يبدو أن المواطن هو الحلقة الأضعف في ديمقراطية الجهل والتراجع
والخذلان..أن الديمقراطية تعني حكم الشعب.... وتعني الالتزام بحكم
الأغلبية واحترام لقرارها وإضافة الحضارة الإنسانية والمدنية...
للديمقراطية أخلاق جديدة وقيم راقية كثيرة وذلك بالدعوة لاحترام حقوق
الأقليات وحقوق الإنسان واحترام الثقافات وعدم التجاوز على أي مكون
اجتماعي مهما كان...
وللأسف يبدو أن ديمقراطية الجهل المستتر في قوائم الانتخابات
المغلقة (المرسوم بفكر مخابراتي أمريكي) كان عبارة عن شبح مبرقع ببرقع
متألق بشعارات منيرة ووعود بالجنة والخلاص... ناغم بنفاق الفكر
والعاطفة للمواطن البسيط الذي عانى ما عانى من ظلم تقلب الأقدار الغبية
في دكتاتوريات القذارة البرجوازية والقومية والبعثية وفق تسلسلاتها
التاريخية منذ سنة 1920 في عصر العراق الحديث... برقع الشبح يخفي مصائب
ومصائب للعراق... لمن أخطأ ولمن ساهم في حدوث هذا الانحدار الكبير في
مستوى القرار الديمقراطي وتدني مستوى فكر المشرعون وتهاونهم.... نقول
له تنبه تنبه من تسلق النفاق على أكتاف الأمل العراقي... والعراق لا
يستحق كل هذا من الوطنيين السابقين....
المشرعون غير مبالون بما يحدث بالعراق الغيابات في مجلس النواب
غريبة ولا توحي بأدنى مسؤولية. يبدو أن الغائب عن فكرهم العراق الوطن
وهم ملتفون برداء الهروب وقضاء الصيف في أوربا وقضاء فترات للمتع في
منتجعات النخلة الامارتية وغيرها من منتجعات الخارج.. لا نرى حضورا
مميزا لهم إلا بجلسات المجلس التي تناقش مكاسبهم والتي اتخذوا القرارات
فيها بالاجماع لمنح انفسهم العطايا والهبات من ثروات العراق...
هذا غير معقول أن ما قرروه لأنفسهم اكبر بكثير مما عملوه للوطن...
نتمنى أن يتم منحهم ما يستحقوا لكن بقرار شعبي وجماهيري وباستفتاء شعبي
(هل من الممكن أن يعرضوا قرارات منح أنفسهم الهبات وعلى الشعب للتصويت
عليها؟).. نعم أن البرلمانيين قرارهم لأنفسهم يذكرني بقرار لأعضاء مجلس
بغداد في عام 2004 عندما توفر لديهم مبالغ مقدراها 5 مليارات دينار
عراقي بدل من أن يصرفوها على توفير الخدمات والمشاريع الخدمية في بغداد...
قاموا بتبذيرها وصرفها لأنفسهم وكان عددهم 37 عضوا... حيث قرروا المنح
لأنفسهم وقرروا زيادة رواتبهم وبعدما قرروا قاموا هم أنفسهم بالموافقة
على قراراتهم... أي ما فعلوه هم مثلما فعل النواب المنتخبون.. وهذا شيء
مضحك ومؤلم..و مثلما يقال ؛؛ يأكلون ويقولوا لأنفسهم عوافي؛؛.. لذا
نقول لهم عوافي عليكم السحت....
النواب لا يفعلون الا ما يخدمهم ويحميهم... في أحدى المرات كنت
حاضرا في مجلس حضره بعض أعضاء مجلس النواب وعندما دار الحديث تحدث
النواب عن الأمن الذي تحقق بالشارع وتحدثوا كثيرا كأنهم هم من فعل
ذلك.... وهم اغلبهم يسيرون بحمايات مستهترة لا تحترم الإنسان ولا تراعي
قيم وحقوق المواطن... وقال احدهم المهم الآن هو هيبة الشرطي بالشارع...
فقلت له وما فائدة هيبة الشرطي بالشارع اذا كان لا يحترم قيم الحضارة
والمدنية ولا يحترم المواطنين ولا يعير أي اهتمام لحقوق الإنسان....
قلت نظام صدام كان الأمن بالشارع أفضل بكثير وكان المواطن يستطيع أن
يتجول في اغلب شوارع بغداد على مدى 24 ساعة باليوم... لكن هذا لا يعني
أن نظام صدام هو نظام عادل... نظام صدام كان دكتاتوري ومتجبر ومستهتر..
