ملتقى القرآن نور.. يناقِش مسلكَيْ العنف والسلم

نظرة على حيثيّات المنطق القرآني في التعامل مع الإنسانية

تقرير: باسم البحراني

 

شبكة النبأ: أقام (ملتقى القرآن نور) بالقطيف ندوة قرآنية تحت عنوان: (بين مسلكين: العنف والسلم حيثيات المنطق القرآني في التعامل مع الإنسانية) وذلك بمشاركة المشرف العام في مؤسسة القرآن نور الباحث سماحة الشيخ فيصل العوامي.

في هذه الندوة التي أدارها الأستاذ بدر الشبيب بعد تلاوة آيات من كتاب الله الحكيم للقارئ  تيسير الدهان، تعرض الشيخ فيصل العوامي في مقدمة حديثه إلى تحديد مفاهيم (العنف/ السلم/الإنسانية) ثم تساءل قائلاً: "ما هو المسلك الذي أسس له النص القرآني - كأصل أولي- في التعامل مع الآخر الإنساني، هل دعا لاستخدام الأساليب العنفية، أم السلمية؟"

ليجيب على هذا التساؤل "الظاهر أن المدرك الأساس للرؤية القرآنية في التعامل مع الإنسانية – خصوصاً الآخر اللاديني، والديني، والمذهبي-، يتركّز في العمومات المؤسِّسة للسلم، بلا معارضة من عمومات أخرى، فآيات القتال التي قد يُتوهَّم معارضتُها في المقام لا تُصنَّف إلا في حيز المستثنيات لا غير، مع أنها - آيات القتال- مخصَّصة أيضاً بالآيات الحاصرة للقتال في الحالات الدفاعية". ثم إن "التعامل مع الإنسانية - حسب الرؤية القرآنية- قائم على أساس متين وهو السلم، وهو بمثابة الأصل الأولي الذي لا يجوز الخروج عنه إلى ضده العام - اللاسلم " العنف"-، إلا في حالات خاصة، والذي يتعين الرجوع إليه في ظرف الشك أيضاً"، وهذا ما تشير إليه العديد من الخطابات القرآنية.

وانطلاقا من ذلك ذهب المشهور إلى عدم جواز الحرب الابتدائية في عصر الغيبة لعدم تأتي الإذن الخاص المنحصر في المعصوم(ع)، وحتى الدفاع وما يستلزمه من أن الطرق الدفاعية ليست مطلقة، وإنما هي مقيدة بحدود الضرورة، فالدفاع من سنخ الضرورات الاستثنائية ولهذا فإنها تقدَّر بقدرها. ثم إن الترقي إلى الضد العام للسلم يحتاج إلى نصٍّ خاص أو إذنٍ خاص أو ظرفٍ خاص.

ثم أشار العوامي إلى أن الإسلام يمحض الخطوات الأولى في الدعوة أو الجهاد أو الإصلاح في الطرق السلمية. وعلى فرض تشرع المنهج العنفي فإنه ليس مطلقاً، بل هو مقنن ضمن ضوابط صارمة، ويُكتفى بالأقل رتبة منه بحيث لا يُلجأ إلى ما هو أعلى رتبةً إذا كان الأقل يكفي، أي إذا كان يكفي الكلام العنيف، فلا يجوز الضرب مثلاً.

بعد ذلك تحدَّث العوامي عن بعض العمومات السلمية التي أشار إليه القرآن الكريم من أمثال (ما دل على حرمة الدم/ النص على التعامل الليِّن مع الآخر/ عدم الإكراه في الدين/ العمومات الداعية للسلم ونبذ العنف) وإن كان قد يبدو للبعض بأن هناك تعارضاً بين هذه العمومات وبين الدعوة إلى القتال فإن هذه الرؤية ترتفع بمجرد التدقيق والتأمل، وذلك لعدة أسباب منها:

الأول: قصورها عن الإطلاق الشامل للحروب الابتدائية.

الثاني: ورودها في سياق حروب النبي صلى الله عليه وآله وغزواته، وجميعها كانت دفاعية، وما كان ظاهرها الابتداء كبدر، فهي للاستنقاذ وهو أحد أوجه الدفاع.

الثالث: تخصيصها بآيات كثيرة، كقوله سبحانه وتعالى:(أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَأُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (التوبة:13)، وفيها كما هو واضح إشارة إلى حصول الإبتداء من الآخر الكافر.

خاتماً كلامه بقوله: "ولأن الأصل هو السلم، عمد الفقهاء لتقنين ضوابط دقيقة بهدف تنقيح العناوين المجوِّزة للقتال لا العكس، من قبيل الكافر الحربي، والمحارب، والحاكم الجائر، والمرتد، والمسلم الباغي وما إلى ذلك.. وقالوا بالإحتياط في ظرف الشك، ومقتضاه التعامل السلمي وعدم جواز العنف.. وينطبق ذلك حتى على الكافر المشكوك في حربيته وذميته، فمع ما يظهر من النصوص والفتاوى من أن الأصل في الكافر الحربية حتى تثبت معاهدته، لكنه لا يقاتَل حتى يثبت عدم عصمة دمه، للعمومات الدالّة على أهمية الاحتياط في الدماء...

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 28/آيار/2009 - 30/جمادى الآولى/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م