قاعات بغداد الفنية.. انقطاع التواصل في ظل غياب الدعم

 

شبكة النبأ: لاقت الحركة الفنية التي شهدتها قاعات العرض في بغداد خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة إستحسان الفنانيين التشكيليين ومتذوقي الفن، لكنها اثارت جملة من التساؤلات حول امكانيات التواصل في ظل غياب الدعم الحكومي وضعف المبيعات، ما يدعو الى تبني “مشروع مارشال” للنهوض بالفن التشكيلي الذي يعيد سرد الحكاية العراقية.

ويؤشر هذا النشاط الفني الذي يتزامن مع التحسن النسبي في الاوضاع الامنية، عودة الحياة الى قاعات الفن التشكيلي التي عانت من انحسار كبير خلال عامي 2006 و2007 نتيجة التدهور الامني وتهديدات الأصوليين التي طالت الفنانين والنحاتين بشكل خاص في مختلف أرجاء العراق.

مدير قاعة حوار، الفنان التشكيلي قاسم سبتي، دعا الى مشروع (مارشال) فني لإنقاذ القاعات القليلة المستمرة في استقبال الابداعات الفنية. وقال انه “لا خيار لقاعة حوار إلا أن تواصل فتح ذراعيها لأعمال الفنانين العراقيين، فهي الى جانب جمعية التشكيليين العراقيين تشكلان خط الدفاع الأخير للفنانين التشكيليين”.

واضاف سبتي “القاعات المتبقية تعد على أصابع اليد الواحدة وهي تحاول بشتى الطرق ومع غياب الدعم الحكومي الاستمرار في عملها واقامة معارض خجولة، لأنها تورطت وصرفت آلاف الدولارات لتعيد فتح ابوابها مرة ثانية”، متابعاً “أنا أشعر بحاجتنا الى مشروع مارشال جديد تقوده الحكومة لدعم القاعات التي تمثل رئة يتنفس من خلالها المبدع هواء نقياً”.

واشار سبتي الى عدم جدوى انتظار دعم وزارة الثقافة مبيناً ان “وزارة الثقافة بذاتها تحتاج الى مشروع مارشال لانقاذها”. بحسب تقرير اصوات العراق.

والمشهد المشجع للنشاط الفني الذي تشهده قاعات بغداد الفنية، والتي تسجل مواعيد انتظار طويلة، يخفي خلفه معاناة كبيرة لفنانين يصرون على تقديم ابداعهم مقاومين ضعف تسويق الاعمال الفنية بغياب الجاليات العربية والاجنبية والهيئات الدبلوماسية.

ويقول سبتي عن الصعوبات التي يواجهها الفنانون التشكيليون والنحاتون والمبالغ الكبيرة التي تتطلبها اقامة معرض واحد، مبيناً ان “العشرات من الفنانين التشكيليين يريدون اقامة معارض لكن المبالغ التي يكلفها ذلك تمنعهم من خوض تلك المغامرة”، موضحاً “الفولدر التعريفي بالمعرض يكلف مايقارب المليون دينار، وأي حفل افتتاح بسيط يكلف ما لا يقل عن 200 ألف دينار، اضافة الى مصاريف الخدمة والدعوات”.

سبتي لفت الى عدم وجود تسويق للوحات “خلال العام الحالي أقمت أربع معارض ولم أبع سوى لوحة واحدة او لوحتين، بسبب غياب المقتنين من الأجانب والعرب والعوائل العراقية التي كانت تشكل زاد الأنشطة ونكهة المعارض”.

واعتبر مدير قاعة حوار ان الأمل يحدوهم بدعم رئاسة الوزراء لثلاث من قاعات بغداد الرئيسية بعشرة ملايين دينار سنوياً “بما يمكنها من الاستمرار في تقديم الابداع العراقي عبر اقامة معرض واحد في كل شهر”.

ونوه سبتي الى انهم كانوا ينتظرون الانفتاح على العراق من خلال الدعاية التي كانت تفيد بان العالم سينتقل الى بغداد “لكن الذي حصل هو ان اهل بغداد غادروها الى العالم”.

من جهته تحدث مدير قاعة مدارات، الفنان التشكيلي حسن النصار، عن مشروع تأسيس القاعة قائلاً “مدارات هي القاعة الوحيدة التي تأسست بعد العام 2003 لإقامة مشاريعنا الخاصة وبث خطابنا البصري دون أية املاءات سلطوية، وشكلت لنا حلماً بإمتلاك وسيلة للتخاطب المباشر مع المتلقي دون المرور بفلتر النقاد وأصحاب الغاليرهات الذين لهم ذائقة خاصة واسماء محددة يتعاملون معها”.

وأضاف النصار “التدهور الأمني لاحقاً هدد مشروعنا الفتي بالانهيار، وكنا أمام تحديين، إما اغلاق أبواب أحلامنا في (مدارات) أو تحدي المخاطر وابقاء أبواب القاعة مشرعة لكل متذوق”. وتابع “قررنا الاستمرار في ظل تلك الظروف لنوثق بصرياً لتلك الفترة المؤلمة، ونعطي أملا للناس والفنانين باستمرار حركة الحياة”.

