الجلد.. خط الدفاع الأول

نذير حبلان الصفار

يعتبر الجلد الخط الأول للدفاع عن الجسم فهو الجزء المتصل مباشرة بالمحيط الخارجي، ومنه يستطيع الدماغ معرفة حالة الطقس للمحيط المحلي.

دعونا ننظر إلى الجلد من الناحية العلمية لنتأمل عظمة الخالق في هذا الجزء المهم والحيوي للغاية.

يعد الجلد أكبر أعضاء الجسم إذ يشكل 16% من وزن الجسم حيث يغطي الجسم كله بمساحة تصل تقريباً إلى 2متر مربع، وتزداد هذه المساحة وتنقص بناءً على بنية الجسم نفسه.

يتركب الجلد من خلايا متراصة مع بعضها البعض مكوِّنة عدة طبقات، والطبقة السفلية منها هي الطبقة الأحدث أما العلوية (الخارجية) فهي الأقدم والتي يكون المحتوى البلازمي فيها قليل جداً مقارنة بالخلايا الحديثة في الأسفل، وتتكون هذه الخلايا من نسيج قاعدي يوجد فوق طبقة تسمى الأدمة وهي من مكونات الجلد أي أن الجلد عبارة عن طبقة الأدمة تعلوها الخلايا المتراصة.

كيف يختلف لون البشرة من شخص لآخر؟

يضمُّ الجلد أنواعاً كثيرة من الخلايا تتخلل الخلايا المتراصة، فمنها الخلية المسؤولة عن لون البشرة (خلية التلوين- الميلانوسايت) وهي خلية تتغلغل في وسط الخلايا الجلدية العادية وفيها الصبغة الخاصة بالبشرة وهي صبغة الميلانين، ويحتوي الجلد على ستين ألف خلية تلوين في كل بوصة من الجلد بغض النظر عن لونه!!

والسؤال: كيف يكون هناك أشخاص داكني اللون وأشخاص ذوي بشرة بيضاء؟!

السبب يرجع إلى كثافة مادة الميلانين في خلية التلوين، فكلما كانت الخلية تحتوي على مادة الميلانين بنسبة عالية أصبح الشخص داكن اللون، أما إذا كانت الكثافة منخفضة فإن الشخص يصبح فاتح اللون.

ولهذه الصبغة الربانية فائدة عظيمة؛ فهي تقوم بامتصاص الأشعة فوق البنفسجية التي تسقط على الجلد من أشعة الشمس وتمنع دخولها مما يحمي الجسم من الأمراض التي تسببها تلك الأشعة الخطيرة من سرطان الجلد، ولذلك فإن داكني البشرة يكونون أقل عرضة للإصابة بهذا النوع من السرطانات وذلك بسبب كثافة مادة الميلانين في الجلد لديهم.

وما يميز هذه الخلايا (خلايا التلوين) هو تكيفها مع البيئة، فنجد سكان المناطق التي تسطع الشمس فيها على فترات طويلة من ذوي البشرة السمراء مثل سكان تنزانيا والكونجو والصومال، أما سكان المناطق التي تتلبد بالغيوم طوال العام فهم من ذوي البشرة الفاتحة مثل سكان أوروبا بصفة عامة، أما المناطق المتوسطة (مثل الجزيرة العربية) فتجد البشرة فيها متوسطة مائلة إلى السواد.

ما فائدة العرق؟

يحتوى الجلد على الخلايا الغدية والتي تقوم بإفراز العرق، وقد يسأل البعض ما فائدة العرق؟

للعرق العديد من الفوائد أهمها تبريد الجسم والمحافظة على درجة حرارته لتكون ثابتة، فالإنسان يعتبر من ذوات الدم الحار أي أن خلاياه تعمل بشكل سليم ومثالي عند درجة حرارة 37درجة مئوية، وإذا ما ارتفعت درجة الحرارة فإن الجسم يقوم بعملية تبريده عن طريق استهلاك الحرارة في عملية تبخير الماء من الجسم (التعرق)، ومن ثم تنخفض درجة الحرارة، ونجد ذلك واضحاً عند المرضى الذين ترتفع حرارتهم فهم دائماً يتعرقون وبعد عملية التعرق تنخفض درجة الحرارة نوعاًَ ما، كل ذلك بسبب عمل جهد مضاعف لمجموعة ثلاثة إلى أربعة مليون خلية غدية تتوزع في الجلد بشكل مختلف، فمثلاً نجد أن الكف تحتوي وحدها على 480 غدة عرقية لكل سنتيمتر مربع.

وإذا كان الجسم يتحكم في الحرارة بواسطة الغدد العرقية، فإن ذلك بشرط ألا تتجاوز حرارة الجسم 45 درجة مئوية، وإلا فإن الجسم يفقد السيطرة على حرارته، ويلجأ عادة الأطباء -في العادة- إلى وضع المريض حيئذٍ في ثلجٍ مجروش وماء.

ومن فوائد التعرق أيضاً المحافظة على التوازن الملحي في الجسم أي نسبة الأملاح الموجودة في الجسم، حيث أن الماء المالح لكي يتبخر يحتاج إلى طاقة وحرارة أكثر من الماء العذب ولذلك يكون الماء الناتج من عملية التعرق مالحاً وذلك بسبب وجود الملح فيه، بالإضافة إلى نسبة من البول (مادة البولينا)!

فعملية التخلص من البول ليست عن طريق الجهاز الكلوي فقط، حتى الجلد يقوم بذلك ولكن بكميات ضئيلة جداً لا تكاد تذكر أصلاً.

