حجية أهل البيت في نظر المسلمين الإمامية

مشتاق بن موسى اللواتي

يعتقد المسلمون الإمامية، مع جميع المسلمين، بأن الكتاب والسنة هما مصدران أساسان للتشريع الإسلامي. وينفرد الإمامية بإيمانهم بحجية أئمة أهل البيت عليهم السلام، كإمتداد طبيعي وشرعي للنبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وأن أقوالهم وأفعالهم وتقريراتهم ملحقة بالسنة.

التأصيل القرآني لحجية أهل البيت:

 ويستدل الإمامية على ذلك بأدلة متعددة، من قبيل آية التطهير وهي قوله تعالى في سورة الأحزاب " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " وقد نصت مجموعة من مصادر الحديث والتفسير على نزولها على أهل البيت عليهم السلام. روى الصدوق في أماليه ومسلم في صحيحه والحاكم في المستدرك والبيهقي في سننه الكبرى والطبراني وابن كثير والسيوطي وغيرهم، بألفاظ مختلفة، ولكن حسب صحيح مسلم عن السيدة عائشة قالت " خرج رسول الله غداة وعليه مرط مرجل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله فيه ثم جاء الحسين فدخل معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء علي فأدخله، ثم قال " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " وورد في عدد من مصادر الحديث والتفسير كما عن الحاكم في المستدرك ومسند أحمد وغيرهما ما مفاده، ان أم سلمة سألت النبي (ص) قائلة: وأنا معكم يارسول الله ؟ فقال لها " إنك على خير " ولم يدخلها الكساء، وفي رواية للحاكم، انه قال لها " انك إلى خير وهؤلاء أهل بيتي " وحسب الصدوق في أماليه، فقلت يارسول الله ألست من أهل البيت ؟ قال: إنك من أزواج النبي، وما قال إنك من أهل البيت ".

 وقد ذكر الراغب في " مفردات القرآن " ان الرجس هو الشيئ القذر، وهوعلى أربعة أوجه، إما من حيث الطبع وإما من جهة العقل وإما من جهة الشرع وإما من كل ذلك كالميتة والميسر والشرك. وذكر الثعلبي في تفسيره، ان الرجس اسم يقع على الإثم وعلى العذاب وعلى النجاسات والنقائص، فأذهب الله ذلك عن أهل البيت.

وروى مسلم في صحيحه في باب فضائل علي، عن سعد بن أبي وقاص، قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا فقال: ما منعك أن تسب أبا تراب؟ يعني عليا، فقال: أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله (ص) فلن أسبه، لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم. ثم ذكر ما سمعه من النبي في حق الإمام علي (ع)، كقوله (ص) في بعض مغازيه " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي. وقوله (ص) يوم خيبر " لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله. ولما نزلت هذه الآية من آل عمران " فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ": دعا رسول الله (ص) عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال "اللهم هؤلاء أهلي". وهذا حديث مركب ودلالاته واضحة، ومنها أن القرآن الكريم أنزل الإمام عليا منزلة نفس رسول الله (ص).

 قال الحاكم النيسابوري في معرفة علوم الحديث " وقد تواترت الأخبار في التفاسير عن عبد الله بن عباس وغيره أن رسول الله (ص) أخذ يوم المباهلة بيد علي وحسن وحسين وجعلوا فاطمة وراءهم ثم قال: هؤلاء أبناؤنا وأنفسنا ونساؤنا فهلموا أنفسكم وأبناءكم ونساءكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين "

السنة المروية عند الفريقين:

 ومما استدل به الإمامية، الحديث النبوي الثابت المعروف بحديث الثقلين، وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم " إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء، وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما " وهذا الحديث رواه جمع من المحدثين في أوثق مصادر الحديث، بألفاظ مختلفة، حيث رواه الصدوق في إكمال الدين والترمذي والنسائي والدارمي وأبو داوود وابن ماجة وابن خزيمة وأحمد والحاكم في المستدرك على شرط الشيخين وكذا الذهبي في تلخيصه للمستدرك، وجمع آخر من المحدثين والمفسرين والمؤرخين، كما رواه مسلم في صحيحه ولكن بلفظ مختلف في نهايته حيث ورد فيه، أذكركم الله في أهل بيتي ثلاثا.

