تقرير الإرهاب العالمي: التقييم الاستراتيجي والمراجعة العامة

الخارجية الأمريكية ونظرة أمريكية على مستوى الإرهاب العالمي والدول الراعية له

 

شبكة النبأ: أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية تقارير البلدان الخاصة بالإرهاب يوم 30 نيسان/أبريل، 2009، وهي تقارير سنوية تصدرها الوزارة، وتتضمن تقييمها للتهديد الإرهابي في العالم.

والمقتطفات أدناه تضم الفصل الأول الخاص بالتقييم الاستراتيجي لوضع الإرهاب في العالم حسب معطيات العام 2008، والفصل الثاني المتعلق بالمراجعة العامة الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وهي تركز أساسا على العراق والقاعدة، ثم الفصل الثالث، وهو الخاص بالدول الراعية للإرهاب ويركز أساسا على دعم إيران للإرهاب. بحسب موقع امريكا دوت غوف.

وفي تقييمه الاستراتيجي لإرهاب القاعدة، قال التقرير إنه في حين تواصل القاعدة والشبكات المُرتبطة بها التراجع من الناحية الهيكلية وأمام الرأي العام العالمي، فإن  القاعدة "بقيت تُشكِّل التهديد الإرهابي الأكبر للولايات المتحدة وشركائها في العام 2008."

ولدى تناوله الأوضاع بصورة عامة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، قال التقرير إن معظم حكومات المنطقة تعاونت مع الولايات المتحدة في نشاطات مكافحة الإرهاب وباشرت البلدان بتنفيذ الجهود لتعزيز قدراتها في مكافحة الإرهاب بفعالية. وقال إن هذه الجهود اشتملت على المشاركة في برامج المساعدة لمكافحة الإرهاب التي ترعاها حكومة الولايات المتحدة واتخاذ خطوات لتقوية الأنظمة المصرفية والقانونية لمحاربة تمويل الإرهابيين.

وفي حديثه عن الدول الراعية للإرهاب، قال التقرير إن السودان استمر في اتخاذ خطوات ذات شأن باتجاه تحقيق تعاون أفضل في مكافحة الإرهاب. لكنه قال إن سورية وإيران "لم تنبذا الإرهاب، أو أنهما لم تبذلا جهودا للعمل ضد منظمات إرهابية أجنبية ووفرتا بوتيرة روتينية ملجأً آمناً، وموارد ذات شأن، والإرشاد إلى منظمات إرهابية." وقال أيضا إن كوبا استمرت في الدفاع العلني عن قوات كولومبيا الثورية المسلّحة  (FARC) ووفّرت ملاذا آمناً لبعض أعضاء منظمات إرهابية.

وفي ما يلي نص مقتطف من الفصول الثلاثة الأول من هذه التقارير، بدءا بالفصل الأول وهو بعنوان: التقييم الاستراتيجي:

الفصل الأول: التقييم الاستراتيجي

يُلقي هذا الفصل الضوء على اتجاهات الإرهاب والقضايا المُستمرة في العام 2008 من أجل توفير إطار العمل للمناقشة التفصيلية في فصول لاحقة.

الاتجاهات في العام 2008

القاعدة والاتجاهات المرتبطة بها: تواصل القاعدة والشبكات المُرتبطة بها التراجع من الناحية الهيكلية وأمام الرأي العام العالمي، ولكنها بقيت تُشكِّل التهديد الإرهابي الأكبر للولايات المتحدة وشركائها في العام 2008. أعادت القاعدة بناء بعض قدراتها العملياتية التي كانت تمتلكها  قبل 11/9 من خلال استغلال مناطق القبائل المُدارة فدرالياً في باكستان (FATA)، واستبدال ضباط العمليات الذين أسروا أو قتلوا، واستعادة بعض السيطرة المركزية من جانب كبار قادتها ولا سيما أيمن الظواهري. نتج عن الجهود العالمية للتصدي لتمويل الإرهاب ظهور نداءات من القاعدة طلباً للأموال في بعض رسائلها الأخيرة.

خلال السنوات التي تلت هجمات 11/9 انتقلت القاعدة وحلفاؤها المتطرفون عبر حدود أفغانستان إلى المناطق النائية المجاورة للحدود الباكستانية حيث استعملت هذه الأراضي كملجأ آمن للاختباء، وتدريب الإرهابيين، والاتصال مع الأتباع، وتخطيط العمليات الهجومية، وإرسال مقاتلين لدعم المتمردين في أفغانستان. وهكذا، فإن مناطق القبائل ذات الحكم الفدرالي في باكستان وفّرت العديد من الفوائد لطالبان التي كانت تستمدها في السابق من قاعدتها عبر الحدود داخل أفغانستان.

استمر التهديد الصادر عن "القاعدة في العراق" في التراجع. ففي حين أنها لا تزال خطرة، واجهت القاعدة في العراق انشقاقات ذات شأن، وفقدت مناطق تعبئة رئيسية، وعانت من تعطيل البنية التحتية الداعمة والتمويل، وأُجبرت على تغيير أولويات أهداف هجماتها. وبالفعل، تراجعت وتيرة التفجيرات الانتحارية عبر البلاد، التي تعتبر مؤشراً رئيسياً للقدرة العملياتية للقاعدة، بدرجة هامة، خلال عام 2008. واستمرت المبادرات الهادفة إلى التعاون مع رؤساء العشائر والزعماء المحليين في العراق لتشجيع القبائل السّنيّة والمواطنين على رفض القاعدة في العراق وإيديولوجيتها المتطرفة. وكذلك فإن النمو المستدام للقدرات وتحسين قوات الأمن العراقية زادا من فعاليتها في استئصال الخلايا الإرهابية. وانقلب السكان المحليون في محافظات بغداد والأنبار وديالى وأماكن أخرى ضد القاعدة في العراق وتعاونوا مع الحكومة العراقية وقوات الائتلاف لهزيمتها.

الغزو الإثيوبي في أواخر عام 2006 للصومال أجبر القاعدة على الهرب في منطقة شرق أفريقيا، ولكنه كان أيضا بمثابة نقطة تجمع للميليشا المناهضة لإثيوبيا، المناهضة للحكومة ولتنظيم الشباب. بعد أن طردت القوات الإثيوبية مجلس المحاكم الإسلامية  من الحكم، أطلق تنظيم الشباب، الجناح المتشدد في مجلس المحاكم الإسلامية السابق، والميليشات العشائرية المختلفة تمرداً عنيفاً استهدف الوجود الإثيوبي في الصومال، والحكومة الفدرالية الانتقالية  المؤقتة في الصومال، ومهمة حفظ السلام في الصومال التابعة للاتحاد الأفريقي.

