أزمة الغذاء: تسونامي المجاعة يبتلع مليار نسمة عبر العالم

أزمة الغذاء في الشرق الأوسط.. هل تكون التالية؟

اعداد: صباح جاسم

 

شبكة النبأ: أشعلت أسعار السلع الغذائية التي وصلت إلى أرقام قياسية العام الماضي العديد من حالات الشغب في انحاء مختلفة من العالم، بينما احتاج نحو 100 مليون إنسان المساعدة من برنامج الغذاء العالمي، وانتشر آلاف الناس اليائسون في عشرات الدول في الشوارع، في حالات من الثورة من المحتمل أن تزعزع الاستقرار أكثر بكثير من أي ردود فعل تسببَ فيها الانهيار المالي. والأدهى ان هذا الخطر لم ولن يتلاشى قريبا...

الأسعار عاودت الانخفاض لكنها لا تزال أعلى مما كانت عليه منذ عقود، وحتى الانقطاعات الصغيرة في توفير الغذاء تترك آثارا بعيدة المدى مثل سوء التغذية لدى حديثي الولادة يمكن أن يُضعف النمو الجسدي والذهني بصورة طويلة الأمد عند الأطفال. ويتضافر التغيّر المناخي مع عقود من التراجع الاستثماري في القطاع الزراعي، إضافة إلى أخطاء السياسات في جعل الأزمة بنيوية.

وتشترك جميع الدول في الاهتمام بالأمن الغذائي ـ لنفسها، ومن أجل استقرار الآخرين أيضاً. لكن عليها ألا تخلط الأمن بالاكتفاء الذاتي. فالعالم يمكنه أن ينتج من الغذاء ما يكفي للجميع: كما يشير الاقتصادي، أمارتيا سين، المجاعة ليست ناجمة عن نقص الغذاء، بل بسبب عدم المساواة في توزيع الدخل. ولابد أن يحصل الفقراء على المساعدة، بطرق لا تقوّض الإنتاج الغذائي. بحبسب الفايننشال تايمز.

إن مصدّري الغذاء ومستورديه على حدٍ سواء، بحاجة إلى أسواق دولية تعمل بصورة جيدة في مجال الأغذية، بحيث تشجّع أنماط الإنتاج العالمي الفاعلة. والردود على الأزمة، بكل أسف، كانت في الاتجاه المعاكس: حظر على التصدير، واستيلاء على الأراضي الصالحة، وصفقات مقايضة ثنائية سرية. ولابد من وقف هذه السياسات لإنها مدمّرة ذاتياً، ومكلفة، ومدمّرة للدول الفقيرة. فهي تؤذي الآخرين، بينما تقوّض الأنظمة التجارية التي تنفع الجميع.

أزمة الغذاء في الشرق الأوسط.. هل تكون التالية؟

ويبدو أن الأزمة المالية لن تكون وحدها مصدر قلق بالنسبة لدول الخليج، فهناك أيضاً "أزمة الغذاء"، التي بدأت تفرض نفسها على المنطقة، حيث شهدت العديد من الأسواق الخليجية العام الماضي، على سبيل المثال، نقصاً حاداً في أهم الاحتياجات الغذائية للإنسان، ومنها الخبز. هنا في البحرين مثلاً، تمتلئ الأسواق بأنواع الأطعمة المستوردة من الخارج.

يقول أجي فاشي، رئيس الهيئة الدولية للمنتجين الزراعيين: "هناك العديد من الدول في الشرق الأسط التي تحتاج إلى التوقف وإعادة التفكير حول مصادر الحصول على الغذاء، وهو ما أعتقد أنه بحاجة إلى برنامج جديد في التغذية ومعالجة الغذاء."بحسب سي ان ان.

ومن ناحيته، سعى وزير التجارة المصري رشيد محمد رشيد، إلى البحث عالمياً عن مصادر للقمح، ومنها زيارة دول في آسيا الوسطى بالإضافة إلى روسيا، في محاولة لسد االاحتياجات التي تبلغ ستة مليون طن سنوياً.

وفي هذا الصدد، يقول الوزير المصري: "نحن جميعاً نعلم أن مصر بحاجة إلى هذه الكمية سنوياً، إلا أن فكرة عدم توافر هذه الكمية حول العالم، يجعل من الأمر مثيراً للقلق."

إلا أن دولا أخرى، كالسعودية وقطر مثلاً، فضلت استعمال عائدات النفط لاستغلال أراض زراعية في دول أفريقية منها: السودان وأوغندا وزامبيا وإثيوبيا وكينيا، لزراعتها والحصول على الغذاء اللازم، وهو ما أثار الجدل في كون هذا الاستغلال يعبر عن "الاستعمار الجديد."

