النازحون العراقيون ومثلث العنف والفقر ومهانة الإغتراب

29 ألف عراقي طلبوا اللجوء في اوربا عام 2008

اعداد: صباح جاسم

 

شبكة النبأ: تُمثل إعادة توطين النازحين العراقيين تحدياً كبيراً نحو تحقيق المصالحة وتجنُّب تجدد أعمال العنف، كما أنها أساسية لتحريك الاقتصاد الراكد وجذب استثمارات اجنبية ثبتَ أنها مراوغة للغاية للعراق الذي يتمتع بموارد نفطية هائلة، لكنه لا يملك صناعة حقيقية تُذكر خارج القطاع الذي يُنتج كميات غير كافية بسبب تقادم ادوات الصناعة النفطية وبناها التحتية.

فقد أقرّ مسؤول رفيع في وزارة الهجرة والمهجرين في العراق ان الاوضاع الامنية ونقص الخدمات يشكلان ابرز العقبات أمام عودة النازحين والمهجرين الى مناطقهم الاصلية في بلد مزقته الحروب واعمال العنف.

بيد ان وزير الهجرة والمهجرين، عبد الصمد رحمن سلطان بين ان تحسن الأوضاع الأمنية في العراق قد شجع حوالي 65,000 أسرة نازحة على العودة إلى ديارها منذ أوائل عام 2008، موضحا أن هذه الأرقام تشمل فقط الأسر المسجلة لدى الوزارة للحصول على المساعدات المالية وغير المالية وأنه يتم حالياً بذل جهود لتسجيل عائدين آخرين.

النازحون يحجمون عن العودة مع استمرار العنف

في فصل الصيف تصبح الحرارة لا تطاق، وفي الشتاء تحوِّل الامطار الغزيرة الخيمة الضيّقة التي تسرِّب المياه حيث يعيش خالد جمهوري مع أسرته الى مستنقع شديد البرودة من الطين.

لكن جمهوري لا يريد ترك هذا المخيم المخصص للنازحين في اقليم كردستان بشمال العراق الذي يتمتع بشبه حكم ذاتي والعودة الى المنطقة التي يغلب عليها العرب السنّة في بغداد حيث قتل افراد ميليشيات شيعة والديه وشقيقه وابن عمه عام 2006 .

ويقول جمهوري النحيل (19 عاما) والذي يتطلع الان الى العمل في مجال البناء لاعالة زوجته وشقيقه وطفله الجديد "في بعض الاحيان أستطيع أن أحصل على بعض المال لجلب طعام لعائلتي وفي احيان أخرى لا أستطيع."

وجمهوري واحد من 3.8 مليون عراقي دفعتهم ست سنوات من جرائم القتل الطائفي الى حزم متعلقاتهم والفرار الى مكان امن. وفر نحو 1.8 مليون منهم الى أجزاء مختلفة من العراق اما البقية فرحلوا عن البلاد وتوجه معظمهم الى سوريا والاردن. بحسب رويترز.

ومن المتوقع أن تمثل اعادة توطين النازحين العراقيين تحديا كبيرا نحو تحقيق المصالحة وتجنب تجدد أعمال العنف.

كما أنها أساسية لتحريك الاقتصاد الراكد وجذب استثمارات اجنبية ثبت أنها مراوغة للغاية للعراق الذي يتمتع بموارد نفطية هائلة لكنه لا يملك صناعة حقيقية تذكر خارج القطاع الذي ينتج كميات غير كافية.

وقال المحلل العراقي حازم النعيمي "من باب أولى ان يعود المهجرون والمهاجرون بمن فيهم المستثمرون وأصحاب رؤوس الاموال من التجار العراقيين ويعيدوا معهم استثماراتهم الى العراق وهذا سيكون المشجع الاساسي والرئيسي للمستثمر الاجنبي حتى يقدم على عملية الاستثمار" مضيفا أن المستثمرين يرون مؤشرا مثيرا للانزعاج في مسألة أن معظم النازحين لم يعودوا الى الديار.

