ترويض النفس والانتصار على الطباع السيئة

 

شبكة النبأ: هناك وسائل وأساليب عديدة تدخل في بناء الانسان لكيانه، ونقصد هنا بالكيان هو التكوين النفسي والجسماني للانسان، فمثلما نحتاج الى الغذاء لمواصلة نمو الجسم ومتابعة الفعاليات الحركية وغيرها للانسان، فإننا نحتاج الى غذاء من نوع آخر، وهو غذاء غير مادي وغير ملموس باليد ولايُرى بحاسة العين، ذلك هو الغذاء الروحي الذي يتخصص بتقويم النفس وتنميتها لما هو افضل لكيان الكائن البشري.

فقد يكون الانسان سيّئ الطباع سواء بسبب الوراثة او الاكتساب او كلاهما وهو السبب الغالب في ذلك، بمعنى ان الانسان غالبا ما يتحصل على بعض الطباع غير اللائقة بسبب احتكاكه لمحيط سيء (ومن رافق القوم اربعين يوما صار مثلهم) او من خلال الوراثة حيث تنتقل الجينات الوراثية من الاب لابنه وهكذا.... لتنقل معها بعض السمات والصفات التي لاتليق بسلوك الانسان في محيطه الاجتماعي او العملي او غيرهما. 

ومثلما يجد ويسعى الانسان لبناء الجسم وتشذيبه من الوهن والضعف والنواقص عليه ان يسعى لتشذيب النفس وتخليصها من الهنات والخصال السيئة، ويمكن ذلك من خلال الترويض الذي يعد السلاح الامضى في مقارعة نوازع النفس التي لاتليق بصاحبها.

فالبعض من الرجال والنساء والشبّان والفتيات يمارسون تمارين رياضية لتربية الإرادة ، وتقوية التحكّم بالنفس والسيطرة عليها ، وشعارهم في ذلك هو الحديث الشريف: (أفضل الأعمال أحمزها) أي أشقّها وأصعبها، والشجرة البرية أصلب عوداً وأكثر وقوداً.

فهم قد يكونون بين خيارين: أحدهما سهل والآخر صعب فيختارون الصعب لأ نّهم بذلك يزيدون في متانة إرادتهم وتقوية عودها، واكتساب المناعة واللياقة لمواجهة التحدّيات والشهوات والضغوط. 

البعض مثلاً كان ينام في النهار لساعة أو ساعتين، لكنّه قرّر أن يوقف هذه العادة ويلغيها من برنامجه اليوميّ، شعر بالصداع ليوم أو يومين أو لبضعة أيام، ثمّ ما هي إلاّ أيام أُخَر حتى اعتاد الوضع الجديد ، فرأى أنّ الصداع الذي ألمّ به بعد ترك عادة النوم ظهراً وهميّ، أو أ نّه ردّ فعل طبيعيّ لترك عادة مستحكمة تحتاج إلى وقت حتى يزول تأثيرها.

البعض ترك الشاي وشعر أيضاً بالصداع، لكنّه ما لبث أن قهر هذا الشعور وما لبث أن استقامت حياته من دون تناول الشاي وكأنّ شيئاً لم يكن. والبعض الآخر ايضا قد يكون ترك التدخين، وشعر كذلك بالصداع والشوق إلى الدخان، لكنّه تغلب عليه بالصبر والمران والمقاومة.

البعض كان إذا غيّر مكانَ نومهِ لا ينام، بل إذا تغيّرت وسادته لا يأتيه النوم ويبقى أرقاً قلقاً حتى الصباح، لكنّه بشيء من التصميم غلب هذه العادة وكسر هذا القيد.. جرّب أن ينام في غير فراشه وسريره. أن ينام على الأرض، وأن يضع أي شيء تحت رأسه حتى ولو كانت يده ، وربّما استغنى عن يده ونام بلا وسادة..في البداية تململ.. وتقلّب في ضجعته الجديدة عدّة مرّات. لكنّه آلى على نفسه أن يتجاوز الحالة التي أسرته طويلاً ونجح، هذه التمارين في تربية الإرادة والخروج على السائد والمألوف لا تتأطّر بالأمور المادّية فقط، بل بكلّ شيء، وهي دليل آخر نضيفه إلى أدلّتنا في أنّ تغيير الطباع والعادات ممكن ميسور.

وهكذا يتمكن الانسان من ترويض نفسه بشيء من الصبر والاصرار والارادة الفعالة القادرة على التحكم بنوازع النفس وهي غالبا ما تبحث عن المريح والسهل والافضل والاجمل بأقل الجهود وبأقل التعب، في حين يسعى صاحب الارادة القوية الى السيطرة على نفسه وامتلاك زمام قيادتها صوب الافضل والأكثر نفعا ولكن بالجهد والتعب والاصرار الذي لا تحبذه النفس الميالة الى تحقيق الرغائب والفوائد بأقل الجهود إن لم نقل بغياب الجهود تماما.

وهنا تكمن اهمية ترويض النفس وفوائدها حيث يواظب الانسان صاحب الارادة الجيدة والتصميم الفاعل على التحكم بنفسه من اجل تحقيق شخصية متوازنة قائمة على قاعدة الأخذ والعطاء والتفاعل الانساني المتبادل مع الآخرين وفق ما ينع جميع الاطراف.

وبالتالي الوصول الى نفس قوية متعففة تحصل على حقوقها المشروعة وتأبى الغوص في الوضاعة والدناءة التي تعد من حطام الدنيا الزائل اولا وأخيرا.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 6/حزيران/2009 - 9/جمادى الآخرة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م