العلاقات الأميركية السعودية عشية زيارة أوباما

علاء بيومي

عشية زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما للمملكة العربية السعودية رأينا أن نتناول بالعرض والتحليل أحدث تقارير خدمة أبحاث الكونجرس – وهي ذراع الكونجرس الأميركي البحثي – عن العلاقات السعودية الأميركية.

التقرير الصادر في فبراير الماضي بعنوان "السعودية: خلفية والعلاقات مع أميركا" مكتوب من وجهة نظر أميركية واضحة تتميز بقدر كبير من الصراحة والوضوح في التعامل مع ملفات العلاقة الرئيسية بشكل لا يخلو من ذكاء سياسي ومتعة بحثية إذا صح التعبير.

وذلك لأن التقرير أخذ على عاتقة أن يلخص أهم ملفات العلاقات السعودية الأميركية وهي عديدة وهامة وصعبة ومعقدة، ولكنها يتناولها بتوثيق وسلاسة ويقدمها لصانع القرار الأميركي في كلمات بسيطة ومحددة عميقة المعني.

أزمة تعريف العلاقة الخاصة

التقرير في جوهره يقول أن العلاقة "الخاصة" القائمة بين أميركا والمملكة مازالت خاصة ومحورية بالشرق الأوسط، فالمملكة هي بمثابة الشريك الرئيسي لأميركا بالمنطقة، وأن العلاقة "الخاصة" – كما توصف داخل أميركا - تقوم على ثلاثة أعمدة (سياسي وأمني واقتصادي)، وأن أحد أعمدة العلاقة - وهو العمود السياسي - يواجه تحدي كبير منذ أوائل التسعينيات، وأن أوباما في حاجة إلى العمل مع المسئولين السعوديين لإعادة بناء العمود السياسي للعلاقة الخاصة بعد ما أصابه من تراجع منذ حرب تحرير الكويت وحتى الآن وخاصة بعد 11-9.

ويلخص التقرير بذكاء واقتدار أزمة البعد السياسي للعلاقات السعودية الأميركية في عبارة واحدة تقول أن على القيادات الأميركية والسعودية إعادة تعريف العلاقة المشتركة بينهما في بشكل "يمكنهما الدفاع عنه علنا"، وهذا يعني أن الأميركيين والسعوديين باتوا غير قادرين على حصد الدعم الداخلي لعلاقتهما المشتركة في صورتها الحالية داخل المملكة أو داخل أميركا.

فالسعوديون يعارضون سياسية حكومتهم تجاه أميركا، والأميركيون يعارضون سياسة حكومتهم تجاه السعودية، والسياسيون على الطرفين عاجزون عن حصد الدعم لعلاقتهم الخاصة في صورتها الحالية.

بهذا نكون وصلنا إلى حجة مثيرة للتفكير يطرحها مؤلف التقرير - كريستوفر بلانكارد - باقتدار في مقدمة تقريره ليشد انتباه القارئ لبقية صفحات التقرير متوسط الحجم (42 صفحة)، وكأنه مؤلف روايات قدير يفاجئ قارئه بعقدة روايته الرئيسية وقمة أحداثها في أول صفحات الرواية لا في وسطها.

بلانكارد يقول أن العلاقة "الخاصة" التي تربط أميركا بالسعودية حاليا تعود إلى منتصف الأربعينيات من القرن الماضي حينما أدرك الأميركيون سريعا الأهمية الإستراتيجية للمملكة وتحولوا إلى "الضامن" الرئيسي لأمن المملكة مع انحسار الإمبراطورية البريطانية الاستعمارية.

أركان العلاقة الخاصة وأزمة الركن السياسي

ومنذ ذلك الحين قامت العلاقة الخاصة على ثلاثة أعمدة، أولها استراتيجي سياسي بسبب قرب السعودية من أعداء أميركا خلال الحرب العالمية الثانية (اليابان) ثم من أعدائها خلال الحرب الباردة (الإتحاد السوفيتي)، وثانيها عسكري حيث تولت أميركا مهمة بناء القوات المسلحة السعودية وتدريبها وإمدادها بقدر كبير من الأسلحة التقليدية لدرجة ملفتة للنظر - كما سنشرح فيما بعد، وثالثها اقتصادي يرتبط بالطبع بثروة المملكة النفطية.

