الممارسة الروحية في العلاقة الزوجية

السيد محمود الموسوي

لا شك أن لغة التجاذب بين الزوجين، هي لغة روحية، تتجاذب فيها الروحان لتمتزجا معاً، كما عبرّ الحديث:(( الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف))[1].

فعندما نريد زيادة الترابط الروحي إلى حد يصعب فكاكه ويزيد في إشراقة الروحيين.. فلا بد من ممارسة البرنامج العبادي معاً، وهو الذي يربط العبد بربه، ليكون هذا الرباط مساهماً في الإحساس بالطمأنينية، والراحة للآخر بل هو تجاذب في الله وأمام الله..

ومن أجل إيضاح الممارسة الروحية الثنائية نذكر هذه النقاط التي تكوّن برنامجاً عملياً في هذه الممارسة:

1-  خصّص وقتاً من الأوقات للصلاة في المنزل، أقم الصلاة جماعة مع زوجتك، أنت الإمام وهي المأمومة*.

2-  أقيما صلاة الليل سوياً، قبل أن تخلدا إلى الفراش.

3- اقرأا الدعاء معاً، بحيث تخصّصان وقتاً لذلك مثل ليلة الجمعة تقرأان دعاء كميل أو زيارة عاشوراء، وبعد إتمام هذا الطقس العبادي توجّها بالدعاء لبعضكما.

4- تدبّرا معاً آيات القرآن الكريم، بالإضافة إلى الاستفادة الروحية، ستكون فائدة فكرية ومشاركة الروحيين والعقليين.

5- تسابق معها مسابقة ذكر الأحاديث، فعندما تذكر حديثاً ينتهي بحرف السين، تبدأ هي في ذكر حديث آخر يبدأ بنفس الحرف.. أو غير ذلك..

6- عند جلوسكما صباحاً، أدر جهاز التسجيل بصوت منخفض يحتوي على تلاوة الآيات القرآنية المشنفة للأسماع والقلوب..

7- لا تجعلي بيتك يخلو من زينة الآيات القرآنية الموحية والمذكرة دوماً.

8- عندما يسافر زوجك ضعي له القرآن الكريم، وكتاب الدعاء في حقيبته، واكتبي في بطاقة داخل الدعاء: (( لا تنساني من الدعاء)).

9- اذهبا لحج بيت الله الحرام عند الاستطاعة معاً، أو اعتمرا عمرة مفردة معاً، لتتشاركا في هذه النعمة الربانية، والضيافة الرحمانية.

10- توجّها إلى العتبات المقدسة، واعتبراها سياحة روحية..

11- عند دعاء أحدكما بمفرده، فليخلص الدعاء لشريكه..

كيف تكتبون بطاقة

إن من أشهر الوسائل للتعبير عمّا تختلجه النفس من مشاعر ودّية، هي كتابة بطاقة موجزة لزوجك تعبّر فيها عما تختلجه نفسك، حيث أن البطاقة تمتاز عن غيرها من وسائل التعبير عن الأحاسيس بعدة أشياء أهمها:

أ/ أنها متحدّث رسمي عن المرسل في حالة غيابه.

ب/ شحنة من المشاعر مهداة على شكل بطاقة.

ج/ ذكرى ملموسة يستطيع أن يتفقدها الأزواج أوقات البرود العاطفي.

د/ رسالة توجيه مهذّبة، ولفت انتباه موح.

هـ/ وقد يعتبرها البعض تفريغاً للمشاعر التي أسكتها الحياء.

ولكن لا زال الكثير من الأزواج يهابون كتابة البطاقة، وبعضهم يخطئ في توجيهها..

(( فاطمة عمرها اقترب من الأربعين، ولديها أربعة أطفال.. ولم تستقبل ولم ترسل في حياتها بطاقة في عيد الحب أو في عيد الزواج أو في أية مناسبة عاطفية..

تقول فاطمة: (( تزوّجت صغيرة جداً.. وكان المفترض أن يعلمني زوجي كيف يتم تداول مثل هذه الأشياء فهو الأكبر والأكثر خبرة واحتكاكاً بالمجتمع والأكثر عملاً والأكثر سفراً و.. عندما كبرت أدركت أهمية بطاقة المعايدة في حياة البشر تردّدت في المبادرة.. وما زلت في انتظار أن يبادر هو بإرسال بطاقة لأرد عليها ))[2].