يقول كارل آتكن، من وكالة "بيدويلز" للاستشارات العقارية: "الأمر يتعلق هنا بالزراعة التي تعتبر حرفة معنوية، حيث أنه في هذه القضية بالذات يتم تشريد الناس، وتنشب نزاعات حول ملكية الأرض، ولكن إذا ما جرى الأمر بالطريقة الصحيحة، فيمكن أن تكون قضية رابحة."

100 مليون جائع "جديد" في العالم بسبب الازمة

من جانبها حذّرت الأمم المتّحدة من أنّ تداعيات الأزمة الاقتصاديّة العالميّة ستؤدّي إلى ظهور 100 مليون جائع "جديد" في العالم.

ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن المسؤول في المنظّمة الدوليّة في شؤون الأمن الغذائي العالمي، دايفيد نابارو، قوله إنّ "الأرقام التي قدّمتها منظّمة الغذاء العالميّة (FAO) تقدّر أنّ عدد الأفراد الجدد الذين سيصنّفون جائعين بسبب ضغط الأزمة على سوق العمل في البلدان الصناعيّة والنامية يراوح بين 50 مليون نسمة و100 مليون".

وفي الوقت ذاته شدّد صندوق النقد الدولي على أنّ الركود العالمي يرجّح أن يكون أطول من المعتاد، ومرحلة التعافي التي ستتبعه ستكون بنمط أضعف من المعدّل.

وحذرت منظّمة العمل الدوليّة بدورها مؤخرا من أنّ موجة إلغاء الوظائف التي نتجت من الأزمة ستؤدّي إلى ارتفاع معدّل البطالة ارتفاعاً دراماتيكياً. وهو ما أشار إليه نابارو بالقول: "مع تراجع قدرتهم الشرائيّة نتيجة موجة البطالة، نتوقّع أن يواجه (الفقراء) مشاكل خطيرة في تأمين الغذاء لهم ولعائلاتهم". وأضاف إنّه إلى جانب المشاكل الأخرى التي يعانيها الفقراء وذوو الدخل المحدود "سيتوجّهون نحو مرحلة جديدة من الجوع". ويأتي تصريح نابارو عشيّة اجتماع يعقده وزراء الزراعية من مجموعة الدول الصناعيّة الثماني (G8) في روما، يتوقّع أن تناقش فيه الإحداثيّات المتعلّقة بالزراعة وبتأمين الغذاء للفقراء.

كما يتزامن مع تأكيد صندوق الدولي أنّ حدّة الركود العالمي هي أكبر من المعتاد. وقال الصندوق في تمهيد لتقريره نصف السنوي إنّ مدّة الركود الحالي ستكون أكبر بنصف معدّل مدّة الركود المسجّل تاريخياً، موضحاً أنّ تزامن الأزمة الاقتصاديّة مع الأزمة الماليّة "يفترض أنّ التعافي سيكون أضعف وأبطأ من المعدّل" المسجّل بعد مراحل الركود التي مرّ بها العالم منذ انتهاء الحرب العالميّة الثانية".

الفاو: الامن الغذائي مازال يمثل مشكلة مع زيادة الجوع

من جهة ثانية قالت الامم المتحدة ان انخفاضا في اسعار الحبوب يؤدى الى انطباع بان الامن الغذائي لم يعد مثار قلق ولكن عدد الناس الذين لايجدون ما يكفي من الطعام مازال يرتفع في عالم يواجه الركود.

وقال جاك ضيوف الامين العام لمنظمة الامم المتحدة للاغذية والزراعة (الفاو) "مازال مستوى الاسعار مرتفعا بنسبة 19 في المئة عما كان عليه في عام 2006. ولذا ما زلنا في فترة الاسعار المرتفعة."

علاوة على ذلك اظهرت دراسات الفاو الاخيرة انه على الرغم من انخفاض الاسعار في الاسواق الدولية فان اسعار البيع بالتجزئة في غالبية الدول النامية لم تنخفض.

وقال ضيوف "والازمة ليست هنا فحسب بل فاقمت منها الازمة المالية والاقتصادية."وقال ان مخزونات الحبوب انخفضت الى ادنى مستوى لها خلال 30 عاما ووصف الموقف بانه "هش للغاية"."نخشى انه اذا ما حدثت ظروف مناخية صعبة تؤثر على الانتاج سنعود الى ما كنا عليه في عام 2007. لقد شهدنا فيضانات خطيرة في امريكا الشمالية والجنوب الافريقي."

وتقدر الفاو ان اكثر من مليار شخص في العالم سيعانون الجوع هذا العام بسبب الاثار المجتمعة للازمة الاقتصادية العالمية واسعار الغذاء العالية.

