الحب بين المشاكل والحلول

السيد محمود الموسوي

المشكلات العاطفية

إن العلاقات الزوجية التي تكوّن الأسرة، والتي بدورها تعتبر لبنة من لبنات المجتمع، تساهم بشكل فاعل في إصلاحه، وفي حسن مسيرته، وهي خير منتج لأبناء المجتمع، فعندما تحسن التربية، فإن أفراد المجتمع سوف يكونون صالحين يساهمون في بناءه ورقيّه.

ولا تستطيع الأسرة أن تنتج هذا النوع من الناس إلاّ إذا كانت علاقة الزوجين علاقة لا تشوبها المشاكل ولا تكون السيادة في حركتها هي تلك المشكلات.

وبما أن العلاقة الزوجية، علاقة غير فردية، يتعامل فيها الزوج مع زوجته ويتشاركان في الحياة، فإن حلول شيء من المشكلات الزوجية غير بعيد، ومتوقعّ في أي لحظة.

فقد يعتقد البعض أن المشكلات عندما تحلّ في عشّ الزوجية الهادئ، فإنها نذير شؤم مستمر، أو علاقة انهيار واضح، ولكن ذلك غير صحيح، فإن أكثر الناس سعادة في حياتهم الزوجية قد مرّوا ببعض المشكلات، ولكنهم لم ينهزموا أمامها، فعندما تعترضهم مشكلة ما، فإنهم يعيرونها كل الاهتمام، لكي يتمكنوا منها. بل أن الكثير من الأزواج الذين عصفت بهم عواصف زوجية عاتية، صاروا اكثر سعادة ونجاحاً بعد أن استطاعوا تخطيها بسلام.

إذاً الخطأ ليس في حلول المشكلة في جو العلاقة، إنما الخطأ الكبير هو الاستسلام لها والعزوف عن حلّها.

والمشكلات العاطفية هي من أهم المشكلات التي تعترض الحياة الزوجية، وأخطرها في التأثير، لأنها معنية بالنفس التي تحكم العلاقة، والتي تضيف لها ذوقاً لذيذاً، ودافعاً قوياً نحو تحقيق الأهداف والاستمرار.

فالعلاقة التي تتوّج بالعاطفة وتمتزج بأحاسيسها الصادقة، يصعب فكاكها، والتأثير عليها، فتكون قوية بقوة الروابط النفسية التي تصدر عنها كثير من الفضائل، مثل الحب، والعطف، والتضحية، والحنان والشفقة، والرحمة والاعتزاز، والوفاء والإحسان..الخ.. التي من شانها أيضاً تزويد العلاقة الزوجية بطعم الحياة الرائع، والإحساس بالسعادة، والراحة، والنجاح، وتشعر الإنسان بذاته وبوجوده وأهميته.

لذلك تكون المشكلات العاطفية من أهم المشكلات التي تعصف بالعلاقة الزوجية، فعندما تشوبها شائبة، فإن ذلك يعني تغيّراً لطعم الحياة من الحلاوة إلى المرارة، وفقدان الثقة، وحلول التعاسة، والحزن، وعدم الراحة والاطمئنان، فلا يشعر الإنسان بقيمته وبقيمة أهدافه، فنتيجة لذلك، يتساقط الكثير من الأزواج والزوجات ضحية تلك المشكلات في دوامة القلق النفسي، والانحراف الخلقي، والإدمان والجريمة، والانتحار.. والذي يميّز هذه النتائج عن غيرها هو منعطفها الحاد في التأثير وخطورتها التي يميل الناس أن يحسموها بشكل سريع ودون تفكير، معتقدين أنها المحطّة الأخيرة، بيد أنهم قادرون على إصلاح المشكلات مهما بلغ فتقها وعمقها.