ونود أن نستعرض هنا بعض الإرشادات في كتابة البطاقة، لكي تصبح همسة ذات إيقاع جميل يرسلها الحبيب لمحبوبته، ولتكون سهلة المنال يستطيع أي زوج وزوجة أن يتبادلاها معاً..

البطاقة واللغة

أكثر من يهاب كتابة البطاقة هم أولئك الذين لم تكن لديهم تجربة كتابية سابقة، ولم يتعودوا الإمساك بالقلم لكي يعبروا عن مكنونات أنفسهم.

وأكثر الناس قدرتهم الكلامية تفوق قدرتهم على الكتابة _ كما يقول علماء النفس _ فقد يقف أحدهم لينشئ خطاباً لمدة ساعة كاملة دون توقف، و لكنه يعجز عن كتابة سطر واحد على الورق..

إن الفرق ليس كبيراً بين التلفظ و الكتابة، إذا اتبعت أسلوب ترديد الكلمات بصوت مرتفع، ثم تقوم بكتابتها على الورق، أو تقوم بتسجيل صوتك على جهاز التسجيل، ثم تنقله على سطح الورق..

ومن الخطأ أن تتردد في كتابة البطاقة خوفاً من الوقوع في خطأ إملائي أو نحوي، فإنك لن تكتب بحثاً لمناقشة رسالة الدكتوراه، ولن يتوقع الطرف الآخر رسالة من عالم النحو (سيبويه).

المهم أن تحمل بطاقتك بين طيّاتها المعاني التي تريدها أن تنفذ وتستقر في قلب شريكك، كما أن على المرسل إليه أن لا يشدد في تقنيات الكتابة، إنما عليه أن يبحث عن الشحنات العاطفية التي تحتضنها تلك البطاقة.

( م. ب وهو شاعر..، صدمته أول بطاقة تلقّاها من محبوبته إذ كانت مليئة بأخطاء النحو والإملاء.. وبدون قصد لفت م. ب نظر محبوبته لأخطائها في الكتابة فجاءت بطاقتها الثانية بدون أخطاء، لكنها ازدحمت بعبارات جاهزة منقولة من الكتب. كانت البطاقة فصيحة لكنها (معلّبة).. أحس الشاعر بالذنب لأنه افقد حبيبته الثقة بنفسها إلى هذا الحد.. ودفعها لاستعارة هذه العبارات الجاهزة البغيضة.. فطلب منها أن تكتب له بالعامية.. وأقنعها أنه يريد أن يسمع صوتها بعينيه عندما تمر على بطاقتها فكتبت كما طلب.. فكانت كلماتها بشهادته أحلى ما قرأ ! )[3].

أنواع البطاقات

ماذا نكتب في البطاقة.. وما هو موضوعها.. ؟

عندما تكتب بطاقة لزوجتك فإنها ستكون لعدة أسباب، تتمثل في:

1/ بطاقة المناسبات: والتي تكتبها في أوقات الأعياد السعيدة، وأيام الذكرى العزيزة، فإنها تمثل تحية راقية في صباح يوم عيد، فينبغي أن تسطر فيها تحية العيد، وتصف شعورك وأنت مع زوجتك فيه، وتمنياتك لها في أعياد المستقبل والذكرى القادمة..

2/ بطاقة الإهداء: تقدمها مصاحبة مع الهدية التي ستهديها لشريكك، وتذكر فيها مناسبة الهدية، وارتباط الهدية بالإحساس الثنائي..

3/ بطاقة إثارة المشاعر: عندما يستيقظ زوجكِ صباح عطلة الجمعة يقف أمام مرآة الحمام ليجد بطاقة متوسدة علبة الصابون، تقولين فيها ( صباحاً مشرقاً لك يا زوجي الحبيب، التوقيع: زوجتك المحبة..).

فهي بمثابة شحنة يهديها الزوج أو الزوجة لشريكه تعزيزاً وتذكيراً للمشاعر الوردية.

4/ بطاقة الدعوة: قد يدعو أحد الزوجين شريكه للعشاء أو الخروج، أو اقتراح القيام بعمل ما.. فالبطاقة وسيلة غير مألوفة ومحبوبة في ذات الوقت لتـأدية المطلوب..

ومهما اخترعتم من أسباب لكتابة البطاقة، فلا تنسوا مشاعركم خارج إطارها، فهي أهم مادة تضفي على سطح البطاقة ألواناً من المشاعر المرهفة، والأحاسيس البرّاقة..

