تقوية الشعور بالمواطَنة عبر تعزيز كفاءة الطاقة

شبكة النبأ: تقوم مرافق الطاقة الكهربائية العامة في العالم المتقدم بتثقيف المستهلكين حول هدر الطاقة وذلك من أجل رفع كفاءتها، كما تُثقّف المرافق العامة للطاقة الكهربائية في العالم النامي المستهلكين بأن من مصلحتهم التوقف عن الحصول على الطاقة مجاناً عبر طرق ملتوية، والتحول إلى مستهلكين شرعيين يسددون الفواتير.

فابيو بالميجياني كاتب مستقل، يعمل في ريو دي جانيرو، متخصص في قضايا إدارة الأعمال والطاقة، كتبَ مقالا يتمحور حول تعزيز مفاهيم المواطنة عن طريق الحرص على زيادة كفاءة الطاقة، جاء في المقال:

تحتل البرازيل، وهي خامس أكبر دولة في العالم من حيث المساحة، حوالي نصف مساحة أميركا الجنوبية ويقطنها 191 مليون نسمة. تفتخر البرازيل بأنها واحدة من أكبر الاقتصادات العشرة في العالم وتعتبر أحد الأسواق الناشئة الأكثر وعداً في العالم. تنتج الصناعات البرازيلية مختلف السلع والمنتجات لتصديرها إلى مختلف أنحاء العالم، وتستهلك البلاد كميات كبيرة من الطاقة الكهربائية.

في غمرة هذا الازدهار الاقتصادي المتنامي، لا زالت هناك حالات منتشرة من عدم المساواة الاجتماعية والطبقية. يؤكد المركز البرازيلي للأبحاث الفكرية (IPEA) أن توزيع المداخيل في 90 بالمئة من دول العالم أكثر توازناً مما هي الحال في البرازيل، حيث تملك نسبة 10 بالمئة من السكان 35 بالمئة من ثروة البلاد. إلاّ أن معدل الدخل الفردي لدى الطبقات الأكثر حرماناً ينمو بنسبة تتراوح بين 7 و9 بالمئة سنوياً، وهو معدل لم يسبقه مثيل. مع ذلك، يقول المعهد الفدرالي للإحصائيات "برازيلييرو دي جيوغرافيا أي بسكويزا" (IBGE)، إنه بحلول العام 2020 قد يرتفع عدد السكان الذين يعيشون في الأحياء الفقيرة إلى 55 مليون فرد يمثلون نسبة 25 بالمئة من العدد الإجمالي للسكان.

إمكانية الوصول إلى الخدمات الأساسية كالكهرباء والحصول عليها في المجتمعات المحلية ذات الدخل المنخفض في البرازيل محدودة، وكثيراً ما يلجأ سكان الأحياء الفقيرة في مناطق البلاد الجنوبية الشرقية والشمالية الشرقية إلى مد توصيلات غير شرعية من شبكة الطاقة لتلبية الحاجات الأساسية كالتبريد والإنارة.

تقدر الشركة الفدرالية لتخطيط الطاقة التابعة للحكومة، امبريسا دي بسكيوزا انرجتيكا (EPE)، بأن "معدل الخسائر التجارية"، وهي العبارة الرسمية للتوصيلات غير الشرعي بخطوط شبكة النقل، يتراوح بين 5 و6 بالمئة من الطاقة. ولكن نسبة سرقة الطاقة المستهلكة في بعض المناطق في شمال شرقي البلاد تصل إلى 25 بالمئة من إجمالي الطاقة المنتجة.

وتملك الشركة البرازيلية الرئيسية المسيطرة على قطاع الطاقة "نيوإينرجيا" شركات توزيع للطاقة في مناطق تأثرت إلى حد كبير بسرقة الطاقة والاستعمالات غير الشرعية.

قال مارسيلو مايا دي أزيفيدو كوريا، المدير التنفيذي لشركة نيو إينرجيا، "لا يعتقد الناس أن سرقة الطاقة جريمة". و"رغم دعم الحكومات المحلية، لن نتمكن من القضاء على هذه العادة إلاّ عندما يدرك السكان أن سرقة الطاقة ليست تصرفاً ذكياً على الإطلاق".