 فلا تقل لمن حمل في قلبه يوماً كرهاً لك، يستحيل حبك، أو لمن لم يفِ لك في شيء ما، أنه لا خير ولا أمل في وفائك.. بل إن جميع المشكلات العاطفية في الحب والبغض وسوء الظن والخيانة، والقسوة، والأنانية، والإهانة، وغيرها، جميعها لها حلول، هذا إذا رغبنا في إيجادها، لأن الأمر مرهون بإرادتنا.. فالله سبحانه وتعالى يقول:) إن يريدا إصلاحـــاً يـوفق الله بينهما..)[1].

ويقول تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيرّوا ما بأنفسهم([2].

 فمثلما تتغير الحالات النفسية للأسوأ، فإنها تتغير للأحسن، فهذا دليل واضح على أننا نستطيع أن نحل مشكلاتنا النفسية والعاطفية في علاقاتنا الزوجية، ولا ينبغي أن يهمل الأزواج هذه الحقيقة، لأهمية العلاقة العاطفية في تثبيت العلاقة الزوجية.

 ومن الغريب أن يتهافت الناس على أبواب المستشفيات بسبب مرض بسيط في أجسادهم، أو أدنى جرح طفيف، يبغون علاجه، ولا يسعون ذات السعي لحل مشكلاتهم العاطفية.. بالرغم من أنها أهم واكثر تأثيراً على الحياة.

 والسؤال هنا كيف تحلّون مشاكلكم العاطفية ؟

 وللإجابة على هذا السؤال لا بد أن نبين أدواراً متعددة للمساهمة في لأم هذا الصدع.

· دور العقل:- إن الصفات العاطفية مثلها كمثل جميع الصفات الإنسانية، الأخلاقية والسلوكية، لا تستغني عن العقل في كبح جماحها، وتنسيقها، فإذا أطلق العنان للحب مثلاً فسوف يعبد المحبوب وعكسه إذا ترك الحبل على الغارب للكره بين الأزواج، لذلك قال الإمام علي (ع): (( أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وابغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما ))[3].

فإن الصفات النفسية في العادة مطلقة وسارحة، فتحتاج إلى المرشد وهو العقل، كما يقول الإمام علي (ع):

 (( النفوس مطلقة ولكن أيدي العقول تمسك أعنتها عن النحوس ))[4].

دور العقل يأتي قبل حلول المشكلة وبعدها، قبلها ليكون مرشداً ومانعاً من الوقوع في الخطأ، والمشكلة التي تأتي عن طريق الخطأ في التوجيه العقلي لن تكون في قساوة المشكلة النفسية البحتة التي تفتقد العقلانية، وكذلك يأتي دور العقل بعد حلول المشكلة بين الزوجين ليساهم في حلها، بأن يعيد الأمور إلى نصابها، ويتراجع الإنسان عن خطئه.

· دور الثقافة:- أكثر الناس الذين يقعون في شباك المشكلات النفسية العاطفية في علاقتهم الزوجية هم أولئك الذين يكونون بعيدين عن الثقافة الزوجية التي تهتم بالعلاقة بين الزوجين، ومن الخطأ الكبير أن البعض يتزوج لأجل إشباع الرغبة الجنسية فقط، ويقتصر على المطالعة فيها، ولا يعير الجانب العاطفي أي اهتمام، لذلك تكون السرعة في نشوب المشكلات.

 فإن ((العلم قائد))[5] كما يقول الرسول الأعظم (ص)، فينبغي أن تطالع في كتب العلاقات الزوجية وأن تقرأ المجلاّت الخاصة بذلك، وكتب الأخلاق وفن السلوك، أو أن تحضر محاضرات للتثقيف الزوجي، لكي تكون مصلحاّ لمشكلاتك بنفسك،وبأفضل السبل وأنجحها.

دور الخبراء:- وهم اولئك الذين تخصصوا في ميادين العلاقات الزوجية من أطباء النفس، وعلماء الاخلاق والخبراء في العلاقات الزوجية، وغيرهم ممن يتصدى لحل المشكلات الزوجية، فالذي يصاب بالمشاكل العاطفية يرى نفسه غير قادر على حلّها، فلا بد أن يلجأ للخبراء الذين يحفظون سره، ويعالجون ما ألمّ به، كما يلجا إلى طبيب الجراحة أو الأمراض الباطنية..

