القضاء المستقل حق من حقوق الإنسان

القاضي سالم روضان الموسوي

تضمنت جميع الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان على ان يكون من بين اهم حقوق الإنسان هو وجود قضاء عادل ومستقل وان تتوفر للجاني أو المتهم محاكمة عادلة وفي ديباجة ميثاق الأمم المتحدة تؤكد تصميم شعوب العالم على بيان الأحوال التي يمكن في ظلها تحقيق العدالة ومنها الحق في نظام قضائي نزيه ومستقل، كما في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية فقد نص في مادته الرابعة عشر على مبدأ حيدة واستقلال القضاء.

لذلك فان الحديث عن استقلال القضاء ودعم هذه الاستقلالية لا يعد بحثاً لتمييز القضاء عن سواه، وإنما تعزيزا أو تفعيلا لحق الإنسان في ذلك، وظهرت دراسات كثيرة تبحث في استقلال القضاء وكيفية وآلية دعم هذا الاستقلال تتمثل بعدة آليات منها (الدستورية، الشعبية،  الجزائية،  وسائل الإعلام ) وفي ما يتعلق بوسائل الإعلام، وهو محور هذا الموضوع.

وبما ان هدف القضاء بسط العدل بين الأفراد من أبناء البلد ويعتبر رضاهم عن أداء القضاء معيارا لمعرفة مصداقية تطبيق مبدأ استقلال القضاء، فلا قيمة له إذا لم يكن قائم في وجدان الشعب وإيمانه بان استقلال القضاء هو أقوى ضمانة في كفالة الحقوق والحريات، حتى وان أقرتها الدساتير والقوانين، عندما يترسخ إيمان الشعب باستقلال القضاء يكون الشعب هو المحامي والمدافع عن ذلك الاستقلال.

وفي هذا الصدد ينهض دور وسائل الإعلام بنشر الوعي القانوني بين عموم المواطنين، لأنه يحصن المجتمع تجاه خروقات أفراده لنواميسه الناشئة عن تجاربه التي مرَ بها، الا إننا تجد ان بعض وسائل الإعلام تتعمد أحيانا إلى خدش هذه الاستقلالية بطرق شتى منها النيل من سمعة السلطة القضائية ومؤسساتها او المساس بسمعة شخوصها بدلا من التثقيف القانوني والحقوقي لعامة الناس.

ولا اقصد هنا النقد الموضوعي للعملية القضائية، لان الخطأ في العمل مفترض نظرا للطبيعة الإنسانية التي جبلت على ارتكاب الخطأ ويقول الرسول الأكرم (ص) (كل ابن ادم خطاء وخير الخطائين التوابون ).وإنما اقصد التشهير أو القذف تجاه المؤسسة القضائية أو شخوصها، فان ذلك يؤدي حتما إلى تنمية الشعور بعدم الثقة من قبل المواطن تجاه القضاء.

ولا أرى في ذلك سعي لحماية المواطن بقدر ما أظن به هدف لوقف عملية مكافحة الظاهرة الإجرامية في العراق. ويلاحظ أيضا إن بعض هذه الإشارات في وسائل الإعلام تجاه القضاء العراقي تأتي متزامنة مع كل فعالية أو نشاط حكومي تجاه محاربة الجريمة أو مكافحة الفساد، ويبدأ التعميم والتعمية تجاه القضاء، لأنهم، وعلى ما أظن، يدركون إن القضاء العراقي فيه من الآليات والطرق القانونية التي تقف حائل دون مرور حالات الإفساد إليه، وهذه لا تقتصر على أنشطة فردية يؤديها القائمون على إدارته فحسب، وإنما بوجود وسائل قانونية صادرة بموجب قوانين تنظم عمل السلطة القضائية في العراق، بالإضافة إلى طرق الطعن في القرارات والأحكام الصادرة من المحاكم، التي رسمها القانون، فتصل إلى أكثر من سبعة طرق متتالية تجاه قرار قضائي واحد، منها الاعتراض على الحكم الغيابي والاستئناف والتمييز, والاعتراض الغير، التظلم, إعادة المحاكمة, تصحيح القرار التمييزي وطريق الطعن لمصلحة القانون الذي يتولاه القضاء بنفسه حينما يجد ان كل الطرق السابقة لم تصحح الخطاء الذي شاب القرار القضائي، فيقع على عاتق الادعاء العام مهمة الطعن بذلك القرار.

وهذا يقودنا إلى إن الضمانة القانونية قائمة تجاه منع الفساد من الوصول إلى الأحكام القضائية التي هي المقدمة الكبرى للعمل القضائي،  لذلك أجد ان بعض الوسائل الإعلامية حينما تتعرض إلى سمعة القضاء سواء كانت متعمدة أو غير قاصدة لذلك عمدا، فإنها لا تتعدى على القضاء فحسب، وإنما تتعدى على حق الإنسان في وجود قضاء مستقل، ومن الأفضل لنا ان تعزز استقلاليته وان ندعمه لا بالتمجيد والتغاضي عن الأخطاء التي قد تحصل، وإنما من خلال رفد المؤسسة القضائية بما يتوفر لوسائل الأعلام من ملاحظات تتعلق بالعمل القضائي أو بالعاملين في الأجهزة القضائية، وانتظار نتيجة التحقيق وعند ذاك لهم الحق بنشر النتائج ليطلع المواطنون على كيفية المعالجة القانونية لأي حالة خرق للقانون سواء كانت من المواطن أو من القاضي، لان الحق متعلق به، واقصد الحق في وجود قضاء مستقل.

كما إن أبواب مجلس القضاء الأعلى مشرعة ومفتوحة تجاه تقبل كل الملاحظات والإشارات وتوجد دائرة مختصة في الإعلام القضائي يرئسها قاضي ومجموعة ممن لهم المعرفة والخبرة بالعمل الصحفي مهمتها متابعة ما ينشر في وسائل الإعلام وجميع ما يطرح يكون محل نظر وتدقيق من قبل المختصين ولا يهمل أي عنوان أو إشارة،  كذلك بامكان الجميع مفاتحه المجلس عن طريق البريد الالكتروني أو الدخول على موقعة في الشبكة المعلوماتية (الانترنيت) أو إتباع البريد العادي فكل الوسائل متاحة للجميع وسيجد كل من يطرق ذلك الباب جواب له وصدرا رحبا وإذنا صاغية،  إلا إننا لابد وان نشير إلى التأكيد  على تشخيص الحالة السلبي والابتعاد عن المطلبية الفردية أو السعي التحقيق مأرب شخصية لان للأعلام اكبر اثر في خلق مجتمع  يدرك حقيقته وواقعه.

ويعد الإعلام من بين أفضل وسائل دعم استقلال القضاء في العراق، من اجل النهوض بالواقع العراقي نحو التقدم وبناء عراق المؤسسات الذي تحترم فيه الحقوق وتصان الحريات.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 30/آيار/2009 - 2/جمادى الآخرة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م