إيران المنقسمة في السباق الانتخابي

المحور الأمريكي الإسرائيلي والمراهنة على نجاح الإصلاحيين

إعداد: مركز النبأ الوثائقي

 

شبكة النبأ: يكتسب سباق الإنتخابات في إيران أهمية كبيرة على الصعيدين الدولي والداخلي الإيراني، كما تشكل الانتخابات زخماً سياسياً جديداً. وتشير التوقعات على أن الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد يتجه إلى تحقيق فوز كاسح على منافسيه في الانتخابات. في وقت يحتدم فيه السباق الرئاسي، فهناك شعور متنام بأن أحمدي نجاد يحتاج للقتال بضراوة ليضمن فرص إعادة انتخابه.

فمن يتابع أنشطة حملات المرشحين الرئيسيين الآخرين، يلاحظ وكأن إيران منقسمة إلى دولتين.  ففي الحشود واللقاءات الجماهيرية التي تنظمها حملة نجاد ترى النساء تتَّشح بالسواد حيث يغطين أجسادهن بالشادور الأسود الطويل الذي يؤشر على أن من ترتديه هي من المسلمات المتدينات. وتستجيب الجماهير إلى خطب أحمدي نجاد القومية البليغة وإلى وعوده بتحقيق حياة أفضل للفقراء والمحرومين في البلاد.

أما في لقاءات وحشود خصمه الرئيسي، مير حسين موسوي، فترى أن الجيل الجديد من الشاب الإيراني يصبح قادرا بشكل متصاعد على إسماع صوته. كما تتلقف الحشود من الفتيات المثقفات بحرارة الرسالة التي تبعث بها زوجة موسوي، زهرة راهنافارد، وهي أول امرأة في تاريخ الجمهورية الإسلامية الإيرانية ترافق زوجها في الحملة الانتخابات الرئاسية.

فيما يصبح الجيل الجديد من الشاب الإيراني قادرا بشكل متصاعد على إسماع صوته  ويدعم جيل الشباب الإيراني فريق الزوج والزوجة (أي مير حسين موسوي وزوجته) أملا بمستقبل لا تكون فيه إيران معزولة، ويستطيع هذا الجيل أن يحقق أحلامه فيها.

ويشكل الأمر برمته مفاجأة كبيرة. فموسوي هو سليل النظام الإسلامي. وقد كان رئيسا للحكومة خلال السنوات، التي كانت بلاده خلالها تخوض حربها الضروس مع جارتها العربية العراق. ويُلقَّب موسوي، البالغ من العمر 67 عاما، بـ "الرجل الأشيب". وحتى أن أشد مناصريه يوافقون على أن الخطابة ليست ميدانه الأرحب ولا موطن قوته. كما أنه ليس معروفا بجاذبيته وسحر شخصيته (الكاريزما).

مع ذلك، فقد غدت حملته نقطة ارتكاز للحماسة والإثارة الجماعية للجيل الجديد من الإيرانيين من مثقفين ومتابعي التلفزيون ومتصفحي شبكة الإنترنت.

قد يقاطع الانتخابات ملايين ممن أوصلوا الرئيس السابق محمد خاتمي إلى الحكم قبل نحو 12 عاما أما بالنسبة لأحمدينجاد، فقد بدا حتى الآن أن كل شيء يسير معه غاية في البساطة. فقد أمّّن تقريبا تزكية علنية من المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، آية الله علي خامنئي. كما أن الحرس الثوري وميليشيا الباسيج تدعمه وتقف إلى جانبه أيضا.

ويعتقد أحمدي نجاد أيضا ان بإمكانه أن يعوِّل على دعم ومساندة العديد من موظفي الحكومة وملايين الإيرانيين الذين استفادوا من الأموال التي أنفقها على القرى والبلدات الصغيرة في طول البلاد وعرضها.  وقد بدت المعارضة حتى الأيام القليلة الماضية ضعيفة ومقسَّمة. فالملايين التي أوصلت الرئيس السابق محمد سيِّد خاتمي إلى الحكم قبل نحو 12 عاما خلت، على أمل إصلاح النظام الإسلامي في البلاد، تهدد الآن بالبقاء في منازلها، محررة نفسها من وهم أن التغيير يمكن أن يأتي عبر صناديق الاقتراع.

ومع غياب أي استطلاعات للرأي يمكن الاعتماد عليها، يظل من الصعب على وجه الخصوص طرح التوقعات بشأن من سيفوز بانتخابات الرئاسة الإيرانية المقبلة. وشكل التمسك بحق إيران بامتلاك الطاقة النووية أحد ركائز سياسة أحمدي نجاد خلال ولايته.

لكن، يبدو من الواضح أن ثقة أنصار موسوي بأنفسهم تزداد شيئا فشيئا، بينما تظهر العصبية على مساعدي أحمدينجاد. ومع اقتراب يوم الانتخابات، يتساءل الإيرانيون ما إذا كانت الأيام القادمة تخبِّئ لهم أي مفاجآت. في وقت صدرت فيه تحذيرات، ابتداء من المرشد الأعلى للجمهورية، نزولا إلى مسؤولين أقل منه شأنا في هرم السلطة، مفادها بأن هناك ثمة قوى أجنبية تسعى إى تخريب وضعضة الانتخابات.

كما أن أمل أحمدي نجاد بالفوز من الجولة الأولى للانتخابات، والتي ستجري في 12 حزيران/يونيو الحالي، قد يواجه المزيد من التعقيد بشكل أكثر بوجود الرئيس السابق للحرس الجمهوري، محسن رضائي، على قائمة المنافسين على كرسي الرئاسة.

