حملات محاربة الفساد الفاشلة تقود الى الجحيم الاقتصادي

الإرادة السياسية واستقلالية المؤسسات الفيصل في مكافحة الفساد

شبكة النبأ: جاهر زعماء البلدان الموبوءة بالفساد ممن انتخبوا حديثا بإعلان الحرب على الفساد وشكلوا لجانا لتنفيذ الإصلاحات. ورغم ذلك فقد مني العديد من هذه الجهود بالفشل نظرا لأنها تفتقر إلى العناصر السياسية والمؤسساتية الحاسمة، وسرعان ما يعود الموظفون الحكوميون إلى الخطايا الكبرى المميتة، ألا وهي الرشوة؛ الابتزاز والمحاباة والمحسوبية والتفضل والاختلاس.

يؤكد الخبراء أنه لن تتوفر لإصلاحات محاربة الفساد  الفرصة المواتية للنجاح إلا حين يتم تحريكها من قبل شخص رفيع المستوى في قمة هرم السلطة وتستمر بقدر يكفي للتغلب على المقاومة البيروقراطية والجمود. كما يجب أن يشارك في تنفيذها المجتمع المدني ويتعين أن تكون خالية من التلاعب السياسي.

ويقول كريستيان بورتمان من منظمة الشفافية الدولية، وهي منظمة تعنى بمكافحة الفساد، إنه حتى الجهود التي تبذل بحسن نية من المستبعد أن تحقق أهدافها إذا لم تتوفر المؤسسات الديمقراطية الأساسية – من الأنظمة القضائية إلى المجتمع المدني.

وأكد في حديث له مع موقع أميركا دوت غوف: "أن مثل هذه المؤسسات يجب أن تكون موجودة ليس مجرد حبر على الورق، وإنما يجب أن تتمتع بصلاحيات فعلية لمراقبة الحكومة ومساءلتها."

وقد نجحت الإصلاحات التي تقوم على هذه المبادئ في سنغافورة وهونغ كونغ، وبوتسوانا، وتنزانيا، وسلوفينيا، ولاتفيا، وبيرو، حيث حققت هذه الدول جميعها تقدما هائلا في مكافحة الفساد.

فعلى سبيل المثال، استحدثت بيرو نظاما خاصا بمكافحة الفساد للتحقيق في قضايا الفساد وتقديم الضالعين فيه للمحاكمة. وقد شجّع الزعماء في سنغافورة الموظفين الحكوميين على الاستقامة والتحلي بالنزاهة وذلك من خلال التصرف باعتبارهم قدوة شخصية يحتذى بها وبناء كادر حكومي يتقاضى أجورا جيدة.. وفي تنزانيا، رافقت حملة محاربة الفساد جهود مكثفة لتحسين اقتصاد البلد ورفع مستويات المعيشة وتعزيز بيئة الأعمال التجارية.

أما برامج محاربة الفساد التي لا تعدو كونها مجرد شعارات أو تنقصها العناصر الأساسية اللازمة فإن مصيرها سيكون الفشل. ويقول غيدو بيرتوتشي من دائرة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية في الأمم المتحدة إن حملة مكافحة الفساد محكوم عليها بالفشل حينما تطلقها الحكومات كرد فعل على فضيحة ما، أو بسبب ضغوط خارجية تمارسها عليها الجهات المانحة الأجنبية. وأضاف أن بعض الزعماء يستخدمون حملة مكافحة الفساد كمجرد غطاء لإيذاء خصومهم السياسيين. وحتى الحكومات الملتزمة حقا بالإصلاحات تشهد نجاحا أقل عندما لا تشرك القطاع الخاص والمجتمع المدني في جهود مكافحة الفساد.

