم فإن الحل – كما طرحته الإدارة الأمريكية في هذا الوقت- هو نشر
الديمقراطية وما يرتبط بها من قيم في هذه البلاد.
ولم يكتف الرئيس بوش وإدارته بطرح هذا الكلام المرسل عن الديمقراطية
وضرورتها لشعوب العالمين العربي والإسلامي، بل تمت ترجمة هذه الفكرة
إلى مجموعة من السياسات والإجراءات تجاه نظم الحكم والمجتمعات في
المنطقة، هذه السياسات أدت إلى وجود حكومة منتخبة في العراق، تقودها
الأغلبية الشيعية في البلاد، كما تابعت الإدارة الأمريكية الانتخابات
التي تمت في مصر وفلسطين ولبنان، وحاولت دائمًا التأكيد على ضرورة أن
تتم في أجواء من الشفافية والنزاهة، وقدمت عددًا من المبادرات لإصلاح
الأوضاع في المنطقة على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية
والاجتماعية والثقافية وغيرها، البعض منها – كما يشير الباحث – نجحت
فيما كانت ترمي إلى تحقيقه، والبعض الآخر فشل في إدراك الهدف المنشود
منها، وبقطع النظر عن هذا الفشل فإن ساتلوف Satloff أكد أن المهم هو أن
كل هذه السياسات والإجراءات كانت تنبثق من الرؤية الكبرى التي طرحها
الرئيس بوش للتعامل الأمريكي مع المنطقة.
اقتراب أوبامي جديد
ويلفت ساتلوف الانتباه إلى أنه عندما جاء أوباما إلى سدة الحكم في
الولايات المتحدة طرح اقترابًا جديدًا للتعامل مع البلاد العربية
والإسلامية حكومة وشعوبًا، وصفه بأنه اقتراب مضاد لما كان يطرحه الرئيس
السابق بوش Anti-Bushism، يقوم هذا الاقتراب على أربع محاور الأساسية:
المحور الأول ينطلق من رفض مبدأ الرئيس بوش الذي طرحه بعد أحداث
الحادي عشر من سبتمبر، والذي يؤكد على "من ليس معنا فهو ضدنا"، وطرح
أوباما بدلاً منه مقولة "الاحترام المتبادل والمصالح المتبادلة"، هذه
الصياغة الفضفاضة التي أتت بها العبارة تركت المساحة لنقاش كبير
وانطباع برجماتي للإدارة الجديدة حول سياساتها تجاه العالمين العربي
والإسلامي، وأن السياسة هي طريق ذي اتجاهين دائمًا وليست ذات اتجاه
واحد.
أما المحور الثاني يقوم على أنه لا يجب الاستمرار في رؤية العالم من
خلال عدسة أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لذلك أخبر أوباما البرلمان
التركي أن علاقات الولايات المتحدة بالعالم الإسلامي لا يمكن أن يكون
أساسها العداء للإسلام.
ويقوم المحور الثالث على أن سياسة الولايات المتحدة القائمة على وضع
الدول المناوئة لها، وتمثل معضلة لها ولمصالحها في المنطقة ضمن دول
محور الشر، واعتمادًا على ذلك تم فرض العزلة السياسية والاقتصادية
والدبلوماسية على هذه الدول، هي سياسة غير مجدية، ولذلك طرح اقترابًا
جديدًا يقوم على إمكانية الحوار مع هذه الدول بدون أي شروط مسبقة.
ثم يأتي المحور الرابع ليؤكد خطأ سياسة الرئيس الأمريكي بوش في
التعامل مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث أكد بوش وإدارته أن
التوصل إلى حل لهذا الصراع يتوقف على مدى تقدم الفلسطينيين على طريق
تحقيق الديمقراطية والإصلاح، ولكن أوباما أكد منذ مجيئه إلى البيت
الأبيض أنه عاد إلى طرح الحلول التقليدية للصراع، والتي تدور حول تطوير
مجموعة من الحلول الدبلوماسية للقضية مثل التأكيد على عملية السلام،
دون أن يتطرق بصورة مباشرة وواضحة إلى انتقاد ديناميات عمل النظام
الداخلي في السلطة الفلسطينية.