تواصلت الهجمات ضد القوات الإثيوبية والحكومة الفدرالية المؤقتة في الصومال في عام 2008، إثر نداء في أوائل عام 2007 وجهه أيمن الظواهري، أحد قادة القاعدة، حثّ فيه جميع المقاتلين على العمل وتقديم الدعم للمسلمين الصوماليين في حرب مُقدّسة ضد القوات الإثيوبية. أدى الفراغ الأمني الناتج في أجزاء من الصومال الأوسط والجنوب إلى قيام فصائل متفرقة بمعارضة تنظيم الشباب وإيديولوجيته المٌتطرفة. غير أن مقاتلي تنظيم الشباب المتشددين والمقاتلين الأجانب، والميليشات المتحالفة استمروا في تنفيذ هجمات جريئة في مقاديشو والضواحي النائية، وبصورة أولية في جنوب وسط الصومال. استمرت عناصر القاعدة في الاستفادة من الملجأ الآمن في مناطق الصومال الجنوبية الخاضعة لنفوذ تنظيم الشباب. بعد أن أمر قادة تنظيم الشباب علناً مقاتليهم بمهاجمة قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي في مقاديشو، انفجرت سيارة مفخخة بجوار قاعدة لقوات الاتحاد الأفريقي في العاصمة، في 24 كانون الثاني/يناير 2008، مما أدى إلى مقتل 13 شخصاً تقريباً.

نفّذت "القاعدة في اليمن" عدة هجمات ضد أهداف سياحية وأميركية وحكومية يمنية، وكان أبرزها الهجوم الذي حصل في 17 أيلول/سبتمبر ضد السفارة الأميركية في صنعاء ونتج عنه مقتل 18 شخصاً. حصلت هجمات أخرى في اليمن وصل عددها إلى 12 في العام 2008، وشملت هجوماً في كانون الثاني/يناير أدى إلى مقتل سائحيْن بلجيكيين وسائقين يمنيين في محافظة حضرموت الجنوبية. رغم الغارة التي نفذتها الحكومة اليمنية في آب/أغسطس ضد خلية تابعة للقاعدة في اليمن ونتج عنها مقتل قائد الخلية، لكنها لم تتمكن من تعطيل خلايا أخرى للقاعدة في اليمن. واصل اليمن زيادة قدراته الأمنية البحرية، لكن الأمن على الحدود البرية على طول الحدود الشاسعة الممتدة مع المملكة العربية السعودية ظل يمثل مشكلة رغم التعاون اليمني – السعودي المتزايد حول مسائل الأمن الثنائي.

استمرت جماعة "القاعدة في المغرب الإسلامي"  في الاحتفاظ بمعسكرات تدريب وشبكات دعم في المناطق المعزولة والنائية من الجزائر والساحل. وواصلت استهداف الحكومة الجزائرية بصورة أولية، ولكنها وجّهت أيضاً تهديدات ضد ما أسمته الغربيين "الصليبيين" ولا سيما المواطنين الأميركيين والفرنسيين، مع أنه جرى أيضاً استهداف مواطنين روس ودانمركيين ونمساويين وسويسريين وبريطانيين وألمان وكنديين، ومورست أيضاً عمليات خطف رهائن للحصول على فدية. تّم اكتشاف و/أو تفكيك خلايا لدعم القاعدة في المغرب الإسلامي في أسبانيا، وإيطاليا، والمغرب، وموريتانيا، والجزائر، وتونس، ومالي. وفي الجزائر حصل ارتفاع خطير في عدد الهجمات الإرهابية التي ادعت القاعدة في المغرب الإسلامي أنها نفذتها خلال شهر آب/أغسطس ونتج عنها مقتل 79 شخصاً على الأقل في أحداث متنوعة عبر القسم الشمالي الشرقي من البلاد، وكان معظمها على شكل تفجيرات انتحارية.

واصلت القاعدة جهودها الدعائية الساعية لتحفيز الدعم لها بين أوساط السكان المسلمين، وتقويض الثقة في الغرب، وتعزيز الإدراك بوجود حركة عالمية قوية. يعتبر الإرهابيون العمليات الإعلامية جزءاً رئيسياً من جهودهم. كما أن استخدامهم للإنترنت لأغراض الدعاية، والتجنيد، وجمع الأموال، وبصورة متزايدة للتدريب، جعل من الإنترنت "ملجأً آمناً افتراضياً." وبعد كل هذا، ينبغي القول إنه يبدو أن بن لادن والظواهري كانا في وضع يتسم بالرد على الأحداث أكثر من توجيهها، وبصورة خاصة خلال النصف الأخير من عام 2008.

علاوة على استغلال التدخلات الدولية في العراق وأفغانستان كأدوات لنشر التطرف وجمع الأموال، سعت القاعدة أيضاً إلى استعمال النزاع الإسرائيلى- الفلسطيني، لكنها كانت تنقصها المصداقية في هذا الخصوص. وما زال على المجتمع الدولي أن ينظم برنامجاً منسقاً وممولاً بصورة فعّالة لمواجهة هذه الدعاية المتطرفة.

حركة طالبان ومجموعات المتمردين والعصابات الإجرامية الأخرى:  حركة طالبان ومجموعات غيرها من المتمردين والعصابات الإجرامية، وبعضها كان مرتبطاً بالقاعدة وبرعاة الإرهاب خارج البلاد، تسيطر على أقسام من أفغانستان وباكستان وتهدد استقرار تلك المنطقة. ارتفعت بثبات وتيرة الهجمات ضد جنودنا، وضد الحلفاء في الحلف الأطلسي، والحكومة الأفغانية. قتل متمردون من طالبان زعماء محليين وهاجموا المراكز الأمامية للحكومة الباكستانية في مناطق القبائل الفدرالية في باكستان. نفذ الحلفاء العقائديون لطالبان هجمات متكررة في مقاطعة الحدود الشمالية الغربية في باكستان، ولا سيما في وادي سوات، ووسعوا عملياتهم حتى مقاطعة البنجاب وعاصمتها إسلام أباد. يُستخدم الانتحاريون بصورة متزايدة لاستهداف باكستانيين، بالإضافة إلى القيام بغارات عبر الحدود ضد القوات الدولية للمساعدة الأمنية.