ولفت الى ان تحسن الأمن اعاد الحياة لقاعات بغداد الفنية، مبيناً “جدول المواعيد طويل في جميع القاعات، وهنالك سيل من المشاعر والرؤى مدونة على سطوح (الكانفس) وعلى كتل البرونز والحجر تريد أن تعيد سرد الحكاية العراقية”.

واعتبر النصار ان ضعف الامكانات المالية هي العائق الأكبر امام تطور القاعات الفنية قائلاً “القاعات تحتاج الى ادامة نفسها لأن استمرارها مكلف ولا يتلقى أصحابها مردوداً كافياً من اصحاب المعارض الفنية نتيجة ضعف تسويق وإقتناء الاعمال الفنية المرتبط بوجود السواح العرب والأجانب”، داعياً الحكومة الى الانتباه لأهمية “الدور الذي تمارسه القاعات الفنية في الحفاظ على جزء من ارث العراق الحضاري”، مشيراً الى ان “مستقبل القاعات مرهون بنظرة الدولة للإبداع والمبدعين في العراق”.

أما مدير قاعة (أكد) حيدر هاشم، فأبدى قلقه من مستوى المشهد التشكيلي العراقي، رغم تحسن الأمن “نتيجة تراجع اهتمام الدولة بنتاجات المبدعين”.

وقال لوكالة اصوات العراق ان “المشهد التشكيلي دون مستوى الطموح لأن المشهد الثقافي مازال خارج اهتمامات الدولة”، متسائلاً “كيف يحصل تطور ووزارة الثقافة ليس لها حضور في حسابات السياسيين؟.. وهي ليست ذات أهمية في نظرهم، وهو ما ينعكس على المشهد التشكيلي العراقي”.

واشار الى ان قاعة أكد واصلت عطاءها “وظلت تستقبل الفنانين طوال السنوات الماضية في وقت واجهت قاعات (دجلة، الاناء، الميزان، شداد، ألوان) الاغلاق بعد 2003″.

ولفت هاشم الى شبح الخوف الذي مازال يطارد الفنان “البعض مايزال يخاف الظهور الى الآن، إننا ما زلنا نعيش تحت تأثير رعب السنوات الثلاث الماضية”.

بدوره اعتبر الناقد جواد الزيدي مشكلة التسويق أبرز ما يواجه الفن التشكيلي، وعد القاعات التي تواصلت في تقديم معارضها بعد العام 2003 بأنها “أسهمت في اعادة الحياة للمشهد التشكيلي العراقي”.

وقال، تم اعادة افتتاح عدد من القاعات التي اغلقت بسبب الاحداث “لكن هذا ليس كافياً للتواصل بغياب تسويق الاعمال الفنية وكسادها نتيجة إفتقارها للجمهور المقتني للأعمال الفنية”.

واوضح الزيدي ان “القاعات الفنية في بغداد والمحافظات لايمكنها ادامة نفسها من خلال تسويق الاعمال المعروضة”، مؤكداً ان استمرارها الحالي “مرتبط بتمويل من خارج العملية الفنية ومن منظمات المجتمع المدني بصفة خاصة”.

وكشف الزبيدي عن تراجع كبير في عدد قاعات العرض بعد 2003 نتيجة غياب التسويق، مشيراً الى تراجع قاعات بغداد من قرابة 30 قاعة الى ما دون 5 قاعات.

الفنان التشكيلي محمد الحمداني، صاحب غاليري الحمداني الذي أُعيد افتتاحه مؤخرا وسط الكرادة ببغداد، أشار الى ما وصفه بالوضع “المأساوي” لقاعات المعارض الفنية.

وقال “بغياب الدعم المادي من الحكومة كيف ستستمر القاعات الفنية؟ ومن سيدعم الفنان؟”، مضيفاً “الفنان يتحمل جميع تكاليف اقامة المعرض، وصاحب القاعة يستحصل مانسبته 20% عن بيع كل لوحة، واذا لم تكن هناك مبيعات فسيأخذ لوحتين فقط مقابل اقامته للمعرض.

ورأى الحمداني ان “ازدياد المعارض الفنية مؤخرا لا يعني بالضرورة تحسن اوضاع صاحب القاعة والفنان، فالوضع سيء جداً من الناحية المادية نتيجة انعدام سوق المبيعات.

واعتبر ان قاعات (اكد، مدارات، حوار) تمثل اليوم “واجهة بغداد الفنية”، منبهاً الى ان “التواصل مع العالم الخارجي بما فيه دول الجوار مازال صعباً”، مشيراً الى صعوبة دخول بلد مثل سوريا نتيجة تعقيدات الحصول على الفيزا، متسائلاً “كيف للفنان ولصاحب القاعة أن يتواصل مع سوق اللوحات.

ودعا الحمداني الحكومة العراقية الى دعم الفنان وتسهيل تنقله وسفره، الى جانب العمل على الترويج للوحاته ونتاجاته الفنية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 7/حزيران/2009 - 10/جمادى الآخرة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م