يبدوان الحديث عن الديمقراطية والدستور في العراق بالصورة المثالية
التي نتمناها امر غير وارد، وذلك لان العراق وعلى امتداد التأريخ
السياسي له لم يكن أرضا خصبة للتدوال السلمي للسلطة، بل كانت الانظمة
المتعاقبة على الحكم تأتي من خلال الانقلابات الدامية وتمارس البطش
والقتل والتنكيل وتقوم سياستها على الاقصاء والتهميش وكبت الحريات، وما
حكم البعث خلال 35 سنة الا دليل واضح وصريح على هكذا نوع من الانظمة
الاستبدادية والقمعية.
وعلى الرغم من الشعارات التي يطلقها القائمون على الحكم في الحرية
والمساوات والرفاهية، ألا انها لاتعدو كونها زوبعة فنجان سرعان ماتنجلي
تحت افعال هؤلاء المتسلطين في الحكم، والظاهر ان البعض من السياسيين في
الوقت الحاضر متأثر جدا بسياسات الذين حكموا العراق طوال هذه العقود
وهذا واضح من خلال التجربة التي عشناها طوال ستة سنوات من العملية
السياسية بعد زوال حكم الدكتاتورية في العراق، ومن خلال سير العملية
السياسية واجراء الانتخابات الا ان البعض مازال لا يؤمن بصناديق
الاقتراع بل يريد تقسيم الكراسي على مبدأ التوافق والمحاصصة، وهذا بدأ
واضحا مع اقتراب الانتخابات البرلمانية المنتظرة.
ويبدو ان السباق السياسي للانتخابات بدء منذ الان على الرغم من
الفاصلة الزمنية الكبيرة التي تبعدنا على الموعد المحدد لها.
والسباق في هذا المجال للكتل السياسية سيأخذ منحنى جديد في كيفية
التعامل مع الاحداث السياسية للاربع سنوات الماضية وستكون للمشادات
والتجاذبات والتناحرات الأثر الكبير في سير عملية الاستعداد للعملية
الانتخابية، كما ان استعمال المفاهيم الخاطئة والبعيدة عن المفهوم
الحقيقي للديمقراطية سيضع الكثير من الكتل والكيانات السياسية على حافة
الانهيار، وقد تؤدي الى تسميم افكار الناخب العراقي بافكار لاعلاقة لها
بالمعنى الحقيقي للمنافسة السياسية.
والسياسي العراقي وللاسف الشديد يريد ان يكون الدستور والعملية
السياسية على مقاسه الخاص الذي يضمن له التربع على كرسي السلطة بغض
النظر عن المبادىّ الديمقراطية والتي تجعل من صندوق الاقتراع هو الفيصل
والقاسم المشترك للكل المتنافسين لان مصلحة العراق والحفاظ على
المكتسبات التي تحققت بعد 2003 لايمكن ان تدوم اذا ما تمسك البعض من
السياسيين باللغة التي اعتاد عليها والتي تؤدي الى تفتيت وحدة العراق
وتمزيق انتماءاته الفكرية والوطنية.
والتوافق الذي بنيت علية الحكومة في انتخابات 2006 ليس بالضرورة ان
يكون دستور ثابت لكل الحكومات التي ستشكل بعد ذلك، لكي لا نؤسس لطائف
أخر في توزيع المناصب وأن ندع التوافقات في أرشيف الماضي، بل على
الجميع تثبيت المفهوم الديمقراطي الحقيقي في حكم الاغلبية السياسية
وعلى ضوء ذلك فليتنافس المتنافسون، والذي يضع البرنامج السياسي الناجح
هو من يصوت له الناخب وهو من يستحق الهرم الاعلى في السلطة وألا فان
مصطلح الديمقراطية الذي ينادي به الجميع لايعدو كونه شعار يرفعه البعض
من المفلسين ولايؤمنون به.
أن مصلحة العراق تدعونا الى المزيد من الحراك السياسي الايجابي،
وإيجاد رؤية مشتركة تجاه الكثير من القضايا العالقة وفقا لما نص عليه
الدستور، وألا فان التوافق اذا ما استمر رديفا للعملية السياسية فأنه
سيكون المعوق الاول لها، وبادرة سوء تعطل النمو السياسي والاقتصادي
للبلد، كما انها ليس الوسيلة الناجحة لتوحيد أطياف المجتمع العراقي كما
يظن البعض من السياسيين.
والتوافق الديمقراطي الذي حكم العراق خلال هذه السنين كانت له
الكثير من السلبيات التي كادت أن تعصف بمستقبل العراق، وأولها دخول
الكثير من المفسدين والارهابيين الى مفاصل الدولة المهمة تحت جناح
التوافق والمحاصصة، وأصبح المساس بهذه العناصر من الاشياء التي لايمكن
المرور، بها بل أصبحت من الخطوط الحمراء التي لايمكن تجاوزها.
ولذا فأن خيار التوافق والمحاصصة لايمكن لها أن تصل بنا الى الطريق
الحقيقي للديمقراطية والدستور وتحقيق الاهداف السامية التي ناضل من
اجلها العراقيون طوال عشرات السنين، وان استمرار العملية السياسية
مرهون بالتطبيق الحقيقي لأسس وقواعد الديمقراطية لا بإرضاء هذا وذاك من
خلال توزيع المناصب والمكاسب، على حساب مصالح العباد والبلاد، وعلينا
ان نكافح وبقوة الوباء القاتل للديمقراطية وهو التوافق والمحاصصة،
ونهدم الحاضنات التي يحاول أن يعشش فيها لكي لانضطر الى العودة الى
المربع الاول وكأن قدر العراقيين هو البقاء في دوامة القلق واليأس الذي
يريد البعض من سياسيينا أن لاتنتهي لكي تستمر منافعهم ومصالحهم، وهذا
لن يكون. |