شبكة النبأ: تُعتبر المواد الأفيونية
خيار المخدرات التقليدي في إيران، حيث إن استخدام الأفيون متأصل في
التقاليد الإيرانية على عكس الصورة السلبية الاجتماعية المرتبطة بتعاطي
الخمور، وكان الأفيون يعتبر مشكلة كبيرة في إيران قبل اندلاع الحرب
العالمية الثانية، عندما كانت البلاد الدولة الرائدة في مجال إنتاج
المخدرات على النطاق الدولي.
وقد تم إحراز تقدم كبير في معالجة الإدمان على المخدرات إبان العقود
التي سبقت قيام الثورة الإيرانية، لكن المشكلة تفاقمت ثانية بعد عام
1979. على خلفية الارتباطات الحدودية الايرانية الأفغانية حيث تنتج
أفغانستان وتصدّر ما نسبته 95% من المخدرات المنتشرة في اوربا وامريكا
وايران والعالم...
وكتبَ مايكل براون، الذي تقاعدَ مؤخراً من وكالة إدارة مكافحة
المخدرات الأمريكية بعد أن أمضى ثلاثة وعشرين عاماً مديراً فيها، دراسة
حول مكافحة المخدرات وأفق التعاون المرتقبة بين امريكا وايران بهذا
الشأن، وجاء في الدراسة:
اتخذت واشنطن أولى خطواتها نحو التعامل مع طهران من خلال لقاء
دبلوماسي جرى مع ممثلي الحكومة الإيرانية في 31 آذار/مارس، خلال
المؤتمر الذي انعقد في مدينة لاهاي حول أفغانستان. وعلى الرغم من أن
الاتصال الأولي كان محرجاً، إلا أنه من الواضح كان خطوة إلى الأمام
بالنسبة لإدارة أوباما، حيث اتفق البلدان على أن تجارة الأفيون/الهروين
تمثل قوة مدمرة في المنطقة والعالم بأسره على حد سواء.
وعلى هذا النحو، يتعين على الولايات المتحدة النظر في استخدام
التعاون في مكافحة المخدرات كوسيلة فعالة للإنطلاق في الجهود
الدبلوماسية مع إيران. ورغم الصعاب التي تحيط بهذا النهج، إلا أنه قد
يكتب له النجاح إذا ما ركز كلا الجانبين فقط على تنفيذ القانون دون
تدخل من رجال السياسة وعملاء الاستخبارات والدبلوماسيين.
الخلفية
بيّن الكاتب ان أفغانستان تنتج ما يقرب من 90 في المائة من المواد
الأفيونية في العالم – وخاصة الأفيون والهيروين – وتُستخدم حصيلة تجارة
المخدرات في تمويل المجهود الحربي لحركة طالبان. وتعتمد طالبان بشكل
متزايد على هذه الصناعة غير المشروعة [التي تجني من ورائها] ملايين
الدولارات لتمويل عملياتها في أفغانستان وباكستان، كما أن هناك أدلة
متزايدة على ضلوع تنظيم «القاعدة» في هذه التجارة.
وقد نص "التقرير العالمي عن المخدرات" الصادر عن الأمم المتحدة في
عام 2008، أن أكثر من نصف مستخدمي المواد الأفيونية في العالم - والذي
يزيد عددهم عن 9.3 مليون شخص – مقيمين في آسيا ومتواجدين في الغالب على
طول الطرق الرئيسية لتهريب المخدرات من أفغانستان. كما أن ما يزيد عن
2.3 مليون مستخدم يعيشون في منطقة الشرق الأوسط وجنوب غرب آسيا والعديد
منهم في أفغانستان وإيران.
وتختلف تقديرات أعداد المستخدمين الإيرانيين اختلافاً واسعاً، حيث
تفيد مصادر الحكومية الإيرانية أن هناك ما بين 1.2 مليون إلى 2 مليون
إيراني هم من المدمنين على الأفيون، في حين أن تقديرات أخرى هي أعلى
عموماً، لاسيما عند إضافة المستخدمين المتكررين لهذه الأعداد. وبعبارة
أخرى، هناك على الأقل 2.5 بالمائة من السكان البالغين الذين هم مدمنين
على المخدرات، وبما أن 90 في المائة من المستخدمين الإيرانيين هم من
الذكور، فإن 5 إلى 8 بالمائة من الرجال البالغين في إيران يستخدمون
الأفيون بصورة منتظمة.