ولكن بمرور الزمن تراجعت العلاقات السياسية لأسباب مختلفة، وتراجع الملف الاقتصادي نسبيا كما يوحي التقرير، وبقى الملف الأمني وكأنه خطر أحمر لا يتخطاه أحد حتى الآن.

الملف السياسي تراجع كما يرى التقرير – وهو مكتوب من وجهة نظر أميركية واضحة – لأن المملكة رفعت منذ الستينيات شعارات سياسية إسلامية مما حولها تدريجيا وبسبب ثرائها وموقعها الجيوستراتيجي لأحد أهم مصادر تمويل ودعم الحركات الإسلامية في العالم بالفكر والمال، وقد رحبت أميركا بذلك الدور خلال فترة الحرب الباردة، حيث تحالفت مع المملكة في مواجهة الأنظمة القومية والاشتراكية بالمنطقة، وفي مواجهة المد الشيوعي بشكل عام خاصة في أفغانستان حيث توثقت العلاقة بين المصالح الأميركية والتوجهات الإسلامية للمملكة في محاربة الغزو السوفيتي لأفغانستان.

سياسة تبحث عن تعريف جديد

ولكن يبدو أن العلاقة السياسية الإستراتيجية واجهت أزمة مستمرة منذ تفكك الإتحاد السوفيتي لأنها احتاجت لإعادة تعريف، ووجدت أميركا ضالتها في التعاون مع المملكة في تطبيق سياسة احتواء مزدوج لإيران والعراق بعد حرب تحرير الكويت، ولكن يقول التقرير أن العلاقة واجهت تحدي متزايد من نوع جديد عبر التسعينيات، وهو أن الجماعات الإسلامية المدعومة من قبل أشخاص ومنظمات إغاثة وتيارات دينية داخل أميركا مثلت تحدي لأميركا في أماكن عديدة عبر العالم مثل الشيشان والبلقان وفلسطين وكشمير.

وزادت المشكلة مع تبني أميركا لمطالب تتعلق بحقوق الإنسان والإصلاح السياسي ضمن ما يسمي بسياسات النظام العالمي الجديد التي تبنتها إدارة الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، وبالطبع ظل موقف المملكة تجاه إسرائيل مشكلة بالنسبة للعلاقة على الرغم من دعم المملكة ودول الخليج بشكل عام لعملية السلام منذ منتصف التسعينيات وتخليهم عن المقاطعة غير المباشرة لإسرائيل كما يقول التقرير.

وبالطبع تعمقت المشكلة مع أحداث 11-9 ومع صعود قوى اليمين الأميركي داخل إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش، وبدأ الكونجرس الأميركي يتحرك لفرض سياسات متشددة ضد المملكة تمثلت بشكل أساسي – كما يرى التقرير – في حرمان المملكة من المساعدات الأميركية.

عقاب السعودية بحفنة من الدولارات

وهي نقطة تثير السخرية والتعجب – كما سنرى فيما بعد – وذلك لأن أميركا لا تقدم أي مساعدات تذكر للمملكة العربية السعودية بسبب ثراء المملكة الاقتصادي، وإن كانت أميركا تقدم مساعدات رمزية لمملكة في صورة خصم رمزي على سعر الخدمات التي تقدمها أميركا في مجال تدريب القوات المسلحة السعودية، وهو خصم يتراوح بين 15 ألف دولار أميركي في بعض السنوات إلى مليون دولار في سنوات أخرى، وهي بالطبع أموال غير ذات قيمة إذا قارناها بتكلفة التعاون العسكري بين أميركا والسعودية كل عام، ولكن الكونجرس سعى في السنوات الأخيرة – و مع توتر العلاقة "السياسية" بين أميركا والمملكة – إلى منع تلك المساعدات حتى أنه حرم الرئيس الأميركي أحيانا من القدرة على التدخل لرفع تلك "العقوبات" عن المملكة.

