شبكة النبأ: تتعدد أوجه الصراع بين
الثقافات في عموم العالم، حيث تنطوي المعمورة على امم وشعوب متعددة
الجذور والمشارب، ولكل من هذه الشعوب والامم ثقافاتها الخاصة التي
تمخضت عن تجاربها في الحياة، فتبلورت ثقافة هذه الامة او تلك بهذه
الصيغة او تلك، بيد ان الثقافات التي تصطف الى جانب القيم الانسانية
والى جانب نزعة الخير هي التي يعوَّل عليها في صنع حياة انسانية ملائمة
ومتوازنة في آن.
ولعل أزلية الصراع بين الخير والشر وهما القطبان اللذان تقوم عليهما
شؤون الحياة كافة، سيقود الى نوع من الصراع بين هذه الثقافات من منطلق
إثبات الأفضلية لهذه الذات او تلك، ولذلك تحاول هذه الثقافة او تلك ان
تلغي غيرها كي تتسيَّد السلوك البشري لتصبح النموذج الاوحد الذي يليق
بالانسان ويتلاءم مع حياته، غير أن هذه المتأصلة في الذات الفردية
والجمعية ستقود الى حالة دائمة من الصراع الثقافي، ومحاولة دائمة ايضا
لالغاء الآخر وتهميش ثقافته، وفي هذا الصدد يقول آية الله السيد محمد
رضا الشيرازي في إحدى محاضراته وهو نجل الامام السيد محمد الحسيني
الشيرازي رحمهما الله، يقول بأن الثقافة الأقوى تحاول تذوّب الثقافة
الأضعف وتقضي عليها.
ولعل لب الصراع البشري يكمن في هذا القول، فالغرب على سبيل المثال
حقق قفزات واسعة في قطاع الاتصالات والاعلام وما شابه واصبح من الميسور
له ان يصل بأفكاره وثقافاته الى ابعد انسان يعيش على كوكبنا الارضي،
ولذلك ظهرت في الغرب محاولات إلغاء وتذويب الثقافات الاخرى في نموذجها
حصرا، ليس لأنه الأنسب والافضل للانسان بل هي نزعة السيطرة وحب الذات
وتفضيلها على الذوات الاخرى.
من هنا نشأ الصراع بين ثقافة الغرب وثقافة الاسلام، فراح الغرب يلقي
بأقصى ثقله التأثيري في هذا المضمار من اجل ان يغير ثوابت وقناعات
المسلمين، وهنا يقول الامام الشيرازي في كتابه (الافلام المفسدة في
الاقمار الصناعية):
(إن استخدام الأقمار الصناعية، هو حلقة من الصراع بين الحضارة
المادية وبين القيم الإنسانية التي بشر بها الإسلام. فهي تكشف لنا عن
مدى ما بلغه هذا الصراع من مستوى في المواجهة السافرة).
وقد استخدم في ذلك قدراته الهائلة في عناصر التوصيل عبر استخدام
صحون الاقمار الصناعية وغيرها في نشر المعلومات والنماذج ذات الصرعة
الغربية بصورة سريعة وواسعة، ناهيك عن استخدامه القوة والاحتلال، وهنا
يقول الامام الشيرازي في كتابه نفسه:
(بالأمس القريب كان الغربيون يفرضون على العالم الإسلامي احتلالهم
العسكري بقوة الجيوش والعساكر، أما اليوم فهو يفرضون على العالم
الإسلامي احتلالهم الفكري والقيمي، عبر أجهزة الاتصال المتطورة).
ولم يكن امام المسلمين بديلا سوى حماية ثقافتهم من هذا الدخيل
الخطير، خاصة ما يتعلق بالاقمار الصناعية والستلايت وامكانية توصيل
الافلام المفسدة للذوق والاخلاق وما شابه، وفي هذا الجانب ومن اجل
الاستفادة الامثل من هذه التقنيات الاعلامية المهمة يقول الامام محمد
الشيرازي:
(كان علينا أن نتعامل مع ظاهرة الأقمار الصناعية من هذا البعد، فهي
ظاهرة حضارية قبل أن تكون مشكلة سياسية أو قضية أخلاقية.
إذ أن الأمم التي تتقدم حضارياً هي القادرة على فرض وجودها على
الأمم المنهزمة والمتخلفة.
وليس هناك علاج أفضل من أن يتقدم المسلمون، وأن يشقوا طريقهم في
الحياة، ويأخذوا مكانتهم في هذا العالم الواسع، كما كانوا في السابق.
كما أنه ليس من المستبعد أن تتطور أجهزة الاستقبال من الأقمار
الصناعية إلى أجهزة صغيرة، يمكن وضعها داخل الغرفة التي فيها جهاز
التلفزيون أو فوق التلفزيون نفسه.
لذا كان لا بد من وضع خطة متكاملة لمواجهة خطر الأقمار الصناعية
والأفلام اللاأخلاقية وشبهها).
إذن من اجل الحفاظ على الثوابت الاسلامية ودرء خطر الجانب السلبي
الذي تضمره تقنيات الاقمار الصناعية كنشرها للافلام المفسدة للذوق
والاخلاق الانسانية، فلا بد للمسلمين من التحرك الى امام، ومواكبة
التطور العلمي التكنولوجي الاتصالاتي الهائل، فالتقدم هو العامل الأكثر
قدرة على درء خطر التذويب الثقافي والمحاولات الدائبة والحثيثة
والمتواصلة من اجل تذويب الثقافة الاسلامية ومن ثم تحييدها، وتسلط
الثقافة الغربية على امم وشعوب العالم أجمع.
ولتحقيق ذلك يرى السيد الشيرازي، اهمية ايجاد خطة محكمة تأخذ على
عاتقها مكافحة خطر الاقمار الصناعية في جانبه السلبي المتمثل بنشر
عناصر الافساد والشذوذ وما شاكل من محاولات لا تليق بالانسانية ولا
بالهدف الذي أنشئت من أجله. |