ملف الاحتباس الحراري: حروب بيئيّة وكوارث غذائية

بِحار أكثر حمضيّة وحماية التربة يحد من انبعاثات الكاربون بأقل تكلفة

اعداد: صباح جاسم

 

شبكة النبأ: في الوقت الذي لم يتبق فيه سوى ستة أشهر على مؤتمر كوبنهاغن حيث من المتوقع أن تتوصل الدول إلى اتفاق حول الحد من تغير المناخ، صدر تقرير جديد يدعم الدعوة لجمع المزيد من الأموال، التي يجب أن تُضاف إلى مساعدات التنمية من أجل دعم الدول الفقيرة على التكيّف مع التغيرات المناخية.

وما يزيد من بواعث القلق الدولي إشارة تقرير علمي الى ان التغير المناخي قد يشعل (حروبا بيئية) في الشرق الاوسط بشأن موارد المياه الشحيحة أصلاً، ويثني اسرائيل عن أي انسحاب من الاراضي العربية المحتلة.

وفي الغضون قال برنامج الامم المتحدة للبيئة ان التقليل من قطع الاشجار ورعاية التربة ربما يكون اقل تكلفة واكثر فعالية في مكافحة تغير المناخ مقارنة بكبح الانبعاثات من المنشآت التي تستخدم الفحم. حيث تقول الكثير من شركات الطاقة والمحللون ان العالم يتعيّن ان يستثمر في التكنولوجيا التي تثبط من انبعاثات الكربون من الغاز المنبعث من المنشآت الصناعية التي تستخدِم الفحم ثم دفنه تحت الارض.

التغير المناخي يهدد الاستقرار في الشرق الاوسط

ذكر تقرير دولي ان التغير المناخي قد يشعل "حروبا بيئية" في الشرق الاوسط بشأن موارد المياه الشحيحة أصلا ويثني اسرائيل عن أي انسحاب من الاراضي العربية المحتلة.

وركزت محادثات السلام الفاشلة بين سوريا واسرائيل على مدى عشر سنوات تقريبا على المياه في مرتفعات الجولان المحتلة والمناطق المحيطة بها. كما ان موارد المياه من نقاط الصراع بين اسرائيل والفلسطينيين الساعين لاقامة دولة لهم.

وفيما يتعلق بالنزاع السوري الاسرائيلي قال التقرير ان بواعث القلق الاسرائيلية بشأن "الامن الغذائي وانخفاض الانتاجية الزراعية قد يغير الحسابات الاستراتيجية بشأن امكان الانسحاب" من مرتفعات الجولان التي احتلتها في حرب عام 1967. بحسب رويترز.

وأضافت الدراسة التي مولتها الدنمرك واجراها المعهد الدولي للتنمية المستدامة وهو منظمة مستقلة مقرها كندا "توقع حروب بيئية مقبلة قد يعني ضمنيا ان طريقة التعامل مع تضاؤل الموارد هي زيادة السيطرة العسكرية عليها."وتمد الجولان بحرية طبرية خزان المياه الرئيسي لاسرائيل بثلاثين في المئة من مياهها.

وفيما يتعلق بالصراع الاسرائيلي الفلسطيني اوضح التقرير ان ارتفاع مستوى سطح البحر نتيجة التغير المناخي يهدد بتلويث الخزان الجوفي الوحيد في غزة والذي يمد 1.5 مليون فلسطيني يعيشون في القطاع بالمياه.

والخزان الجوفي الساحلي الذي تشترك فيه اسرائيل هو المورد الوحيد لمياه الشرب العذبة لقطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة المقاومة الاسلامية (حماس). وقال التقرير ان جودة مياهه رديئة للغاية.

وفي الضفة الغربية المحتلة التي يحكمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس تسحب اسرائيل المزيد من المياه من معظم الخزانات الجوفية التي تشترك فيها مع الضفة وتقيد استخدام الفلسطينيين للمياه.

وقال التقرير ان تغير المناخ سيقلص موارد المياه في انحاء الشرق الاوسط.واضاف "في منطقة تعتبر بالفعل الاكثر شحا في المياه في العالم تتوقع الانماط المناخية جوا اكثر سخونة وجفافا واقل نمطية في تغيراته."

وذكرت الدراسة التي ركزت على بلاد الشام وهي المنطقة القديمة التي تضم حاليا سوريا والاردن واسرائيل ولبنان والاراضي الفلسطينية "سيؤدي ارتفاع الحرارة ونقص الامطار الى انخفاض جريان الانهار والجداول وابطاء معدل اعادة امتلاء خزانات المياه الجوفية ورفع منسوب مياه البحر باطراد وجعل المنطقة كلها اكثر جدبا."