وبالطبع المساعدات المقدمة ضئيلة لا تذكر كما ذكرنا من قبل ولكن أهميتها تنبع من رمزيتها ومن كون منعها هو"عقاب" للسعودية يمارسه صانع القرار الأميركي، وهو عقاب لا يتخطى خطوط حمراء سوف نرصدها فيما بعد.

تبعات 11-9

المهم هنا أن 11-9 زادت من تراجع الشراكة السياسية لأسباب تتعلق بتراجع دور المملكة الإستراتيجي بالمنطقة بعد انهيار الإتحاد السوفيتي، وبسبب دعم المملكة الشعبي – كما يرى الأميركيون – للحركات الإسلامية، وبسبب 11-9 والتي أثارت الرأي العام الأميركي ضد المملكة وأعطت الفرصة للوبي إسرائيل واليمين الأميركي وجماعات حقوق الإنسان والديمقراطية للتدخل لفرض أجنداتها المختلفة ضد المملكة بواشنطن.

عموما اتخذ تردي العلاقات السياسية بين المملكة وأميركا منذ 11-9 عنوانا رئيسيا يخفي تحته القضايا الهامة السابقة، وهو عنوان التمويل الشعبي القادم من داخل المملكة للحركات الإسلامية "العنيفة"، حيث يرى التقرير بوضوح أن الإدارة الأميركية خلال عهد بوش عبرت أكثر من مرة عن اعتقادها أن الحكومة السعودية لا تقدم دعما لتلك الجماعات (فيما عدا داخل فلسطين كما يرصد التقرير في بعض أجزاءه)، وأن الدعم المقدم للجماعات "المتطرفة" يأتي من أفراد ومنظمات إغاثة داخل المملكة، وأن الحكومة السعودية تعاونت بشكل متزيد مع الحكومة الأميركية في وقف هذا الدعم خاصة بعد غزو العراق في منتصف 2003 حيث تعرضت المملكة لسلسلة من الهجمات الإرهابية.

ولكن بعض المسئولين الأميركيين المعنيين بتتبع تمويل الإرهاب ظلوا على اعتقادهم بأن التمويل القادم من داخل المملكة للجماعات "الإرهابية" لم يتوقف وأن السعودية مازالت "مصدر تمويل رئيسي" للجماعات "السنية الإرهابية، وقد احتفظ بعض هؤلاء المسئولين بمناصبهم ذاتها داخل إدارة أوباما مثل ستيوارت ليفي مساعد وزير المالية الأميركي لقضايا الإرهاب والاستخبارات المالية والتي دأب على انتقاد المملكة في هذا المجال.

والواضح هنا أن مشكلة أميركا الرئيسي هي في الدعم الموجه إلى جماعات مثل القاعدة، وتبقى قضية دعم المملكة للجماعات الفلسطينية المسلحة محل خلاف سياسي أخر، فالتقرير يشير إلى استمرار دعم السعودية على المستوى الحكومي لحكومة حماس في عام 2007 ولجهود المصالحة بين حماس وفتح ولتنظيم المملكة حملات دعم شعبي للفلسطينيين بعد حرب غزة، ولكن يبدو من التقرير أن ملف الجماعات الفلسطينية مختلف بعض الشيء عن ملف جماعات كالقاعدة.

عموما المشاكل السابقة أثرت على الركن السياسي للعلاقات السعودية الأميركية كما ذكرنا من قبل وجعلت من الصعب على الحكومة الأميركية الدفاع عن علاقتها بالسعودية داخل أميركا حتى لا تواجه بنقد لوبي إسرائيل واليمين الأميركي وجماعات حقوق الإنسان وبعض قطاعات الرأي العام الأميركي كذلك.

والسعودية أيضا تجد صعوبة في الدفاع عن علاقتها مع أميركا داخل المملكة لأنها تواجه نقدي شعبي وضغط من قوي إقليمية تدفع المملكة في اتجاه مواجه أميركا في قضايا يأتي على رأسها القضية الفلسطينية والعلاقة مع إسرائيل.