ساتلوف عارض اختيار القاهرة
وينتقل ساتلوف إلى تحليل هذه المحاور التي تمثل جوهر السياسة
الأوبامية في مواجهة سياسة بوش، حيث أكد أن هذه المحاور لا تمثل في
مجموعها تلك الفكرة الكبيرة والمشروع التي يحتاج إليها أوباما في
اقترابه من العالمين العربي والإسلامي، خاصة إذا نظرنا إلى سقف
التوقعات الكبير الذي صاحب اختياره للقاهرة لتكون منبره الجديد للحديث
مع العالم الإسلامي.
لذلك يطرح حقيقتين اصطدم بهما أوباما حينما اختار العاصمة المصرية
ليلقي منها خطابه، الحقيقة الأولى أنه دائمًا ما يستخدم لفظ " العالم
الإسلامي" للإشارة إلى هذا الطيف الواسع من دول العالم الإسلامي، هذا
المصطلح – كما يشير ساتلوف Satloff - يتلقاه عديد من المسلمين بصورة
سلبية، لأن هذا اللفظ غالبًا ما تستخدمه الجماعات الراديكالية وتنظيم
القاعدة، فهو بصورة ضمنية يشير إلى أن المسلمين لديهم ولاءات متعدية
لحدود دولهم القومية ومجتمعاتهم المحلية، لصالح ما يطلق عليه العالم
الإسلامي.
أما الحقيقة الثانية فهي اختياره لعاصمة دولة عربية – وهى القاهرة
وبالتحديد جامعة القاهرة، وليس أي مكان آخر، مما أعطى انطباعًا لبقية
شعوب العالم الإسلامي غير العربية أن أمريكا فقط تراهم من خلال عدسة
الشعوب العربية الإسلامية – الذين يمثلون أقل من ربع سكان شعوب العالم
الإسلامي - وليس أي عدسة أخرى.
وينتهي ساتلوف Satloff إلى أن نجاح أوباما للاقتراب من عالم
المسلمين يقتضي بالضرورة إعادة صياغة الاستراتيجية الأمريكية تجاه عديدٍ
من الملفات، فهو في حاجة إلى اقتراب جديد للتعامل مع مناطق الحروب في
العراق وأفغانستان، والدول الضعيفة الهشة مثل اليمن ونيجيريا وباكستان،
واقتراب آخر من أجل التعامل مع القوى الإقليمية الهامة مثل تركيا ومصر
وإندونيسيا.
رؤية ختامية
وبعد هذا العرض لمقالة ساتلوف Satloff يمكن القول: إن اختيار أوباما
للقاهرة كمنبر لتوجيه رسالته إلى العالم الإسلامي أثار كثيرًا من الضجة
الإعلامية الكبيرة خاصة في وسائل الإعلام المصرية والعربية، التي أكدت
أن هذا الخطاب سوف يمثل نقطة تحول مفصلية في تاريخ العلاقات بين
الولايات المتحدة ودول العالم الإسلامي، وقد تناولت هذه المنابر
الإعلامية الموضوع وما يمكن أن يتناوله الخطاب بسطحية شديدة – ناهيك عن
المبالغة الشديدة في تناول مغزى اختيار القاهرة لهذه المهمة – واعتقدت
هذه المنابر أن الرئيس الأمريكي الجديد يمكن أن يحدث تغييرًا جوهريًّا
في سياسات وممارسات الولايات المتحدة تجاه العالم الإسلامي، متناسية
عددًا من العوامل المهمة التي لا يجب أن يتم إغفالها في هذا السياق.
أولاً:جاء اختيار الأمريكيين للمرشح الديمقراطي باراك أوباما ليمثل
لحظة تاريخية في مسيرة التطور السياسي للمجتمع الأمريكي، ليس فقط لأن
أوباما هو أول رئيس أمريكي من أصول إفريقية وينحدر من عائلة لها جذور
إسلامية، ولكن أيضًا بسبب الأحوال المحيطة التي جاء فيها، سواء على
مستوى السياسة الخارجية الأمريكية، أو على المستوى الداخلي حيث لحظة
الأزمة التي تعيشها الولايات المتحدة نتيجة التأثيرات شديدة السلبية
للازمة الاقتصادية على الاقتصاد الأمريكي. كل هذه الأحوال أعطت للرئيس
الأمريكي مساحة حركة كبيرة من أجل تنفيذ عدد من السياسات التي من شأنها
أن تخرج الولايات المتحدة الأمريكية من حالة الأزمة التي تعيشها
داخليًّا أو خارجيًّاً.
