مساوئ الديمقراطية التوافقية في العراق

ناجي الغزي

وجه رئيس الوزراء نوري المالكي أكثر من مرة انتقاداته للعملية الديمقراطية التوافقية الجارية في العراق, والتي هي وليدة العملية السياسية التي أنجبت مبدأ التوافقات الحزبية  بين الكتل التي أفرزتها الانتخابات البرلمانية السابقة. ونموذج الديمقراطية التوافقية في مفهومه العام لم يحظى على تعريف جامع في الفقه السياسي بسبب ضيق ومحدودية تطبيقه في بعض البلدان وتجلياته السيئة التي تجعل المجتمع ونظامه السياسي مرهون بالتجاذبات والتناحرات الحزبية والطائفية والقومية الضيقة.

 والديمقراطية التوافقية تعني تقاسم الحكم بين الاحزاب على أسس توافقية بغض النظر عن الكفاءة والاستحقاق الانتخابي, وهذا يعني أن كل طائفة أو حزب يأخذ نصيبه من كيكة الحكم في العراق على أسس توافقية.

ودعوة المالكي لنبذ تلك الظاهرة الجديدة (الديمقراطية التوافقية) جاءت على أساس التجربة العسيرة التي مرت بها العملية السياسية في العراق بعد سقوط النظام الدكتاتوري. وقد أنتجت تلك التجربة مساوئ كبيرة تكاد أن تعصف بالبلاد الى الهاوية لولا وحدة وصمود وتعاون الشعب العراقي. وقد قبلت الديمقراطية التوافقية على مضض في بداية العملية السياسية من أجل  إيجاد مخرج سياسي للاحتقان الحزبي والطائفي والقومي الذي برز بقوة وبشكل مهول بعد سقوط  النظام الدكتاتوري في العراق.

أفرزت تشكيلة الحكومة العراقية بعد الانتخابات البرلمانية في 2005 على أساس التوافقات 34 وزير أغلبهم لايتوفر بهم عنصر النزاهة والكفاءة, وقد مرت الحكومة في صراعات وتجاذبات وأنسحابات ومزاجات وأنكسارات وتقصير وقصور وفساد ما أنزل الله بها من سلطان . مما ترك تلك الأمزجة السياسية  تداعيات كبيرة على التنمية الاقتصادية والبشرية والاجتماعية, مما دعا الكثير من المراقبين والمحللين أن يعتقدوا أن تقدم العملية السياسية في العراق أمراً مستحيلاً بسبب الاوضاع المرتبكة التي خلفتها التوافقات السياسية.

وتصدي الحكومة العراقية الى تردي الوضع الامني والفساد المالي والخدمي في ظل اللانقسام السياسي والتعامل معها دفعة واحدة يمثل بضرب المستحيل. ولكن اصرار الحكومة العراقية على السير في تنفيذ مهمامها السياسية والخدمية والامنية, وتجاوز القيود الحزبية والسياسية التي شلت الحكومة واتخاذ القرارات الجريئة والمهمة في الحد من تلك الظواهر السلبية. فأخذت الحكومة تفعل دورها في اتخاذ الاجراءات السياسية والامنية, فقد أقدمت على حملات أمنية واسعة نزعت من خلالها أسلحة المليشيات المسلحة وضربت بقوة كل المتمردين والخارجين على القانون. والسعي في تنفيذ بعض الخدمات الضرورية بتغيير الحقائب الادارية لبعض الوزارات المنحلة . وتفعيل دور الرقابة ومفوضية النزاهة على الفساد والمفسدين والتحشيد لمشروع المصالحة الوطنية رغم عدم تحقيقها بشكل واسع ومثمر.

ومبدأ التوافقات السياسية أصبح مانعاً وعائقا أمام أداء الحكومة السليم كما حال دون  تطور النظام الديمقراطي في العراق سياسيا وإدارياً. مما تركت تلك التوافقات الحزبية حالة من الجمود والركود والترهل في أداء مؤسسات الدولة الادارية وتعطيل التام للعديد من المؤسسات الخدمية, بسبب عدم الانسجام والتوازن بين الكتل السياسية داخل البرلمان والحكومة دون الاكتراث لمصلحة الشعب العراقي.

والسبب الرئيسي في تكريس مبدأ التوافقات السياسية هو ما جاء به الدستور العراقي بين الاغلبية كمفهوم ديني أو مذهبي ، والأغلبية كمفهوم سياسي. وكذلك نسبة التصويت لايصادق على اي قانون دون موافقة ثلثي عدد الاعضاء في التصويت على أغلب التشريعات ابتداء من تشكيل الحكومة الى القوانين الاخرى التي تنظم حياة المجتمع.

وبهذا المبدأ التوافقي تبحث الكتل السياسية على تحالفات سياسية لتكوين الثلثي داخل قبة البرلمان لتمرير الكثير من التشريعات وأهمها التشكيل الحكومي. والسبب الذي يهدد العملية السياسية هو الاخفاق القانوني في الدستور الذي كتب على عجل. فضلاً على أن اغلب الاحزاب كانت تعتمد مبدأ الديمقراطية التوافقية ثقافة سياسية لها, وكذلك تضع التوافقات السياسية شعارها المفضل من أجل الحصول على موطأ قدم في العملية السياسية. وأن أي تعديل أو الغاء التوافقات السياسي يعني تصحيح لمسار العملية السياسية منذ تشكيلها ويضع أغلب الاحزاب في مفترق طرق, أو ربما يؤدنا هذا التعديل الى العودة الى المربع الاول!!! والمنادين بمبدأ الديمقراطية التوافقية ربما لاينسجمون مع تلك الطروحات، لانهم سوف يفقدون مكاسبهم السياسية والادارية في ظل تلك الدعوات التي تنادي بالغاء التوافقات,  وذلك بسبب ضعف قواعدهم الشعبية وعدم قدرتهم على تحقيق الفوز الكبير بالمقاعد البرلمانية .

www.najialghezi.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 28/آيار/2009 - 30/جمادى الآولى/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م