كما تبدو أيضا العلاقة مرشحة لمزيد من التصعيد – كما يشير التقرير – لأن المملكة ترفض التقارب الأميركي الإيراني وتتعامل بحذر شديد مع الحكومة العراقية، وبهذا تصبح مهمة إعادة تعريف العلاقات السعودية الأميركية خلال زيارة أوباما المقبلة للمملكة مهمة صعبة، ولكن حتى لا نتسرع في الحكم ينبغي علينا التوقف أمام محوري العلاقة الآخرين وهما الأمن والاقتصاد.

ركيزة الأمن

المثير هنا أن الحديث عن العلاقات السياسية يطغى على التقرير وعلى الجدل الدائر عن العلاقات السعودية الأميركي بشكل عام في الدوائر العامة والإعلامية داخل أميركا والعالم العربي، ولكن التقرير يوضح مدى عمق العلاقة الأمنية حتى أنها تبدو كخط أحمر أمام الكونجرس الأميركي والسياسيين الأميركيين بشكل عام وربما أمام المسئولين السعوديين أيضا، فالتقرير يقول أن أميركا هي "الضامن" أو "الراعي" الرئيس لأمن المملكة منذ منتصف الأربعينيات، وأن أميركا هي من ساعدت السعودية على بناء جيشها من خلال تزويده بالأسلحة ومساعدته على بناء بنيته التحتية وتدريب قواته، وتبدو الأرقام هنا مثيرة للتفكير العميق وربما مفاجئة أيضا.

فبالنسبة إلى مبيعات الأسلحة الأميركية للمملكة، يقول التقرير أن السعودية اشترت من الحكومة الأميركية خلال الفترة من عام 1950 وحتى عام 2006 أسلحة قيمتها 62.7 بليون دولار (مع تثبيت سعر الدولار) وهو ما يمثل 19% من مبيعات الحكومة الأميركية للأسلحة خلال الفترة ذاتها، وأن إدارة بوش الثانية (2005-2009) أقرت مبيعات أسلحة للسعودية تقدر بحوالي 16.7 بليون دولار.

وفيما يتعلق بخدمات البنية التحتية للقوات المسلحة، اشترت السعودية خدمات من أميركا تقدر بحوالي 17.1 بليون دولار خلال الفترة من 1950 وحتى 2006 وهو ما يعادل 85% من إجمالي مبيعات خدمات بناء الجيوش التي قدمتها أميركا خلال الفترة ذاتها.

ولعل النسب الكبيرة السابقة توضح عمق العلاقة الأمنية بين السعودية وأميركا، لذا يشير التقرير إلى دور أميركا في بناء أذرع القوات العسكرية السعودية المختلفة والتي لا تتمتع بقيادة مشتركة كما يشير التقرير.

كما يشير أيضا إلى دور أميركا في تدريب تلك القوات، ويقول أن أنشطة التدريب هذه تضمن ليس فقط سيطرة السلاح الأميركي على أسلحة الجيش السعودي ولكنها تضمن أيضا نقل القيم والمبادئ الأميركية إلى قيادات الجيش السعودي.

ويقول التقرير أن سيطرة الأسلحة والتدريب الأميركي على الجيش السعودي وجيوش دول الخليج بصفة عامة يضمن عدم استخدام تلك الجيوش ضد حلفاء أميركا الآخرين بالمنطقة وعلى رأسهم إسرائيل، حيث يوضح التقرير أن الأسلحة التقليدية الضخمة التي حصلت عليها السعودية من أميركا تضمن تفوقها على جيرانها الإقليميين كإيران والعراق فيما عدا إسرائيل - والتي تضمن أميركا تفوقها النوعي على جميع دول المنطقة، ولكن التقرير يقول – كما أشرنا – أن حلفاء أميركا لن يتصارعوا مع بعضهم البعض لأن مصدر السلاح والتدريب واحد.