استمرت حكومة أفغانستان في تعزيز مؤسساتها القومية، وأشار بعض الاستطلاعات إلى أن غالبية الأفغانيين يعتقدون بأنهم أصبحوا في حال أفضل الآن عما كانوا عليه تحت حكم طالبان. الرابط الوثيق بين الإرهاب والمخدرات والتمويل من الخليج زادا من قدرة طالبان على القتال، كما أن جهود طالبان في إقناع الأفغانيين بأن القوات الدولية للمساعدة الأمنية والفساد في حكومة أفغانستان هي مصدر ما تعاني منه أفغانستان من مشاكل أشعلت حركة التمرد وحجبت الجهود المشروعة الهادفة إلى إقناع الأفغانيين بنبذ التطرّف والعنف. إن مساعدة المجتمع الدولي للحكومة الأفغانية من أجل تنمية قدراتها في مقاومة التمرّد، وضمان الحكم المشروع الفعّال، ومكافحة الطفرة المفاجئة في زراعة المحاصيل المخدرة، تُشكِّل كلها أموراً أساسيةً في الجهود لهزيمة طالبان ومجموعات المتمردين والعصابات الإجرامية الأخرى.

الدول الراعية للإرهاب

استمرت رعاية الدول للإرهاب في تقويض الجهود الرامية إلى تقليص الأعمال الإرهابية. ظلت إيران الدولة الأهم التي ترعى الإرهاب. استخدمت إيران لمدة طويلة الإرهاب لتحافظ على مصالحها الأمنية القومية الرئيسية ومصالحها السياسية الخارجية التي تشمل بقاء النظام، والسيطرة على المنطقة، ومعارضة السلام العربي- الإسرائيلي، ومكافحة النفوذ الغربي، ولا سيما في الشرق الأوسط. تستمر إيران في الاعتماد بصورة مبدئية على قوات الحرس الثوري الإسلامي- سرايا القدس، لإقامة العلاقات السرية وتقديم الدعم للمجموعات الإرهابية والإسلامية في الخارج، ومنها: حزب الله في لبنان، والمجموعات الفلسطينية الإرهابية مثل حماس، والجهاد الإسلامي الفلسطيني وبعض المجموعات المقاتلة من الشيعة العراقيين والمقاتلين الإسلاميين في أفغانستان والبلقان وأماكن غيرها. خلال العام 2008، استمرت سرايا القدس في تزويد الأسلحة والتدريب والتمويل لحزب الله اللبناني من أجل الدفع قدما بحملتها المناهضة لإسرائيل وتقويض الحكومة المنتخبة في لبنان. رغم الانخفاض المؤثر في عدد الهجمات في العراق منذ آب/أغسطس 2008، بقي الأمن هشاً جزئياً بسبب استمرار سرايا القدس في تقديم دعم فتّاك لمجموعات مقاتلة عراقية مختارة تستهدف القوات الأميركية والعراقية وقوات الائتلاف. واستمرت عمليات نقل الأسلحة الإيرانية إلى أعضاء مُختارين من طالبان في أفغانستان خلال عام 2008 في تهديد القوات الأفغانية وقوات الناتو العاملة بموجب تفويض من الأمم المتحدة، وفي تقويض جهود تثبيت الاستقرار في تلك البلاد. وكذلك واصلت الحكومة الإيرانية سعيها لتوسيع روابطها العسكرية خلال هذه الفترة ضمن نصف الكرة الأرضية الغربي وأجزاء من أفريقيا من خلال قوات الحرس الإسلامي- سرايا القدس.

دحر عدو إرهابي سريع الحركة

المجموعات الإرهابية التي تبعث على أكبر القلق، بسبب قدرات تواصلها العالمية، لديها العديد من الخصائص المشتركة مع حركة التمرّد العالمية: حملات دعائية، دعم شعبي، إيديولوجية عابرة لحدود الدول، وطموحات سياسية وإقليمية. يتطلب الرد على ذلك استجابة شاملة تركّز الاهتمام على الذين ينفذون عمليات التجنيد وشبكاتهم، وعلى المجندين المحتملين، وعلى السكان المحليين، وعلى الإيديولوجيات. تشمل أي مقاربة كاملة القيام بجهود تهدف إلى حماية وتأمين سلامة السكان، والتهميش السياسي والمادي للمتمردين، وكسب دعم وتعاون السكان المعرضين للأخطار من خلال تنفيذ إجراءات سياسية وإنمائية مستهدفة، وإجراء عمليات دقيقة تقودها الاستخبارات من أجل القضاء على العناصر المعادية الخطرة مع الحد الأدنى من المخاطر التي تُعرّض حياة المواطنين الأبرياء للخطر.

تحققت إنجازات ذات شأن في هذا النطاق خلال هذه السنة ضد أهداف قيادات الإرهابيين، وأدت بصورة خاصة إلى أسر أو قتل قادة إرهابيين رئيسيين في باكستان والعراق وكولومبيا. توفر لنا هذه الجهود الوقت لتنفيذ العناصر غير القاتلة والطويلة الأمد للاستراتيجية الشاملة لمكافحة الإرهاب وهي: تعطيل العمليات الإرهابية، والاتصالات، والدعاية، وجهود التخريب، والتخطيط، وجمع الأموال، ومنع انتشار التطرف قبل أن يتجذر، وذلك من خلال معالجة المظالم التي يستغلها الإرهابيون، وتشويه سمعة الإيديولوجية التي توفر لهم الشرعية. تشمل الأعمال التي توفر هذه الأهداف الاستراتيجية بناء وتعزيز الشبكات بين الحكومات، والتعاون المتعدد الأطراف، ومنظمات الأعمال، والعمل ضمن المجتمع المدني. من الأمور الحاسمة لتحقيق ذلك، تمكين الأصوات ذات المصداقية وتوفير البدائل للانضمام إلى منظمات متطرفة.

نعمل مع حلفاء وشركاء عبر العالم، كما أوجدنا بيئة عمل أقل تساهلاً مع الإرهابيين، كما فرضنا على قادة الإرهابيين مواصلة الانتقال من مكان إلى آخر أو مواصلة الاختفاء، وحططنا من شأن قدرتهم على التخطيط وتنفيذ الهجمات. لعبت كل من كندا، استراليا، المملكة المتحدة، ألمانيا، إسبانيا، الأردن، الفليبين، الباكستان، أفغانستان، العراق والعديد من الشركاء الآخرين أدواراً رئيسية في تحقيق هذا النجاح. وتستمر عشرات من الدول في إصدار تشريعات مضادة للإرهاب أو تعزيز القوانين القائمة السارية بحيث تضمن فرض تطبيق قوانينها وتكوين سلطات قضائية مزودة بأدوات جديدة لتقديم الإرهابيين إلى العدالة. زادت الولايات المتحدة عدد الشركاء الأجانب الذين تتقاسم معهم معلومات للتدقيق والتحقق من  الإرهابيين. وتشكّل هذه المعلومات أداة مهمة لتعطيل وتعقب سفر إرهابيين معروفين ومشتبه بهم. طبقت المملكة العربية السعودية أحد أول برامج إعادة تأهيل المتطرفين العائدين من أجل تحويلهم ضد التطرف العنيف وإعادة دمجهم في المجتمع كمواطنين مسالمين.