ولم يعد الا عدد قليل للغاية وهذا دليل على انتشار القلق على نطاق واسع في البلاد التي ما زالت اعمال العنف تهزها وحيث يكمن خطر تجدد الصراع الطائفي تحت السطح.

وتقول منظمة الامم المتحدة ان 195 الفا فقط من النازحين العراقيين عادوا الى ديارهم بحلول نهاية عام 2008 لكن مسؤولين يأملون أن يصل هذا العدد الى 400 الف بحلول نهاية هذا العام اذا تحسن الوضع الامني في العراق.

لكن هذا غير مضمون على الاطلاق. وانتهى هدوء نسبي في اعمال العنف بموجة من التفجيرات الانتحارية الدموية في أنحاء العراق في الاسابيع الاخيرة لتصل حصيلة القتلى الشهرية الى 290 وهو أعلى معدل منذ نوفمبر تشرين الثاني الماضي.

ويخشى كثيرون من أن تتدهور الاوضاع الامنية حين تنسحب القوات الامريكية المقاتلة من المدن العراقية في يونيو حزيران قبل انسحاب امريكي كامل بحلول عام 2011 وقبل اجراء الانتخابات العامة اواخر هذا العام.

ودفعت الهجمات الاخيرة التي استهدفت الشيعة بشكل أساسي بعض النازحين الى اعادة النظر في قرار العودة الى الديار.

وتقول افياء شاكر التي فرت الى مصر عام 2006 "لا نريد أن نتعجل العودة. لننتظر ونرى ما سيحدث خلال الاشهر القادمة."

وقال جبار محمد علي مدير فرع الهجرة والمهجرين في السليمانية ان ثلاثة او اربعة في المئة فقط من الاسر النازحة البالغ عددها 8500 التي سجلت نفسها في مكتبه عادت الى منازلها.

ويستطيع المحظوطون بين النازحين العراقيين تحمل تكلفة استئجار شقق او منازل او يعيشون مع أقارب لهم.

اما الاقل حظا فيحتلون مباني حكومية مهجورة او ينتهي بهم المطاف في مخيمات مثل ذلك الموجود في السليمانية. ويتحدث معظمهم عن صعوبة الحصول على الرعاية الصحية او الحاق ابنائهم بالمدارس.

الامن والخدمات يعرقلان عودة المهجّرين الى مناطقهم

ويقول مسؤول رفيع في وزارة الهجرة والمهجرين في العراق ان الاوضاع الامنية ونقص الخدمات يشكلان ابرز العقبات امام عودة النازحين والمهجرين الى مناطقهم الاصلية في بلد مزقته الحروب واعمال العنف.

ويضيف الوكيل الفني في الوزارة سلام الخفاجي لوكالة فرانس برس، رداً على سؤال حول المعوقات التي تقف عقبة في وجه اعادة المهجرين الى اماكن سكناهم ان "الامن اهم عائق يليه نقص الخدمات، وفقا للدراسات التي اجرتها وزارتنا". بحسب فرانس برس.

واشار الى ان هذه الامور "ليست من مسؤوليات وزارتنا، فهي مسؤولية جميع العراقيين وفي مقدمتهم مؤسسات الدولة كل ضمن نطاق عمله".

وقد ادت اعمال العنف الطائفي بعد تفجير مرقد الامامين العسكريين في سامراء في 22 شباط/فبراير 2006 الى مقتل عشرات الالاف ونزوح مئات الاف من اماكن سكناهم.

وتشير ارقام المفوضية العليا لشؤون اللاجئين الى ان حوالى اربعة ملايين عراقي غادروا منازلهم، رحل مليونان منهم الى الخارج في حين نزح الباقي داخل بلدهم.

لكن تقريرا لوكالة متخصصة صادر في العشرين من شباط/فبراير الماضي، اشار الى حوالى مليون ونصف المليون نازح بسبب اعمال العنف الطائفية، لافتا الى "مصيرهم بات اكثر غموضا من اي وقت مضى".

