إشكالية العلاقة بين الاعلامي والمسؤول

عناصر التوازن وتثبيت مبدأ الرقابة

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: من الظواهر التي تطفو على السطح هي تركيبة التعامل مع المسؤول لا سيما من لدن قنوات الاعلام بانواعها المعروفة، فقلما تنطوي التركيبة المذكورة على التوازن في طريقة التعامل وفي عرض المعلومات المراد كشفها للمواطن او غيره حيث يسود نوع من الاختلال في عملية التوصيل المذكور، والسبب يكمن في ضعف عناصر التوازن في العلاقة بين المسؤول من جهة والاعلامي من جهة ثانية.

بكلمة اخرى إن المسؤول الفلاني الذي يتربع على عرش هذه الوزارة او تلك او هذا المرفق الحكومي او ذاك، غالبا ما يريد ان يُظهر الجانب الايجابي من نشاطاته الادارية والتنفيذية (وهذا حق من الحقوق المتاحة له) ولذلك فهو يدعو الاعلاميين كافة والصحفيين منهم الى عدم التركيز على إظهار الجانب السلبي من انشطة دائرته الرسمية وكشفها للمواطن مما يجعله في موضع التقصي امام الملأ.

وإن حدث ذلك وكشف الاعلام هذا الجانب المتردي من نشاط المسؤول، فإن هذا الاعلام سيكون عدوا للمسؤول (من وجهة نظره هو) كونه كشف هذا الجانب السيء للناس او لمن يهمهم الامر.

من هنا تبدأ إشكالية العلاقة بين الطرفين وربما تتنامى لتصبح على صورتين:

الاولى: الرضوخ لمطالب المسؤول في تلميع صورته من لدن الاعلام مقابل بعض المصالح التي قد ينجرف إليها بعض الاعلاميين.

الثانية: رفض الاعلام لمجافاة الحقائق القائمة على الارض وكشفها للملأ بغض النظر عن رفض المسؤول لها او قبوله بها.

وفي كلا الحالتين فإن الاشكالية في العلاقة بين الاعلامي والمسؤول ستبقى شاخصة للعيان، إذ ان الامر يتعلق بعرض حقائق وكشف بواطن محددة لضعف هذا المسؤول او ذاك وتأشير مكامن التردي في عمله ودائرته وكادره الاداري وما شابه، واذا قام الاعلامي بواجبه الصحيح الذي يفرض عليه تسليط الضوء على الخفايا مهما كان نوعها او حجمها، فإنه سيدفع ثمن ذلك وفق أساليب متنوعة تصل احيانا الى التهديد والتنفيذ أيضا، ناهيك عن انه سيكون مهددا بفقدانه لمصدر رزقه وعائلته خاصة اذا كان المسؤول ينتمي الى كتلة او حزب سياسي متنفذ وما شابه.

وتحت هذه الضغوط او غيرها ربما تغيب عملية التوازن في العلاقة بين الاعلامي والمسؤول وتتحول الى علاقة مصلحية نفعية من جانب او عدائية من جانب آخر، فثمة من الاعلاميين قد ينجرف الى ما يريده المسؤول تحت هذا الضغط فيبدأ بمجافاة الحقائق وربما قلبها وعرض صورة جيدة لانشطة المسؤول الفلاني ومعيته غير انها تكون صورة كاذبة او مبالغ بها في الغالب، والاعلامي من هذا النوع يقع في هذا الفخ تحت ضغط الحاجة المادية وربما لضعف تكوينه المبدئي والمهني في آن واحد.

وثمة من الاعلاميين من لا ينحني بوجه الريح العاتية التي يطلقها عليه هذا المسؤول او ذاك، ولا يحسب حسابا للنفعية او مضاعفات فقدانه لمصدر الرزق ومنهم من لا يحسب حسابا لاحتمال التضحية بحياته، وهذا النوع من الصحفيين يمتلك ايمانا قاطعا بعمله الاعلامي مضافا اليه تمسكه بمهنية اعلامية عالية تجعله رهن العمل الاعلامي المتوازن والقائم على نقل الحقائق دون غيرها، يدفعه الى ذلك شرف المهنة مشفوعا بإيمانه بالحق والعدل والمساواة والوطنية العالية.

ولذلك فإن معالجة هذه الاشكالية تتطلب مشاركة فكرية وفعلية من لدن الطرفين الاعلامي والمسؤول، ويمكن ان تُنظَم وفق بنود ووثائق شرف تُكتب من لدن المختصين ويُبصَم عليها من لدن المعنيين لتتحول مع مرور الوقت الى نواميس او تقاليد عمل تتواءم مع ما يحدث في الساحة الاعلامية الراهنة.

ولعل التوازن في هذه العلاقة يقوم اساسا على ثقافة التحصين الذاتي التي تعني الطرفين الاعلامي والمسؤول، ونعني بذلك تحصين المسؤول لنفسه من الوقوع في فخ رغائب النفس التي قد تدفعه للتجاوز على المال العام وما شابه، أما الاعلامي فإنه بحاجة الى ان يحصّن نفسه من الفخاخ الكثيرة التي قد تُنصَب له مقابل قلب الحقائق وتلميع من هو سيء على حساب من هو أفضل في اداء دوره حيال الناس ونفسه في آن واحد.

ولعل التثقيف والتوعية المتواصلة وصنع نمط ايجابي من التعامل المتكافئ بين الطرفين الاعلامي والمسؤول يكون كفيلا بإضعاف هذه الاشكالية ومن ثم القضاء عليها كليا مع احتفاظ الطرفين بعلاقات طيبة ومتوازنة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 9/حزيران/2009 - 12/جمادى الآخرة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م