تهافت الانقلابات العسكرية و السياسية..!

صالح خريسات

ليس صحيحاً، أو قريباً ما يعقل ويقبل الافتراض، بأن القيادات الحاكمة في البلدان العربية والإسلامية، هدفها دائماً إذلال شعوبها، وترويعهم وإفقارهم، أو الاستخفاف بهم، لتتمتع هي بمزايا طيبة.

فربما نجحت ثورة في القضاء على الاستبداد الفردي، والقهر القائم على الجشع والتسلط،، ولكنها لا يمكن أبدا،ً أن تؤدي إلى إصلاح حقيقي. بل إن ما يستجد من أحكام متحيزة، لن يستخدم، شأنه في هذا شأن، الأحكام القديمة، إلا في تضليل عامة الناس، وجرهم وراءه.

إن الانقلابات العسكرية والسياسية، التي حصلت في تاريخ هذه البلدان، لم تغير شيئاً في واقع الشعوب، وإنما كانت دائماً، تقود الجماهير إلى صراعات دامية، وحروب متواصلة، غالباً ما يتمنى الفرد فيها، العودة إلى الصفوة الحاكمة، أو النظام السابق، ويأسف عليه.

 فالمشكلة ليست في الصفوة الحاكمة، أو القيادات القائمة على رأس السلطة، وإنما بطبيعة هذه الشعوب، التي تنساق خلف شعارات زائفة، وتتطلع دائماً نحو التغيير. فلو جئتها بأفضل من على الأرض حاكماً، عادلا، ً لتساءلت : من سيأتي بعده ؟! ولوجدت من بينها، من يعمد إلى التشكيك، والمعارضة، والطعن.

وما أثبت الزمان صحته، إن الانقلاب لا يأتي غالباً بالحرية المرجوة، بل يأتي في أكثر الحالات، بالإرهاب فقط، متبوعاً بسيطرة القوة الجديدة، والأكثر قسوة، في ظل تغيير ظاهري للمعالم، ووعود غير ملزمة.

أن العلاقة المشحونة دائماً بالتوتر، بين الصفوة الحاكمة والجماهير، وأتساع موجات النقد والمعارضة، وكثرة الأحزاب، سببها الفجوة الحاصلة، في مستويات التفكير، بين معارف الصفوة، وملايين البشر، الذين لا يدرون من أمور الدنيا شيئا.

وهذا بالتأكيد ما يفسر، تعثر كثير من الأنظمة والهياكل السياسة والاجتماعية، وحاجة الصفوة إلى الشرح والتعليل، وإقناع الجماهير. فلم يكن عملياً ولا عقلانياً، أن يتوقع المرء توافقاً في الرؤى، بين تلك الصفوة، وملايين الجماهير، في ظل غياب الوعي الثقافي والسياسي، واختلاف طرائق التفكير.

وكان لا بد للصفوة أن تبذل جهداً، في التخلص من مظاهر القصور، وتنوير الفكر الذي لا يستريح إلى البديهيات، ولا يكرر المواعظ، وإنما يعمل في القضايا التي تواجه الجمهور. وفي المقابل، فإن على الجماهير، أن تعيد النظر في كثير من مفاهيمها الموروثة، وإزالة ما علق بها من غبار الفترات السابقة. فليس كل ما كان عليه الناس قيماً وإيجابياً، وليس كل تغيير، أو تحديث، أو تبديل، شراً، أو يحتمل سوء الطالع.

لكن انشغال الصفوة بالقضايا السياسية والاقتصادية الكبيرة، وحالات الحرب، والأوضاع الدولية المتغيرة، والمستجدات من الأحداث، وجميعها قضايا ملحة، لا يصح معها التأخير، أو عدم الاهتمام، تشغل الحيز الأكبر في تفكير الصفوة، فلا تجد لديها متسعا ًمن الوقت لتقريب المسافات بينها وبين الجماهير،.. وأسوء ما في الأمر، أن يستغل ضعاف النفوس المريضة، انشغال الصفوة بالقضايا الكبيرة، ليتخذوا من أكتاف الجماهير مطايا، تقودهم إلى السلطة.

وهنا تظهر مزية معرفة الأفكار، والأشخاص، والحوادث المتغيرة في التاريخ، فهي وحدها التي توفر اطمئناناً، أكثر مما يزعم أولئك الذين لا يمنحون قيمة لحياة الجماهير وأمنهم، واستقرارهم.

فيجب أن نسلم، بأن اختلاف العقول بين الناس، هو ما يميز بينهم، ويحدث الفوارق في أعمالهم. وإن وجود الصفوة في السلطة، إنما يرتبط بقدراتها الخاصة، في تحقيق العدل وترسيخ قاعدة : "من يطيع القانون هو وحده حر".

وأكبر خطأ ترتكبه الجماهير، حين تظن بأن الخطب والشعارات، قادرة على تحقيق أهدافها، ومعالجة مشكلاتها الحاضرة والمستقبلية، فالسياسة ليس الغرض منها، إرضاء الجماهير بالتخيلات، وإنما الغرض الحقيقي، بالتطبيق العملي. وإن الأكاديميين، هم الذين يفخرون، بأنهم يجيدون تعلمها، ولكنه ولا واحد منهم يطبقها. فهي مقصورة على رجال السياسة، الذين يظهر أنهم يزاولونها بضرب من القوة الطبيعية، ويعالجونها بالتجربة، أكثر مما يعالجونها بالتدبير، فاستحقوا أن يكونوا الصفوة، وأن يكونوا القادة والزعماء.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 17/آيار/2009 - 20/جمادى الآولى/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م