المغتسَلات في كربلاء.. إرث تاريخي ومعوقات حاضرة

تحقيق: صباح جاسم -حسين السلامي

 

شبكة النبأ: تحتل المغتسلات في كربلاء المقدسة اهمية معنوية كبيرة ومتميزة عن باقي المغتسلات في انحاء البلد بل والعالم، كونها تقع ضمن بقعة مشرّفة تعد من أطهر البقاع من ناحية القيمة المعنوية التي تميز مدينة سيد الشهداء الامام الشفيع الحسين عليه السلام.

ويمتد تاريخ المغتسلات في هذه المدينة الى زمن واقعة الطف العظيمة عام 61 هجرية، والتي استشهد فيها الامام الحسين عليه السلام وصحبه وال بيته الاطهار على يد أزلام بني امية، ومن ثم دفنهم في كربلاء.

وبما ان مقبرتَي كربلاء، القديمة والجديدة، تعدّان من اكبر المقابر في العالم فإن المغتسَلات قد اصبحت تشغل حيزا ضمن اعمال شريحة معينة من المجتمع في المدينة.

من هنا بادرنا لتسليط الضوء على طبيعة عمل المغتسَلات في مدينة كربلاء المقدسة، لبيان بعض التفاصيل المهمة المتعلقة بالموضوع ومعرفة مفارقات وعراقيل ومشاكل العمل فيها...

عمار جواد الكعبي، عامل في مغتسَل الحيدري، قال: تم افتتاح هذا المغتسَل في عام 2003 عن طريق جهد شخصي، الغرض الرئيسي منه تقديم خدمة هامة للمسلمين توجِب الاجر والثواب لأصحابها والعاملين عليها ان شاء الله.

واضاف الكعبي، بالنسبة لآليات العمل عندنا فإن الماء المستعمل في التغسيل يتم تصريفه عبر المجاري، والعملية عموما انسيابية للغاية وواضحة بشكل كبير لكل مَن يرى عملية تغسيل الميت.

وتابع الكعبي موضحا دور مديرية الصحة في الموضوع، ليس هناك اية زيارات او اجراءات رقابية من قبل مديرية الصحة في المحافظة، حيث ان المغتسلات تعود إلى مديرية بلدية المحافظة كجهة إشراف.

وعن المغتسَلات المعروفة في كربلاء تحدث لفتة چياد محمد قائلا: في بداية الثمانينيات من القرن الماضي كنتُ أعمل في مغتسلات المخيم لصاحبها (عبد الحسين كمونة) وفي عام 1984 تحوّلنا إلى مغتسَل في منطقة (السعدية) وبقيتُ به فترة طويلة الى أن هُدم في ايام الانتفاضة الشعبانية المباركة، وبعدها انتقلت إلى موقعي الحالي في مغتسلات الوادي الجديد (المقبرة الجديدة).

واضاف لفتة، ورثتُ هذا العمل وكان قبلي الحاج علي والحاج جاسم وآخرين يعملون به، وتعلمنا منهم كيفية التغسيل، بالاضافة طبعا الى توجيهات رجال الدين حيث ان الكثير منهم يحرصون على متابعة هذا الامر لأهميته الكبيرة.

وتابع لفتة، عملنا يتضمن مراحل أساسية وهي أولاً أخذ الرخصة من ذوي المتوفّى، ونقوم بعدها بغسل رأس الميت بنيّة القربة إلى الله تعالى ومن ثم نقوم بتنظيف جسده وغسله بماء الكافور وبعده ماء القراح وهو يعوض عن بقية الغسُل، وتكون الأجور بسيطة وحسب ما يعطى لنا كهدية من ذوي القربى للميت.

واستطرد لفتة مستذكرا، قمنا بتغسيل العديد من الشخصيات الدينية البارزة ومنهم وكيل السيد أبو القاسم الخوئي (قده) في النجف، وكذلك الشيخ الغروي في كربلاء والشيخ عبد الزهرة الكعبي والرداود حمزة الصغير وغيرهم...