وصدر التقرير هذا الاسبوع في المعهد الدنمركي في دمشق القديمة في اطار الانشطة التي تسبق مؤتمرا كبيرا للامم المتحدة في كوبنهاجن في ديسمبر كانون الاول سيناقش معاهدة جديدة للتصدي لمشكلة التغير المناخي.

وتوقعت الدراسة احتمال ان يؤثر نقص المياه والازمات الناجمة عن تغير المناخ على اقتصاديات بلاد الشام بحلول عام 2050. ويتوقع ان ينمو عدد سكان بلاد الشام خلال 40 عاما الى 71 مليون نسمة من 42 مليونا العام الماضي. ويتوقع ان تزيد الحرارة في المنطقة نفسها بما بين 2.5 و3.7 درجة مئوية في الصيف وما بين درجتين و1 ر3 درجة في الشتاء مما يغير المناطق المناخية ويعرقل الزراعة.

التغير المناخي يهدد الأراضي الزراعية في أفريقيا

أظهرت دراسة في عدد يونيو حزيران من دورية بيئية ان التغير المناخي ربما يكلف القارة الافريقية أراض زراعية أكثر مما تستخدمه الولايات المتحدة في زراعة كل محاصيلها الثمانية الرئيسية مجتمعة.

وقالت الدراسة التي نشرتها دورية العلوم والسياسة البيئية Environmental Science and Policy إن زراعة ما يصل الى مليون كيلومتر مربع (أو نحو 247 مليون فدان) من الارض في افريقيا ربما يتراجع بحلول عام 2050 حيث يتسبب التغير المناخي في جعل المناطق شديدة الحرارة والجفاف لدرجة لا تصلح لزراعة المحاصيل.

وتشير أحدث بيانات من وزارة الزراعة الامريكية الى أن الولايات المتحدة ستزرع في السنة المقبلة 246 مليون فدان بالمحاصيل الثمانية الرئيسية. بحسب رويترز.

وأظهر باحثون في المعهد الدولي لابحاث الماشية ومقره نيروبي ومؤسسة وين اسوسييتس في المملكة المتحدة أنه على الرغم من أن الاراضي ربما لا تكون صالحة للزراعة فقد تظل قابلة لتربية الماشية فيها اذ انها أكثر قدرة على تحمل الحرارة والجفاف.

وقال الباحثون ان زيادة انتاج الماشية ربما تساعد على توفير وسيلة تتيح لما بين 20 الى 35 مليون شخص يعيشون في تلك المناطق البقاء على أراضيهم وتحقيق دخل.

وقال فيليب ثورنتون العالم في المعهد والذي شارك في كتابة الدراسة "يمكن للماشية أن توفر الحماية للاسر الفقيرة من مخاطر التغير المناخي وتتيح لها الاستفادة من الطلب المتزايد على الانتاج الحيواني في افريقيا."

وأشار كارلوس سيري المدير العام للمعهد الى أن اضافة الماشية تتم بشكل متواصل. ولكنه قال ان تغير الظروف المناخية وزيادة الطلب على اللحوم سيجعل الاضافة حتمية.

وأجرى ثورنتون ومعه بيتر جونز من وين اسوسييتس بحوثا في المناطق الجافة في انحاء افريقيا وحددا المناطق التي تعاني بالفعل من تدني المحاصيل في موسم واحد على الاقل من بين كل ستة مواسم.

وباستخدام النماذج المناخية قال الباحثون انه اذا ظلت مستويات انبعاثات الكربون مرتفعة حتى 2050 فان عدد أيام نمو المحاصيل التي يمكن الاعتماد عليها ستقل عن 90 يوما في نحو مليون كيلومتر مربع من الارض القاحلة وشبه القاحلة في افريقيا.

حماية التربة يحد من انبعاثات الكربون بتكلفة أقل

قال برنامج الامم المتحدة للبيئة ان التقليل من قطع الاشجار ورعاية التربة ربما يكون اقل تكلفة واكثر فعالية في مكافحة تغير المناخ مقارنة بكبح الانبعاثات من المنشات التي تستخدم الفحم.

وتقول الكثير من شركات الطاقة والمحللون ان العالم يتعين ان يستثمر في التكنولوجيا التي تثبط من انبعاثات الكربون من الغاز المنبعث من المنشات الصناعية التي تستخدم الفحم ثم دفنه تحت الارض.

لكن هذه التكنولوجيا لم تخضع لاختبارات. ويقول تقرير لبرنامح الامم المتحدة للبيئة ان هناك طرقا طبيعية افضل لتخزين الكربون.