والدول التي تظهر أعلى مستويات الفساد، غالبا ما تعاني من الفقر المدقع أو من الحروب الأهلية أو أنها تقبع تحت نير الأنظمة القمعية، والدليل على ذلك المرتبة العالية التي احتلتها كل من الصومال، وبورما، العراق، وهايتي وأفغانستان في مؤشر الفساد من حيث مستويات الفساد المرتفعة فيها. (ورغم أن الخبراء يحذرون من مغبة الاعتماد على المؤشر باعتباره مقياسا موثوقا به لقياس مستويات الفساد، إلا أنهم يقولون إنه يقدم تقديرا تقريبيا لمستوى الفساد في كل دولة مقارنة ببعضها البعض.)

وبالإضافة إلى ذلك، فإن الاقتصادات المغلقة – المعزولة عن السوق العالمية بفعل الحواجز التجارية وغيرها – من المرجح أن تكون عرضة لارتفاع مستويات الفساد أكثر مما هو الحال في الأسواق المنفتحة. ففي مثل هذه البلدان، يمكن أن تنقل الإيرادات الحكومية، وكذلك المساعدات الخارجية بسهولة بواسطة قنوات خلفية سرية إلى حسابات مصرفية تقام لأغراض التهرب من دفع الضرائب بعيدة عن شواطئ مصلحة الضرائب في البلد.

وعندما يصبح الفساد راسخا ومتأصلا في الثقافة أو ينظر إليه باعتباره جزءا لا يتجزأ من الصراع اليومي من أجل البقاء على قيد الحياة، يصبح عندها إصلاح الحكم أمرا في غاية الصعوبة؛ حيث يقول ريتشارد ميسسيك من البنك الدولي إن القضاة، على سبيل المثال، في بعض البلدان الإفريقية، من ذوي الرواتب الدنيا يتقاضون رواتب هزيلة لدرجة تضطرهم إلى تلقي الرشاوى حتى يتمكنوا من إعالة أسرهم.

وأبلغ ميسسيك موقع أميركا دوت غوف "أن الناس عندما يتعودون على الرشاوى، وعندما تكون عليهم التزامات مالية يعتمدون في الوفاء بها على الرشاوى، عندها يكون من الصعوبة بمكان وضع حد لذلك."

وقد خلقت العولمة تحديات للحكم أكثر صعوبة في الدول الصغيرة الفتية ونظرا لاهتمام الشركات المتعددة الجنسيات بموارد هذه البلدان الطبيعية فإنها تدخل في كثير من الأحيان إلى أسواقها وهي عاقدة العزم على رشوة المسؤولين والموظفين الحكوميين، إذا دعت الضرورة، حتى يسهلوا لهم إبرام عقود مربحة.

ويؤكد بورتمان، الخبير في منظمة الشفافية، أن الدول النامية لا تمتلك القدرة الكافية على كسر حلقة الفساد.

وقد بلغت الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية نقطة تحول منذ 10 سنوات عندما اعتمدت اتفاقية مكافحة الرشوة التي تحظر رشوة الموظفين الحكوميين الأجانب. ومع ذلك، لا يطبق هذا الحظر سوى نصف البلدان الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، بما في ذلك الولايات المتحدة، طبقا لما جاء في تقرير منظمة الشفافية لعام 2008. ووفقا لمؤشر الرشوة الصادر عن منظمة الشفافية للعام 2008، فإن الشركات الموجودة في الأسواق الناشئة خارج منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، مثل الصين والهند وروسيا، ينظر إليها على أنها تشارك بصورة منتظمة في أعمال الرشوة عند ممارسة الأعمال التجارية في الخارج.

الفساد يقوض الثقة في المؤسسات ويخرب جهود التنمية

إن إلقاء نظرة سريعة على عناوين الأنباء يطلعنا في أغلب الأحيان عن موضوعات كثيرة تتحدث عن دعاوى فساد في كل الدول، في الشمال والجنوب والشرق والغرب. لذا فإن الجهات المانحة للمساعدات الخارجية، التي تطلع على عناوين الأنباء نفسها، تبذل جهودا متزايدة للإمساك بأولئك الذين يستنزفون المساعدات التي تكون موجهة أصلا للفقراء.