تعتبر المواد الأفيونية خيار المخدرات التقليدي في إيران، حيث إن
استخدام الأفيون متأصل في التقاليد الإيرانية على عكس الصورة السلبية
الاجتماعية المرتبطة بتعاطي الخمور. وكان الأفيون يعتبر مشكلة كبيرة في
إيران قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية، عندما كانت البلاد الدولة
الرائدة في مجال إنتاج المخدرات على النطاق الدولي. وقد تم إحراز تقدم
كبير في معالجة الإدمان على المخدرات إبان العقود التي سبقت قيام
الثورة الإيرانية، ولكن المشكلة تفاقمت ثانية بعد عام 1979.
واضاف الكاتب، لقد كان جانب من المشكلة يتمثل في موقف الحكومة، إذ
لم يلق تعاطي الأفيون تحريماً من جميع رجال الدين. وقد تضاعفت حدة
المشكلة بسبب العامل الجغرافي، حيث كانت إيران، ولسنوات عديدة، تشكل
طريقاً رئيسياً لنقل الأفيون والهيروين إلى تركيا وأوروبا وجهات دولية
أخرى. وكما هو الحال في العديد من البلدان الأخرى، فإن التجار
الخارجيين الضالعين في تهريب [المخدرات]– أي الأفغان في هذه الحالة –
يعملون مع عصابات الجريمة المنظمة الإيرانية من أجل تهيئة البنية
التحتية اللازمة داخل إيران لدعم نقل المواد الأفيونية الأفغانية إلى
الأسواق الغربية. ويدفع تجار المخدرات الأفغانيون لشركائهم الإيرانيين
منتج أفيون بدلاً من النقود [نظير الخدمات]، وبالتالي يساهمون في تطوير
الأسواق وزيادة الطلب داخل إيران.
ولا يعتبر معدل الإدمان في إيران مرتفعاً للغاية فحسب، إلا أن هناك
عدداً من أفراد الجيش الإيراني الذين لاقوا حتفهم أثناء تأدية واجبهم
نتيجة أعمال العنف المرتبطة بالمخدرات. أما "الحرس الثوري الإيراني"،
حيث يعتبر "فيلق القدس" التابع له المؤسسة الأولى في الدولة الداعمة
للإرهاب في المنطقة، فهو في الوقت نفسه أحد العوامل الأساسية في مكافحة
تهريب المخدرات. ويبدو أن عدداً من وحدات "الحرس الثوري الإيراني"
ضالعة في كلا النشاطين، الأمر الذي يشكل مشكلة كبرى أمام التعاون
الأمريكي الإيراني في مكافحة المخدرات.
وهناك عائق محتمل آخر يقف حجر عثرة أمام الجهود المتضافرة [لمحاربة
المخدرات] وهو الاعتقاد بأن واشنطن تدعم على الأقل إحدى المنظمات
الرئيسية التي تهرب المواد الأفيونية إلى إيران، وهو تنظيم "جند الله"،
الذي يُعرف أيضاً باسم "حركة المقاومة الشعبية الإيرانية"، وهي جماعة "سياسية"
تطالب بحقوق البلوش. وقد تورط هذا التنظيم في أعمال إرهابية ضد الحكومة
الإيرانية كما تحدث زعيمه مع إذاعة صوت أمريكا.
الطريق إلى الأمام
واستنتج الكاتب، ينبغي أن يُسمح لـ "إدارة مكافحة المخدرات"
الأمريكية بإجراء إتصالات مباشرة مع نظرائها الإيرانية في مجال فرض
القانون والتعاون معها. وقد سعى المسؤولون الإيرانيون [إلى تحقيق] هذا
النوع من الترتيبات في الماضي، كما تم الضغط على بعض القادة البارزين
في وزارة الخارجية الأمريكية من أجل ذلك؛ غير أن الإدارات السابقة منعت
"إدارة مكافحة المخدرات" الأمريكية من التحرك إلى الأمام.
وتشارك "إدارة مكافحة المخدرات" الأمريكية هذا العام - مع نظيرتها
المكسيكية - في استضافة "المؤتمر الدولي لمكافحة المخدرات" في دورته
السنوية السابع والعشرين التي تقوم "الإدارة" برعايته كل عام، [والذي
سينعقد] في مدينة كانكون بالمكسيك. وقد نما "المؤتمر الدولي لمكافحة
المخدرات" من مجرد مؤتمر يضم خمسة دول ويهتم فقط بشؤون النصف الغربي من
الكرة الأرضية إلى جهد دولي يضم ما يقرب من مائة دولة. وقد شاركت إحدى
وتسعون دولة في المؤتمر الذي عقد في عام 2008 في مدينة إسطنبول بتركيا.
