
شبكة النبأ: في الماضي، كان صانعو
السياسة الخارجية التركية يتلقون تعليمهم في مدارس غربية أو تركية
علمانية، ويتحدثون اللغات الاوربية ويتطلعون إلى اوربا، وخصوصاً فرنسا،
للإستلهام السياسي وتأكيد الهوية الغربية والأوربية لتركيا، وكان الشغف
الشديد للأتراك العلمانيين والمؤيدين للغرب بأوربا قوياً، فقد تطلعوا
إلى اوربا ليس فقط لبناء مجتمع على نمط القارة، ولكن للحصول على تأكيد
من الأوربيين باتباع سياسة خارجية موالية لأوربا.
اليوم، يقترح حزب العدالة والتنمية وضع حد لهذا الاتجاه، مع افتتان
جديد. فالقيادة السياسية للحزب تتألف من أشخاص تعلموا في مدارس "الإمام
حاطب" في تركيا التي تدرس مناهج غير علمانية. وتختلف النظرة العالمية
للصفوة في حزب العدالة والتنمية عن تلك التي يعتمدها الأتراك
العلمانيين. فقد كان بعض قادة حزب العدالة والتنمية قد حصل على درجات
علمية من جامعات في الدول العربية والدول الإسلامية الأخرى. كما يتكلم
معظمهم اللغة العربية، والأهم من ذلك، تتطلع القيادة إلى الدول العربية
للإستلهام.
ومثلما سعت نخب المجتمع التركي العلماني للحصول على التأكيد
الأوروبي باتباع سياسة خارجية موالية لأوربا، تسعى الصفوة بحزب العدالة
والتنمية إلى الحصول على التأكيد العربي باتباع سياسة خارجية موالية
للعرب.
ويضيف سونر چاغاپتاي، زميل أقدم في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى،
ومدير برنامج الأبحاث التركية بالمعهد. في مقال له عن توجهات
العلمانيين والإسلاميين الأتراك كل على حدة: منذ فترة طويلة وأنا أقول
إن السياسة الخارجية لحزب العدالة والتنمية تتسم بالطابع الإسلامي.
لكنني أعترف الآن بأنني كنت مخطئاً: فالسياسة الخارجية لحزب العدالة
والتنمية ليس لها طابع إسلامي عام، وإنما الحزب مفتون بالقضايا
الإسلامية العربية.
ونظراً للأصول الإسلامية لحزب العدالة والتنمية، يغلب على هذا الميل
الموالي للعرب الطابع الإسلامي القوي. وبمعنى آخر، يفضل "الحزب"
القضايا الإسلامية العربية على القضايا العلمانية. فعلى سبيل المثال،
يتحيز حزب العدالة والتنمية - على الملأ، وخلف الأبواب المغلقة - إلى
جانب حركة «حماس» الإسلامية ضد السلطة الفلسطينية وحركة «فتح»
العلمانيتين، نظراً لشعور الحزب بالقرب من جماعة الإخوان المسلمين.
ومنذ عام 2002، استضافت تركيا العديد من مؤتمرات «حماس» في اسطنبول.
وفي آخر اجتماع عُقد في اسطنبول في أبريل/نيسان المنصرم، رحبت تركيا
بالزعيم الإسلامي التونسي البارز راشد غنوشي، الذي يرأس حركة «النهضة»
المحظورة والمنتسبة لجماعة الإخوان المسلمين في تلك الدولة.
ويتابع الكاتب بالقول: علاوة على ذلك، ومنذ مجيئه إلى السلطة في عام
2002، قام حزب العدالة والتنمية بتطوير علاقات اقتصادية وسياسية وثيقة
مع النظم الإسلامية في السودان وقطر والمملكة العربية السعودية. ولا
يمكن أن يقال الشيء نفسه عن العلاقات التركية مع الدول العلمانية
والمعتدلة مثل الأردن وتونس ومصر. ولا تروق جميع القضايا والكيانات
العربية لحزب العدالة والتنمية، بل يتعاطف الحزب فقط مع تلك القضايا
والكيانات العربية ذات الطابع الإسلامي.
ويصل التوجه الإسلامي لحزب العدالة والتنمية المؤيد للعرب إلى درجة
الافتتان، على نحو يعكس شغف الأتراك العلمانيين مع أوروبا.
وعلى مدار عقود، وضع الأتراك العلمانيون تركيا عبر اختبارات مؤلمة
لإثبات الطابع الأوروبي للبلاد. فعلى سبيل المثال، انضمت فرق كرة القدم
التركية إلى المنافسات الأوروبية، وخسرت خسارة ذريعة أمام الفرق
الأوروبية القوية. لقد كان بوسع الأتراك المنافسة ضد فرق الشرق الأوسط
الأقل احترافية في المسابقات الآسيوية، ولكن من شأن ذلك أن يعني بأن
تركيا ليست أوروبية. وفي الآونة الأخيرة، تحسنت فرق كرة القدم التركية،
[وبدأت] تفوز بكؤوس أوروبية.
والفرحة الغامرة التي يشهدها المرء في كل مرة تفوز فيها تركيا
ببطولة أوروبية لهي فرحة فعلياً على تأكيد الهوية الأوروبية لتركيا.
ويستدل الكاتب بالقول، في مناقشات حول ميل تركيا الموالي للعرب في
السياسة الخارجية، تشير قيادة حزب العدالة والتنمية بأن هذه السياسات
"تؤتي ثمارها لأن تركيا مشهورة في الشارع العربي ولأن العرب يحبون
تركيا الآن". ومع ذلك، فإن الشهرة في الشارع العربي ليست بالضرورة مصدر
قوة لتركيا، نظراً لأنه في ظل النظم الاستبدادية لا تترجم الشعبية في
الشارع إلى قوة ناعمة في العواصم.
ومع ذلك، فإن رغبة حزب العدالة والتنمية في الحصول على حب العرب، هي
التي تحرك الحزب على اتباع سياسة خارجية إسلامية موالية للعرب. إن
الشعبية في الشارع العربي بالنسبة لحزب العدالة والتنمية هي أشبه
بالفوز على فريق كرة قدم أوروبي بالنسبة للعلمانيين الأتراك.
وباختصار، توجد علاقة حب بين حزب العدالة والتنمية والإسلاميين
العرب، وسوف يتخذ الحزب خطوات في سياسته الخارجية لتدعيم تعاطف هذا
الجمهور، حتى إذا كنت مثل تلك الخطوات لا تخدم بالضرورة المصالح
التركية.
ويختم الكاتب بالقول، لقد كان الأتراك الموالون للغرب يعتقدون على
مدار عقود، بأنهم فرنسيين علمانيين – ولم يكونوا كذلك. والآن يعتقد
الصفوة في حزب العدالة والتنمية بأنهم عرب إسلاميون – وهم ليسوا كذلك
ايضاً. إن علاقات الحب العقيمة التي تعيشها تركيا مع "النماذج الخارجية
التي يُقتدى بها" آخذة في الاستمرار. |