ويرتفع عدد الاشخاص الذين يعانون من الجوع بشكل مزمن بانتظام وتبلغ نسبة الزيادة نحو 75 مليون في عام 2007 ونحو 40 مليون في عام 2008. وبحلول عام 2008 كان 963 مليونا يعانون من نقص التغذية ثلثهم تقريبا في منطقة اسيا والمحيط الهادي.وقال ضيوف ان المعونة يتعين توجيهها ثانية الى الزراعة.

وقال "اول واهم عنصر هو الحاجة الى الاستثمار في الانتاج الزراعي (لمكافحة الجوع) ويستلزم ذلك 30 مليار دولار سنويا."

مزروعات اليوم أكبر حجماً.. لكن أقل نفعاً

وقال باحث في شؤون الغذاء والمزروعات، إن الخضراوات والفاكهة الموجودة اليوم تحتوي على كميات من المعادن والمواد المغذية تقل عن تلك المنتجة قبل 50 عاماً بنسب متفاوتة، تتراوح بين 5 و40 في المائة.

وذكر رونالد ديفيس، وهو باحث عمل في السابق مع معهد الكيمياء الحيوية في جامعة تكساس، إن كميات المغنيزيوم والحديد والكالسيوم والزنك الموجودة في المنتجات الطبيعية تقل بصورة كبيرة في المنتجات الزراعية التي نتناولها اليوم عن تلك التي تناولها أجدادنا، وإن كان حجم ما نأكله منها قد تزايد بسبب التقنيات الحديثة.

وأقر ديفيس أن بعض البيانات التاريخية التي تحدد كميات المعادن الموجودة في المواد الزراعية قد تكون غير دقيقة، وذلك بسبب التكنولوجيا البدائية المستخدمة آنذاك، كما في حالة قياس نسب الحديد في خضراوات مثل السبانخ.

غير أنه لفت إلى أن تلك المعطيات تبقى الدليل الواحد الذي يمكن اعتماده دليلاً للمقارنة، كما نوه في هذا السياق إلى أن بعض المزارع حافظت على عينات من منتجاتها تعود لعقود خلت، ما يسمح بتحليلها ودراستها.

وقال الباحث الأمريكي إن المنتجات الزراعية اليوم تفوق من حيث الحجم المنتجات القديمة، غير أنه اعتبر أن هذه الزيادة لا تتجاوز كونها "مادة جافة" تحتوي على تركيز منخفض من الفيتامينات والمعادن، بحسب مجلة "تايم."

وأضاف ديفيس إن على العلماء التركيز على نقطة أساسية لم تنل الكثير من المتابعة، وهي انخفاض كمية المعادن والمواد المفيدة في المنتجات المعدلة جينياً، والتي جرت هندستها لزيادة الإنتاج.

وفي هذا الإطار، نبه ديفيس إلى أن دراسة جرت على القرنبيط المنتج بتعديلات جينية في جنوبي كاليفورينا ما بين عامي 1996 و1997 أظهرت وجود نقص في كميات البروتين والأحماض الأمينية المفترض تواجدها، إلى جانب تراجع منسوب ستة معادن متنوعة.

وبرر ديفيس ذلك بأن عملية تعديل الجينات لزيادة الإنتاج تركز على مضاعفة الكميات من خلال اختيار الجينات المتصلة بالمواد النشوية "Carbohydrates" عوض العناية بالعناصر المغذية في المزروعات.

ولم يفت ديفيس الإشارة إلى مساهمة عوامل متصلة بالتربة وأساليب الزراعة بهذه الظاهرة، وفي مقدمتها اللجوء المتكرر لزراعة محصول واحد، ما يؤدي لاستنزاف معادن محددة من التربة، إلى جانب حصاد المنتجات الزراعية في أوقات مبكرة لأسباب تجارية، ما يمنعها من التشبع بالمواد المغذية من التربة.

مد المجاعة العالمية يبتلع مليار نسمة

وكتبَ الباحث خافيير بلاس مقالاً حول مد المجاعة العالمية جاء فيه: كان التوسنامي هو الصورة المفضلة لوصف صفعة الأزمة الغذائية التي حدثت في العام الماضي. وأصبحت اليوم الحال أشبه بارتفاع بطيء، ولكنه عديم الشفقة لمد يسحب مزيدا من الناس بالتدريج إلى صفوف الجوعى.

هنالك أمور مهملة إلى حدٍ ما خلف الأزمة الاقتصادية، وهي مزيج من النمو المتدني، وتزايد البطالة العمالية، وتناقص الحوالات النقدية، وقد عملت معاً إضافة إلى أسعار الغذاء المرتفعة عملت على زيادة أعداد الذين يعانون الجوع المزمن إلى ما يزيد على مليار إنسان للمرة الأولى.