وقد ورد الحديث بطرق كثيرة حتى قال العلامة ابن حجر الهيثمي المكي في كتابه " الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة " " ثم اعلم إن لحديث التمسك بهما (الكتاب والعترة) طرقا كثيرة وردت عن نيف وعشرين صحابيا " وذكر بأن النبي (ص) كرره في مواطن عديدة اهتماما بشأنهما. وقد قرن النبي (ص) فيه بين الكتاب والعترة، معتبرا إياهما ثقلين لا يفترقان حتى يوم القيامة. والحديث دال على وجوب التمسك بالكتاب والعترة من أهل البيت معا، وأن التمسك بهما معا عاصم من الضلالة. ومفهومه واضح في عدم كفاية التمسك بأحدهما دون الآخر. ويؤكد ذلك ما ورد في بعض روايات الحديث، في بعض المصادر كما عن الطبراني في معجمه، والهيثمي في مجمعه قوله (ص) " فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم " ولهذا اعتبر ابن حجر الهيثمي ذلك دليلا على " ان من تأهل منهم – أهل البيت – للمراتب العلية والوظائف الدينية، كان مقدما على غيره " وأضاف " ثم الذين وقع الحث عليهم منهم إنما هم العارفون بكتاب الله وسنة رسوله إذ هم الذين لا يفارقون الكتاب إلى الحوض، ويؤيده الخبر السابق ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم، وتميزوا بذلك عن بقية العلماء لأن الله أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وشرفهم بالكرامات الباهرة والمزايا المتكاثرة " وقال " وفي أحاديث الحث على التمسك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهل منهم للتمسك به إلى يوم القيامة كما ان الكتاب العزيز كذلك ورد على من ظن وجود تعارض بين هذا الحديث وما ورد عن النبي (ص) من التمسك بالكتاب والسنة، فقال " وفي رواية كتاب الله وسنتي، وهي المراد من الأحاديث المقتصرة على الكتاب، لأن السنة مبينة له، فإغنى ذكره عن ذكرها. ثم قال " والحاصل إن الحث وقع على التمسك بالكتاب وبالسنة وبالعلماء بهما من أهل البيت ".

وروى الحاكم في المستدرك على الصحيحين المستدرك قوله (ص) " النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق وأهل بيتي أمان لأمتي من الإختلاف..".

كما روى الحاكم في المستدرك بسنده عن أبي ذر قال سمعت النبي (ص) يقول " مثل أهل بيتي مثل سفينة نوخح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق " وصححه الحاكم على شرط مسلم. وذكره الهيثمي في مجمعه وقال رواه الطبراني في الثلاثة، اي الكبير والصغير والأوسط. وحول وجه تشبيه النبي (ص) أهل بيته بسفينة نوح ودلالته قال العلامة ابن حجر في الصواعق " ووجه تشبيههم بالسفينة ان من أحبهم وعظمهم شكرا لنعمة مشرفهم، وأخذ بهدي علمائهم نجا من ظلمة المخالفات، ومن تخلف عن ذلك غرق في بحر كفر النعم وهلك في مفاوز الطغيان "

وأخرج الملا في سيرته، حسب ابن حجر في الصواعق عن النبي (ص)، كما أخرج الكليني عن أبي عبد الله الصادق (ع)، واللفظ للأول " في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، ألا وان أئمتكم وفدكم إلى الله عز وجل فانظروا من توفدون "

وأخرج الصدوق في إكمال الدين بسنده عن الإمام جعفر الصادق عن أبيه عن جده، قال: قال رسول الله (ص) الأئمة بعدي إثناعشر، أولهم علي وآخرهم القائم، هم خلفائي وأوصيائي. كما أخرج في نفس المصدر بالإسناد إلى سلمان، عن النبي (ص) وهو يقول للحسين (ع): أنت سيد ابن سيد، أنت إمام ابن إمام، أخو إمام، أبو أئمة، وأنت حجة الله وابن حججه وأبو حجج تسعة من صلبك تاسعهم قائمهم " وأخرج الصفار في بصائر الدرجات والنعماني في الغيبة بسنديهما عن أبي جعفر الباقر عن آبائه عن رسول الله (ص) قال " إن من أهل بيتي اثني عشر محدثا " وروى الكليني بسنده عن أبي جعفر الثاني أن أمير المؤمنين قال لابن عباس: إن ليلة القدر في كل سنة وإنه ينزل في تلك الليلة أمر السنة ولذلك الأمر ولاة بعد رسول الله (ص)، فقال ابن عباس، من هم ؟ قال: أنا وأحد عشر من صلبي أئمة محدثون "

وجاء في مجموعة من أوثق مصادر الحديث كصحيحي البخاري ومسلم وغيرهما من كتب السنن والمسانيد والمستدركات، وبألفاظ مختلفة، وحسب مسلم في كتاب الإمارة، عن جابر بن سمرة قال: دخلت مع أبي على النبي (ص) فسمعته يقول " إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم إثناعشر خليفة، قال ثم تكلم بكلام خفي علي، فقلت لأبي: ماذا قال ؟ فقال، قال: كلهم من قريش " وفي رواية أخرى " سمعت رسول الله (ص) يقول: لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثناعشر خليفة كلهم من قريش ".

