يهود أمريكا بين خيارات السلام واتجاهات التطرف اليميني في اسرائيل

 

شبكة النبأ: لم يكن اليهود الأمريكيون بأي حال بمعزل عن تطورات الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، بالنظر إلى اعتبار عدد كبير منهم أن أمن إسرائيل يُعد أحد مقومات هويتهم وامتداد لتميزهم عن بقية قطاعات المجتمع الأمريكي، وهو ما جعل موقفهم من التطورات الراهنة ذا أهمية محورية خاصةً بعد ما أسفرت عنه نتائج الانتخابات الإسرائيلية من تولي حكومة إسرائيلية متشددة للسلطة في إسرائيل، واستمرار حركة حماس في السيطرة على قطاع غزة عقب الحرب الإسرائيلية على لبنان صيف عام 2006.

وفي هذا الإطار أعد جيم جيرشتين Jim Gerstein دراسة إحصائية حول مواقف اليهود الأمريكيين من الصراع في منطقة الشرق الأوسط في ضوء التطورات سالفة الذكر، نشرتها منظمة جي ستريت الأمريكية J Street، وهي إحدى المنظمات اليهودية الأمريكية المعتدلة. بحسب موقع تقرير واشنطن.

وتضمنت الدراسة عدة نتائج مهمة فيما يتعلق بتوجهات يهود الولايات المتحدة حيال عملية التسوية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وأسباب استمرار الصراع وتصاعده في صورته الراهنة. فضلاً عن حيوية الجهود الأمريكية في دفع عملية التسوية قدمًا.

تأييد واسع النطاق لسياسة أوباما في الشرق الأوسط

يبدأ الرئيس أوباما محادثاته مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتنياهو متمتعًا بتأييد منقطع النظير من غالبية اليهود الأمريكيين، وفق نتائج استطلاعات الرأي التي اعتمدت عليها دراسة جيرشتين التي أشارت لتأييد حوالي 73% للسياسات التي يطرحها أوباما فيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط، بحيث اتضح أنه يحظى لدى يهود الولايات المتحدة بتأييد يفوق نيتنياهو الذي حاز على تأييد حوالي 58% من المبحوثين. ويعتقد حوالي 76% من اليهود الأمريكيين أن الرئيس أوباما يدعم إسرائيل بقوة وأن لديه رؤية جيدة للمضي قدمًا بعملية السلام دون مساس بأمن إسرائيل أو ممارسة ضغوط عليها.

وفي السياق ذاته يَدعم حوالي 87% من اليهود الأمريكيين مقولة مفادها أن الدور الأمريكي في الوساطة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي يعتبر محور علمية السلام في منطقة الشرق الأوسط. وأشار حوالي 69% إلى تأييدهم لدور أمريكي نشط في عملية السلام حتى لو لجأت الإدارة الأمريكية لانتقاد سياسات الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي علنًا طالما لم يمس ذلك بالمصالح المحورية المرتبطة بأمن إسرائيل. ولكن إذا ما تطلب الدور الأمريكي معارضة سياسات إسرائيل فإن ذلك التأييد يتراجع إلى 52% ممن شملهم الاستطلاع سالف الذكر.

يهود أمريكا ما بين خيارات الأمن والسلام

يعتقد غالبية اليهود الأمريكيين أن التوصل لتسوية للصراع بمنطقة الشرق الأوسط مصلحة أمريكية أساسية على حد تعبير حوالي 53% من المبحوثين، وفي هذا الصدد أكد حوالي 49% من اليهود الأمريكيين على أن الغاية الأولى للسياسة الشرق أوسطية لإدارة الرئيس أوباما يجب أن تكون دعم التوصل لتسوية للصراع بين الفلسطينيين وإسرائيل في مقابل إشارة حوالي 36% إلى أن الحفاظ على تفوق إسرائيل عسكريًّا في منطقة الشرق الأوسط يجب أن يكون الهدف المحوري لسياسة أوباما في منطقة الشرق الأوسط.

وفي هذا الصدد أبدى حوالي 69% من يهود الولايات المتحدة تأييدهم للتوصل لاتفاق سلام نهائي للصراع بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي وفق حل الدولتين الذي طالما روجت له إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش ودعمته إدارة الرئيس أوباما منذ توليها للسلطة.

هل يؤيد يهود أمريكا سياسات اليمين المتشدد في إسرائيل؟

إن تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة بنيامين نيتنياهو زعيم حزب الليكود اليميني ومشاركة أفيجدور ليبرمان زعيم حزب إسرائيل بيتنا اليميني المتطرف لم يلق استحسانًا من جانب يهود الولايات المتحدة، حيث أكد حوالي 69% من اليهود الأمريكيين معارضتهم لأطروحات ليبرمان حول ترحيل عرب إسرائيل، وأشار حوالي 32% منهم إلى أن تعيين ليبرمان كوزير للخارجية قد يؤدي لإضعاف ارتباطهم الشخصي بإسرائيل؛ لأن توجهات ليبرمان تتعارض مع قيمهم الأساسية. وترتفع هذه النسبة إلى 42% بين فئة الشباب من يهود الولايات المتحدة ما دون الثلاثين عامًا.