تعمل وزارة الخارجية الأميركية من خلال المبادرة الاستراتيجية الإقليمية ووكالات أميركية أخرى مع سفراء الولايات المتحدة في الخارج في مسارح عمليات رئيسية للإرهابيين من أجل تقييم التهديدات وتصميم الاستراتيجيات التعاونية، وإنشاء خطط عمل وتوصيات سياسية. حققنا تقدماً في تنظيم استجابات إقليمية ضد الإرهابيين الذين يعملون في أماكن غير خاضعة لأي حكم أو العابرة للحدود القومية. ولّدت هذه المبادرة تنسيقاً أفضل بين الحكومات، وبين الوكالات الحكومية الأميركية، وتعاوناً أكبر مع وبين الشركاء الإقليميين وتخطيطاً وتحديداً للأولويات أحسن مما سمح لنا باستعمال كافة أدوات فن الحكم من أجل وضع إجراءات طويلة الأمد تهدف إلى تهميش الإرهابيين. (أنظر الفصل 5، "ملاجئ آمنة للإرهابيين" ]التقرير رقم 7120[ للحصول على مزيد من المعلومات حول المبادرة الاستراتيجية الإقليمية وعلى الأدوات التي تستعملها لمعالجة الظروف التي يستغلها الإرهابيون). شهد عام 2008 تحسناً في القدرة والتعاون بشأن مثل هذه المسائل الرئيسية كاستئصال التطرف، وأنظمة مراقبة الحدود، وتأمين سلامة المستندات، واعتراض سبل ناقلي الأموال النقدية، والأنظمة البيومترية (التمييز اللفظي والأحيائي على الحدود) وغير ذلك من تشاطر معلومات السفر.

استمر اللجوء إلى التطرف بين أوساط السكان المهاجرين والشباب والأقليات المستاءة في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا. كان التركيز الخاص على إنشاء أساليب جديدة في أوروبا مثمراً وأوضح الطريق لفهم دور الحكومة في محاربة التطرف. من الواضح بصورة متزايدة أن التطرف لا يحصل بالصدفة أو بسبب كون مثل هؤلاء السكان معرضين فطرياً للتطرف. بل بالأحرى شاهدنا إثباتات متزايدة حول إرهابيين ومتطرفين يستغلون تظلمات وشكوى السكان الشباب أو المهاجرين المستائين، ويستغلون باستهتار تلك التظلمات لتقويض السلطة الشرعية وخلق الاضطراب. كما لاحظنا عملية "التطرف الذاتي" التي يسعى من خلالها الشباب إلى الاتصال بالمتطرفين لينخرطوا في القتال الأوسع للقاعدة.

إن جهود استغلال مظالم المهاجرين والشباب تمثّل ما يشبه "الحزام الدوار" الذي من خلاله يسعى الإرهابيون إلى تحويل السكان المستائين أو المظلومين، على مراحل، إلى وجهات نظر متطرفة وبالتالي إلى مؤيدين، ومساندين، وفي نهاية المطاف في بعض الحالات، إلى أعضاء في شبكات إرهابية. وفي بعض المناطق، يشمل ذلك الجهود التي تقوم بها القاعدة وإرهابيون آخرون لاستغلال التمرد والنزاع المجتمعي كأدوات للتطرف والتجنيد، كما  ويستخدمون الإنترنت لإيصال رسالتهم.

إن مكافحة التطرف مسألة ذات أولوية لدى الولايات المتحدة ولا سيما في أوروبا، بالنظر إلى إمكانية وجود تطرف عنيف في أوروبا يكون قادرا على تهديد الولايات المتحدة ومصالحها الرئيسية بصورة مباشرة. فالقاعدة والجماعات المرتبطة بها مهتمة بتجنيد الإرهابيين من أوروبا ونشرهم فيها. وهذه الجماعات مهتمة على وجه الخصوص بالناس الملمين بالثقافات الغربية ويستطيعون السفر بحرية في المنطقة وإلى الولايات المتحدة. لكن مواجهة مثل هذه الجهود تتطلب منا معاملة السكان المهاجرين والشباب ليس كتهديد تتوجب الوقاية منه، بل كهدف يسعى العدو لتخريبه تتوجب حمايته ومساندته. تتطلب هذه المواجهة أن يتحمل قادة المجتمع المحلي المسؤولية عن أعمال الأعضاء داخل مجتمعاتهم الأهلية وأن يعملوا على إبطال مفعول الدعاية المتطرفة والتخريبية. كما تتطلب أيضاً من الحكومات أن تقوم بدور التسهيل وتعمل كمنظمة وشريكة فكرية لمنظمات وأناس من أصحاب المصداقية يستطيعون أن يفعلوا ما لا تستطيع الحكومات أن تفعله. وأخيراً، فإن التعاون الثنائي والإقليمي والمتعدد الأطراف هو أمر أساسي جدا.

نستكشف أيضاً كيفية تجنيد القدرة الهائلة للقطاع الخاص في الولايات المتحدة الذي يتمتع بطاقة اقتصادية جبارة والاستجابات السريعة والمرنة للسوق والظروف الأمنية. نحتاج لأن نجد طُرقاً أفضل لنشر هذه القوة ضد الإرهابيين. وللقطاع الخاص، من جانبه، مصلحة ثابتة في المشاركة ضد المتطرفين العنيفين من أجل تأمين بقائه وفرصه الاستثمارية/الاقتصادية في المستقبل.

الفصل الثاني: مراجعة عامة.. الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

تعاون معظم الحكومات في المنطقة مع الولايات المتحدة في نشاطات مكافحة الإرهاب وباشرت البلدان بتنفيذ الجهود لتعزيز قدراتها في مكافحة الإرهاب بفعالية. شملت هذه الجهود المشاركة في برامج المساعدة لمكافحة الإرهاب التي ترعاها حكومة الولايات المتحدة واتخاذ خطوات لتقوية الأنظمة المصرفية والقانونية لمحاربة تمويل الإرهابيين.