فقالوا بعض النواب نعم "بس نظامنا ديمقراطي وصدام كان دكتاتورا"!
فقلت لهم نعم كان النظام السابق دكتاتوري ومن يتحدث بشيء بسيط تقطع
رقبته قبل لسانه... أما الآن فمن يتحدث أنما يتحدث مع نفسه لا احد يهتم
لأمره!... نعم.. أنا افهم الديمقراطية بأنها عندما يتحدث المواطن تسمعه
الدولة... ومعنى كلمة تسمعه هو الاستجابة له والنظر بمشكلته...
الرأي العام يجب ان يكون مهيأ وعليه ان يأخذ أي مشكلة اجتماعية وأي
حدث بجدية كبيرة ويتناول المشكلة لغرض ابرازها وإظهارها والدفاع عن
حقوق الناس بإنسانية وجدية حقيقية... وكأن مشكلة الفرد هي مشكلة
المجموع يعني يوجد احترام كبير للإنسان وقيمه واحترام الحريات
والمحافظة عليها لان حرية أي إنسان لو انتهكت فهذا يعني أن حرية أي
إنسان أخر تكون عرضة للانتهاك أيضا...
كما أن من يدافع عن حقوق الفرد الواحد من الأحزاب والمؤسسات
النقابية والشعبية تبرز نفسها بقوة لتظهر في الانتخابات المستقبلية
كقوة مؤثرة وفعالة ولها شعبية وتأييد جماهيري...
لكن في عراق ما بعد السقوط اين الرأي العام فيه ومن يمثله... هل
الراي العام هو الصمت للغالبية المظلومة المهمشة المحرومة المنكوبة
بالويلات... وصامتة..... ديمقراطيتنا الجاهلة ديمقراطية الأمية لا يمكن
أن ترتقي لا يمكن أن تتعلم لأنها لم تؤسس الا لاستمرار دكتاتوريات
القوائم الكبيرة ومتسلقي السلطة حرباوات الزمان والمكان الذين تسلقوا
على أكتاف النضال وتسيدوا الأقدار الغبية بمباركة أمريكية...
ديمقراطيتنا هي سحق الأحلام وعدم الجدية في تناول هموم الناس
ومعالجتها وحلها... ديمقراطية السقطة تسلق فيها النفاق وتسلق فيها
السراق وكونوا مافيات لسلب الثورات ومن ثم سلب الحقوق بمسلسل قذارة
أمريكي يخطط لشرق أوسط كبيرة هش متنازع متراجع مجزأ يمكن أن تقوده
وتتحكم به مؤسسات أمريكية عبر شركاتها وأنظمة السيطرة والعولمة....
كان الروتين في سبعينات القرن الماضي سهل ومريح نوعا ما وبدا يتفاقم
في الثمانينات بسبب ظروف الحرب وبدا الروتين يصبح أكثر إزعاجا وأكثر
أمنية (للدولة وليس المواطن) وكلما زادت الضرورة الأمنية كلما أصبح
المواطن ضعيف ومستعبد أكثر للسلطة وهذا ما كانت تريده الحكومة هي فرض
سيطرتها على الإنسان وإذلاله والسيطرة عليه بوضعه بسجن كبير اسمه
العراق.. والحساب المستمر في كل مكان... دوائر الدولة وروتينها المقرف
وأنظمة السيطرة على الطرق هي الأخرى أصبحت تذل الإنسان وتجعله في سجن
رعب وخوف وقلق كبير...
وبعد السقوط فرحنا بأننا سنتخلص من كل ذلك لكن للأسف لم يحصل ذلك
وإنما أصبحت المعاملات والروتين أكثر تعقيدا... المفروض القانون يحمي
الإنسان ويحمي حقوقه ويحميه من أي جور (قانون الدولة يجب أن يكون منصف
ويحمي الجميع ويطبق بعدالة)... أي قانون فيه ظلم اجتماعي المنتخبون
بالديمقراطية يمكن أن يعدلوه ويجعلونه مناسب وملائم للقيم الحضارية
والعدالة للإنسانية ومتوافق مع تطور الحياة والزمن...
لكن بالحقيقة ما جرى بعد سقوط هبل بغداد هو روتينيات مملة ومزعجة
وشخصنة ادارية في التفسير... الروتين اضيفت له مصائب كثيرة وأضيف له
أوراق كثيرة أضيفت له ورقة المحسوبية وأضيف له أوراق التزوير وأضيف له
التعقيد والشخصنة..الشخصنة... الشخصنة هي العقدة أو هي عقدة
السلطة(دكتاتورية غبية تتحكم بتفسير القانون وفق هواها)...