وتخزن الاشجار ثاني اكسيد الكربون المسبب لظاهرة الاحتباس الحراري خلال نموها بينما تحبس التربة الكربون في مادة الجذور العضوية والكائنات الدقيقة تحت الارض. بحسب رويترز.

وقال اشيم شتاينر المدير التنفيذي لبرنامج الامم المتحدة للبيئة في تقرير "الضبط الطبيعي.. دور نظم البيئة في الحد من تغير المناخ" ان "مئات المليارات من الدولارات تخصص من اجل التحكم في الكربون وتخزينه في محطات الطاقة مع دفن ثاني اكسيد الكربون تحت الارض او تحت البحر".

واضاف "نظم الحياة على الارض ربما تكون قادرة على فصل اكثر من 50 مليار طن من الكربون خلال العقود القادمة بالمؤشرات الحقيقية للسوق".ودفع العالم في الغلاف الجوي 8.5 مليار طن من الكربون من حرق الوقود الاحفوري في عام 2007.

ويقول العلماء ان الانبعاثات العالمية من غاز ثاني اكسيد الكربون تتزايد بحوالي ثلاثة في المئة سنويا ويتعين ان تبدأ في التراجع خلال عقد لتجنب اسوأ اثار تغير المناخ. ويقول محللون ان الركود سيبطىء فقط من الزيادات السنوية بشكل مؤقت.

تغير المناخ يجعل البحار اكثر حمضية

قالت مؤسسات علمية وطنية ان تغير المناخ يجعل المحيطات أكثر حمضية في اتجاه قد يعرض كل شيء للخطر من المحار الى المرجان وهو امر يتعذر ازالته لالاف السنين.

ودعت 70 مؤسسة علمية من كل انحاء العالم اجتماعا تعقده الحكومات في بون لمناقشة المناخ من 1 الى 12 يونيو حزيران الى ان يأخذ في الحسبان بشكل اكبر الاخطار التي تتعرض لها المحيطات في المعاهدة الجديدة للامم المتحدة لمكافحة ارتفاع درجة حرارة الارض والتي من المقرر ان يتم الاتفاق عليها في كوبنهاجن في ديسمبر كانون الاول. بحسب فرانس برس.

وقالت المؤسسات العلمية في بيان مشترك "لتجنب اضرار كبيرة على النظم البيئية للمحيطات هناك حاجة الى تخفيضات عميقة وسريعة لانبعاثات ثاني اكسيد الكربون بنسبة 50 بالمئة على الاقل (ادنى من مستويات 1990) بحلول 2050 واكثر بكثير بعد ذلك."

وقالت المؤسسات ان الكميات المتزايدة من ثاني اكسيد الكربون وهو الغاز الرئيسي الذي ينبعث في الاساس من استخدام الانسان للوقود الاحفوري تمتصها المحيطات مما يجعل من الصعب على الكائنات بناء اجزاء وقاية للجسم.

وقال البيان ان هذا التحول يعطل كيمياء المحيطات ويهاجم "لبنات البناء اللازمة لكثير من الكائنات البحرية مثل المرجان والمحار لانتاج هياكلها ومحارها وتركيباتها الصلبة الاخرى."

وقال انه بناء على بعض التوقعات فان مستويات الحمضية في 80 بالمئة من بحار القطب الشمالي ستكون سببا في تآكل الرخويات اللازمة للشبكة الغذائية بحلول 2060.

واضاف ان "الشعاب المرجانية قد تذوب عالميا" اذا ارتفعت مستويات ثاني اكسيد الكربون في الغلاف الجوي الى 550 جزءا في المليون من المستوى الحالي وهو 387 جزءا في المليون. والشعاب المرجانية موطن لكثير من انواع الاسماك.

وقال البيان "هذه التغيرات في كيمياء المحيطات يتعذر الغاؤها لالاف كثيرة من السنين وقد تستمر العواقب البيولوجية اطول من ذلك بكثير."

كم من المال نحتاج للتكيف مع التغيرات المناخية؟

في الوقت الذي لم يتبق فيه سوى ستة أشهر على مؤتمر كوبنهاغن حيث من المتوقع أن تتوصل الدول إلى اتفاق حول تغير المناخ في شهر ديسمبر/كانون الأول، صدر تقرير جديد يدعم الدعوة لجمع المزيد من الأموال، التي يجب أن تضاف إلى مساعدات التنمية، من أجل دعم الدول الفقيرة على التكيف مع التغيرات المناخية.

