
شبكة النبأ: أدى قرار روسيا الأخير
بعدم بيع نظام الصواريخ S-300 المضاد للطائرات لإيران الى زيادة الآمال
بأن موسكو سوف تتعاون بصورة أكمل في الجهود الغربية التي تُبذل لمنع
إيران من تطوير أسلحة نووية. كما إن التصريحات الأخيرة من قبل القادة
الروس والتي أشارت بأنهم متفقون مع الاستراتيجية الأميركية قد زادت من
التفاؤل بصورة أكبر، لكن بالرغم من وجود هذه الدلائل الواعدة، هناك قدر
كبير من الشك حول استمرار موسكو في تعاونها.
وجاء في مقال لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، كتبهُ مارك ن. كاتز
وهو أستاذ نظُم الحُكم والعلوم السياسة في جامعة جورج ميسون قال فيه:
في الوقت الذي تقوم فيه إدارة أوباما بصياغة استراتيجيتها المتعلقة
بإيران، أشار الكونغرس والعديد من المحللين إلى الحاجة إلى الدعم
الروسي. ففي الجلسة الافتتاحية لمجلس الشيوخ الأمريكي في 19 آذار/مارس
الماضي، حول "آفاق المشاركة مع روسيا"، قال السيناتور الديمقراطي من
ولاية ماتساتشوستس جون كيري بأن: "[الأمر] الحيوي في جهودنا [التي تبذل]
من أجل [بناء] عالم خال من الأسلحة النووية سيكون قيام روسيا ببذل
المزيد من الجهود لمنع تسليح إيران نووياً. إن الرئيس على حق بفتحه
الباب أمام إجراء تواصل مباشر مع إيران. ولكن يتحتم علينا أن نقوم
بتأييد استراتيجية تعامل [بحيث تكون مربوطة] مع التزام بفرض عقوبات
متعددة الأطراف تكون أكثر فعالية، إذا لم تحقق المفاوضات تقدماً. ولكي
نفعل ذلك على نحو فعال، نحن بحاجة إلى روسيا ‘كشريك‘.
وفي خطاب في 23 آذار/مارس، قال السيناتور الديمقراطي من ولاية
ميشيغان كارل ليفين: "بالنسبة لبعض التحديات الأمنية الدولية، مثل
انتشار أسلحة الدمار الشامل، نحن بحاجة إلى تعاون روسيا؛ نحن لا نستطيع
القيام بهذه المهمة على نحو ملائم بدون روسيا". وأضاف موضحاً أن إيران
ما هي إلا واحدة من هذه القضايا. وفي 1 أيار/مايو، قال برينت سكوكروفت،
مستشار الأمن القومي السابق للرؤساء الجمهوريين جيرالد فورد وجورج بوش
الأب، في مقابلة مع صحيفة ‘وول ستريت جورنال‘، فيما يتعلق بـ "الخطر
النووي الإيراني الذي يلوح في الأفق" بأن "الفرصة الوحيدة لردع إيران
هي قيام الولايات المتحدة وروسيا بالارتباط سوية حول إيران".
جدول أعمال روسيا الحقيقي
وبيّن الكاتب بالقول: إن روسيا مثلها مثل أوروبا، وإسرائيل،
والولايات المتحدة، ومعظم الحكومات العربية، لا تريد أن تمتلك إيران
أسلحة نووية. ومع ذلك، فإن التوقعات بأن ذلك سيؤدي إلى تعاون روسي
أميركي مشترك، مخطئة بصورة جسيمة. فموسكو لا تريد أن تتخلى إيران طوعاً
أو تُمنع بالقوة من امتلاك أسلحة نووية إذا كان ذلك سيؤدي -- كما تخشى
موسكو -- إلى تضاؤل أهمية روسيا بالنسبة لإيران كحامية أو شريك. وحتى
إمكانية تسلح إيران نووياً قد تكون [خيار] أفضل لموسكو من هذا الاحتمال.
