محاربة الفساد مسؤولية القادة والحكومات

قبسات من فكر الامام الشيرازي الراحل

 

شبكة النبأ: يعتبر الفساد السياسي والاداري والمالي من اهم الاسباب الى تؤدي التى فشل الدول وتخلفها وانتشار مختلف الامراض الاقتصادية والاجتماعية والسياسية كالفقر والانحراف والديكتاتورية، لذلك فأن الدول التي استطاعت ان تتخلص ولو نسبيا من مرض الفساد حققت نجاحات جيدة في بناء دولة مستقرة تنتج الازهار والرفاهية للمواطنين. كما ان استفحال الفساد يؤدي الى سيطرة المافيات والعصابات على مفاصل الدولة وتحول البلد الى مستنقع موبوء بامراض العنف والنفاق والديكتاتورية وبالنتيجة الى انتشار الفقر والبؤس والفوضى.

واظهرت تقارير منظمة الشفافية الدولية ان الفساد متفش في 70 دولة من الدول الـ159، ويعتبر حجم الفساد في قطاع الإنشاءات من اكثر الانشطة فسادا والذي يقدر بحوالي 3200 مليار سنويا. وهناك أكثر من 4 تريليونات دولار تنفق سنويا لرشوة الحكومات. اما المبالغ التي تهدر سنوياً في العالم بسبب الرشاوى في مجال المشتريات وفي المشاريع الحكومية فتقدر بحوالي 400 مليار دولار سنوياً على الأقل.

ويكشف تقرير منظمة الشفافية العالمية أن الشركات الدولية وعلى رأسها الأميركية قدمت رشى في الدول النامية ومارست ضغوطا سياسية ودبلوماسية لتمرير أعمالها وخدمة مصالحها. وتتقاضى أعداد كبيرة جدا من الموظفين الحكوميين في أنحاء العالم رواتب منتظمة من الشركات الأجنبية ومن بين هؤلاء سياسيون كبار. تصل قيمتها إلى حوالي 30 مليار دولار، ولا تعتبر الإدارة الأميركية الرشى والعمولات والهدايا التي تدفع في العالم الثالث من الفساد الخاضع للمحاسبة.

وقد عرف البنك الدولي الفساد بأنه استعمال الوظيفة العامة للكسب الخاص (الشخصي)غير المشروع.

ويمثل الفساد تحدياً خطيراً وعائقاً كبيراً لانه يقوض أسس وأركان حكم الديمقراطية والتعددية السياسية، وينسف دعائم الحكم الصالح، ويوصل إلى سدة البرلمانات والمجالس النيابية والحكومات أشخاصاً غير جديرين، حيث يؤدي الى ضرب البنية المؤسساتية للدولة بسبب قيام الفاسدين باستنزاف وموارد الدولة وثرواتها.

واعتبرت منظمة (الشفافية الدولية) ان الاحزاب السياسية وكذلك البرلمانات والشرطة والانظمة القضائية هي المؤسسات التي تشهد اكبر قدر من الفساد في العالم، وان الاحزاب السياسية تعتبر اكثر المؤسسات فسادا في 45 دولة من اصل 69.

لذلك فأن الحكومة هي المسؤول الاول عن انتشار الفساد  واستفحاله خاصة في حكومة تتقاسمها الاحزاب المتحالفة وتقسمها الى حصص.

ويرى المرجع الديني الراحل الامام السيد محمد الشيرازي رحمه الله في كتابه القيم اذا قام الاسلام في العراق انه: من الضروري على الدولة محاربة الفساد بأقسامه كالفساد الإداري والاجتماعي والاقتصادي وغير ذلك فإن الفساد يوجب تأخر الأمة ويدمر الشعب بعد أن يسلب اطمئنانه بالدولة.

ويفسر الامام الشيرازي الفساد الإداري بانه يحصل بالرشوة وتقديم المحسوبية والمنسوبية وتأخير أعمال الناس إلى غد وبعد غد بما يتضمن ذلك من تلف العمر والمال.. وأخيرا يوجب التضجر العام وكثيرا ما ينتهي إلى سقوط الحكومة وقد ورد عن أمير المؤمنين علي (ع) انه: يستدل على أدبار الدول بأربع: تضييع الأصول والتمسك بالغرور وتقديم الأراذل وتأخير الأفاضل، وقال(ع): تولي الأراذل والأحداث الدول دليل انحلالها وأدبارها.

وسئل أحد مشايخ بني أمية بعد سقوط دولتهم عن سبب السقوط؟.فقال : لأنهم وكلوا الأمور الكبيرة إلى الصغار والأمور الصغيرة إلى الكبار، فلا الصغار كانت لهم كفاءة إدارة الأعمال الموكلة إليهم ولا الكبار عملوا بما أوكل إليهم لأنفتهم.. وبين هذا وذاك ضاعت الدولة.

ويتساءل الامام الشيرازي: ولماذا فعل بنو أمية ذلك؟

الجواب: لأن الصغار أكثر تملقا وإطاعة.. والكبار حيث يدركون كثيرا من الحقائق وينتقدون، لذلك عزلوهم عن كبريات المهام ووكلوا إليهم أمورا صغيرة وقاية عن شرهم بالتطفل وهذا ما رأيناه في كل حكومة استبدادية ولذا رأينا سقوطها سقوطا مشينا.. أما لو كانت قد استقامت في عملها لكانت تعيش أضعاف أعمارها وهذا هو المترقب في من تبقى من الدكتاتوريين.

ويرى الامام الشيرازي ان حل مشكلة الفساد تبدأ من القادة والمسؤولين لانهم النموذج الذي يقتدي بهم الشعب، فاذا فسدوا فسد الشعب، واذا صلحوا صلح الشعب، حيث يدعو رحمه الله القادة الى التمسك بالزهد كوسيلة بقوله:

من الضروري على الحكام الالتزام ب‍الزهد عن زخارف الدنيا والاقتناع بالضروري من العيش، فإن الناس يلتفون حول الزاهدين ويطيعون أوامرهم ويعرفون بذلك صدقهم ولذا تحملهم القلوب.. كما أن زهد الحاكم يوفر على الأمة أقصى قدر ممكن من المال إذ المال ليس مالا للحاكم بل هو مال الأمة فإذا كان المال دولة بين الحكام وخاضعا لتصرفاتهم المطلقة وتعرضهم الطاغي - ومن الواضح أن الحاكم ليس فردا أو عشرة أو مائة بل تحتف به حاشية كبيرة من المتملقين والعاطلين والموظفين- لم يبق شيء للامة كما نشاهد ذلك في الحكام المستبدين الذين يصرفون أموال الأمة في اللهو والعبث والتطبيل لأنفسهم.

ويرى الامام الشيرازي بان الديمقراطية الحقيقة تمثل خير وسيلة لمكافحة الفساد بقوله: أن الزهد الذاتي زائدا الاستشارية (الديمقراطية) توجب رقابة الأمة للحكام ومزيداً من تقيدهم في منهج التعامل وفي كيفية صرف الأموال فلا يتمكنون من التصرف في أموال الأمة تصرفا سيئا، يوفر حاجات الأمة..

ان قدرة الامة على على مجابهة الفساد بكل انواعه هو خطوة كبيرة لتحقيق التنمية والحرية والكرامة، ومع سكوت الامة على الفساد وايغال الحكام وحواشيهم في نهب المال العام سيقود البلد الى كارثة تحرق الموارد الاقتصادية وتضعه في مستنقع الفوضى والفقر المدقع وفريسة يلتهمها الطغاة واللصوص.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 3/حزيران/2009 - 6/جمادى الآخرة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م