واحرصوا أن تكون المشاعر صادقة ونابعة من أعماقكم، لا أن ترسلوا بطاقة جاهزة جامدة.. يقول الكاتب ع.خ: (( أن بصمة امرأة أمية يحبها على بطاقة معايدة، أجمل من مقطع لشكسبير.. أنا أرى أن كلمة بسيطة صادقة ومحسوسة تساوي أجمل ما كتب شعراء الحب.. تساوي كل إبداع الأرض ))[4].

الشكل الخارجي للبطاقة

لا تتجاهل شكل البطاقة، اختر بطاقة من محل البطاقات أو حتى بعمل يديك، لها إيحاء للمناسبة، فإن كانت لمناسبة مولود جديد، فقد تختار بطاقة عليها صورة طفل جميل، وإن كانت لإثارة المشاعر فصورة الزهور الحمراء القانية مناسبة تماماً..

يقول أحدهم: عندما تلقّفت أناملي بطاقة قدّمتها لي زوجتي بمناسبة مرور ثلاثين عاماً على ولادتي.. تسمّرت عيناي على غلافها الخارجي الجميل، وشعرت حينها بارتياح شديد، وبقيت متبسماً، لأن زوجتي قد اختارت صورة كوب من الشاي يرقد على طاولة مستديرة، بجانبه بعض الصحف..

فزوجتي تعرف أنني أهوى شرب الشاي حال قراءة الصحيفة.. وعندما فتحتها، وقرأت كلماتها العذبة، أحسست وكأني أرتشف ألذّ كوب شاي ممزوج بحبيبات من الحب..

الشكل الداخلي

البطاقة ليست كالرسالة تحتاج إلى شكل معيّن، كأن تترك فراغاً في أول السطر ثم تضع نقطة لتبدأ سطراً جديداً..

كلا.. فأنت حر في طرقة كتابتها من الناحية الشكلية، فهذا يعتمد على ذوقك الرفيع، فقد تكتبها على شكل سطور متساوية ومتوازية، وقد تتساوى السطور لكنها تأخذ شكلاً هرمياً أو تكون الكلمات متناثرة بصورة متناسقة..

أما محتواها فهو كالتالي:

1/ يحبذ في البطاقة أن تبدأ بعد ذكر الله أو البسملة، أن تذكر اسم المرسل إليه، لأنه لابد أن يتأكد أن هذه الكلمات تقصده هو ليتهيأ نفسياً لاستقبالها، ولأن البطاقة لتعزيز الحب فلابد من ذكر الاسم مصاحباً لصفة أخرى مثل، الحبيب أو عزيزي أو غير ذلك..

2/ بعد ذلك تبدأ بذكر المناسبة المعنية، إن كانت لمناسبة، مع مزجها بالحالة الشعورية للمرسل اتجاه المرسل إليه..

3/ آخر البطاقة التوقيع وهو تعريف المرسل بنفسه، يذكر المرسل اسمه مصاحباً لصفة ودية ما، أو يكتفي بالصفة فقط..

وتختم البطاقة بالتاريخ، وهو تاريخ تقديم الرسالة لا تاريخ كتابتها، والمناسبة التي قدّمت من أجلها، لتبقى وثيقة حب معبّرة..

طريقة التقديم

يفضّل أن لا تتبع الطريقة الروتينية في تقديم البطاقة، حتى تعطي هذه الممارسة أكثر انتباهاً، وتكون بمثابة مفاجأة سارة.. مثلاً تقومين بوضعها في جيب ثيابه التي سوف يرتديها في الصباح، أو أمام شاشة السيارة قبل أن يصعدها، أو في صحن الطعام..

وكذلك أنت أيّها الزوج، تستطيع أن تقدم البطاقة بوضعها في حقيبتها اليدوية أو في الثلاجة أو في حفلة شاي تقيمانها..

المهم أن تفكر في طريقة مميزة لتسليم البطاقة، فعندما تُنسى الكلمات المتضمنة في داخلها فإن الموقف سيبقى معلّقاً في الذاكرة.

* فصل من كتاب الحب في العلاقات الزوجية

www.mosawy.org


[1] / ميزان الحكمة – ج4 –ص198 .

* حسب الشروط الشرعية .

[2] / مجلة كل الأسرة – العدد 226 .

[3] / مجلة كل الأسرة – العدد 226. 

[4] / مجلة كل الأسرة.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 9/آيار/2009 - 12/جمادى الآولى/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م