ومؤخرا منع البنك الدولي سبع شركات بالإضافة إلى فرد يملك إحداها من المشاركة في أي مشروع من مشروعات المساعدات التي يمولها البنك، بعد أن ثبت له تورطهم في ممارسات فساد تتعلق بمشروع لإنشاء طريق في الفليبين. وقرر البنك منع شركة إي سي دي لونا للإنشاءات من المشاركة في أي مشروعات تابعة له.

من ناحية أخرى أثار الرئيس أوباما الموضوع نفسه حينما أعلن عن استراتيجيته الجديدة في باكستان وأفعانستان، وقال إن الفساد يقوض الحكومة الأفغانية. وتعتبر مكافحة الفساد عقيدة متأصلة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة لأن ممارسة الفساد تخرب جهود التنمية، وتؤدي إلى تآكل الثقة في المؤسسات الديمقراطية وتسهل سبل التنقل بين الدول على المجرمين والإرهابيين.

ولا يمكن للمجتمع الدولي أن يغض البصر عن الفساد، الذي تسبب في فقد المواطنين الأفغان الثقة في مؤسسات حكومتهم. حسبما قال الرئيس أوباما يوم 27 آذار/مارس. وأضاف "إننا سنسعى لعقد اتفاق جديد مع الحكومة الأفغانية للقضاء على ممارسة الفساد وتحديد معالم واضحة للطريق الذي تسلكه المساعدات الدولية لكي تُستخدم من أجل تلبية احتياجات الشعب الأفغاني."بحسب موقع امريكا دوت غوف.

وطبقا لما ذكره البنك الدولي فإن الفساد يتخذ صورا عديدة، غير أن الرشوة وحدها تقدر بحوالي تريليون دولار سنويا. وأشار البنك إلى الفساد والاحتيال كمعوقيْن رئيسييْن من معوقات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، يؤديان إلى إضعاف المؤسسات وغياب دور القانون.

ومن جانبه قال غريغ كيل، المدير التنفيذي للاتفاق العالمي التابع للأمم المتحدة، إن الممارسات الفاسدة تهدر كميات كبيرة من الموارد العامة. وتوصف منظمته بأنها أكبر مبادرة طوعية في العالم لتعزيز التنمية المستدامة والمواطنة الصالحة للشركات، تقوم على مبادىء مقبولة عالميا تتفق مع أخلاقيات ممارسة الأنشطة التجارية، مثل حث الشركات على مكافحة كل أشكال الفساد بما فيها الابتزاز والرشوة.

وقد صدّقت الولايات المتحدة على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد في العام 2006. وصرح بان كي مون أمين عام المنظمة الدولية بأن هذه الاتفاقية ينبغي أن تصبح الوضع الطبيعي السائد في المجتمع الدولي.

الفساد يقوض الثقة والإنتاجية

ويطل الفساد برأسه القبيح في أشكال أخرى إضافة إلى الرشوة من بينها حسبما يقول الخبراء: الاختلاس، والمحسوبية بتعيين الأقارب في الوظائف المتاحة، وإساءة استخدام الممتلكات العامة. ويشير رُبرت زليك مدير البنك الدولي إلى أن تلك الممارسات تقوض الثقة في الحكومة وبمجرد فقدان هذه الثقة "تكون استعادتها صعبة إلى حد كبير."

وفي كلمته في الاحتفال مؤخرا بـ"يوم النزاهة" قال زليك إن الثقة العامة أو ثقة الشعب عامل جوهري في أداء القطاع الخاص لدوره وفي اجتذاب الاستثمارات الأجنبية.

وأشار إلى استطلاع للرأي أجرته مؤسسة غالوب في العام 2008 ذكر المشاركون فيه من جميع أنحاء العالم أن الفساد عامل يؤثر تأثيرا سلبيا على النمو الاقتصادي والجهود الرامية لتخفيف حدة الفقر.