ويمكن لـ "المؤتمر الدولي لمكافحة المخدرات" أن يقدم فرصة مثالية
لانفتاح العلاقات بين "إدارة مكافحة المخدرات" الأمريكية وهيئات فرض
القانون الإيرانية، فضلاً عن غيرها من وكالات فرض القانون من جميع
أنحاء العالم، مما يمهد الطريق في النهاية لعهد جديد من التعاون بين
الولايات المتحدة وإيران.
وبعد التفاعلات الأولية، فإن الخطوة التالية تتمثل في تبادل
المعلومات الاستخباراتية والأدلة؛ والطريقة المثالية لتحقيق ذلك هي عن
طريق تأسيس مكتب لـ "إدارة مكافحة المخدرات" الأمريكية في طهران. وتملك
"إدارة مكافحة المخدرات" أكبر تواجد لهيئات فرض القانون الأمريكية في
الخارج (بواقع ستة وثمانين مكتباً في سبع وستين دولة)، وهو الأمر الذي
لم يتم السماح به إلا بقبول عملاء "إدارة مكافحة المخدرات" الأمريكية
كضباط مخدرات فيدراليين وليسوا كجواسيس. وسيمثل الحصول على مثل هذا
القبول في إيران تحدياً كبيراً، وبالتأكيد لن يحدث ذلك بين عشية وضحاها.
ولكن من الأهمية بمكان وضع أهداف طويلة الأمد. وعلى الرغم من عدم نجاح
أية حكومة أجنبية في العمل مع إيران على هذا النحو – والإدانة الأخيرة
لصحفي أجنبي بتهمة التجسس تثير القلق -- إلا أن "إدارة مكافحة المخدرات"
الأمريكية تبدي فعالية غير عادية في تبادل الأدلة والاستخبارات الحساسة
ذات الصلة بالمخدرات مع نظيراتها في أفغانستان وباكستان وغيرها من
البلدان في جميع أنحاء المنطقة والعالم.
التحدي
وبيّن الكاتب، يعتبر العمل الشُرطي علماً، كما يمثل القيام بأعمال
شرطية معقدة لمكافحة المخدرات تحدياً أكبر. ومن الممكن أن تؤدي مشاركة
كبار السياسيين من كلا البلدين في الأعمال الشُرطية "إلى نتائج كارثية".
وبما أن هذه المشكلة سوف تتعقد بسبب دور "الحرس الثوري الإيراني"، الذي
يعتبر بطبيعته قوة معادية للولايات المتحدة، سيتمثل التحدي في ايجاد
وسيلة للتعاون بين كبار قادة فرض القانون من بين الذين يعملون في مستوى
"شرطي إلى شرطي".
ومن هذا المنطلق، يمكن لمسؤولي فرض القانون القيام بأعمال متضافرة
ترتبط بالجهود المبذولة لتقليل ومعالجة الطلب على المخدرات، وذلك من
خلال قيام محترفين من كلا النظامين بتولي المهام الرئيسية لهذه المهمة.
والأمر المُثبط في هذا السياق هو قيام إيران باعتقال الشقيقين، أراش
وكاميار علائي، أثناء توجههما إلى مؤتمر الأيدز الدولي في عام 2008،
حيث كان من المقرر منحهما جائزة تقديراً لعملهما مع المدمنين على
المخدرات ومعظمهم من المصابين بمرض الإيدز. وقد أُدين الأخوان بتهمة
التجسس على خلفية اتهامهما بأن تعاونهما الأجنبي كان يعزز "الإطاحة
الناعمة" بالجمهورية الإسلامية – وهي الفكرة السائدة لدى المرشد
الإيراني الأعلى علي خامنئي، الذي يرى أنه بإمكان التعاون مع الأجانب
أن يشكل خطراً على نظامه.
واختتم الكاتب دراسته بالقول، لكي يُكتب له النجاح، يجب أن يستفيد
أي جهد أمريكي للتعاون مع إيران في جهود مكافحة المخدرات، من خبرة
"إدارة مكافحة المخدرات" الأمريكية الناجحة والممتدة عقود طويلة مع
شركاء فرض القانون من جميع أنحاء العالم. وعلى الرغم من أن إيران لا
تؤيد التصنيف التي تتبعه الولايات المتحدة بتسمية حركة طالبان وتنظيم
«القاعدة» على أنهما منظمتين إرهابيتين، إلا أنه وبغض النظر عن ذلك،
فإن من مصلحة إيران العمل بشكل قوي مع الولايات المتحدة لاستهداف أنشطة
الاتجار بالمخدرات التي تقوم بها هاتين الجماعتين، والتي تؤدي إلى
زعزعة الإستقرار في إيران والمنطقة. |