وورد عن الإمام علي (ع) في نهج البلاغة وهو يحدد موقع أهل البيت (ع) في الإمامة والولاية " أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا كذبا وبغيا أن رفعنا الله ووضعهم، وأعطانا وحرمهم وأدخلنا وأخرجهم ؟ بنا يستعطى الهدى ويستجلى العمى، إن الأئمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم، لا تصلح على سواهم ولا تصلح الولاة من غيرهم " كما أشار إلى مرجعيتهم إلى جانب القرآن الكريم فيما ورد عنه في النهج " فأين تذهبون وأنى تؤفكون والأعلام قائمة والآيات واضحة والمنار منصوبة فأين يتاه بكم؟ بل كيف تعمهون وبينكم عترة نبيكم وهم أزمة الحق وأعلام الدين وألسنة الصدق؟ فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن وردوهم ورود الهيم العطاش " وعنه في النهج أيضا حول ضرورة اتباعهم وعدم تجاوزهم: " انظروا أهل بيت نبيكم فالزمواسمتهم واتبعوا أثرهم فلن يخرجوكم من هدى ولن يعيدوكم في ردى، فإن لبدوا فالبدوا وإن نهضوا فانهضوا، ولا تسبقوهم فتضلوا ولا تتأخروا عنهم فتهلكوا ".

وأوضح الإمام جعفر الصادق (ع) موقع وعلاقة حديثهم وعلمهم برسولله (ص)، فيما رواه عنه الكليني في أصول الكافي، قال " حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله وحديث رسول الله قول الله عزوجل "

وتأسيسا عليه وبناء على الأدلة التي دلت على طهارة وتنزه أهل البيت عليهم السلام من مطلق الرجس، وبحسب الأدلة التي قرنتهم بالكتاب ودلت على ضرورة التمسك بهما معا، كما دلت على حجيتهم ومرجعيتهم، ذهب المسلمون الإمامية إلى وجوب إتباعهم، معتبرين أقوالهم وأفعالهم وتقريراتهم حجة في الدين، تجري مجرى السنة النبوية.

هذه خلاصة سريعة حول حجية أهل البيت عليهم السلام في نظر المسلمين الإمامية. وبهذا يتضح انه لا موجب للحديث عنهم وكأنهم اخترعوا هذا الأصل وابتدعوه حسب أهوائهم، وبناء عليه سوغ بعضهم تبديعهم وتضليلهم، بل ذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك فحكم عليهم بالشرك.

والواقع يؤسفنا القول، أن الشيخ الدكتور القرضاوي تأثر بهذا التيار الإقصائي العاتي في الآونة الأخيرة، وصار يتحدث عن الخلافات التفصيلية العقدية والعملية بين فرق ومذاهب المسلمين بطريقة تؤدي إلى تضخيمها بدلا من المحاولة في تقريب وجهات النظر حولها وتقليل الفجوات فيما بين المسلمين. إن الطريقة التي تحدث بها الدكتور القرضاوي في بعض الصحف عن عقيدة المسلمين الإمامية في الإمامة وفي حجية أهل البيت عليهم السلام في سياق تعداده للإختلافات العقدية والعملية بينهم وبين إخوانهم السنة، إتسمت بكثير من التسطيح والتبسيط المخلين بالموضوعية. لقد عرض آراء المسلمين الإمامية بمنهجية وخطاب مؤرخي الفرق والمقالات في عصور الصراع والإنحطاط، مما أوحى بوجود هوة عميقة بين فريقين كبيرين من المسلمين يصعب تجسيرها.

 وعلى كل حال فلسنا هنا بصدد التعرض لكل ما ذكره عنهم، بل ان ما يعنينا في هذه المقالة هو بالتحديد الأسلوب الذي عرض من خلاله نظرتهم إلى السنة النبوية.

ففي لقائه مع صحيفة " المصري اليوم " بتاريخ 9/9/ 2008 في معرض تعداده للفروق في الأصول بين السنة والشيعة، قال " نحن نقول ان السنة سنة محمد أما هم فلديهم سنة المعصومين محمد والأئمة الأحد عشر (كذا) ويعتبرون سنتهم سنة محمد ". وأكد ذات المضمون في بيانه الذي نشر في موقعه بتاريخ 17/9/2008 بعد التداعيات التي أعقبت هجومه على المسلمين الإمامية، إعتبر فيه من البدع النظرية عند المسلمين الإمامية، القول بالوصية لعلي وعصمة الأئمة وتعظيمهم وإضفاء القداسة عليهم، وان السنة عندهم ليست سنة محمد بل سنته وسنة المعصومين من بعده!

 لقد كنا نتمنى عليه وعلى من يختلف معهم - ولانزال- أن ينظروا في بحوثهم ودراساتهم التفصيلية المتخصصة في هذا المجال، ويتأملوا في أدلتهم وحججهم، وفي ضوئها يتعاملوا معهم – على أقل تقدير- على ان عقيدتهم الآنفة لم تأت جزافا أومن فراغ بل هي مستندة على أدلة وحجج قرآنية وأحاديث نبوية مروية في مصادر الفريقين، اقتنعوا بها وأخذت بأعناقهم فدانوا بها وأسسوا عليها فكرهم. بل إننا نتمنى أن يتعامل المسلمون مع أكثر خلافاتهم الفكرية طبقا لهذا النهج وهذا المسلك. على ان هذا لا يمنع من مناقشة فكر المسلم الآخر بحسب المنهج العلمي وبعيدا عن التعسف.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 1/حزيران/2009 - 4/جمادى الآخرة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م