تطور الإنسان سنّة من سُنن الحياة

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: منذ أن وطأ الانسان هذه الارض وهو مجبول على حب الاطلاع والمعرفة ومأخوذ بالكشف عن اسرار الامور والاشياء الغامضة لديه، وقد زرع الله تعالى هذه الخصلة في الانسان وميزه بها عن سائر الكائنات الاخرى حين وهبه العقل وحباه بالمواهب المتعددة التي تنتج عن الجينات الوراثية او تلك التي تُكتسب من خلال الاختلاط والسعي في كسب العلوم والتجارب المتنوعة.

لذلك نرى الانسان حتى في عصور الظلام والجاهلية كان يسعى الى الجديد كي يطور حياته، فاكتشف النار حين ضرب حجرا بحجر، ثم طور لغته من الرموز والاشارات الى الاصوات ليصل بعد ذلك الى القفزة النوعية في تأريخ التطور البشري حين لم يكتف بالغة الصوتية فاكتشف التدوين وحول هذه اللغة من صوت الى مخطوطات ليحقق بذلك اكبر قفزة نوعية وعلمية في حياة الانسان.

لهذا يكمن شعور التطور ووجوبه في اعماق الانسان، غير ان هذا الامر لا يتوقف عند حدود  الرغبة فقط، بمعنى ان تطور الانسان لا يتحقق فقط تحت شرط الرغبة او وجودها او حتى تناميها لدى الانسان، بل يكمن في سعيه الدؤوب لما هو أفضل، حيث يصبح يومه افضل من امسه، وما عدا ذلك فلا شيء يستحق الذكر، بمعنى ان الانسان اذا لم يتقدم في يومه هذا على امسه الذي مضى فإنه سيظل (يراوح) في مكانه، مما يعني وجوب الافضلية لليوم على الامس، وقد قال المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي بهذا الصدد في كتابه القيّم الذي يحمل عنوان (العلم النافع):

(قال الإمام الصادق سلام الله عليه: «من استوى يوماه فهو مغبون، ومن كان آخر يومه شرّهما فهو ملعون». وقال مولانا أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه: «الكيّس من كان يومه خيراً من أمسه».

هذه الحالات الثلاث التي وردت في الحديثين الشريفين ترتبط بكلّ فرد، مهما كان دوره في الحياة، سواء كان عالماً أو جاهلاً، كاسباً أو موظّفاً، ورجلاً أو امرأة.)

نلاحظ هنا ان تطور حياة الانسان او وجوبها لا ينحصر بالانسان العالم او الموظف او الرجل فحسب، بل الجميع تقع على عاتقهم مسؤولية تطوير الحياة الى  ماهو افضل وجعل وقائع اليوم ومنجزاته افضل من وقائع الامس ومنجزاته، فالجاهل كما يرى سماحة المرجع الشيرازي ليس مستثنى من دور التطور اليومي المطلوب في الحياة، ولعله مطالب في هذه الحالة بتطوير ملكاته ومواهبه على ضعفها او قلتها، ثم قيامه بدوره في تحقيق اليوم الافضل من الغد.

لذلك فإن الانسان مهما كانت قدراته قوية او ضعيفة حين يتساوى جهد يومه الحالي مع امسه الماضي فإنه سيكون من المغبونين، بمعنى انه أضاع عمره هدرا حين لم يشترك في تقديم الافضل لكي يسهم بدرجة او اخرى في تطوير البشرية، وفي هذا المجال يقول المرجع الشيرازي في كتابه نفسه:

(ومعنى المغبون: هو بيع الشخص شيئاً ثميناً بقيمة بخسة أو شرائه شيئاً رخيصاً بسعرٍ غالٍ، وبالطبع ستكون نتيجة هذا العمل هي الحسرة والندم.

إن خسر المرء أو فَقَد ثروته فيمكنه أن يعوّض عنها في يوم ما، أما خسارة العمر فلا يمكن التعويض عنها أبداً، فما فات لا يرجع، وكلّ إنسان يقضي عمره وأيّام حياته تبعاً لواحدة من تلك الحالات الثلاث فلا بدّ أن يكون قد غبن نفسه.)

لذلك فإن خسارة الثروة ستكون اقل فداحة ومضرة من خسارة العمر من دون مقابل، من هنا كان سعي الانسان ولايزال وسيبقى نحو التطور والافضلية احد اهم عوامل التطور البشري، وسنة قائمة من سنن الحياة، وهكذا يقع الانسان تحت طائلة وجوب السعي الدائم بغض النظر عن قدراته الفكرية او المعنوية او المادية، لأنه في حالة العكس، سيكون خسرانه غير قابل للتعويض الى الابد وفي هذا المجال جاء في كتاب العلم النافع لسماحة المرجع الشيرازي:

(فمن استوى يوماه فهو كمن خسر ثروته. وهكذا من لم يرتقِ في طلب العلم، أو في التقرّب إلى الله تعالى بالعبادات وخدمة الناس والتعامل الحسن مع عائلته وأقاربه وأصدقائه، فهو كمن خسر عمره. فالكيّس ـ كما ورد في الحديثين أعلاه ـ من كان يومه خير من أمسه، والملعون ـ والعياذ بالله ـ هو من كان يومه أسوأ من أمسه.)

إن القدرات الجسمانية والفكرية عند الانسان تتيح له التطور الدائم، فقد حباه الله بنعم كثيرة تقف الى جانبه وتساعده كي يكون عنصرا جيدا وفاعلا في الحياة، بل وعاملا ايجابيا لخلق مجتمع انساني قائم على العدل والمساواة والتسامح وعلى قاعدة دينية وعلمية رصينة، وهنا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي على اهمية ان يستغل الانسان جميع الطاقات التي انعم بها الله تعالى عليه، ويوظفها بالطريقة المثلى من اجل تطوره بشكل يومي حيث يقول سماحته في كتابه (العلم النافع):

(لقد منّ الله تبارك وتعالى بنعم كثيرة على الإنسان كالسمع والبصر والحياة، والعقل الذي جعله الله تعالى معياراً للثواب والعقاب، والقدرة على الفعل والإنتاج.

إذاً ينبغي للمرء أن يستفيد من هذه النعَم بشكل صحيح ويستثمرها في أن يعزم ويبذل ما في وسعه لأجل أن يكون يومه خيراً من أمسه، وشهره الذي فيه خيراً من شهره الذي فات، حتى لا يتحسّر على ساعات وأيّام حياته، ولكي ينال التوفيق والسعادة في الدارين).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 31/آيار/2009 - 3/جمادى الآخرة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م