السلامة سبب من الأسباب الكبرى التي تجعل سرقة الطاقة تصرفاً بعيدا عن الذكاء. فتمديد التوصيلات العشوائية وربطها بخطوط النقل، واستعمال معدات أدنى من المستوى الذي تتطلبه المعايير، تؤدي إلى حالات تقصير الدائرة الكهربائية يؤدي إلى تماس واندلاع الحرائق في أحيان كثيرة.

وقال جيلسون رودريغز، رئيس جمعية سكان بارايسو بوليس، ثاني أكبر ضاحية من ضواحي الأحياء الفقيرة في ساو باولو، "لقد شهدنا في الماضي اندلاع الحرائق نتيجة قصر الدائرة الكهربائية مما أدى إلى خسارة الجيران لكافة ممتلكاتهم. وفي بعض الحالات، أدت هذه المشاكل إلى إلحاق الأذى بالناس." يعيش في ضاحية بارايسو بوليس، التي تعرف محلياً باسم فافيلا، حوالي 80 ألف نسمة وهي تقع ضمن بلدية مدينة كبرى يقطنها 19 مليون نسمة.

التحويل مِن مستهلكين إلى زبائن

ويشير الكاتب الى ان الهواجس المجتمعة المتعلقة بسرقة الطاقة وشؤون السلامة قد ألهمت  إطلاق مشروع طموح من قِبل شركة توزيع الطاقة في ولاية ساو باولو، "أي إي إس الترو باولو" والجمعية الدولية للنحاس بالتعاون مع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID). وفي عام 2005، بدأ الشركاء بتنفيذ برنامج للاعتراف بالتوصيلات الكهربائية وجعلها قانونية وتخفيض سرقة الطاقة بالتالي، كجزء متفق مع تنفيذ الأهداف الاجتماعية الأكبر المتمثلة في تحويل مستهلكي الطاقة إلى زبائن فعليين، مما يعزز الاحتواء والاندماج الاجتماعي والمواطنة الصالحة.

وقال رودريغز، رئيس جمعية سكان ضاحية باراسيو بوليس: "عنى هذا البرنامج الكثير لنا في باراسيوبوليس منذ أن تحسن إمداد الطاقة في مجتمعنا المحلي إلى حدٍ ما وتبدلت حياة الكثيرين نحو الأفضل."

تمكنت شركة توزيع الطاقة في ولاية ساو باولو من إقناع المستهلكين بتسديد فواتيرهم من خلال عرض معدلات أسعار مدعومة على المستهلكين من ذوي الدخل المنخفض. كما قدمّت شركة الخدمات العامة للمستهلكين ثلاجات كفوءة في استهلاك الطاقة، وسخانات مياه تعمل بالطاقة الشمسية، ومصابيح إنارة. أطلقت الشركة المذكورة البرنامج استجابة للتغييرات الهامة الاجتماعية والاقتصادية التي تكتسح البرازيل.

قال خوسيه كافاريتي، مدير المشاريع الجديدة لدى شركة الكتروباولو، "إن نزوح السكان في البرازيل يفرض مشكلة كبرى. إذ يترك الناس مناطقهم الريفية للسكن في المناطق الحضرية مثل ساو باولو وريو دي جانيرو. لكن هؤلاء الناس لا يستطيعون تحمل دفع إيجار المساكن، ولذلك فإنهم يجتاحون المناطق العامة والخاصة، ويبدأون في تأسيس ضواح جديدة من الأحياء الفقيرة. وتنمو تلك التجمعات من الأكواخ والمساكن العشوائية وتصب حيا فقيرا يعاني من مشاكل اجتماعية واقتصادية كبرى. وفي ظل الظروف الحياتية غير المستقرة لا يستطيع السكان مقاومة إغراء سرقة الطاقة من الشبكة."

