مقاوَمة غسل الأدمغة وتطهيرها من الأدران والرواسب

المرجع الشيرازي.. مسؤوليتنا تطهير الأدمغة من الرواسب العالقة بها

عبد الكريم العامري/باحث اجتماعي

 

- المرجع الشيرازي.. مسؤوليتنا تفرض علينا المساعدة في تطهير الأدمغة من الرواسب العالقة بها

- لو عُرضت سيرة النبي (ص) والأئمة (ع) على العالم بنحو موضوعي جاد لأقبلَ عليها الملايين لأن الناس في الغالب غير معانِدين

 

شبكة النبأ: في العقد الأول من النصف الثاني للقرن العشرين برز اصطلاح غسل الدماغ brain washing للتدليل على كل محاولة للسيطرة على العقل البشري وتوجيهه لغايات مرسومة بعد ان يُجرد من محتواه وذخيرته ومعلوماته ومبادئه السابقة.

كان أول من ابتكر اصطلاح غسل الدماغ صحفي أمريكي يدعى (ادوارد هنتر) ألّف كتاباً عن الموضوع على اثر الحرب الكورية والفضيحة التي روعت وزارة الدفاع والحكومة الأمريكية، فقد انتهت الحرب بعد الهدنة، ورجع الأسرى من المعسكر الغربي الى أوطانهم، لكنهم رجعوا وهم يفكرون باتجاه اخر، ويدلون بآراء غريبة، بل ان بعض الأسرى الأمريكان على الخصوص رجعوا مؤمنين بالمبادئ الاشتراكية، متحمسين لعدوهم السابق، داعين الى المحبة والسلام، ناقمين على حكومتهم الاستعمارية، مبدين إعجابهم وامتنانهم من معاملة الكوريين لهم...

وتبين ان من كل ثلاثة أسرى أمريكان أُدين واحد منهم بسبب تعاونهم مع العدو وذلك اما بكتاباتهم اعترافات او تصريحات ضد الولايات المتحدة او بإخبارهم عن زملاء لهم في المعتقل او لقبولهم إذاعة رسائل عيد الميلاد الكريسماس الى ذويهم او لأنهم عاملوا زملائهم بقسوة او اعتدوا عليهم بالضرب والقتل.

كما سرح آخرون لاحتمال كونهم عملاء او جواسيس، كانت تلك الظاهرة هي الأولى من نوعها في تاريخ الحروب البشرية. فخرج هنتر باصطلاح غسل الدماغ كوصف لهذه الظاهرة.

وقد اشتقه من الاصطلاح الصيني his nao الذي يعني تنظيف المخ، وفيما بعد أصبح المصطلح عاما شاملا فاستعمل في مختلف الميادين...

العملية:

يهمنا ان نعرف كيف تتم تلك العملية المثيرة من العقل البشري أي قابلية غسل الدماغ.. حيث يتم غسل دماغ الضحية لكي يعترف او تتغير اتجاهاته الفكرية.

ان الطرق النفسية الفسلجية المتبعة للحصول على اعترافات تتلخص بمايلي:

أولا- بذر القلق والشعور بالخطيئة، ثم تربية وتضخيم المتناقضات داخل الفكر.

ثانيا- تسويق وتوجيه ذلك القلق والشعور بالإثم الى ناحية الشعور بضرورة توقع واستحقاق العقاب.

ثالثا- إضعاف مقاومة الضحية بإطالة السؤال والتحقيق ودخول في تفاصيل وتشعبات ليل نهار مما يؤدي الى اضطراب النوم او عدم تناول الطعام في موعده.

رابعا- إدخال الرعب المتكرر بتأجيل موعد المحاكمة المنتظر, او إسماع الضحية أصوات طلقات نارية وصراخ معذبين مستغيثين من بعيد او مكان مجاور وهي بالحقيقة تسجيل مفتعل يذاع في الوقت المناسب، فالألم والإرهاق والبرد والجوع ووخزات التيار الكهربائي، والسهر والحرق الموضعي والاعتداء على العفة والإهانة الحيوانية...كلها معاول يقصد بها هدم بناء الشخصية ولهيب يذيب المقاومة الفكرية والصفاء الذهني...

الناس غير معاندين:

في كتاب (حلية الصالحين) لمؤلفه المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي يقول:

طالعتُ لكاتب مسيحي قبل أكثر من عشرين سنة، أرّخَ فيه لأعظم مئة شخصية في التاريخ على زعمه، ذكر في المقدمة أنه رتّبَ الشخصيات حسب الأهمية، فالشخصية الأولى في كتابه هي أعظم الشخصيات في نظره على الإطلاق. الملفت للنظر والانتباه انه أورد اسم السيد المسيح بعد نبينا محمد (ص)، وعندما سُئل عن السبب مع كونه رجلا مسيحياً قال: أنا لم أرتّب التسلسل حسب عقيدتي بل حسب أهمية الأشخاص ونجاحهم، واني أرى ان محمدا أعظم من السيد المسيح (ع) لأن محمدا (ص) استطاع ان يبث في أتباعه روحاً امتدت عبر القرون المتعاقبة، وكلما ضعف الإسلام في الدنيا كان هناك أشخاص من إتباعه ممن اتصلوا بتلك الروح العظيمة يقومون بتجديد الإسلام.

لعل هذا يتطابق مع ما ورد في الأحاديث النبوية كما في قوله (ص): ( يحمل هذا الدين في كل قرن عدول ينفون عنه تأويل المبطلين وتحريف الغالين وانتحال الجاهلين كما ينفي الكير خبث الحديد).

اذاً ينبغي أن يتجسد فينا معنى التأسي الحق برسول الله (ص) والأجدر للمتأسي برسول الله ان يتصرف كما لو كان بين يدي رسول الله (ص) يشهده ويراه، لا كما يحلو له او كما تملي عليه شهواته او توجهه بيئته فيميل يمينا ويسارا، ولا أن يبتدع سلوكاً من عنده، بل عليه ان يطبّق سنّة رسول الله (ص) بحذافيرها.

ويقول المرجع الشيرازي: لو عُرضت سيرة النبي (ص) على العالم بنحو موضوعي جاد، لأقبلَ عليها الملايين، لأن الناس في الغالب غير معاندين، وأكثر المعاندين لم يكونوا كذلك إلا على أثر غسل الدماغ الذي تعرضوا له بسبب الكم الهائل من المواضيع المختلفة المدسوسة.

ومسؤوليتنا كما يراها المرجع الشيرازي: تفرض علينا المساعدة في تطهير هذه الأدمغة من تلك الرواسب العالقة بها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 18/آيار/2009 - 21/جمادى الآولى/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م