مبررات الإنحراف الاخلاقي في الصيف العراقي

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: عندما يقترب الصيف تبدأ أغلب الكائنات بالتخلص من طور السبات وتخرج من جحورها او اماكنها لتمارس أنشطتها وأدوارها في مسيرة الحياة وصناعتها، بمعنى أن الكائن الحي سيكون اكثر حرية وإقبالا على الانتاج، أما في الصيف العراقي الذي لايستثنى من قاعدة النشاط المذكورة فإن الحال سيختلف تماما.

ولكي نوضح وجهة نظرنا نقول أن أغلب فصول العام في العراق ممتلئة بالعمل حتى تكاد نسبة الفراغ تقل الى ادنى مستوياتها، ولكن مع اقتراب بوادر الصيف ستتعرض أنشطة الشباب الى الخمول والانحسار وستتصاعد نسب الفراغ الى أعلى مستوياتها، وهنا تكمن المفارقة، ففي الوقت الذي تترك فيه الكائنات مرحلة سباتها معلنة موسما جديدا يسهم في إدامة الحياة وتجديدها، في هذا الوقت يقوم الصيف العراقي بردع أنشطة الانسان العراقي وبالأخص فئة الشباب والمراهقين الذين هم اكثر من خيرهم حركة ونشاطا واقبالا على بناء الحياة.

فالخريف العراقي يستقبل فئة الطلاب والمراهقين ببداية عام دراسي يستوعب جل أنشطتهم ثم يستقبلهم الشتاء وهم مشغولين تماما ونشطين لنصل الى الربيع الذي سيشهد نتائج عصارة اعمالهم المتنوعة، وحين يحل الصيف العراقي ستحل إشكالية ملء الفراغ الذي يتولد عن ترك الطلاب والمراهقين لمقاعدهم الدراسية بسبب تمتعهم بالعطلة الصيفية، ومع تزايد النشاط البايلوجي للشباب يزداد الفراغ الى اقصى درجاته وهنا يحدث التقاطع الحاد الذي سيقود المراهق والشاب الى الانحراف او يجعله مهيئا لذلك في ظل غياب اهتمام الجهات ذات العلاقة بتوفير المنشآت الترفيهية والرياضية التي تمتص أنشطتهم المتزايدة.

ولعل واقع الصيف العراقي يشير الى بروز ظاهرة انحراف الشباب بصورة لا تقبل اللبس، حيث يكون المراهق والشاب أسهل عرضة وقبولا لممارسة الأفعال والظواهر المنحرفة تفريغا لنشاطه الذي يتضاعف في فصل الصيف مع غياب شبه تام للوسائل القادرة على امتصاص هذه الانشطة واستيعابها وتحويلها الى منتج ايجابي يسهم بتطور حياة الشاب والمراهق نحو الأفضل.

إن تزايد حالات الفراغ التي تبدأ مع بداية فصل الصيف تضاعف معاناة الشباب الى اقصى مدياتها، لذلك يندفع المراهقون والشباب الى تفريغ طاقاتهم في غير محلها مما يقودهم الى الوقوع في فخ الانحراف كتعاطي المخدرات والخمور ومرافقة اصدقاء السوء وممارسسة اللصوصية والافعال الجنسية المنحرفة وما شابه.

 ولعل مسؤولية مثل هذه الانحرافات لا تقع على المراهق او الشاب بالدرجة الاولى، فهو كائن حي ويمر في مرحله تعد من أنشط مراحل العمر البشري، لذلك فهو بحاجة الى تفريغ نشاطه في هذا المجال او ذاك، ونظرا لغياب او ضعف الدولة والوزارة المعنية في توفير الوسائل الصحيحة والمناسبة لاستيعاب هذا النشاط، فإن مسوّغ الانحراف الى ممارسة الظواهر الخاطئة سيكون متوفرا، وهنا ستتحمل الدولة والوزارة المعنية النسبة الأعلى من مسؤولية انحراف الشباب العراقي للاسباب التي ورد ذكرها.

كما ان ثمة جزءً كبيرا من المسؤولية يقع على الجهات الدينية، فرجل الدين ليس معفيا من دوره في مساعدة هذه الشريحة على استيعاب انشطتها في فصل الصيف من خلال إيجاد المنافذ المتعددة والقادرة على امتصاص جانب من قدراتهم وطاقاتهم الكثيرة، ناهيك عن سبل التوعية والتحصين من مخاطر الانحراف وما شابه.

ويبقى الأهم في هذا الجانب هو دور الحكومة والوزارة المعنية في توفير الملاعب الرياضية المتنوعة والمسابح والاندية الترفيهية الملتزمة وغيرها من الوسائل القادرة على احتضان أنشطة الشباب والمراهقين، وبخلاف ذلك لا يجوز مطلقا ان نلقي المسؤولية كاملة على عاتق الشاب فيما لو قادته نفسه الى أحد فخاخ الانحراف، كما ان للاسرة دورها في هذا الجانب وربما ينحصر بالتربية والتوجيه خلافا للدور الرسمي الذي يكاد يكون شاملا، بمعنى انه دور تربوي وعملي في آن واحد.

ومن اجل درء خطر عواقب الصيف العراقي نقترح على الجهات المعنية القيام بالخطوات الاجرائية التالية:

- النظر الى ظاهرة الفراغ صيفا بعين المسؤولية الوطنية والاخلاقية والدينية ومعالجتها وفق الطرق الصحيحة والسريعة في آن واحد.

- تشجيع الجهات الرسمية على القيام بدورها في استعياب الانشطة الشبابية وتأشير الخلل في هذا الجانب ومحاسبة المقصر أمام الملأ.

- أن تأخذ الجهات الدينية دورها الواضح في التوعية وفي امتصاص جانب من انشطة الشباب عبر الوسائل المعروفة.

- أن تقوم الاسرة بدورها التربوي والرقابي الصحيح في آن واحد.

- أن تقوم الجهات الامنية بدورها المناسب في مراقبة ظاهرة التجمعات وتعاطي المخدرات وتناول المشروبات الروحية.

- أن لا يتم تغافل حاجة هذه الفئة النشطة لتفريغ طاقاتها من خلال العمل الجاد والمسؤول في توفير الوسائل والسبل المطلوبة لتحقيق هذا الهدف.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 2/حزيران/2009 - 5/جمادى الآخرة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م