وعكس الارتفاع تناقصاً في العدد على مدار ربع قرن مضى في نسبة الناس الذين يعانون الجوع المزمن في العالم. "نحن لم نخرج من دائرة خطر الأزمة الغذائية"، كما تقول جوسيه شيران، مديرة برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة في روما، وهو بحاجة إلى نحو 6 مليارات دولار (أي 4,5 مليار يورو، أو 4 مليارات جنيه استرليني) هذا العام من أجل إطعام الناس الأشد فقراً، أي أكثر بنسبة 20 في المائة من الرقم القياسي للعام الماضي الذي بلغ 5 مليارات دولار.

"إن تأثير أسعار العام الماضي المرتفعة مستمر. إضافة، إلى أن الدول الآن تعاني خسارة في حجم الدخل الإجمالي بسبب الأزمة المالية العالمية"، كما أضافت، محاكيةً وجهة نظر معتمدة لدى العديد من كبار المسؤولين، والخبراء ممن أجرت فاينانشال تايمز مقابلات صحفية معهم.

ويحذّر كنايو ناوانز، الرئيس الجديد للصندوق الدولي للتنمية الزراعية التابع للأمم المتحدة، من أن المهاجرين يعودون إلى الريف من المدن بأعداد مهولة، مولدين ضغطاً إضافياً.

"وسيكون هنالك مزيد من الأفواه الجائعة لإطعامها بالقليل من الغذاء، أو عدمه"، كما يقول.

إن الأزمة تمتد خارج إفريقيا نظراً إلى أن الكساد الاقتصادي يضاعف تأثير الأسعار المرتفعة. وإن الدول التي كانت تعاني بنسبة ضئيلة مشاكل الغذاء طوال 20 عاماً، مثل كازاخستان، تطلب الآن يد المساعدة.

إن أسوأ ما في الأمر لم يحدث بعد، نظراً إلى أن تأثير الكساد في القوة الشرائية يصبح أكثر وضوحاً، وتبقى تكاليف الغذاء مرتفعة، كما يقول المسؤولون، والرؤساء التنفيذيون والخبراء في هذه الصناعة.

ويقول روبرت بارلبيرج، أستاذ في العلوم السياسية في كلية ويليسلي في الولايات المتحدة الأمريكية، وخبير زراعي قدير، إنه "أشد قلقاً بشأن المجاعة في ضوء الأزمة الاقتصادية الحالية"، بصورة أكثر مما كان قلقاً بشأنها "حينما كانت في ذروة اندفاع أسعار السلع الغذائية الصيف الماضي".

ويعتقد بيتر باربيك، رئيس مجلس إدارة شركة الأغذية العملاقة، نستلة، أن الأزمة تزداد سوءا.

"لا تنسوا أن أسعار المواد الغذائية أعلى اليوم بنسبة 60 في المائة مما كانت عليه قبل 18 شهراً. وذلك يعني أن الناس الذين ينفقون نحو 60 إلى 70 في المائة من دخلهم المتاح على المواد الغذائية تضرروا بشدة"، كما يقول.

وتأتي التحذيرات حتى مع تراجع أسعار السلع الزراعية بحدة عن معدلاتها القياسية في العام الماضي. ومن بين السلع التي تُطلب باستمرار على نطاق واسع، فقد تراجعت أسعار الذرة، والقمح، والأرز إلى النصف تقريباً. وعلى الرغم من ذلك، يقول ألان بوكويل، الأستاذ الفخري في الاقتصاد الزراعي في كلية إمبريال في لندن، أن السلع الزراعية عادت إلى مستوى أسعارها في منتصف عام 2007. "إن أسعار الغذاء لم تتراجع بقدر تراجع سلع أخرى مثل النفط"، كما يقول.

وإضافة إلى ذلك، فإن الأسعار أعلى من معدلها لمدة 10 سنوات، حيث تبلغ ضعف مستواها الذي ساد في الفترة ما بين 1998 إلى 2008 برغم التراجع في الأسعار.

على سبيل المثال، فإن التكلفة الحالية للأرز التايلندي، وهو المقياس الأساسي في العالم، تصل إلى 614 دولاراً للطن الواحد، أي أكثر بنحو ضعف معدل العشرة أعوام التي كان يبلغ 290 دولاراً للطن الواحد. وإضافة إلى ذلك، فإن أسعار المواد الغذائية المحلية في عديد من الدول النامية، وبالأخص في دول جنوب الصحراء الإفريقية، لم تتراجع إطلاقاً، وفي بعض الحالات فهي ترتفع من جديد، بسبب تأثير ضعف المحاصيل، ونقص الائتمان المتعلق بالواردات.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 10/آيار/2009 - 13/جمادى الآولى/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م