 ولعلك تنظر إلى هذا الأمر بحرج وحياء شديد، ولكن بالنظر إلى أهمية حل المشكلات العاطفية، وبالنظر إلى ما قد تسببه من مشكلات أخرى في حياتك، فإنك سترى أن زيارة الخبراء أمراً شديد الأهمية، ولا يحتاج إلى ذلك التحّرج..

 فإننا نرى في تاريخ الرسول الأعظم (ص) خير عبره، فإن المسلمين يأتون للرسول (ص) يبوحون له بمشكلاتهم الزوجية، فيعالجها لهم، فواحدة تأتي الرسول (ص) ليجد لها حلاً في نفور زوجها عنها.. وأخر يطلب نصيحة في تعامله مع زوجته.. وهكذا..

 وكمثال على استقبال الرسول الأكرم (ص) للمشكلات الزوجية ما جاء في سورة المجادلة، يقول تعالى: )قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير)[6].

دور الأزواج الناجحين:- ومن المساهمين في حل المشكلات العاطفية أيضا الأزواج الناجحون في حياتهم الزوجية، والذين عرفت أن تجربتهم قد أثمرت ثماراً طيبة، فإنك تأخذ من أولئك الخبرة التي اكتسبوها في حياتهم.

 فإن (( التجارب علم مستفاد ))[7]، كما يقول أمير المؤمنين (ع) ويقول (ع): (( رأي الرجل على قدر تجربته))[8].

 ومن أولئك الأزواج والخبراء الذين ينبغي استشارتهم، أهل الزوج وأهل الزوجة، ولكن ليس مطلق الأهل كما يفهم البعض، إنما العقلاء منهم الذين اكتسبوا خبرة تمكّنهم من الإرشاد الصحيح، يقول تعالى: ) وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما إن الله كان عليماً خبيراً)[9].

نلاحظ كلمة (حكماً) التي تــدّل على قدرة في إيجاد الحلول والفصل والحكم بين الزوجين، فمن كان من الأهل أهلاً للحكم يلجأ إليه، كما أن هناك شرطاً آخر يتمثّل في كلمتي (من أهله) و (من أهلها)، الحالة التي ينبغي أن تسكن قلب الزوجين، وهي حالة الرضا بمن سيستشار، بحيث يطمئنان لرأيه ولا يخافان الميل إلى أحد دون آخر.

في سبيل الحل

 عند خوض غمار المشكلة العاطفية ينبغي أن لا يسمح الزوجان لليأس أن يتسلّل إلى شعورهما في عدم امكانية حل المشكلة، ولا ينبغي تقديم التفكير في أبغض الحلول وأكثرها إيلاماً وهو (الانفصال)، لان الطلاق والافتراق بين الزوجين حل يقع في آخر المطاف فلا نستعجل الوصول إليه، بل يجب أن نعمل كل جهدنا لتحاشيه.

ويجدر الإشارة في إن التحرك نحو محطة الأمان لابد ان يتخذ السرية والكتمان حتى لا يصل إلى آذان الآخرين، ففي حدود المنزل يتواجد الأبناء الذين يستشعرون المشكلة بمقدار الزوجين وقد يكون أكثر، فيتأثرون بها تأثرا سلبياً، بل وحتى لا تتزلزل صورة والوالدين في أعينهما.