لهذا لا يشير التقرير إلى أي مقاومة تذكر من أعضاء الكونجرس لبيع الأسلحة إلى السعودية منذ نهاية أوائل التسعينيات، وقد يحدث أحيانا جدل في السعودية حول أنواع الأسلحة المقدمة للمملكة ومستقبلها وتأثيرها على مسرح العمليات بالشرق الأوسط، ولكن هذا الجدل لم يرتق إلى مستوى التشريعات الحقيقية.

وبهذا يبدو الكونجرس مشغولا بمنع السعودية من الحصول على حفنة من الدولارات الأميركية المقدمة للسعودية في صورة مساعدات أو "خصومات" لا تحتاجها السعودية أصلا، ولكنه لا يقترب من العلاقة الأمنية بين البلدين التي تقدر ببلايين الدولارات، مما يوضح مركزية البعد الأمني للعلاقات السعودية الأميركية.

ركيزة الاقتصاد

أما بخصوص الاقتصاد فهو العمود الثلاث للعلاقة الخاصة بين البلدين، ويوضح التقرير أن المملكة هي الشريك الاقتصادي الرئيسي لأميركا في الشرق الأوسط تليها إسرائيل، ففي عام 2007 بلغت صادرات السعودية لأميركا 35.6 بليون دولار يسيطر عليها النفط ومشتقاته بالطبع، في حين بلغت واردات المملكة من أميركا 10.4 بليون دولار يسيطر عليها السلاح والماكينات الصناعية والسيارات، وفي العام نفسه بلغت صادرات إسرائيل إلى أميركا 20.8 بليون دولار ووارداتها منها 13 بليون دولار.

ويشير التقرير إلى أن الثراء الاقتصادي للمملكة ودور أميركا في تنمية المملكة وبناء بنيتها التحتية وصناعاتها النفطية ظلوا دائما ركائز هامة في العلاقة، هذا إضافة إلى أن السعودية هي ثالث مصدر للنفط لأميركا في الفترة الحالية (وفقا لإحصاءات عام 2007) بعد كندا والمكسيك.

ولكن التقرير يشتكي من تركز الاستثمارات الأميركية في المملكة في القطاع النفطي وعدم تخطيها لاستثمارات في مجالات أخرى خاصة وأن المملكة تسعى تنويع اقتصادها سعيا لاحتلال مكانة اقتصادية أفضل.

علاقة تقليدية تحتاج إلى تحديث

وهكذا يبدو أن مشكلة العلاقات السعودية الأميركية هي أن أسس تلك العلاقة صيغت في فترة زمنية قديمة للغاية (فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة) وأنها تميزت بقدر كبير من التقليدية والاعتماد على مصادر القوة التقليدية، مثل الأمن والسلام والثورة النفطية ومواجهة الشيوعية بسبب موقع المملكة الجيوستراتيجي.

وبالطبع تغيرت هذه الأمور أو الظروف اليوم، فأميركا لم تستثمر في المملكة فيما وراء النفط، والحرب الباردة انتهت وتغيرت أهمية المملكة الإستراتجية، والعلاقة الأمنية قائمة ولكنها لا تبدو كافية خاصة وأن المملكة تبدو أنها امتلكت بالفعل ترسانة ضخمة من الأسلحة الأميركية التقليدية.

كما يشير التقرير إلى أن المملكة تبدو الآن قادرة على الحفاظ على أمنها الداخلي من التهديدات الداخلية خاصة وأنها نجحت في مواجهة خطر القاعدة منذ منتصف عام 2003، وإن كانت مازالت تواجه مشاكل داخلية مثل ضعف الانفتاح السياسي وغياب المؤسسات الديمقراطية بالإضافة إلى التنافس المحتمل بين أعضاء الأسرة الحاكمة على السلطة وانتقال الحكم، ولكن تحدي الانفتاح السياسي لا يمثل خطرا أمنيا، والتنافس على الحكم هو بيد الأسرة الحاكمة ذاتها.