حققت الحكومة العراقية، بالتنسيق مع الائتلاف، تقدماً ملموسا في محاربة القاعدة في العراق والمنظمات الإرهابية المرتبطة بها. فقد حدث انخفاض ملحوظ في عدد الحوادث الأمنية عبر الكثير من المناطق العراقية شمل الانخفاض في عدد الضحايا المدنيين، وعدد الهجمات المعادية، وعدد الهجمات بأجهزة التفجير المحلية الصنع خلال الربع الأخير من السنة. واصلت المنظمات الإرهابية ومجموعات المتمردين هجماتهما ضد قوات الائتلاف وقوات الأمن العراقية باستعمال أجهزة تفجير محلية الصنع، وأجهزة تفجير محلية الصنع مركّبة ومحمولة على عربات وانتحاريين.

استمرت الحكومة العراقية في التشديد على المصالحة الوطنية، وحققت نجاحاً في إقرار قوانين رئيسية تتعلق بالمصالحة، كما اتخذت أيضاً خطوات عملية ساعدت في تقدّم المصالحة على مستوى المحافظات وعلى المستوى المحلي. استمرت الولايات المتحدة في بذل جهودها المُركّزة لتخفيف حدة الخطر الذي يشكله المقاتلون الأجانب في العراق واستمرت الدولتان الراعيتان للإرهاب، إيران وسورية، في لعب أدوار في تقويض الاستقرار في المنطقة (أنظر الفصل 3، الدول الراعية للإرهاب).

استمرت "عملية الجيران الموسعة" في تأمين منتدى للعراق ولجيرانه من أجل معالجة التحديات السياسية والأمنية التي تواجه العراق والمنطقة. في تشرين الثاني/نوفمبر، أرسلت الحكومة العراقية ممثلين إلى سورية للمشاركة في مجموعة عمل "عملية الجيران الثانية" حول أمن الحدود، حيث سعت المجموعة لإيجاد طرق جديدة للحد من تدفق الإرهابيين الأجانب إلى العراق.

ردت إسرائيل على التهديد الإرهابي، كما كانت تفعل في السنوات الأخيرة، واستهدفت في عملياتها قادة الإرهابيين، والبنية التحتية للإرهاب، والأعمال الإرهابية النشطة، مثل مجموعات إطلاق الصواريخ. واستمر الجيش الإسرائيلي وأجهزة الأمن الإسرائيلية في غاراتها في الضفة الغربية لإجراء عمليات تطويق وعمليات عسكرية أخرى صممت لزيادة الضغط على المنظمات الإرهابية الفلسطينية ومؤيديها. كما فرضت أجهزة الأمن الإسرائيلية إجراءات إغلاق صارمة وواسعة النطاق، ومنعت التجول في المناطق الفلسطينية. الهجمات العشوائية المنتظمة بالصواريخ على إسرائيل انطلاقاً من غزة قابلتها قوات الجيش الإسرائيلي بالرد على إطلاق النار بصورة انتقامية. كما استمرت إسرائيل أيضاً في سياستها في تنفيذ اغتيالات مستهدفة في غزة. وفي حين استمر الانخفاض الإجمالي في عدد الهجمات الإرهابية التي نفذت بنجاح بالمقارنة مع عددها في السنوات السابقة، أكد مسؤولون أمنيون إسرائيليون أن الانخفاض لم يكن بسبب غياب جهود الإرهابيين بل لأن الأجهزة الأمنية استطاعت أن تبقي مخططي الإرهابيين وعملائهم في حالة عدم توازن، وأحبطت الأعمال الإرهابية قبل أن تنفذ. ونفذت قوات السلاح الجوي الإسرائيلي بصورة متزايدة ضربات جوية ضد مجموعات إطلاق الصواريخ في تشرين الثاني/نوفمبر وكانون الأول/ديسمبر، وذلك على أثر تصاعد هجمات الصواريخ وإطلاق قذائف مدافع الهاون. وأطلقت إسرائيل عملية "كاست ليد" (الرصاص المصبوب) في غزة في 27 كانون الأول/ديسمبر، رداً على هذه الهجمات بالصواريخ.

في لبنان استمرت حملة التخويف السياسي المحلية وشملت عدة هجمات ضد عناصر الجيش اللبناني وقوات الأمن الداخلي. في أيار/مايو، بادر حزب الله اللبناني إلى تنفيذ مواجهات مسلحة ضد الحكومة اللبنانية وعناصر سنية ومسيحية أخرى في البلاد رداً على محاولة الحكومة إغلاق شبكة اتصالات سلكية ولاسلكية مستقلة تابعة لحزب الله، كما بالإضافة إلى إقالة رئيس جهاز أمن المطار المنتمي إلى حزب الله. قُتل عماد مغنية، وهو مسؤول في حزب الله يشتبه بأنه قام بعدة تفجيرات ضد مواطنين أميركيين، في دمشق، بسورية في شباط/فبراير، ولم تتبنّ أية جهة مسؤولية اغتياله.

الهجمات في الجزائر التي حصلت في آب/أغسطس أودت بحياة حوالي 80 شخصاً. شكلت هذه الهجمات مؤشراً للتحولات في الاستراتيجية التي انتهجتها القاعدة في المغرب الإسلامي نحو الهجمات التي تستخدم تكتيكات التفجيرات الانتحارية وأجهزة التفجير المحلية الصنع، ونحو استهداف مصالح غربية كما استهدفت مسؤولين في الحكومة الجزائرية ومدنيين.

في 10 آذار/مارس تبنّت القاعدة في المغرب الإسلامي المسؤولية عن خطف سائحين نمساويين قرب الحدود التونسية الجزائرية. أُطلق سراح الرهينتين في 31 تشرين الأول/أكتوبر بعد دفع فدية. في شباط/فبراير، أصدرت المحاكم التونسية أحكاماً بالإدانة على ثمانية من 30 تونسياً جرت محاكمتهم لاشتراكهم في مؤامرة نفذت يسن كانون الأول/ديسمبر 2007 وكانون الثاني/يناير 2008، واستهدفت مصالح أميركية وبريطانية في تونس.