وفي السياق ذاته يعارض حوالي 64% من اليهود الأمريكيين التوسع في بناء مستوطنات جديدة بالضفة الغربية لاعتقادهم بأن تلك السياسات تؤدي إلى تعقيد الأوضاع وإعاقة تقدم مفاوضات التسوية، وفي هذا الصدد أشار جيم جيرشتين إلى أن حوالي 74% من اليهود الذين يسهمون ماليًّا في الحملات الانتخابية يعارضون التوسع في بناء المستوطنات في الضفة الغربية، وهذه الفئة من اليهود من ممولي الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة تتسم بإعلائها من أهمية قيم الديمقراطية والسلام والانفتاح على الآخر وحيوية التفاوض مع الأطراف الفلسطينية لمستقبل الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط في مقابل اليهود المتدينين الداعمين لاستخدام القوة ولأولوية أمن دولة إسرائيل على تحقيق السلام مع الفلسطينيين ناهيك عن رفض التسوية السياسية التي لا تحفظ لإسرائيل تفوقًا واضحًا وقدرة على السيطرة على الأوضاع في الأراضي الفلسطينية ذاتها.

وعلى نقيض ما يراه المسئولون في تل أبيب فإن حوالي 61% ممن شملتهم الدراسة الاستطلاعية يؤيدون التفاوض مع حكومة فلسطينية موحدة تضم حركتي فتح وحماس شريطة اعتراف حماس بإسرائيل، وهو ما تواكب مع ما كشف عنه استطلاع للرأي أجراه معهد ترومان بالجامعة العبرية في تل أبيب Truman Institute at Hebrew University في مارس 2009 من أن حوالي 69% من الإسرائيليين يؤيدون تفاوض الحكومة الإسرائيلية مع حكومة فلسطينية موحدة بعد اعتراف حماس بإسرائيل ونبذ العنف والتوقف عن إطلاق الصواريخ.

معضلة إسرائيل الأمنية ودور واشنطن

وعلى صعيد موقف يهود الولايات المتحدة من ردود الفعل الإسرائيلية على إطلاق الصواريخ من قطاع غزة على مستوطنات جنوب إسرائيل، فلقد اتضح أنه عندما يتعلق الأمر بأمن إسرائيل وبقائها فإن كافة قطاعات المجتمع اليهودي في الولايات المتحدة تبدي تأييدًا غير مشروط لإسرائيل، حيث أكد حوالي 75% من اليهود الأمريكيين تأييدهم للعملية العسكرية الإسرائيلية الأخيرة في قطاع غزة كرد فعل على إطلاق حركة حماس للصواريخ على المستوطنات الإسرائيلية، بينما رأى حوالي 59% أن هذه العملية العسكرية لم تحقق الأمن لإسرائيل ولم تنجح في تحييد تهديد الصواريخ الفلسطينية للمجتمع الإسرائيلي، في حين أبدى حوالي 54% ممن شملتهم الدراسة الاستطلاعية مخاوفهم من أن استهداف الجيش الإسرائيلي للمدنيين في الحرب على غزة قد يؤدي تصاعد وتيرة الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط.

وفيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني لم تتوافق توجهات اليهود الأمريكيين حول ما ينبغي على الولايات المتحدة القيام به لمنع تحول إيران إلى قوة نووية تهدد أمن إسرائيل، فبينما رأى 41% ممن شملهم الاستطلاع لجوء الولايات المتحدة للخيار العسكري لمنع إيران من امتلاك السلاح النووي فإن حوالي 40% قد عارضوا استخدام القوة العسكرية مجددًا في منطقة الشرق الأوسط الولايات المتحدة خشية التداعيات السلبية على الاستقرار في محيط إسرائيل الإقليمي.

ومن ثم يمكن القول: إن غالبية يهود الولايات المتحدة يؤيدون قيام الولايات المتحدة بدور نشط لدفع عملية السلام قدمًا، ويؤيدون استمرار التفاوض لحين التوصل لتسوية نهائية، ولكن إذا ما تعلق الأمر بأمن إسرائيل فإنهم يؤيدون بقوة النهج الذي تتعامل به إسرائيل مع التهديدات الأمنية على الرغم من اعتراضهم على توجهات بعض الساسة الإسرائيليين المتطرفين مثل ليبرمان.

