اوباما بمواجهة محور شر جديد

الصومال والمكسيك وروسيا دول محور الشر الجديدة

شبكة النبأ: في عام 2002 أعلن الرئيس الأمريكي السابق بوش الإبن في خطاب حالة الاتحاد ثلاث دول كمحور للشر، وهي إيران، والعراق، وكوريا الشمالية بسبب اتهامهم بمساندة الإرهاب، وحيازة أسلحة دمار شامل، وبعدها بعام تم غزو العراق تحت اسم تلك الاتهامات. والسؤال الذي يثار في هذا الصدد هل ما يزال ذلك التصنيف سائدًا؟ أم أن تهديد تلك الدول قد اختفى؟ وهل يواجه أوباما تهديدات جديدة من دول أخرى؟

هذا ما يجيب عليه نيال فرجسون، أستاذ التاريخ في جامعة هارفارد، الذي كتب مقالة بعنوان "محور الثوة" في مجلة السياسة الخارجية Foreign Policy، ضمن سلسلة مقالات مكونة من ثلاث مقالات أخرى تحدث عن الصومال والمكسيك وروسيا كمصادر تهديد مستقبلية، سيأتي ذكرها لاحقًا. بحسب موقع تقرير واشنطن.

دول الثورة هل هي نادِ مغلق؟

يقول فرجسون إننا ينبغي أن ننسى دول محور الشر التي أعلنتها الولايات المتحدة في خطاب حالة الاتحاد على لسان الرئيس بوش الابن عام 2002 في 29 من يناير، وهي إيران، والعراق، وكوريا الشمالية بسبب اتهامهم بمساندة الإرهاب، وحيازة أسلحة دمار شامل، وبعدها بعام تم غزو العراق تحت اسم تلك الاتهامات.

ويمضي فرجسون فيقول: إن أوباما الآن يواجه أخطارًا قد تأتي من دول أخرى، تمثل "محور الثورة"The axis of upheaval كما أسماها، ويقول أيضًا إن دول محور الشر لم تعد ناديًا مغلقًا قاصرًا على الثلاثة دول سالفة الذكر بل هناك على الأقل 9 دول أخرى قابلة للزيادة تمثل محور الثورة مثل روسيا والمكسيك والصومال وإندونيسيا وتايلاند، خاصة في ظل الأزمة المالية العالمية، والسودان التي تعاني من أزمات داخلية كأزمة دارفور وجنوب السودان، وزيمبابوي تحت حكم موجابي، بل وحتى تركيا. ويري الكاتب أن بوش قد صك مفهوم "محور الشر" عام 2002 بالتوازي مع فكرة الدول الأعداء (ألمانيا وإيطاليا واليابان) في فترة الحرب العالمية الثانية.

عصر الثورة يبدأ الآن

وقد تساءل الكاتب عن سبب كون القرن العشرين هو قرن الاضطرابات؟، وخلص إلى أن هناك ثلاثة عوامل رئيسة أدت إلى ذلك؛ أولها: التفكك الإثني، حيث أدت التوترات الإثنية إلى تفجر العنف، وكذلك فإن تطورات ذلك العنف الإثني في أفغانستان والعراق قد يؤدى وفقًا للكاتب لخفوت التواجد "شبه الإمبراطوري" الأمريكي في المنطقة.

أما العامل الثاني: فهو التقلب الاقتصادي، والذي يفجر الصراع، ويرى الكاتب أن ذلك الصراع قد يحدث في ظل الأزمة المالية العالمية وآثارها لاسيما البطالة التي تتسبب فيها.

والعامل الثالث هو "خفوت الامبراطورية"، وبالتالي تكون المعارك حول السلطة والقوة السياسية أكثر دموية.

ويرى فرجسون أن العوامل الثلاثة في مجملها هي أساس " عصر الثورة " الذي يبدأ الآن، فتوجد الآن توترات إثنية في الشرق الأوسط الكبير وحالة من الإحباط في أفغانستان والعراق، وكذلك يسود خفوت للتواجد الأمريكي شبه الإمبراطوري في الشرق الأوسط، بل وتوجد الأزمة المالية العالمية بالتزامن مع ذلك.