فرغم أن هناك ثمة قلة ممن يعتبرونه (أي محسن رضائي) في موقع المتحدى أو المنافس الجاد الذي قد يشكل خطرا على فرص أحمدينجاد بالفوز، إلا أنه قد يحرم الأخير من حصد أغلبية واضحة من أصوات الناخبين.

ويتوقع معظم الناس أن يكون المرشح الإصلاحي ورئيس البرلمان السابق، مهدي خرُّوبي، هو المرشح الآخر الذي سيتم إخراجه من حلبة السباق الرئاسي.

ويعتقد معظم المراقبين أن نسبة الإقبال على الاقتراع تبقى هي الأساس في الانتخابات. فكلما كانت نسبة الإقبال عالية، كلما ازدادت فرص أن يصبح أحمدينجاد أول رئيس في تاريخ الثورة الإسلامية الإيرانية يفشل بضمان إعادة انتخابه.

إلا أنه لا يجب التقليل أو الاستخفاف بقدرة أحمدينجاد على تحقيق الفوز والاحتفاظ بالسلطة. لكنه الآن يواجه اختباره الأكبر والأصعب. أما العالم، فيظل يراقب ما يجري في إيران باهتمام وعن كثب.

محور أمريكا وإسرائيل  

راهنت كل من واشنطن وتل أبيب على إمكانية أن تؤدي الضغوط إلى دفع الإيرانيين للوقوف إلى جانب الإصلاحيين ولكن ما كان مفاجئاًَ ومخيباً لآمال هذا المحور أن الإيرانيين أصبحوا أكثر دعماً وتأييداً لتيار المحافظين والسبب يتمثل في الآتي:

* تمسك الرأي العام الإيراني بأهمية المضي قماً في تنفيذ البرنامج النووي الإيراني، وقد أدت معارضة الإصلاحيين للبرنامج إلى انخفاض شعبيتهم في الشارع الإيراني.

* تزايد معاداة الرأي العام الإيراني لمحور واشنطن – تل أبيب بسبب الحرب الأمريكية في العراق وأفغانستان والممارسات الإسرائيلية العدوانية في الشرق الأوسط وقد أدى موقف الإصلاحيين المطالب بضرورة تقديم التنازلات لاسترضاء أمريكا وحلفائها إلى انخفاض شعبيتهم في الشارع الإيراني.

راهن الإصلاحيون على التنمية الاقتصادية في ظل تعزيز العلاقات مع أمريكا وبلدان الاتحاد الأوروبي وراهن المحافظون على بناء القدرات النووية في ظل علاقات روسيا والصين وبلدان الشرق الأوسط.

الآن بدا واضحاً أن رهان المحافظين أصبح هو الأقرب للتحقق لجهة الفوز بجولة الانتخابات الرئاسية الإيرانية الجديدة.

* سيناريوهات السياسة الخارجية والسياسة الداخلية الإيرانية القادمة:

تتفاوت التوقعات إزاء شكل السياسة الخارجية الإيرانية في مرحلة ما بعد الانتخابات وبرغم أن الرئيس نجاد سيكون باقياً في منصبه فهناك بعض الخلافات حول احتمال استمراره في نفس التوجهات، هذا ويمكن استعراض ذلك على خلفية المحددات الآتية:

* احتمالات أن يكون الرئيس نجاد قد أعد العدة لعقد صفقة أمريكية – إيرانية حول العراق وأفغانستان وباكستان وآسيا الوسطى، وربما الخليج العربي والشرق الأوسط وهي احتمالات ضعيفة لأن واشنطن لن تقبل بأن تقدم لإيران هذا الكم الضخم من التنازلات مقابل تنازل طهران عن برنامجها النووي.

* احتمالات أن يستمر الرئيس نجاد في موقعه المتشدد هي الأكثر إمكانية للتحقق ولكن هناك بعض التوقعات التي تفيد لجهة احتمالات أن يسعى نجاد إلى عقد صفقة تتيح الآتي:

- أن يقبل محور تل أبيب – واشنطن بالتعايش مع البرنامج النووي الإيراني على غرار اعتبارات الأمر الواقع.

- أن تتعاون طهران مع واشنطن في الملف العراقي والملف الأفغاني والملف الشرق أوسطي.

هذا، وبرغم تعدد الاحتمالات والخلافات حول مكوناتها فإن سيناريو الضربة العسكرية ضد إيران ما زال يخضع لمسارين الأول يتمثل في مسار الضربة الإسرائيلية ضد إيران وهي ممكنة في ظل حكومة نتينياهو الحالية، والثاني مسار الضربة الأمريكية لإيران وهي غير ممكنة لأن الإدارة الأمريكية الحالية تعارض تنفيذ الضربة.

من الممكن أن يؤدي فشل المفاوضات الإيرانية – الأمريكية إلى سعي واشنطن من أجل فرض المزيد من العقوبات ضد طهران وتقول المعلومات أن الإدارة الأمريكية حثّت تل أبيب على لسان روبرت غيتز وزير الدفاع الأمريكي بضرورة صرف النظر عن الضربة العسكرية لأنها لن تقضي على البرنامج النووي الإيراني ولأن أمريكا لن تستطيع حماية إسرائيل من الضربات الانتقامية الإيرانية إضافة إلى أنه حتى إذا نجحت إيران في الحصول على القنابل النووية فإن العقوبات الاقتصادية والحصار الكامل بلا شك سيدفع إيران إلى تفكيك قدراتها النووية.

المصادر:

وكالات + BBC  + موقع الجمل

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 6/حزيران/2009 - 9/جمادى الآخرة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م