أما فيما يتعلق بالتهديدات الإقليمية، فيشير التقرير إلى أن المملكة لا تبدو معنية بمواجهة عسكرية مع إسرائيل فكلاهما يعتمد على السلاح الأميركي، وأن المملكة تقاوم الضغوط التي تمارس عليها من أطراف إقليمية للدخول في مواجهة سياسية مع إسرائيل وتضغط على أميركا في اتجاه دفع عملية السلام والتي تجمع عليها جميع دول الخليج، وتحتفظ المملكة أيضا بعلاقات دعم قوية مع الفلسطينيين وهو أمر يزعج أميركا ولكنه لا يمثل تهديد كبيرا للعلاقة.

أما مخاوف السعودية الرئيسية في الفترة الحالية فتكمن في العراق وإيران، فالسعودية تخشى – كما يرى التقرير – من إيران ومن الانفتاح الأميركي المحتمل عليها في عهد أوباما ومن صعود الشيعة في العراق ومن إمكانية عودة العراق كقوة إقليمية مسلحة وكقوة نفطية كبرى تنافس المملكة وكبار الدول المنتجة للنفط على زعامة الأسواق النفطية.

وفي اعتقادي أن نظرة التقرير لمخاوف المملكة الإقليمية خاصة من إيران والعراق غير مفهومة في ظل الترسانة السعودية الضخمة من الأسلحة الأميركية والتواجد العسكري الأميركي في المنطقة، ولكن تبدو هنا أن مساعي إيران النووية تقلب المعادلة الإقليمية رأسا على عقب وتزيد من حاجة دول الخليج للضمانة الأمنية الأميركية.

وبهذا يبدو أن الأمن يعود ويطل برأسه من جديد ويرغم المملكة والخليج وأميركا على علاقات أمنية وثيقة قد لا تتماشى مع العلاقات الاقتصادية والسياسية بين الطرفين، فالتقرير نفسه يقول أن الاستثمارات الأميركية - التي تتركز في النفط - لا ترتقي لطموحات السعودية التي تريد الترقي لمرتبة اقتصادية أعلى.

ويشير التقرير أيضا إلى أن العاهل السعودي المملك عبد الله بن عبد العزيز يعمل على فتح بلاده على الشرق سياسيا واقتصاديا منذ عام 2005.

هذا يعني إننا أمام علاقة أمنية تبدو تقليدية صيغت في فترة زمنية قديمة، وأمام علاقات سياسية واقتصادية قديمة أيضا، وأن السياسية باتت عنوان الخلاف بين السعودية وأميركا يليها الاقتصاد ثم الأمن والذي يبدو وكأنه حجر الزاوية في العلاقة حاليا.

ولكن التعاون الأمني وحده والعلاقات الاقتصادية القائمة لم تعد كافية لتبرير العلاقة علنا كما يرى التقرير، ولهذا سوف تستمر المعارضة الشعبية للعلاقات السعودية الأميركية داخل وخارج أميركا حتى يجد مسئولي البلدين تعريفا جديدا لها.

نحو تعريف أكثر نضجا ومرونة

وفي اعتقادي أن هذا التعريف لن يكون سهلا أو تقليديا، فيبدو أن البلدين في حاجة إلى علاقة أكثر نضجا وحداثة ومرونة، وأن أمام الدولتين كثيرا من القضايا العالقة، كما أن المملكة في مساعيها لتولي مكانة دولية أكبر سوف تتعرض لمزيد من الضوء السياسي المسلط على سياساتها الداخلية والخارجية المختلفة ومن بينها قضايا كالإصلاح السياسي والديمقراطية وحقوق الإنسان.

بقى أن نشير إلى أن التقرير الذي عرضناه في المقال الحالي يعبر عن الرؤية والمصالح الأميركية بالأساس تجاه السعودية، والتي لا تعبر بالضرورة عن الموقف السعودي تجاه العلاقات الهامة، وهو موقف يحتاج إلى وقفة خاصة ونظرة مستقلة ليس موضعها المقال الحالي.

www.alaabayoumi.com

..................................

* لقراءة النص الكامل للتقرير، يرجى زيارة:

http://www.fas.org/sgp/crs/mideast/RL33533.pdf

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 2/حزيران/2009 - 5/جمادى الآخرة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م