رُبرت زليك، رئيس البنك الدولي يقول إن البنك سيحاسب من يسرقون من الفقراء عبر ممارسة الفساد.وقال زليك إن البنك لا يرمي إلى إحراج مسؤولين في القطاع العام أو الخاص أو تسجيل نقاط للتقييم، لكنه –أي البنك- "جاد جدا في حماية الأموال وضمان وجود الأمانة والتخلص من المشاكل."

وقال إن البنك يجب أن يكون راعيا أمينا لأموال الجهات المانحة، وأن يبين للحكومات التي يتعامل معها أن التمويل الذي يقدمه البنك لن يتحول إلى الاستخدام الشخصي. وإن البنك "سيحاسب المسؤولين إذا سرقوا من الفقراء."

ومن بين المديرين الإداريين للبنك نغوزي أوكونجو أيويالا التي كانت شاهدا على الفساد في نيجيريا. وصرحت بقولها إن المسؤولين غير الأمناء لم يكتفوا باستنزاف مرتبات المدرّسين وإنما هم تركوا التلاميذ حتى بدون قطعة طباشير.

أما الكاتب مايكل جونستون، وهو أيضا أستاذ في جامعة كولغيت، فقد نشر كتابا بعنوان "أعراض مرض الفساد" في العام 2006. وفيه قال الكاتب إن حواجز الطريق في المناطق الريفية التي يُجبر عندها المزارعون على دفع "ضريبة" أو إتاوة، وحملات الشرطة على الأسواق "تساهم في إبقاء الفقراء على فقرهم."

أما جوناثان شابيرو القائم بعمل مدير قسم أمانة المؤسسات في البنك الدولي فقد صرح لموقع أميركا دوت غوف بأن "هناك رغبة عالمية في القضاء على الفساد." فالناس في جميع أرجاء العالم "يسعون لاستغلال وجود ثغرات في النظم الموضوعة من أجل تحقيق مصالحهم الخاصة."

ولذا فإن شابيرو يؤكد على أن "اليقظة ضرورية جدا." والبنك يحقق في دعاوى الفساد والاحتيال والتواطؤ والقسر والتعويق المتعلقة بالتمويل أو التعيينات.

وأشار شابيرو إلى أنه لو تم استنزاف أموال التنمية لأغراض لا تكون مخصصة لها، فهذا يعد موضوعا خطيرا بالنسبة للبنك، خاصة في الوقت الراهن الذي "عز فيه توفر الدولارات واليوروهات والشلنات." أي أصبحت فيه العملات الصعبة نادرة الوجود.

ومنذ العام 2001 أجرى البنك تحقيقات في حوالي ثلاثة آلاف دعوى ومنع 351 شركة وفردا من الحصول على عقود تابعة للبنك.

وقال شابيرو "إن الناس تود أن ترى اتخاذ إجراء في تلك الدعاوى." وحينما يقرر البنك فرض حظر أو منع على الشركات أو الأفراد فإنه يعلن ذلك على موقعه على الإنترنت ليدلل على وجود المحاسبة العامة.

وشبّه شابيرو جهود البنك الدولي لمكافحة الفساد بما يقوم به رجل الشرطة حينما يوقف على الطريق قائد سيارة يتجاوز السرعة المقررة." حينئذ لن يكون لزاما على الشرطة وقف كل من يجنح لتجاوز السرعة، لأن الجميع سيبطؤون سرعتهم حينما يرون شخصا أوقفته الشرطة على جانب الطريق."

وطبقا لما ذكره شابيرو فإن البنك الدولي يعقد دورات تدريبية في الدول التي تطلب المساعدة كجزء من جهوده الرامية لمكافحة الفساد. كما أن معهد التدريب التابع للبنك يعقد دورات تدريبية في العاصمة واشنطن للمسؤلين في الوزارات.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 25/آيار/2009 - 27/جمادى الآولى/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م