ويوضح الخفاجي ان "وزارتنا رفعت شعار العودة للمهجرين خلال العام الحالي الى مناطقهم لتحقيق الاستقرار والعودة بالمجتمع الى وضعه الطبيعي" موضحا ان "الحكومة ممثلة بالوزارة تقدم منحة مليون دينار (850 دولار) لكل عائلة عائدة" الى منطقتها.

وذكر ان معظم حالات التهجير والنزوح وقعت خلال عامي 2006 و 2007 مشيرا الى ان محافظة بغداد سجلت النسبة الاكبر وتقدر ب 70% تليها محافظتي ديالى (شمال شرق) ثم نينوى (شمال).

وشدد الخفاجي على ان الوزارة تبنت بمساعدة مكاتبها في عموم المحافظات العراقية تأسيس قاعدة بيانات للعمل بموجبها بالتعاون مع باقي مؤسسات الدولة والمنظمات الدولية والمحلية.

واوضح ان "الناس الذين تعرضوا للاذى (التهجير) بحاجة الى خدمات في مجال التعليم والصحة والعمل والغذاء والمؤسسات تقدم ما بوسعها بالتنسيق مع وزارتنا اعتمادا على قاعدة البيانات هذه".

وقدمت الحكومة مساعدة مالية قيمتها حوالى 700 دولار لكل عائلة مهجرة، وشمل ذلك 264 الف عائلة منتشرة في عموم البلاد.

وصدرت قرارات حكومية لعودة المهجرين تنص على اخلاء منازل العائلات المهجرة من شاغليها واخراج النازحين من منزل عائلة نازحة اخرى، وفقا للخفاجي.

وقد حدد مرسوم صادر عن رئاسة الوزراء في الاول من اب/اغسطس 2008، الاول من ايلول/سبتمبر مهلة لشاغلي منازل الغير لمغادرتها والا فانهم سيتعرضون في حال مخالفة ذلك الى السجن ثلاث سنوات ودفع غرامة مالية.

ويقول عمر رشيد، محام (30 عاما)، يسكن في الاعظمية (شمال) حاليا بعد فراره من حي اور (شمال شرق) في تموز/يوليو 2006، ان "عودتي الى حي اور صعبة حاليا لان الاوضاع ماتزال غير مستقرة تماما (...) بصراحة اخشى اعمال عنف طائفي".ويضيف " اشعر بالخوف رغم تحسن الاوضاع".

تفاؤل وزاري حيال قضية النازحين

شجع تحسن الأوضاع الأمنية في العراق حوالي 65,000 أسرة نازحة على العودة إلى ديارها منذ أوائل عام 2008، حسب وزير الهجرة والمهجرين، عبد الصمد رحمن سلطان.

وقد أفاد سلطان خلال مؤتمر صحفي أن 2,070 أسرة من بين الأسر الآنفة الذكر عادت إلى البلاد من خارج حدود الدولة.

وأوضح أن هذه الأرقام تشمل فقط الأسر المسجلة لدى الوزارة للحصول على المساعدات المالية وغير المالية وأنه يتم حالياً بذل جهود لتسجيل عائدين آخرين.

وأفاد أن 254,000 أسرة نزحت منذ 22 فبراير/شباط 2006 (وهو اليوم الذي تم فيه تفجير ضريح شيعي ببغداد، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع مفاجئ في أعمال العنف). أما في بغداد، فمن بين 104,000 أسرة التي كانت قد نزحت منذ ذلك الحين، عادت حوالي 32,000 أسرة إلى ديارها. ويتراوح متوسط عدد أفراد الأسرة في العراق بين 5 و6 أشخاص.

من جهته، أعرب باسل عبد الوهاب العزاوي، رئيس اللجنة العراقية لمنظمات المجتمع المدني، وهي ائتلاف يضم أكثر من ألف منظمة غير حكومية تعمل داخل وخارج العراق، عن قلقه حيال إمكانية تسبب التفجيرات الأخيرة التي أودت بحياة 200 مدني في إبطاء وتيرة عودة اللاجئين.