وليس لدى موسكو إلا القليل من المصلحة في العمل مع واشنطن لمنع
إيران من الحصول على أسلحة نووية، وذلك لسببين هامين: أولاً، لدى موسكو
علاقات لا بأس بها -- وإن لم تكن غير مضطربة -- مع طهران. فالشركات
الروسية تحصل على أرباح من بيع أسلحة وتكنولوجيا نووية إلى إيران، كما
تسعى شركات نفط روسية بصورة نشطة للاستثمار في قطاعات النفط والغاز
الإيرانية. بالإضافة إلى ذلك، تقدر موسكو تقديراً عميقاً عدم قيام
طهران بتأييد الشيشانيين وغيرهم من المتمردين المسلمين في روسيا، أو
الطعن في نفوذ موسكو في آسيا الوسطى والقوقاز.
واضاف الكاتب: لا تريد موسكو أن تعرض أي من هذه العلاقات للخطر،
وذلك بالتعاون مع واشنطن بصورة جدية ضد طهران. وبدلاً من ذلك تفضل
موسكو أن يقوم الآخرين -- الولايات المتحدة، وأوروبا، وإسرائيل، أو أي
مجموعة من هذه الدول -- بأخذ زمام المبادرة في مواجهة إيران بشأن
القضية النووية. وإذا ما نجحت هذه الدول في [إقناع] إيران بوقف جهودها،
ستجني روسيا مكاسب [عن طريق] تجنب التحدي الاستراتيجي المتمثل بوجود
قوة نووية أخرى في المنطقة. ولكن إذا ما فشلت في وقف هذا النشاط، ستفضل
موسكو أن تكون هذه الجهات -- وليس روسيا -- محور غضب إيران. وينطبق ذلك
بصفة خاصة إذا حصلت إيران بالفعل على أسلحة نووية.
ثانياً، يرى الكرملين بأن [ما تفعله] إدارة أوباما هو الطلب من
روسيا المخاطرة بإلحاق الضرر بعلاقاتها مع إيران، في الوقت الذي تحاول
فيه واشنطن علناً تحسين العلاقات الإيرانية الأمريكية. وتخشى موسكو،
منذ فترة طويلة، بأنه إذا حصل تحسن في العلاقات بين واشنطن وطهران، سوف
تتقلص أهمية روسيا بالنسبة لإيران. ويقتنع الكثير من المراقبين الروس
بأن طهران ستفضل بصورة أكثر القيام بشراء الأسلحة والمفاعلات النووية
وكل شيء آخر تقريباً، من الولايات المتحدة والغرب وليس من روسيا.
وبالرغم من أن موسكو لا تريد رؤية نزاع مفتوح بين الولايات المتحدة
وإيران (وخصوصاً إذا ما أدى إلى زيادة النفوذ الأميركي في المنطقة)،
فبالتأكيد ليست لديها مصلحة في تسهيل حدوث تحسن في العلاقات الاميركية
الإيرانية التي يخشى الكرملين بأنها ستؤدي إلى تقليص التأثير الروسي
على إيران.
ضمانات ميدفيديف الزائفة
وأشار الكاتب الى ضمانات التعاون الروسي بالقول: يرفض بعض المراقبين
هذه المخاوف، ويشيرون إلى تقارير مفادها بأن الرئيس الروسي دميتري
ميدفيديف كان قد أخبر الرئيس أوباما بأن روسيا تشعر بقلق متزايد من
برنامج إيران النووي وتريد زيادة التعاون مع الولايات المتحدة. ولكن
حتى إذا كانت هذه التقارير صحيحة، فلا ينبغي أن تؤخذ على علاتها.