يعتقد أندريه أوراني، وهو عالم اقتصادي يعمل لدى المركز البرازيلي للأبحاث الفكرية أن الحلقة المفرغة لغياب الرسميات في البرازيل بدأت توقع خسائر كبيرة في البلاد. قال: "لقد وصلنا إلى نقطة بلغ فيها رفع الكلفة وازدياد التعديات حدودهما القصوى. فالذين يسددون فواتير الطاقة التي يستهلكونها يسددون في النهاية الفواتير المستحقة على غيرهم من المستهلكين المتخلفين عن الدفع".

يتكهن أوارني أنه في حال السماح لهذا الوضع بالاستمرار فقد تصبح هذه الدورة مضرة بالتنمية المستقبلية للبلاد وبتحسين البنية التحتية في البرازيل. وشرح أوراني ذلك قائلاً: "إن من المشكوك فيه جدا بهذا المفهوم  أن تختار أي شركة ترغب في إنشاء مصنع جديد في مكانا يعاني من تكاليف عالية للطاقة بسبب الممارسات غير القانونية. يجب كسر هذه الحلقة المفرغة بشكل ما".

الاستثمار في نوعية الحياة

ويؤكد الكاتب نظريته بالقول: استثمرت شركة "أي إي إس الكترو باولو"، وعدة شركات موزعة للطاقة في البرازيل، الأموال لتحسين نوعية الحياة في المجتمعات المحلية المحرومة لكي تحوّل مستهلكي الطاقة إلى زبائن ولإقناع السكان من ذوي الدخل المنخفض بأن تسديد قيمة استهلاكهم من الطاقة أمر هام لهم. وقامت شركات لتوزيع الطاقة، مثل أمبلا في ريو دي جانيرو، وكولبا في ولاية باهيا، وسلبه في ولاية برنامبوكو، وكوزيرن في ولاية ريو غراند دي نورته، باستبدال حوالي 30 ألف ثلاجة قديمة بأخرى جديدة من طرازات ذات كفاءة عالية في استهلاك الطاقة في الأحياء الفقيرة. وجرى في معظم الحالات تدوير الثلاجات القديمة والتبرع بالأموال المحققة من العملية إلى جمعيات خيرية أو أعيد استثمارها في المجتمع المحلي المعني.

كما قُدمّت إلى عائلات أخرى حسومات كبيرة وخطط تسديد طويلة المدى لشراء ثلاجات كفوءة في استهلاك الطاقة، والتي تعتبر عادة أحد أكثر الأجهزة استهلاكاً للطاقة الكهربائية في المنازل. وتبيع شركة كولبا في ولاية باهيا الثلاجات بحسم يصل إلى 60 بالمئة ويدفع ثمنها على 24 قسطاً شهرياً. وبغية تخفيض تكاليف الكهرباء للإنارة المنزلية تبرعت الشركة الرئيسية للطاقة نيو إينرجيا، والتي تملك شركات كولبا، وكوزيرن، وسلبه ب 365 ألف مصباح (لمبة) كهربائي مقتصد لاستهلاك الطاقة.

قال مارسيلو مايا دي أزيفيدو كوريا:  إن "الهدف الرئيسي هو تعديل الطلب في المجتمعات المحلية ذات الدخل المنخفض ليتوافق مع ميزانياتها المنزلية. وتقدم الثلاجات الجديدة فائدة إضافية لأننا نتكلم هنا عن نظام منزلي مجهز بطريقة أفضل للمحافظة على الطعام وتحسين الصحة. ويشجع البرنامج استهلاك الطاقة بطريقة تضمن استدامتها."

استفاد أكثر من 400 مجتمع محلي في ولايات باهيا، وبيرنامبوكو، وريو غراند دي نورته من مزايا برنامج شركة نيو إينرجا، الذي يشمل أيضاً تحسين مستوى خطوط الأسلاك الكهربائية لمنع حصول دوائر القصر الكهربائي والتماس وإتاحة تخفيض استهلاك الكهرباء.

رداً على سؤال حول ما إذا كان من المحتمل أن يتخلف الزبائن من ذوي الدخل المحدود عن تسديد فواتيرهم مجدداً، قال كافاريتي من شركة أي غي إس الكتروباولو، إن الحملات الدائمة تشجع الناس على الاستمرار في تسديد فواتيرهم.