أحمد كاظم علوان، عامل في مغتسَل العلقمي الخيري القديم، قال عن المعوقات التي تواجه عملهم،

نواجه الكثير من المعوقات ومنها شحة المياه في المغتسل، ونحن كما تعلمون بحاجة مستمرة إلى المياه، وقد أبلغنا المعنيين اكثر من مرة بهذا الامر إلا ان المشكلة بقيت على حالها دون حل، فضلا عن مشكلة انقطاع الكهرباء في المغتسَل، الذي نرى ان من الواجب ان تتوفر فيه الكهرباء بصورة مستمرة وعلى مدار اليوم.

وعن تاريخ المغتسَل تحدث احمد قائلا:  تم بناء مغتسل العلقمي في عام 1950 عند (باب الخان) في كربلاء، وبناه الحاج خليل حسين، وكان مقره في نهاية شارع العقمي، وهو عبارة عن جذعين ممدودين على النهر، كان الميت يوضع عليهما ويتم تغسيله وتكفينه، وبعد ذلك تطور البناء وصار اكبر واكثر ترتيباً، ولكن بعد انتفاضة شهر شعبان المباركة في عام 1991 وبسبب تغسيلنا لشهداء الانتفاضة، تم الايعاز من قِبل سلطات النظام البائد بتهديم المغتسل، والان هو مستثمَر حيث بُني عليه ثلاثة فنادق وهو من الموقوفات التابعة للوقف الشيعي وأن التغسيل والتكفين فيه مجاناً.

السيد علي الموسوي، أحد العاملين في مغتسل العلقمي، تحدث قائلا: تم بناء هذه المغتسلات في عام 1958 وهدمت في 1991 في وقت الانتفاضة الشعبانية، والسبب في ذلك هو قيام سلطات النظام البائد بالإيعاز لهدمها على خلفية تغسيل العديد من شهداء الانتفاضة فيها.

وعن تاريخ ممارسته للغسل والمفارقات التي صادفته في عمله تحدث السيد قائلا: تعلمت غسل الميت من بعض أقاربي في عام 1986 وكنت حينذاك في الثامنة من عمري، وأذكر العديد من المفارقات التي صادفتني في عملي ومنها، في يوم من الايام جاءوا بجثة فتاة من اهالي ديالى، وعند دخول النساء لتغسيلها، سُمِع لها أنين، فارتعبت النساء اللواتي كنّ يغسلنها ولُذنَ بالفرار وبعدها اتصلنا بالإسعاف الفوري فجاءت سيارة الاسعاف ونقلتها الى المستشفى حيث تبين انها لازالت حيّة...

وفي سؤال للسيد خضير المدني، مسؤول شعبة الاستفتاءات في قسم التوجيه الديني في العتبة الحسينية المقدسة، حول موضوع الإشراف والتوجيه الديني والمعرفي للأخوة العاملين بالمغتسلات، قال المدني: لم يحصل أن أقيمت دورات دينية في كيفية غسل الميت للأخوة العاملين في المغتسلات!!، وأجد قصورا كبيرا في هذه المسالة حيث ان مسالة التغسيل والتكفين والدفن والتلقين من المسائل الابتلائية المهمة، ونلاحظ ان الاخوة الذين يعملون بهذا المجال ليس لديهم احاطة كاملة بكل الفتاوى الشرعية المتعلقة بالموضوع.

واضاف المدني معترفاً، نحن طلبة العلوم الدينية والاخوة المعنيين بالأمر نتحمل جزءً كبيرا من المسؤولية في هذا الامر، ولكن بسبب الدرس والبحوث والقاء المحاضرات والتبليغ، لم يتسع لنا المجال للذهاب للاخوة وتعليمهم!!، ونحن على استعداد اذا طلب الاخوة العاملين في المغتسلات منّا ذلك!.

وعند سؤاله عن نيّة العتبة المقدسة في تنفيذ مشروع مغتسل خاص بها قال المدني: سمعتُ من بعض الاخوة ان هناك مشروع لبناء مغتسل خاص سيكون للعتبة الحسينية المقدسة وتحت اشراف العتبة.

وعند قضية توعية العاملين في المغتسَلات التي ظلت محط استفهام واستغراب وقلق من عدم احاطة هؤلاء بتفاصيل غسل الميت الشرعية، أنهَينا تحقيقنا على أمل ان يضع الاخوة المعنيين الخطط المناسبة لهذا الامر الإبتلائي الهام...

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 17/آيار/2009 - 20/جمادى الآولى/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م