ولكن وزير المهجرين عبد الصمد سلطان لا يعتقد أن التفجيرات الأخيرة ستطلق موجة جديدة من العنف الطائفي أو تؤدي إلى موجات جديدة من النزوح أو تؤثر على نسبة العائدين، حيث قال متفائلاً: "نتوقع عودة أعداد كبيرة من الأسر النازحة هذا الصيف سواء من داخل العراق أو خارجه".

وأفاد العزاوي أن الحكومة العراقية لم تتبن بعد "إجراءات واقعية وفعالة" لمساعدة النازحين الذين عادوا إلى منازلهم وطالب الحكومة والمنظمات غير الحكومية العراقية والمجتمع الدولي بالمساعدة على تسريع العملية. وجاء في قوله: "لا زلنا نجد أشخاصاً يفضلون النزوح على العودة إلى ديارهم لأسباب عديدة". وأضاف أن الأشخاص الذين دمِّرت بيوتهم يحتاجون لتعويضات عاجلة وعادلة. بحسب تقرير شبكة الانباء الانسانية.

وحذر سلطان من احتمال تضرر خطط وزارته لمساعدة النازحين من جراء تقليص الميزانية الناتج عن انخفاض أسعار النفط (حيث تشكل عائدات النفط أكثر من 90 بالمائة من ميزانية الحكومة).

وقد تم تقليص ميزانية وزارة الهجرة والمهجرين لبرامج المساعدات الإنسانية إلى 44.8 مليون دولار، بالرغم من أن الطلب الأصلي كان لحوالي 10 أضعاف هذا الرقم. كما من المحتمل أن تنخفض الميزانية التشغيلية لوزارة التخطيط المقدرة بحوالي 18 مليون دولار بنسبة 40 بالمائة. وقد علق سلطان على ذلك بقوله: "هذا بطبيعة الحال سوف يتسبب في العديد من المشاكل في مجالات مختلفة".

29 ألف عراقي طلبوا اللجوء في اوربا عام 2008

وفي سياق ذي صلة بطلبات اللجوء التي يقدمها عراقيون، ذكر مكتب الاتحاد الأوروبي للإحصاء (يوروستات) في بيان له، أن عام 2008 سجل ما يقارب 240 ألف طالب لجوء الى دول الاتحاد الاوروبي شكل العراقيون منهم 29 ألف لاجئ أو نسبة 12 في المئة من مجموع طالبي اللجوء. بحسب اصوات العراق.

 وأوضح المكتب في الاحصائيات التي نشرها على موقعه ان” عدد طالبي اللجوء من الجنسيات الاخرى كان بواقع  21100 لاجئ من الروس أو نسبة تسعة في المئة، والصوماليون 14300 لاجئ او نسبة ستة في المئة وسيبيريين 13600 لاجئ او نسبة ستة في المئة وأفغان 12600 لاجئ او نسبة خمسة في المئة.”

واشار الى انه “تم رفض 141730 طلب لجوء او نسبة 73 في المئة من اجمالي الطلبات فيما منح 24425 طلبا حق اللجوء بنسبة شكلت 13 في المئة من اجمالي الطلبات ومنح عدد 18560 لاجئ حماية ثانوية بلغت نسبتهم عشرة في المئة الى جانب 8970 لاجئا او نسبة خمسة في المئة أعطوا حق البقاء في دول الاتحاد لأسباب انسانية”.

وتمنح الحماية الثانوية للأشخاص الذين يحملون جنسية بلد خارج الاتحاد او غير مجنسين ويقدمون أدلة وافية على ان عودتهم الى بلدان اقامتهم او موطنهم الأصلي تسفر عن مواجهة خطر حقيقي أو وقوع أذى.

وفي فرنسا سجل اكبر عدد من طالبي اللجوء خلال عام 2008 اذ بلغ عددهم 41800 طالب لجوء وفي بريطانيا بلغ العدد 30500 وفي المانيا 26900 وفي السويد 24900 وفي أثينا 19900 وفي بلجيكا 15900 وفي هولندا 15300.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 24/آيار/2009 - 26/جمادى الآولى/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م