قال كافاريتي، ليست هناك أي فائدة في الاستثمار في شبكات توزيع الطاقة إذا بدأ الزبائن بالتخلف عن تسديد الفواتير مجدداً. اننا نقيم حملات توعية لجعل الناس يدركون أهمية الإمداد الثابت والآمن للطاقة الكهربائية." ويقدم موظفو التوعية استشاراتهم إلى العائلات التي تشارف على التخلف عن تسديد فواتيرها.

استناداً إلى كافاريتي، "نظمت" شركة أي إي إس الكتروباولو، منذ عام 2005، شؤون 275 ألف زبون في المنازل وفي الأماكن الصناعية والتجارية، في 1,240 ضاحية فقيرة في منطقة ساو باولو، وزودت إمدادات موثوقة وآمنة للطاقة إلى 1.1 مليون نسمة.

الاحتواء الاجتماعي

ويستنتج الكاتب، ان شركات توزيع الطاقة البرازيلية تعتقد بأن هذه البرامج لها تأثير يتجاوز مجرد تحسين نقل الكهرباء، وزيادة الكفاءة، وجعل أوضاع مستهلكي الطاقة شرعية. فهي تعزز نشاطاتها في المسؤولية الاجتماعية بهدف لاحق هو تعزيز المواطنة والاندماج الاجتماعي بين مجموعة زبائنها.

أن يصبح المرء زبوناً يدفع الفواتير المستحقة عليه، ويتمتع بسمعة جيدة، قد يفتح أمامه باب الدخول إلى عالم جديد، لأن تسديد فواتير الخدمات العامة يُشكِّل دليلاً عن عنوان ثابت لديه، وقد يقود إلى إصدار بطاقة إقامة له. وفي البرازيل هذه الشهادة ضرورية لكل من يسعى إلى الحصول على عمل، أو شراء منتجات بالتقسيط، أو الحصول على قرض.

قال كافاريتي: "هذا هو الاحتواء الاجتماعي بالتأكيد."

يتفق كوريا، من شركة نيو اينرجيا مع ما يقول كافاريتي، ويضيف قوله "لا يتعلق الأمر بتزويد ثلاجات فقط. فعندما تنفذ برنامجاً اجتماعياً كهذا، تستطيع تسجيل الناس، ومنحهم شيئاً من المعاملة الإنسانية،  وجعلهم جزءاً من المجتمع."

ويؤكد رئيس جمعية السكان أن البرامج الاجتماعية وبرامج التوعية بالاستعمال المسؤول للطاقة أصبحت شأناً شعبياً في بارايسو بوليس. قال رودريغز، "إنه لأمر جيد أن تستطيع الحصول على إمداد طاقة بأسعار مدعومة مالياً، ولكني أعتقد أن التقدم تجاوز ذلك. فبعد أن أصبح سكان بارايسو بوليس زبائن رسميين... فإنهم خطوا خطوة هائلة للابتعاد عن الاقتصاد غير الشرعي. وعلي أن أضيف أن التخلف عن الدفع والتسديد في باريسيو بوليس قد انخفض بدرجة كبيرة."

تخطط شركة أي إي إس التروباولو لإستبدال 20 ألف ثلاجة في ولاية ساوباولو قبل نهاية العام 2009، وتشجع المدن في الدول النامية في أفريقيا وآسيا على تبني برامج مماثلة. وسوف تقوم الشركة، وشركة ICA، والوكالة الأميركية للتنمية الدولية بعرض نموذج بارايسو بوليس في باريس خلال المنتدى العالمي والمعرض الذي سيقام لكفاءة الطاقة بين 7 و29 نيسان/أبريل، 2009.

وقد توسع الحكومة البرازيلية أيضاً عمليات منع سرقة الطاقة وبرامج تأمين كفاءة الطاقة، وهي تدرس حالياً بيع ثلاجات بأسعار مدعومة في مختلف أنحاء البلاد، مستندة إلى خبرة شركات توزيع الطاقة في الأحياء الفقيرة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 27/آيار/2009 - 29/جمادى الآولى/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م