ووفقًا للمؤلف فإن هناك تهديدًا إيرانيًّا مازال ساريًا خاصة بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة والتي أفقدت إسرائيل كثيرًا من التعاطف الدولي، كذلك فإن إيران تدعم حماس التي يراها الكاتب قوة متشددة، ويرى أنه بعد هذه الحرب فإن "دول الاعتدال" ومنها مصر والرياض ستفكران مرتين قبل الالتزام بمبادرة السلام في الشرق الأوسط.

كذلك يذكر فرجسون أن هناك خطرًا قادمًا من أفغانستان يتمثل في وجود مشاكل داخلية وصعوبة إحلال السلم بها. والأمر يزداد صعوبة مع وجود توتر باكستاني هندي خاصة مع اتهام الهند لباكستان بالضلوع في أحداث مومباي الإرهابية الأخيرة، ومع كون كل من الهند وباكستان قوى نووية، بالإضافة إلى تأثير الأزمة المالية العالمية على باكستان كثيفة السكان مما يجعل الاستقرار السياسى بها أمرًا بعيد المنال.

ويختتم الكاتب مقالته بالتركيز على أن المشكلة هي أن التركيز بالأساس في ظل الأزمة المالية العالمية، أو ما كان يعرف بالكساد الكبير في الثلاثينيات على آثار تلك الأزمة على الشئون الداخلية، بينما يتم إغفال الآثار على الشئون الخارجية والتهديدات الناجمة عن ذلك.

وكما ذكرنا سابقًا أن هناك ثلاث مقالات أخرى تناولت ثلاثة من دول "محور الثورة" والتهديدات القادمة منها، وهي الصومال والمكسيك وروسيا، فإن تناول تك المقالات بالعرض فيما يلي قد يوضح أكثر لماذا تعتبر تلك الدول وفقًا للكتاب محورًا للثورة.

الصومال أخطر مكان في العالم

أطلق الكاتب جفرى جتلمان، رئيس مكتب جريدة نيو يورك تايمز New York Times في شرق أفريقيا، في مقالته عن الصومال أنها " أخطر مكان في العالم The most dangerous place in the world، حيث يعتبرها دولة تحكمها الفوضى وتسود بها سياسات خارجية فاشلة، فخلال عقدين من الزمان لم تشهد الصومال سوى 6 أشهر من الاستقرار. ويرى الكاتب أن تلك الفوضى من شأنها أن تهدد الإقليم بأكمله، وبرغم ذلك فإن العالم يقف مشاهدًا على تلك الفوضى التي بدأت في الصومال منذ انهيار نظام سياد برى عام 1991 والذي كان يحكم منذ العام 1969، مخلفًا فوضى عارمة يقودها أمراء الحرب.

ويمضي الكاتب في وصفه للفوضى التي شهدها بنفسه خلال 12 زيارة للصومال في عامين ونصف، حتى أنه اضطر لاستئجار 10 رجال من المليشيا لحمايته من أخطار محدقة محيطة كالخطف والقتل، فالصومال حافلة بمظاهر التسلح والتمرد المرتبط بالقاعدة، كذلك تنتشر المخدرات (القات)، والقرصنة، حيث تم اختطاف 40 سفينة وتقاضي 100 مليون دولار كفدية في العام 2008 وحده، بالإضافة إلى تزايد الجفاف والنزوح كنتيجة لعدم الاستقرار السياسي. يزيد من ذلك الوضع المزري عدم وجود ملاذ آمن للاحتماء به من تلك التهديدات الخطيرة، أو حتى مستشفيات مجهزة تجهيزًا جيدًا للتعامل مع الضحايا والمصابين.