وقد صدر هذا التقرير الذي يحمل عنوان: "سد الثغرات: الحد من مخاطر الكوارث والتكيف مع تغير المناخ في البلدان النامية" عن اللجنة الدولية لتغير المناخ والتنمية (CCCD)، التي تم تشكيلها عام 2008 من قبل الحكومة السويدية تحت رئاسة غونيلا كارلسن، وزيرة التعاون الإنمائي الدولي بالسويد.

ويحث التقرير، في المرحلة الأولى من نهجه المعتمد على مرحلتين، الدول الغنية على سرعة جمع ما بين مليار وملياري دولار لمساعدة الدول الأكثر تعرضاً لآثار ظاهرة الاحتباس الحراري والتي تتمثل في الجزر التي تشكل دولاً ذات دخل منخفض بالإضافة إلى البلدان الأفريقية.

وذكر التقرير أن "هذا النهج التدرجي يهدف إلى تضييق فجوة الثقة بين البلدان الصناعية والبلدان النامية". وأضاف أن "الخطوة التالية تتمثل في توفير آلية فعالة لتمويل التكيف التي من شأنها أن تنبثق عن المفاوضات المتعلقة بالمناخ".

قد علقت اللجنة الدولية المعنية بتغير المناخ والتنمية أن المساعدات الإنمائية الرسمية التي تقدمها الدول الغنية وغيرها من الأموال العامة "قد لا توفر كل الموارد اللازمة لتمويل جهود التكيف لجميع البلدان النامية على المدى البعيد". كما أنه من المحتمل أن يتسبب الركود الاقتصادي العالمي في تقليص التمويل المتاح.

وقد شكلت قضية المال المخصص للتكيف مع المناخ وتحويل المساعدات الإنمائية الرسمية إليه القضية الرئيسية في المحادثات حول الاتفاق الجديد الذي من شأنه أن يحل محل بروتوكول كيوتو، وهو الاتفاق الدولي للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، وذلك عندما ينقضي في عام 2012.

ففي إطار مبدأ "الملوث يدفع"، يجب أن تلتزم الدول الصناعية بمساعدة البلدان النامية على التكيف مع تغير المناخ غير أن البلدان النامية وجماعات الضغط المعنية بمناصرة البيئة بدأت تتذمر من عملية تحويل المساعدات الإنمائية الرسمية لتغطية تكاليف التكيف.

من جهته، أفاد أنتونيو هيل، كبير مستشاري السياسات في منظمة أوكسفام، وهي وكالة تنموية مقرها المملكة المتحدة، أن نتائج التقرير مهمة للغاية لكون السويد ستتولى رئاسة الاتحاد الأوروبي في يوليو/تموز 2009، ولذلك "يمكننا أن نفترض أن هذا سيوفر مرجعاً هاماً في الوقت الذي تتزعم فيه السويد مبادرة التمويل الأوروبي ... لتقديمها في كوبنهاجن (في شهر ديسمبر/كانون الأول)".

من جهته، أفاد يوهان سكار، مدير اللجنة الدولية لتغير المناخ والتنمية، أن السويد بصدد اتخاذ موقف مبني على التقرير، كما يجري تحضير مسودة ورقة مشتركة من المفوضية الأوروبية ورئاسة الاتحاد الأوروبي وستكون جاهزة في مطلع شهر يوليو/تموز.

وتتكون اللجنة الدولية لتغير المناخ والتنمية من 13 شخصية بارزة من بينها الكينية الفائزة بجائزة نوبل وانغاري ماثاي وخبيرة البيئة الهندية سونيتا ناراين ونائبة رئيس برنامج الأمم المتحدة للبيئة أنجيلا كروبر ونائبة رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية مارغريتا والستروم وجاك إيغرين رئيس المؤسسة السويسرية لإعادة التأمين التي تعتبر واحدة من أكبر شركات إعادة التأمين.

وقد جاء في التقرير أن "التكيف يتطلب تحقيق التنمية المستدامة عبر الاستجابة لاحتياجات الحاضر بطرق لا تضر بقدرة الأجيال المقبلة على تلبية احتياجاتها". بحسب شبكة الأنباء الإنسانية.

كما أشار التقرير إلى أن مجموع المساعدات الإنمائية الرسمية بلغ 104 مليارات دولار في عام 2007. وقد قدرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ومقرها باريس، أنه يمكن اعتبار أكثر من 60 بالمائة من المساعدات الإنمائية الرسمية مرتبطاً بالتكيف. وأفاد التقرير أنه "لا بد من أن يتم توضيح الدور المناسب الذي تلعبه المساعدات الإنمائية الرسمية في دعم التكيف مع المناخ".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 8/حزيران/2009 - 11/جمادى الآخرة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م