الرأي العام الأمريكي لأوباما: لا تضغَط على نيتنياهو

ويمكن اعتبار زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتنياهو إلى واشنطن للتباحث مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما بداية لمرحلة جديدة على مستوى العلاقات الأمريكية ـ الإسرائيلية قد لا يكون من اليسير التنبؤ بسماتها العامة وانعكاساتها على عملية التسوية السلمية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي وتوازنات القوى الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط، لاسيما في ظل التناقض الواضح في توجهات الطرفين وأهدافهما المعلنة فيما يتعلق بتلك القضايا وأولوية حسم كل منها خاصة التهديد النووي الإيراني لإسرائيل، والمضي قدمًا في عملية التسوية السلمية للقضية الفلسطينية. بحسب موقع تقرير واشنطن.

وفي هذا الصدد فإن مواقف الرأي العام الأمريكي تُعد محددًّا هامًّا لمسار المباحثات بين الجانبين وقدرة أيهما على ممارسة مستوى معين من الضغوط على الطرف الآخر لأخذ رؤيته تجاه القضايا الخلافية بالاعتبار وهو ما يثير تساؤلاً على قدر كبير من الأهمية يتعلق بمدى الدعم الذي تحظى به الحكومة الإسرائيلية الجديدة التي يغلب عليها التوجه اليميني المتشدد والرافض بقوة لاستئناف المحادثات مع الطرف الفلسطيني أو وقف النشاط الاستيطاني الآخذ في التصاعد، ومن هذا المنطلق يسعى هذا التقرير لاستقصاء توجهات الرأي العام الأمريكي حيال القضايا التي سوف تتناولها محادثات نيتنياهو وأوباما منتصف هذا الشهر.

أولوية أمن إسرائيل من المنظور الأمريكي

بداية يمكن الإشارة إلى أن الرأي العام الأمريكي يرجح المصالح الإسرائيلية المرتبطة بالأمن ووضع إسرائيل في توازن القوى الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط وهو ما توضحه نتائج استطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة التعاون الأمريكي ـ الإسرائيلي American Israeli Cooperation Enterprise في 12 من يناير 2009 والتي أكد فيها حوالي 90% ممن شملهم الاستطلاع على تأييدهم لضرورة حث الفلسطينيين على وقف تعليم أبنائهم كراهية إسرائيل. بالتوازي مع تأييد حوالي 91% لأولوية وقف الميليشيات الفلسطينية لإطلاق الصواريخ على مستوطنات ومدن جنوب إسرائيل، وذلك في مقابل تأكيد حوالي 41% على ضرورة فتح معابر قطاع غزة وتأييد 38% لوقف النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية كمتطلب أساسي لتقدم عملية السلام بين الطرفين.

وفي السياق ذاته رأى حوالي 76% من الأمريكيين أن جهود الولايات المتحدة لدعم توصل الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي إلى تسوية للصراع فيما بينهما يجب أن ترتبط بالضغط على إيران لمنع إمداد الفصائل الفلسطينية بالسلاح لاعتبار ذلك تهديدًا لأمن إسرائيل، يبرر عدم انخراطها بجدية في محادثات السلام مع الطرف الفلسطيني.

حدود الدور الأمريكي في عملية التسوية

وتؤكد تلك التوجهات على أن الرأي العام الأمريكي لا يدعم فرض ضغوط على الحكومة الإسرائيلية بزعامة بنيامين نيتنياهو ذات التوجه اليميني المتشدد والتي تطرح سياسات جدية فيما يتعلق بعملية التسوية تنحو تجاه العودة لنقطة الصفر وعدم الاعتراف بما تم التوصل إليه من اتفاقات. فضلاً عن محاولة استبدال التسوية السياسية بأخرى اقتصادية تقوم على تحسين أوضاع الفلسطينيين المعيشية في الضفة الغربية، وبناء مؤسسات لإدارة الاقتصاد الفلسطيني كمرحلة انتقالية قبل البدء في التفاوض السياسي.

وفي السياق ذاته كشف استطلاع للرأي أجرته مؤسسة بيو لاستطلاعات الرأي Pew Research Center for the People & the Press في يناير 2009 أن حوالي 48% من الأمريكيين لا يفضلون انخراط الولايات المتحدة بصورة أكبر في مفاوضات التسوية بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، وذلك في مقابل الانقسام الواضح حول ثوابت الدور الأمريكي في عملية التسوية ما بين تفضيل حوالي 39% لإعلان الولايات المتحدة عن دعمها لإسرائيل في جهودها الداعمة لعملية التسوية وتأييد حوالي 38% لعدم قيام الولايات المتحدة بأي نشاط وعدم اضطلاع مسئوليتها بأي جهد في عملية التسوية.

وقد يعزى ذلك إلي تركيز الرأي العام الأمريكي على القضايا الداخلية لاسيما تداعيات الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد الأمريكي بما سوف ينعكس بطبيعة الحال على مستوى الاهتمام الذي توجهه الإدارة الأمريكية لتسوية الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 13/آيار/2009 - 16/جمادى الآولى/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م