ولكن حركة أوباما سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي ما تزال
محكومة بالعوامل المؤسسية التي تمثل جوهر النظام الديمقراطي عامة
والنظام الديمقراطي الأمريكي خاصة، الذي يقوم على مبدأ غاية في الأهمية
وهو checks and Balance، فكل فرع من فروع الحكومة في الولايات المتحدة
(التنفيذية – التشريعية – القضائية) يمكن أن يمارس دورًا رقابيًّا على
عمل المؤسسات الأخرى، لذلك فان أوباما لا يمكن أن يذهب بعيدًا عن رغبة
واتجاهات المؤسسات الأخرى خاصة الكونجرس الأمريكي، ويبرز إلى السطح هنا
رفض مجلس الشيوخ الأمريكي – ذو الأغلبية الديمقراطية - خلال الفترة
الماضية تمويل خطة الرئيس لإغلاق معتقل جوانتنامو.
فكل ما يمكن أن يفعله أوباما خاصة على المدى القصير – في تعامله مع
دول العالم الإسلامي خاصة ودول العالم عامة - هو تغيير في تكتيكات
وأدوات إدارة السياسة الخارجية الأمريكية، بالابتعاد عن آليات القوة
الصلدة، التي جعلتها إدارة بوش وسيلتها الأساسية في التعامل مع كثيرٍ
من المعضلات الدولية، والاعتماد على آليات التدخل متعددة الأطراف في
إطار من الشرعية الدولية ، الأمر الذي أساء كثيرًا إلى صورة الولايات
المتحدة الأمريكية في الخارج.
ثانيًا: أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نتحدث عن العالم
الإسلامي ككتلة واحدة صماء، ليس بين دولها اختلافات على مستويات عدة،
قد يصل إلى حالة من العداء المستحكم بين هذه الدول، صحيح أن أوباما
تعمد دائمًا أن يستخدم مصطلح "العالم الإسلامي"، ولكن هذا لا يعني على
الإطلاق أنه يدرك إمكانية التعامل مع دول العالم الإسلامي، على
امتدادها الشاسع والطيف الواسع من سكانها بالسياسات والممارسات ذاتها،
لأن ما يهم صانع القرار في أي دولة – وأوباما ليس استثناءً على هذه
القاعدة – هو الحفاظ على المصالح القومية لبلاده، ومتى تعرضت هذه
المصالح لتهديد حال ووشيك، فإنه لن يجد غضاضة في اتخاذ كل ما يلزم من
إجراءات – حتى لو وصلت لشن حرب – من أجل الدفاع هذه المصالح، لذلك نجد
اختلافات كبيرة في التعامل الأمريكي مع الدول الإسلامية الصديقة أو
المناوئة، كل حسب ما تقتضيه المصلحة الأمريكية العليا.
ثالثًا: إن هذا الخطاب لا يعتبر المناسبة الأولى التي يتحدث فيها
أوباما إلى العالم الإسلامي، ولكن أوباما وجه في أكثر من مناسبة رسالته
إلى العالم الإسلامي، فقد تحدث عن علاقة جديدة تقوم على الاحترام
المتبادل في خطاب تنصيبه، كما تحدث عن أن الولايات المتحدة ليست عدوًّا
للعالم الإسلامي في أول مقابلة تلفزيونية عقب توليه الرئاسة مع قناة
العربية الفضائية، وكرر هذه الرسالة مرة أخرى في تهنئته للإيرانيين
بعام النيروز، وفى خطابه الذي ألقاه أمام البرلمان التركي، وهى الرسائل
ذاتها التي وجهها إلى العالم الإسلامي من جامعة القاهرة. |