تَدهور الوضع الأمني في اليمن إلى درجة كبيرة خلال السنة الماضية مع زيادة القاعدة في اليمن لهجماتها ضد مؤسسات غربية ويمنية. وفي 17 كانون الثاني/يناير، كمن عملاء للقاعدة لقافلة سواح في محافظة حضرموت الشرقية وقتلوا اثنين من البلجيكيين. وهوجمت السفارة الأميركية في 17 أيلول/سبتمبر وكان من بين الضحايا عدة موظفين أمنيين يمنيين، ومواطنون يمنيون ومواطن أميركي واحد.

العراق

ظل العراق شريكاً ملتزماً في جهود مكافحة الإرهاب. فقد استمرت الحكومة العراقية، بدعم من قوات الائتلاف، في تحقيق تقدم مهم في محاربة القاعدة في العراق والمنظمات الإرهابية المنضمة إليها كما عناصر الميليشيا الشيعية المنخرطة في الإرهاب. الانخفاض المهم الذي طرأ على عدد الأحداث الأمنية عبر الكثير من المناطق العراقية، ابتداءً من النصف الثاني للعام 2007، استمر في العام 2008، كما انخفض بدرجة أكبر عدد الضحايا من المدنيين، وعدد الهجمات المعادية، وعدد الهجمات بأجهزة التفجير المحلية الصنع.

واصلت المنظمات الإرهابية ومجموعات المتمردين تنفيذ هجمات ضد قوات الائتلاف وقوات الأمن العراقية باستعمال أجهزة تفجير محلية الصنع شملت أجهزة تفجير محلية الصنع، بما فيها متفجرات محلية الصنع محمولة على سيارات وانتحاريين. واستعملت ابتداءاً من تشرين الثاني/نوفمبر 2007 وطوال تموز/يوليو 2008، مدافع الهاون المحلية الصنع في تنفيذ هجمات ضد قوات الائتلاف، مما تسبب في وقوع ضحايا من العسكريين والمدنيين. كما استخدمت القاعدة في العراق، وشركاؤها المتطرفون من السُنّة، مواطنين عراقيين ونساء كانتحاريين. وشنّت قوات الائتلاف سلسلة كاملة من العمليات لهزيمة التهديدات المتكيفة التي تستخدمها القاعدة في العراق، وهي عمليات قامت بها القوات العراقية، أو تمت بمشاركتها أو من خلالها.

ألحقت القوات العراقية وقوات الائتلاف هزيمة تكتيكية بالعديد من خلايا القاعدة في بغداد والأنبار، فحشدت عناصر القاعدة قواتها ضمن محافظتي نينوى وديالى. رغم حصرها داخل ملاجئ آمنة أصغر حجماَ في العراق، واحتفظت القاعدة في العراق بجيوب من المتطرفين في بغداد وحولها وفي الأنبار. ركزت قوات الائتلاف في محافظة نينوى عملياتها ضد القاعدة في العراق، والمتطرفين السنة من ذوي الذهنية المماثلة، وتمكنت من أسر أو قتل قادة رئيسيين. في 5 تشرين الأول/أكتوبر قتلت القوات الأميركية أبو قسورة، أمير القاعدة في الشمال والرجل الثاني في قيادة القاعدة في العراق. استمرت القاعدة في العراق بصورة أولية في استهداف قوات الأمن العراقية، ومجموعات "أبناء العراق"، وأعضاء حركة الصحوة العشائرية. ورغم تحسّن البيئة الأمنية، استمرت القاعدة في العراق في امتلاك وسائل شن هجمات بارزة ضد المدنيين العراقيين والبنية التحتية، وبدا أن تركيزها قد تحول إلى تنفيذ مثل هذه الهجمات. بالإضافة إلى مواجهة القاعدة في العراق والمتطرفين السنة، يحقق العراق تقدما في دحر الإرهابيين عن طريق توفير حوافز بديلة عن الانضمام إلى المنظمات الإرهابية.

استمر الإرهابيون الأجانب، القادمون من شمال أفريقيا ودول أخرى في الشرق الأوسط، من الذين يؤيدون المتطرفين السنّة، في التدفق إلى العراق عبر سورية بصورة رئيسية. مع ذلك فإن أعدادهم كانت أقل من السنة السابقة. الإرهاب الذي ترتكبه مجموعات مسلحة غير مشروعة تتلقى الأسلحة والتدريب من إيران استمر في تهديد أمن واستقرار العراق. لكن حصول مثل هذا العنف (في العام 2008) كان أقل بدرجة ملحوظة عما كان عليه في السنة السابقة. استقرت مجموعات عديدة تتلقى الدعم الإيديولوجي واللوجستي التجهيزي من إيران ضمن المجتمعات المحلية الشيعية في وسط وجنوب العراق. واستمر مسؤولون في الحكومة العراقية في التنديد الشديد بالإرهابيين المنتمين إلى جميع الجهات. وفي 19 تشرين الثاني/نوفمبر، جدد العراق وتركيا والولايات المتحدة الحوار الأمني الرسمي الثلاثي الأطراف كأحد عناصر جهود التعاون المستمرة لمواجهة المجموعة القومية الكردية المتشددة، حزب العمال الكردستاني. واستمر زعماء عراقيون، ومنهم مسؤولون من حكومة إقليم كردستان، في التعبير العلني عن ان حزب العمال الكردستاني هو منظمة إرهابية ولن يُسمح بوجوده في العراق. واستمرت المناقشات الثلاثية الأطراف هذه حتى نهاية السنة.

زادت الحكومة العراقية جهودها الثنائية والمتعددة الأطراف من أجل حشد الدعم الإقليمي والدولي ضد التهديد المشترك الذي يمثله الإرهاب. واستمرت "عملية الجيران الموسعة" في تأمين منتدى يستطيع عبره العراق وجيرانه معالجة التحديات السياسية والأمنية التي تواجه العراق والمنطقة. ففي تشرين الثاني/نوفمبر، أرسلت الحكومة ممثلين إلى سورية للمشاركة في مجموعة عمل "عملية الجيران الثانية" حول أمن الحدود حيث سعت مجموعة العمل إلى إيجاد طرق جديدة للحد من تدفق الإرهابيين الأجانب إلى العراق. وكذلك، على الجبهة الدبلوماسية قدّم سفراء من الأردن البحرين وسورية والإمارات العربية المتحدة والكويت والجامعة العربية أوراق اعتمادهم في عام 2008.