ثلاث صفعات للولايات المتحدة في الصومال

كل ذلك يحدث والعالم يشاهد، خاصة بعد أن صفعت الولايات المتحدة الأمريكية نتيجة تدخلها المباشر وغير المباشر ثلاث مرات غير مدركة للتأثير الكبير للعشيرة والدين في الصومال. فقد تلقت الولايات المتحدة صفعتها الأولى عندما قرر الرئيس بوش الأب التدخل تطبيقًا لما يسمى بـ"النظام العالمي الجديد" في العام 1992 بعد انهيار الاتحاد السوفيتي الأسبق، ولكن عدم فهمه للسياق العشائري هناك، وأنهم يتفرقون في خلافاتهم الداخلية ويتحدون ضد الأخطار الخارجية، كالعدو الأمريكي الذي دعم حينها أمراء الحرب، فكانت النتيجة هي الانتقام من الولايات المتحدة، وتدمير طائرات هليكوبتر تابعة لها، وقتل 18 أمريكيًّا وسحل جثثهم في الشوارع، الأمر الذي أدى بالولايات المتحدة إلى الانسحاب، وحل محلها تنظيمات عربية خاصة السعودية الوهابية والتي ساعدت على الإحياء الإسلامي وأسست العشائر في مقديشيو محاكم متجاورة لحفظ النظام سموها المحاكم الإسلامية تعمل على تطبيق الشريعة.

أما الصفعة الثانية، فقد كانت بعد هجمات الحادى عشر من سبتمبر 2001 عندما رأت الولايات المتحدة أن الصومال قد تكون بؤرة للإرهاب مثل أفغانستان بسبب الفوضى السائدة هناك، وعلى ذلك فقد أعانت المخابرات الأمريكية المركزيةCIA أمراء الحرب بالصومال، ولكن السحر انقلب على الساحر، إذ إن مساندة الولايات المتحدة لأمراء الحرب ضد الإسلاميين عززت من شعبية الإسلاميين في مواجهة عملاء الولايات المتحدة، بل إن الإسلاميين تمكنوا من طرد أمراء الحرب من مقديشيو عام 2006 وسيطروا على البلاد وساد للمرة الأولى منذ انهيار نظام سياد بري عام 1991 ستة أشهر من الاستقرار، حيث حارب الإسلاميون القراصنة وتوحدت العشائر تحت راية الإسلام، وتوقف سماع دوي نيران في البلاد، ولكن بعد ذلك حدث شقاق بين "المعتدلين" والمتطرفين أو الراديكاليين - مثل حركة الشباب - من الإسلاميين.

والصفعة الثالثة جاءت بعدما قامت الولايات المتحدة بحرب بالوكالة بواسطة إثيوبيا، ففي ظل المأزق الأمريكي في العراق وأفغانستان، سيعد ضربًا من الجنون أن تقوم الولايات المتحدة بفتح جبهة أخرى بقواتها في الصومال. وإثيوبيا هي الدولة المسيحية ذات الأغلبية المسلمة التي لديها قوى متمردة ذات عرقية صومالية تشكل تهديدًا من حيث التمرد إذا سادت الفوضى بالصومال، كذلك تشكل الصومال خطرًا إذا قامت بالتحالف مع إريتريا ضد إثيوبيا عدوها اللدود.

وعلى ذلك دعمت الولايات المتحدة إثيوبيا في ديسمبر 2006، بل كان هناك وحدات أمريكية خاصة داخل الجيش الإثيوبي، وقاموا بمحاصرة الإسلاميين الذين بدءوا يعملون تحت الأرض، ووصلت حكومة انتقالية للصومال، ولكن تلك الحكومة لم تنجح في استيعاب العشائر بسوء سياساتها واعتمادها على القوات الإثيوبية، الأمر الذي يعد بالنسبة للصوماليين بمثابة خيانة، حيث خاض البلدان عدة حروب استولت إثيوبيا في أحدها على إقليم أوجادين الصومالي، وعلى ذلك بدأ الإسلاميون يستعيدون قوتهم وشعبيتهم مرة أخرى، وحاربوا الإثيوبيين الذين قاموا باستخدام أسلحة محرمة دوليًّا كالفسفور الأبيض، وبعد مواجهات عنيفة اضطر الإثيوبيون للانسحاب، وسيطر الإسلاميون مرة أخرى وقاموا بتطبيق الشريعة واستعادوا ثالث أكبر مدينة " بيدوا " من الحكومة الانتقالية التي لم يعد لها من مقديشيو سوى جيب صغير.