وظيفة الغدد الدهنية

يحتوي الجلد أيضاً على الغدد الدهنية والتي تقوم بعملية إفراز الدهون من أجل المحافظة على رطوبة الجلد وعدم جفافه، وتختلف هذه الغدد من شخص إلى آخر، فنجد أشخاصاً لديهم بشرة دهنية (غدد دهنية كثيرة) ونجد أشخاصاً لديهم بشرة جافة (غدد دهنية شحيحة).

الجلد وحماية داخل الجسم

يحمي الجلد الجسم من كثير من الأمراض بسبب عدم قدرة البكتيريا والميكروبات من دخول الجسم، فالجلد لا يسمح بدخول المواد إليه مهما كانت، وتكون فرصة هذه الميكروبات مواتية عند خدش الجلد فتدخل هذه الميكروبات عن طريق هذا الجرح إلى طبقة الأدمة ثم تنتقل إلى بقية الجسم عن طريق الدم، ولذلك كثير أو حتى أغلب الأمراض الداخلية لا تنتقل عن طريق اللمس، مثلاً مرض الأنفلونزا ينتقل عن طريق التنفس أو الأكل، و مرض نقص المناعة المكتسبة عن طريق نقل الدم أو الاتصال الجنسي، أما الأمراض المعدية التي تنتقل عن طريق الجلد فأغلبها أمراض جلدية مثل البرص وجديري الماء والثعلبة وأغلب هذه الأمراض هي فطرية.

وللجلد علاقة وطيدة مع العظام، فعند سقوط أشعة الشمس يتكون الفيتامين (د) تحت الجلد ويتم استقلاب هذا الفيتامين في الكبد ليأخذ صورة أخرى ليساعد على امتصاص الكالسيوم من الأمعاء، وتلك المادة ضرورية جداً لتقوية العظام وبدونها تكون العظام ضعيفة البنية، ولذلك ينصح الطبيب الأمهات بتعريض أطفالهن  إلى أشعة الشمس بصورة مباشرة ولو لفترة معقولة.

بصمة الإنسان

قال تعالى: {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ} [القيامة:4]. أثبت العلم أن كل إنسان له بصمة مميزة لا تتطابق مع بصمة أحد من الخلق أبداً، فتخيل عدد البشرية منذ أن خلق الله الخلق إلى أن تقوم الساعة؛ لا يوجد شخصان متشابهان في هذه البصمة.

ويعود هذا الاكتشاف العظيم إلى العالم البولندي (بركنجي) حيث أكد وجود تعرجات في الأصابع تختلف من شخص إلى آخر، والجدير بالذكر أنه لو أزلنا الجلد من الأصابع وزرعنا جلداً من منطقة أخرى من الجسم ذاته، فإن البصمة التي ستتكون هي نفسها التي كانت من قبل؛ أي أنها لم تتبدل، وقد أثبت هذا الكلام العالم (فرانسيس جالتون) في عام 1892م.

مستشعرات في الجلد

يحتوي الجلد على العديد من المستشعرات المختلفة، فمنها مستشعرات الألم (الإحساس) والتي تميز الألم عن غيره والأجسام الناعمة عن الخشنة وغيرها، وهناك مستشعرات الحرارة والتي تقوم بتمييز الحرارة أو إذا لامسنا جسماً حاراً، وهناك مستشعرات البرودة والتي تميز الأجسام والأماكن الباردة.

وتختلف كثافة هذه المستشعرات من مكان إلى آخر في الجلد، فمثلاً تزداد في الكفين -على اعتبار أنهما الأكثر استخداماً للإحساس- وتقل في المنطقة الظهرية، فنجد أن بعض المواد (الماء مثلاً) غير دافئ على اليد بينما يكون ساخناً على البطن، والسبب يعود إلى سماكة الجلد وكثافة المستشعرات.

الجلد وتقدم العمر

لماذا تظهر التجاعيد عند كبار السن ولا تظهر عن الشبان أو حتى الصغار؟

إن السبب في عدم ظهور التجاعيد عند الشباب والأطفال هو سرعة تجدد الخلايا الجلدية، حيث أن الجلد يجدد خلاياه بمعدل مليون خلية كل أربعين دقيقة تقريباً ولكن مع تقدم العمر يقل هذا العدد ليصل الى خمسمئة ألف خلية فقط وذلك بصورة متدرجة بين العمر ثلاثين إلى سبعين سنة أي أنه كلما تقدم العمر قلت سرعة النمو مما يجعل الطبقات العلوية ذات مساحة أكبر من الطبقات السفلية مما يؤدي إلى انكماش الجلد في الأعلى وبالتالي تتكون التجاعيد، وتظهر تلك التجاعيد بشكل واضح في المناطق الرقيقة من الجلد مثل أسفل العين والرقبة.

الجلد لا ينام

يبقى الجلد مستيقظاً طوال فترة النوم ومن خلال العديد من المستشعرات (المذكورة سابقاً)، وإذا ما تعرض الجسم إلى مؤثر خارجي فإن هذه المستشعرات ترسل الأمر إلى الدماغ من أجل تنبيهه على الفور.

وختام القول أنه مهما تحدثنا عن الجلد فإننا سوف نجد الكثير من العجائب والغرائب في هذا الجزء المهم من الجسم فهو نقطة بسيطة توضح عجز البشرية أمام دقة صنع الباري عز وجل، فسبحان الله.

nadeerus@gmail.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 8/حزيران/2009 - 11/جمادى الآخرة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م