حثت الحكومة العراقية الزعماء الرئيسيين الإيرانيين على وقف المساعدات الفتاكة المقدمة للمليشيات العراقية، وألحق الجيش العراقي الهزيمة بمتطرفين دُربوا وجُهزوا من جانب إيران في البصرة وبغداد ومناطق أخرى. فعلى سبيل المثال، في عملية "هجوم الفرسان" التي نفذت في نيسان/أبريل في البصرة، أمر رئيس الوزراء (نوري) المالكي قوات الأمن العراقية بمقاتلة المليشيات غير المشروعة المدعومة من إيران. ألقت القوات العراقية القبض على متطرفين عنيفين وصادرت أسلحة وساعدت في إعادة تثبيت سلطة القانون في البصرة. وكانت العملية بقيادة عراقية بينما بقيت فِرَق صغيرة من القوات البريطانية والأميركية المؤقتة في المكان لتزويد القادة العراقيين بالمشورة، والوصول إلى الرقابة، وإمكانية طلب موارد إضافية حسب الضرورة.

في 19 نيسان/أبريل، هدّد مقتدى الصدر في تعليقات نشرها رداً على هذه العمليات، بإعلان "حرب مفتوحة حتى التحرير" ضد الحكومة العراقية ما لم توافق على التوقف عن استهداف عناصر جيش المهدي. وازدادت الهجمات التي نفذتها عناصر من جيش المهدي في ضاحية مدينة الصدر لبغداد بعد بيان الصدر. لكن وزير الخارجية هوشيار زيباري رد على ذلك بأن تعهد باستمرار الحكومة العراقية في ملاحقة قوات الميليشا. ورغم كون الهجمات من جانب المقاتلين انخفضت بحدة منذ ذلك الوقت، فقد بقيت روابط المجموعات المقاتلة الشيعية بإيران تُشكِّل تحدياً وتهديداً للاستقرار الطويل الأمد في العراق.

عزت الحكومة العراقية المكاسب الأمنية إلى الطفرة في أعداد قوات الائتلاف، وإلى القرارات المنسوبة إلى بعض العناصر المنضوية في جيش المهدي بقيادة مقتدى الصدر التي طالبت بالتخلي عن العمل المسلح لمصلحة النشاط السياسي. الكفاءة المحسنة لقوات الأمن العراقية والدعم الشعبي المتزايد للأعمال التي تقوم بها القوات العراقية ضد القاعدة في العراق، ومجموعات متطرفة أخرى، تدل أيضاً على مدى التقدم الأمني. فقد زودت مجموعات أبناء العراق قوات الائتلاف والقوات العراقية بمعلومات قيمة ساعدت في تعطيل العمليات الإرهابية والكشف عن مخابئ أسلحة كبيرة. وبدأ دمج أفراد مجموعات "أبناء العراق" في قوات الأمن العراقية في شهر تشرين الأول/أكتوبر. شكلت حركات الصحوة العشائرية السنية تحالفات مع الائتلاف ضد القاعدة في العراق والمجموعات المتطرفة. واستمر مستوى العنف الإثني العرقي والطائفي في الهبوط رغم ان تقارير وردت في وقت متأخر من السنة أفادت بأن الاغتيالات استهدفت مسيحيين في الموصل، وأشارت إلى أن القاعدة في العراق لا زالت تسعى لبث الخوف وعدم الاستقرار من خلال تشجيع العداء بين الإثنيات العرقية وبين الطوائف الدينية.

واصلت قوات الأمن العراقية بناء الزخم التكتيكي والعملياتي، وتولت مسؤوليات الأمن في جميع المحافظات العراقية الـ 18. وفي 17 تشرين الثاني/نوفمبر، وقعت حكومتا العراق والولايات المتحدة اتفاقية أمن وفّرت الأساس القانوني للتعاون الأمني المستمر. سوف تساعد هذه الاتفاقية العراق على تنمية قدرته في محاربة المنظمات الإرهابية وتضع  آليات رسمية لضمان إجراء العمليات الأمنية في المستقبل استناداً إلى أحكام الاتفاقية الأمنية. وسوف يكون الدعم الدولي المستمر أمراً حاسماً للحكومة العراقية لتمكينها من الاستمرار في تنمية قدراتها على محاربة المنظمات الإرهابية. واستمرت خدمات الاستخبارات العراقية في التحسن لجهة الكفاءة وكسب الثقة، لكنها سوف تحتاج إلى دعم مستمر قبل أن تتمكن من تحديد التهديدات الإرهابية الداخلية والخارجية والاستجابة لها بصورة كافية.

الفصل الثالث: الدول الراعية للإرهاب

تزوّد الدول الراعية للإرهاب دعماً حاسماً لمجموعات إرهابية ليست تابعة لأي دولة. ومن دون رعاية الدول، قد تجد مجموعات الإرهابيين صعوبة أكبر في الحصول على التمويل، والأسلحة، والمواد، والمناطق الآمنة التي تحتاج إليها لتخطيط وتنفيذ العمليات. سوف تستمر الولايات المتحدة في الإصرار على أن توقف هذه الدول الدعم الذي تمنحه للمجموعات الإرهابية.

استمر السودان في اتخاذ خطوات ذات شأن باتجاه تحقيق تعاون أفضل في مكافحة الإرهاب. لم تنبذ سورية وإيران الإرهاب، أو أنهما لم تبذلا جهودا للعمل ضد منظمات إرهابية أجنبية ووفرتا بوتيرة روتينية ملجأً آمناً، وموارد ذات شأن، والإرشاد إلى منظمات إرهابية. استمرت كوبا في الدفاع العلني عن قوات كولومبيا الثورية المسلّحة  (FARC) ووفّرت ملاذا آمناً لبعض أعضاء منظمات إرهابية، رغم أن بعضهم وجد في كوبا للمشاركة في مفاوضات السلام مع حكومتي إسبانيا وكولومبيا.

في 11 تشرين الأول/أكتوبر، ألغت الولايات المتحدة تصنيف جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية كدولة راعية للإرهاب استناداً إلى المعايير المنصوص عليها في القانون الأميركي، بما في ذلك شهادة التصديق بأن حكومة كوريا الشمالية لم تزوّد الدعم للإرهاب الدولي خلال فترة الأشهر الستة السابقة، وتقديم التأكيدات من حكومتها بأنها لن تدعم أعمال الإرهاب الدولي في المستقبل.

الدول الراعية: العواقب

تصنيف الدول التي توفّر تكراراً دعماً لأعمال الإرهاب الدولي على أنها دول راعية للإرهاب يفرض أربع مجموعات من العقوبات الأميركية:

- حظر الصادرات والمبيعات المتعلقة بالأسلحة

فرض الرقابة على صادرات المواد ذات الاستعمال المزدوج، التي تتطلب إبلاغا للكونغرس قبل 30 يوما من بيع سلع أو خدمات قد تعزز بدرجة ذات أهمية القدرة العسكرية أو القدرة على دعم الإرهاب للدولة المُدرجة في قائمة الإرهاب.