دوائر العنف المفرغة

إلا أنه بالرغم مما حدث فإن العنف لم ينته بين قوى "الاعتدال" و"التشدد" من الإسلاميين، ويذكر الكاتب أنه لو سيطرت "حركة الشباب" الراديكالية، فلن يقتصر تأثيرها على الداخل، بل يمكن أن يشنوا حروبًا ضد كينيا وإثيوبيا، بل ومن الممكن ضد جيبوتي أيضًا لاستعادة أجزاء الصومال التي تم اقتطاعها، لتحقيق حلم "الصومال الكبير"، بل ويمكن أن يمتد تأثيرهم إلى الدول العلمانية المجاورة ومن يساندهم كالولايات المتحدة الأمريكية.

ويخلص الكاتب إلى اقتراح حلين لمشكلة الفوضى بالصومال التي يمكن أن تهدد بأخطار تمتد في العالم لاسيما مع تفاقم مشكلة القرصنة مؤخرًا، أولهما: أن يدعم الغرب القوى الإسلامية "المعتدلة" في الصومال لأنه لو رضي الغرب أو لم يرضوا فإن هناك تعاطفًا عميقًا للحكم الإسلامي في الصومال، والحل الآخر المقترح هو أن تقوم الأمم المتحدة بإدارة الأمور في الصومال مع إعطاء العشائر نفوذًا واضحًا على الأرض وأن تدعم ذوي النفوذ المادي والعسكري في الصومال.

المكسيك خطر من الجنوب على الشمال

وتناول الكاتب سام كوينوس، المراسل في جريدة لوس أنجلوس تايمز، في مقاله "حالة الحرب" State of war ، خطر المكسيك على الولايات المتحدة التي تقع في الشمال منها، حيث إن تجارة المخدرات وتهريبها تتسبب في مقتل آلاف الأشخاص.

فقد قتل في العام 2008 وحده 5800 شخص في حوادث متصلة بالمخدرات، وهو ضعف عدد من قتلوا في حوادث شبيهة في العام 2007، كما أنه عدد يفوق عدد كل الجنود الأمريكيين الذين قتلوا في العراق منذ بداية الحرب عليها.

وقد وصل حجم تجارة المخدرات إلى الولايات المتحدة إلى 25 بليون دولارٍ في العام، كما أنه يتم تهريب أعنف أنواع الأسلحة من الولايات المتحدة للمكسيك لتيسير المهمة!!. وفي المقابل تقوم الولايات المتحدة بإمداد المكسيك بمساعدات أمنية وصل قيمتها إلى 1,4 بليون دولار، يأتي ذلك في ظل ضعف دور فعال للحكومة والبوليس المكسيكي في قمع ذلك الخطر الكبير.

روسيا وتراجع الثروة

أما بالنسبة للخطر الروسي على الولايات المتحدة، يقول أركادى أوستوفسكى، رئيس مكتب الإكونومست The Economistفى موسكو، في مقالته Reversal of fortune " تراجع الثروة ". الذي يذكر فيه الكاتب مدى التوتر الروسي الأمريكي في ظل أمور عدة مثل الأزمة المالية العالمية واستغلال بوتن ذلك الأمر في نقد النظام الأمريكي الرأسمالي رغم أن الكاتب يرى أن روسيا ليست بمنأى عن تأثيرات تلك الأزمة لأنها أصابت العالم كله.

ففي ظل تراجع سعر البترول خاصة في دولة يعتمد اقتصادها بشكل كبير على البترودولار كروسيا، فإن تأثيرًا ما على الاقتصاد الروسي يجب أن يحدث نتيجة للأزمة المالية العالمية. كذلك فإن التوتر الروسي الأمريكي قد تجلى في شن روسيا حربًا على جورجيا – المدعومة من الولايات المتحدة – عندما قامت جورجيا بالهجوم على أوسيتيا الجنوبية.

وقد يحدث الاضطراب في روسيا عدم استقرار بل قد يحدث تفككًا في جمهورياتها الجنوبية المسلمة مثل شيشنيا، وداغستان وإنجوشتيا التي قد يشتعل فيها صراع أهلي في أي لحظة، بل إن بعض المحللين يرون أن روسيا مهددة بانقسام بين أفراد نخبتها في ظل سيطرة بوتن على ذمام السلطة وتركيز القوة في يده وقراراته بمنع إمدادات الطاقة إلى أوكرانيا، فقطع تلك الإمدادات إلى أوروبا يعني قطع الأرباح الروسية أيضًا.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 23/آيار/2009 - 25/جمادى الآولى/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م