أولاً، إن رغبة ميدفيديف المزعومة في زيادة التعاون مع الولايات
المتحدة لا تعني بأنه سيتابع الموضوع. فهو يعلم أن واشنطن تريد الحصول
على المساعدة الروسية، وإنه قد يصبر على إمكانية التعاون ليرى ما هي
التنازلات التي قد تقدمها إدارة أوباما لتأمين دعم موسكو. ثانياً، يشير
الرد البارد من قبل الرئيس الروسي على رسالة أوباما – التي ذكر فيها
بأنه سوف لن تكون هناك حاجة لقيام الولايات المتحدة بنشر الصواريخ
الباليستية في بولندا وجمهورية التشيك (وهي [فكرة] تعارضها موسكو بصورة
قوية وأحدثت ضجة حولها) إذا لم يكن هناك تهديد إيراني -- بأن هذا
التنازل غير كافياً لموسكو. وحتى إذا كان ميدفيديف يعني ما قاله
لأوباما - كما ذُكر في وسائل الإعلام - فإن الكلمة الأخيرة بشأن
السياسة الخارجية الروسية هي لرئيس الوزراء فلاديمير بوتين، وليس
لميدفيديف. ثالثاً، ألمح بوتين - الذي أعرب في لقاءات خاصة مع زوار
غربيين عن قلقه من البرنامج النووي الإيراني - خلال مقابلة مع شبكة سي.
إن. إن في آب/أغسطس 2008، بأن التعاون الروسي بشأن إيران مشروط بتعاون
الولايات المتحدة حول جورجيا. وبالنسبة لموسكو، يدل استمرار دعم واشنطن
لجورجيا (بما في ذلك المناورات العسكرية التي قامت بها منظمة حلف شمال
الأطلسي في الآونة الأخيرة في تلك البلاد) على أن الولايات المتحدة لا
تتعاون مع روسيا حول هذه القضية.
واستنتج الكاتب: حتى لو قامت واشنطن بتقديم التنازلات التي تسعى
إليها موسكو، [السؤال هو] ما هي المساعدة التي يمكن للولايات المتحدة
أن تتوقع - بصورة معقولة - قيام روسيا بتقديمها بشأن القضية النووية
الإيرانية؟ إن روسيا سوف لن تشارك في أي عمل بالقوة ضد إيران، ولن تضر
بعلاقاتها الاقتصادية مع تلك البلاد، خصوصاً وأن موسكو تخشى بأن واشنطن
تحاول أن تنتزع منها السوق الإيرانية.
ويرى البعض أن قلق ميدفيديف المفترض بشأن البرنامج النووي الإيراني
سيؤدي إلى قيام روسيا بدعم مجلس الأمن الدولي حول فرض عقوبات أشد صرامة
على النظام الإيراني. لكن قلق ميدفيديف هو خطابي أكثر من كونه حقيقي،
ومن المرجح أن تقوم موسكو باتخاذ الخطوات التي كانت قد اتخذتها في
الماضي: العمل مع الصين لتخفيف وتأجيل القرار الذي تقدمه الولايات
المتحدة أو أحد حلفائها، وبعد ذلك ستحاول التخفيف من الغضب الإيراني
حيث ستزعم بأن موسكو حاولت بالفعل حماية إيران من عقوبات أشد صرامة
كانت الولايات المتحدة تسعى لفرضها على طهران.
المضي قدُماً من دون روسيا
ويخلص الكاتب الى ان درجة الجهود اللازمة لتأمين المساعدة الروسية
المحدودة لا تستحق الوقت أو الموارد التي سيتوجب على واشنطن أن تخصصها
لذلك: فإذا تحسنت العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، سوف لن تحتاج
واشنطن إلى مساعدة موسكو؛ وإذا لم تتحسن، سوف لن تكون روسيا راغبة أو
قادرة على عمل أي شيء ذو أهمية لمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية. إذاً
كان ينبغي على إدارة أوباما أن تحاول تحسين علاقاتها مع طهران فهذه
[مسألة] مفتوحة للنقاش، ولكن الفكرة القائلة بـ "أننا نحتاج إلى روسيا
لمساعدتنا حول إيران" هي ليست كذلك. |