- منع تقديم أي مساعدة اقتصادية.

فرض قيود مالية متنوعة وتقييدات أخرى، تشمل:

معارضة الولايات المتحدة لتقديم قروض من جانب البنك الدولي وغيره من المؤسسات المالية الدولية.

الاستثناء من الحصانة القضائية في المحاكم الأميركية للدول الراعية للإرهاب وكافة الدول الأخرى التي رعت الإرهاب سابقاً (باستثناء العراق)، بالنسبة للمطالبات بتعويضات نقدية عن الأضرار الناجمة عن الإصابة الشخصية أو الوفاة التي تسببها أعمال إرهابية مُعيّنة، والتعذيب، أو القتل خارج النطاق القضائي، أو تزويد دعم مادي أو موارد لمثل هذه الأعمال.

حرمان الشركات والأفراد من تسهيلات ضريبية عن الدخل المكتسب في دول مدرجة على قائمة الإرهاب.

حرمان المعاملة التي تلغي الرسوم الجمركية للسلع المُصدّرة إلى الولايات المتحدة.

السلطة الخاصة بمنع أي مواطن أميركي من المشاركة في معاملة مالية مع حكومة مُدرجة على قائمة الإرهاب بدون ترخيص من وزارة المالية.

حظر منح عقود من وزارة الدفاع بقيمة تتجاوز 100 الف دولار إلى شركات تملك فيها الدولة الراعية للإرهاب حصة ذات شأن أو تسيطر عليها بالكامل.

إيران

ظلت إيران الدولة الراعية للإرهاب الأكثر نشاطاً. فقد كان لاشتراك إيران في التخطيط والدعم المالي للهجمات الإرهابية عبر الشرق الأوسط، وأوروبا، وآسيا الوسطى تأثير مباشر على الجهود الدولية لتعزيز السلام، كما هدد الاستقرار الاقتصادي في الخليج، وقوّض نمو الديمقراطية.

تُشكِّل سرايا القدس، وهي فرع نخبوي من قوات الحرس الثوري الاسلامي الآلية الأساسية للنظام الإيراني لرعاية ودعم الإرهابيين في الخارج. زودت سرايا القدس مساعدات على شكل أسلحة، وتدريب، وتمويل إلى حماس وغيرها من المجموعات الإرهابية الفلسطينية، وحزب الله اللبناني، والمقاتلين الذين يعملون مع القاعدة في العراق، ومقاتلي طالبان في أفغانستان.

ظلت إيران داعمة رئيسية لمجموعات تُعارض بعناد عملية السلام في الشرق الأوسط. فقد قدمت إيران أسلحة، وتدريبا، وتمويلا إلى حماس وغيرها من الجماعات الإرهابية الفلسطينية التي شملت الجهاد الإسلامي الفلسطيني والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة. تزويد إيران حركة حماس بالتدريب، والأسلحة، والأموال منذ الانتخابات الفلسطينية عام 2006 عزز قدرة هذه المجموعة على توجيه ضربات لإسرائيل. في عام 2008، قدمت إيران أكثر من 200 مليون دولار لتمويل حزب الله اللبناني ودرّبت أكثر من 3 آلاف مقاتل من حزب الله في معسكرات في إيران. منذ نهاية الحرب بين إسرائيل وحزب الله في عام 2006، ساعدت إيران حزب الله في إعادة التسلّح انتهاكاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701.

قدّمت سرايا القدس الإيرانية مساعدة إلى طالبان في أفغانستان. وزوّدت طالبان بالتدريب على تكتيكات الوحدات الصغيرة، والأسلحة الصغيرة، والمتفجرات، والأسلحة النارية غير المُباشرة. ومنذ عام 2006 على الأقل، نظّمت إيران شحنات أسلحة من ضمنها أسلحة صغيرة مع ذخيرتها، وقنابل يدوية صاروخية، وقذائف هاون، وصواريخ 107 ملم، ومتفجرات بلاستيكية إلى أعضاء مُختارين في طالبان.

رغم تعهدها بدعم الاستقرار في العراق، استمرت السلطات الإيرانية في تقديم دعم فتاك شمل الأسلحة، والتدريب، والتمويل، والتوجيه إلى مجموعات من المقاتلين العراقيين استهدفت قوات الائتلاف والقوات العراقية وقتلت مدنيين عراقيين أبرياء. واستمرت سرايا القدس الإيرانية في تزويد المقاتلين العراقيين بصواريخ مُتطورة، وبنادق قنص، وأسلحة آلية، ومدافع هاون مُنتجة في إيران أدّت إلى مقتل عناصر من القوات العراقية وقوات الائتلاف، إضافةً إلى مدنيين. كانت طهران مسؤولة عن بعض الهجمات الفتاكة ضد قوات الائتلاف وذلك من خلال تزويد المقاتلين بالقدرة على تجميع أجهزة تفجير محلية الصنع  مع قذائف مُصنعة للتفجير، صُممت خصيصاً لضرب الآليات المُدرّعة. كما قامت سرايا القدس، بالتنسيق مع حزب الله اللبناني، بتوفير التدريب داخل وخارج العراق للمقاتلين العراقيين في بناء واستخدام تكنولوجيا متطورة لأجهزة التفجير المحلية الصنع وأسلحة متطورة أخرى.

ظلت إيران ترفض محاكمة أعضاء القاعدة الذين احتجزتهم كما رفضت التعريف العلني باسماء أعضاء القاعدة الرئيسيين الموجودين في سجونها. قاومت إيران تكرارا نداءات عديدة لنقل المحتجزين لديها من أفراد القاعدة إلى بلادهم الأصلية أو إلى دول ثالثة لمحاكمتهم. كما استمرت إيران في عدم فرض رقابة على نشاطات بعض أعضاء القاعدة الذين فروا إلى إيران إثر سقوط نظام طالبان في أفغانستان.

أدانت حكومة الأرجنتين مسؤولين رئيسيين في سرايا القدس والحرس الثوري الاسلامي بالسجن لادوارهم في التفجيرات الإرهابية عام 1994، التي طالت جمعية التعاون الأرجنتيني الإسرائيلي المشترك والتي كانت سرايا القدس قد اقترحت تنفيذها أول الأمر، حسب تقرير النائب العام الأرجنتيني.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 11/آيار/2009 - 14/جمادى الآولى/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م