 وكذلك فمن عادة بعض الزوجات أن يبحن بمشاكلهن إلى ذويهن لا بقصد إيجاد الحلول وإنما بقصد التعريض، أو لمجرد الحصول على فرصة للحديث وسط تجاذبات الحديث العائلية، وهذا بدوره يثير المشكلة أكثر ويضاعف من عواقبها، ويصعّب من حلّها، أو حتى الأزواج الذين يتهرّبون من حل مشاكلهم بإلقاء اللوم على زوجاتهم أمام أهلهم، فتكون المشكلة بين يدي الأهل يتصرّفون فيها بجهلهم وتحاملهم على بعضهم البعض، لتصل إلى طريق مسدود..

 والحال هذه في إشاعة المشكلة بين الأصدقاء بقصد سرد الحكاية فقط، أو التعريض، أو تبرئة النفس وما إلى ذلك من أسباب واهية.

 في حالة التكتم تلك، يلجأ الزوجان لتخصيص وقت لتداول المشكلة ويسمع كل الآخر في جو هادئ ووقت يتسع للحديث وبإقبال كبير، ونية صادقة في إرادة الوصول إلى حل يرضي الطريفين، فإن النية الصادقة لا شك مدعومة بالألطاف الإلهية والتوفيق الإلهي للوصول إلى المخرج، يقول تعالى: (إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما)[10].

 وبعــد هذه الـخطوة أقترح أن يكون التدرج في الحـل كما يلي:

أولاً: اللجوء إلى التعقل والابتعاد عن الحالات العصبية والعاطفية التي تتأثر شدّة ورخاءً بوقت المشكلة، فيبحث الزوجان مشكلتهما ليجعلا العقل هو سيّد الموقف، لان العقل ثابت ولا يتأثر بالأجواء المحيطة.

ثانياً: وعند عدم الاتفاق أو قد يكون الزوجان يجهلان بعض الأمور في مشكلتهما، يلجئان إلى التثقيف، عبر مطالعة الكتب المختصة بالعلاقات الزوجية ليتمكنا من فكّ ما استعصى عليهما.

ثالثاً: وفي حال استغلاق الحلول فيما بينهما، عندئذ يلجئان لمساعدة المختصين من الخبراء أو الأزواج الناجحين والبحث معهم لحل المشكلة، مما يفتح أبواباً جديدة للخروج منها بسلام.

بعد حل المشكلة

 من المفترض أن يتحاشى الزوجان الوقوع في ذات المشكلة التي تم الوقوع فيها سابقاً، وان يتعلما دروساً تفيد العلاقة الزوجية مستقبلاً.

 ومن المهم أن لا تبقى رواسب في النفس جرّاء تلك المشكلة التي مضت، ويؤكد الكثير من المختصين في العلاقات الزوجية إن نسبة كبيرة من المشكلات تنبع أساساً من عدم نسيان المشكلات السابقة، فعندما يذكّر أحد الزوجين شريكه بما ارتكبه من خطأ فإن ذلك سيكون عاملاً في التمسك بالخطأ أو إصدار خطأ آخر.

 فعندما تذهب المشكلة ويتم التصالح، لا بد أن تتبدّد جميع رواسبها النفسية وتبدأ حياة جديدة تلفّها السعادة والهناء.

 وفي الختام نقول أنه لابد من الاهتمام بأي مشكلة تحط في عش الزوجية، وخصوصاً المشكلات العاطفية التي قد تسبب تنافر الزوجين، وسنقوم في هذا الجزء بعرض بعض أهم المشكلات العاطفية التي تواجه الحب المتبادل، وسنسعى لتقديم الحلول المناسبة لها..

* فصل من كتاب الحب  في العلاقات الزوجية

www.mosawy.org


[1] / سورة النساء – آية 35.

[2] / سورة الرعد – آية 11

[3] / ميزان الحكمة.

[4] / ميزان الحكمة –ج10-ص126.

[5] / ميزان الحكمة –ج10-ص126.

[6] / سورة المجادلة – آية1.

[7] / غرر الحكم، ص 21.

[8] / غرر الحكم، ص 217.

[9] / سورة النساء، آية 35.

[10] / سورة النساء – آية35.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 17/آيار/2009 - 20/جمادى الآولى/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م