كفروا الشيعة فازدادوا علوا

ياسر محمد

حتى فترة قريبة كان الشيعة حول العالم في نظر الكثيرين فئة مستضعفة لا تقوى على رفع صوتها أمام الآخرين والدفاع عن نفسها، فكان الشيعي يكفر نهاراً جهاراً في الإعلام والتعليم من خلال مدرسي المواد الدينية وفي الجامعات حيث تصدح مكبرات المساجد بتكفير الشيعة والتحذير منهم وليس انتهاءً بالفرز الطائفي في الحصول على الوظائف المعتبرة وهو يتلقى الصدمة تلو الصدمة دون أي حراك في رفع ظلامته.

وتتكرر سيمفونية الحذر من الشيعة وعقائدهم أينما تواجدوا، فما يحصل في مصر من توترات متكررة بين الحكومة والشيعة، وما الحرب الفكرية التي برزت في المغرب على الكتب الشيعية وما صاحبها من اعتقال لمواطنين يشتبه انتمائهم للمذهب الجعفري لدلالة على مدى العقلية المسيطرة وما ستنتجه من مضاعفات تصب إيجاباً في التعمق والبحث في الفكر الشيعي.

كل ذلك الاحتقان المتواصل طيلة سنوات جعل الطائفة الشيعية تخرج من شرنقة الصمت إلى فضاء المطالبات والعمل السياسي والدفاع عن النفس بالحق والقانون، فلم يعد الشخص يُحترم ويقدر ويعطى حقوقه لكونه مسالم ودمث الأخلاق ما لم يثبت وجوده ويفرض قوته أمام الآخرين.

إننا ساهمنا وبشكل غير مقصود في جعل الآخر يغرس مخالبه في لحومنا لعقود من الزمن دونما رد فعل بالمستوى المسئول، فكنا نتقي في مواضع لا تلزم فيها التقية وموقفنا الدائم هو موقف الاستكانة والإنكار لبعض معتقداتنا.. فمسألة الصحابة مثلاُ لا زالت متقاذفة حتى اليوم، فالسني يقول أن الشيعي يحقر صحابة الرسول (ص) ولا يجلهم والشيعي عندما يكون في حضرة أبناء السنة لا يبدي الموقف الصحيح من أن للشيعة مؤاخذات على بعض الصحابة بصريح كلام القرآن ومن كتب الفريقين.

فإن كان هناك وجهة نظر غير صحيحة لدى طرف دون الآخر فلتوضح من خلال المناظرات الهادئة والعلمية، وقد كان لشرط المرجع الشيعي الشيخ ناصر مكارم شيرازي لقبول دعوة المناظرة التي وجهتها له قناة المستقلة مؤخراً أن تكون مع شخص بحجم مفتي السعودية أهمية كبرى في أن يتحاور كبار العلماء فيم بينهم حتى تصير الأمة إلى هدى بدل الفتاوى والأفكار العشوائية، إلا أن الدعوة تبدلت ولم تتم المناظرة.

لقد كان لردة الفعل في أحداث البقيع تأثير على الرأي العام ترجمته سرعة إزالة الحواجز حول قبور أربعة من أئمة الشيعة في البقيع بعد أن بدأت المشكلة تبرز في الإعلام، إلا أن ذلك لم يكن معتبراً لرموز التكفير، فلا زالوا يواصلون التكفير وكأنهم في كهوف معزولة عن العالم لا يعلمون ردود الأفعال الرافضة لتلك المبادئ وآخرها قضية إمام الحرم وحجم الدعوات المطالبة بإقالته.

كان حري بمن يقول بالظن والكفر لفئات من المسلمين أن يمتاز بقوة المنطق والدليل متى ما سُئل، فاتصال غرفة الغدير على البالتوك بالشيخ البراك والكلباني ومناقشتهما أوضح أن ما قالاه لم يكن مبني على دليل أو موقف حيادي، حيث كان التبرير سيد الحديث... فالمفترض في إمام بقعة تهوي إليها أفئدة كل المسلمين أن يمثل كافة الطوائف ويحتوي اختلافاتهم لا أن يسعى لإخراجهم من الملة ويفرقهم أمما.

إن المعادلة الشيعية الجديدة باتت تفرض نفسها على مناحي الحياة، فلم يعد اليوم السكوت مقبولاً على  التعرض والإفتاء بقتل الشيعة وإبادتهم، فالتحركات غير المسبوقة لرفع دعاوى في محكمة جرائم الحرب الدولية ضد عدد من علماء دين تسببوا في إذكاء الحرب الطائفية والقتل على الهوية في العراق والمظاهرات المنددة بفتاوى التكفير في الغرب ومطالبة خادم الحرمين بإيقاف ما يسيء لسمعة المملكة والمسلمين سيترك أثره لأن يتريث ويتخذ الآخر الحذر في قذف أي كلمة تسيء لأي فرد مسلم.

ولو كانت كل التحركات لم تعطي أي نتيجة حقيقية إلا أنها تظل بعين الترقب حتى لا يتفاجأ أحد من أي ردة فعل لأي فعل، وكما قيل: الطلقة اللي ما تصيب تدوش.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 14/آيار/2009 - 17/جمادى الآولى/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م