لكي نتخلص من الشخصنة الإدارية والفئوية الحزبية نحتاج الى رأي عام
قوي يواجه ولا يساوم رأي عام نزيه ونظيف... لكن أين هذا الرأي العام
ومن يطالب بحقوق المظلومين..لا احد يرى حقوق المظلومين... ولا احد
يدافع عنهم... الإنسان تعلم الرضوخ وتعلم أن لا يأمن ولا يثق بالسلطة
مهما كانت وتعلم بنفس الوقت يخضع لها بذل وباحترام مصطنع... الكل
ينتقدون في جلسات الحوار الأخطاء ويتكلمون بالمبادئ ويتكلمون بالقيم
والأخلاق ويتكلمون بالشيء الصحيح وهم الأغلبية....لكن عندما يكون هناك
موقف وقرار يهرب الجميع ولا يبقى ألا القلة القليلة... لا بل البعض
ينقلبون بشكل مخجل وشكل سيء وشكل غدار...
هذا أيضا لا يمكن أن نقول انه سمة الإنسان لكن هذا سببه غياب
القياديين الصالحين المؤثرين في الرأي العام للمجتمع... غياب الأحزاب
والحركات السياسية النظيفة والتي تمتلك كاريزما التأثير بالمجتمع
كمؤسسة...فقدان المؤسسة النزيه التي تعمل من اجل العراقيين ومن اجل
الوطن وبدون مساومة وبدون تهاون وتنازل عن الحق والحقيقية هذا هو ما
سبب انكفاء الإنسان البسيط على الذات وانتظار القدر بسلبية ليغير
الحدث...
بسقوط صنم بغداد كان هناك أمل وكان هناك رؤية اجتماعية ناضجة لوضع
لبنات الصلاح الأولى للمجتمع.... لكن إعصار الألم والرعونة الذي سببه
تسلق الجهل الغبي المسلح ودعم أخوة يوسف عرب الجوار له بقذارتهم
وأموالهم وإرهابييهم لسحق طموح الشعب... ذلك سبب انهيار وخذلان كبير
لآمال الناس بالخلاص الحقيقي من الألم والذل.. وبسبب الحرمان الكبير
الذي عاناه الشعب خلال العقدين الماضيين أدى الى تسلح الجهل وتسلقه
بغباء للوصول الى السلطة وبنفس الوقت تدمير مقدرات البلد وهذا سبب
انهيار للقوى الجماهيرية التي لم تستطع أن تثبت وجودها وتحافظ على
هيبتها أمام الغباء المخطط له مخابرتينا لكي يجهض الحلم العراقي وتحت
رعاية أمريكية وبتنفيذ سعودي مصرية وخليجي... وصراع أمريكي ايراني
خفي... انهارت الحركات وتوجهت نحو سلوك البرغماتية ونسيان المبادئ مما
جعل هذه الأحزاب الوطنية عرضة لتسلق المنافقين فيها وتسلق السراق وتسلق
أعداء الشعب بوجوههم الجديدة وبذلك فقدت هذه الأحزاب شعبيتها لأنها لم
تنهض بالمواطن ولم تراع معنى للديمقراطية...
لا يوجد مؤسسات ديمقراطية حقيقية في البلد... لا يوجد من يسمع
الآهات والهموم ليحل المشاكل... لا توجد نقابات وروابط منتخبة حقيقية
لتدافع عن حقوق أي فئة شعبية او اجتماعية أو حرفية واو صناعية...
الإدارات التي وصلت للسلطة كانت تمثل صورا ورموزا للنظام السابق وبعضها
تقمص الأسلوب البعثي بالإدارة بعدم احترم الإنسان ( دكتاتورية مصغرة
وشخصنة ادارية لا قانون ولا عدالة)...
كان المفروض بمجلس النواب أن يقوم بتشريع قوانين تحمي الإنسان
وتمنحه حقوقه وتبين له واجباته وتصدر القوانين التي تمنع أي انتهاك
للنظام ولحقوق المواطن.. لكن أين هي دولة القانون... والله أن شعار
دولة القانون مضحك جدا..مضحك ومبكي بحرقة خذلان...اذا الشعب يوما أراد
الحياة لا بد أن يستجيب القدر... وشعبنا حيا لن يموت..وكل ما يحتاجه
مثقفين حقيقيين لتثقيف المجتمع وخلق رأي عام شجاع وقوي وفعال... لا
نلوم المواطنين البسطاء وإنما نلوم المثقفين ونقول لهم أين انتم
انهضوا!!! أن الشعب ينتظركم لتنهضوا به....!
drali_alzuky@yahoo.com |