يتعرض الشيعة من محبي اهل البيت في العراق يوميا لهجمة مسعورة من
قبل الفرق التكفيرية وسط سكوت مطبق على كل ما جرى ويدور حاليا من مذابح
ومجازر ومظالم واستباحة للدم الشيعي العراقي ومقدساته وهتك حرماته
وانتهاك عرضه.
ان هذا الاستهتار الاعمى بكل القيم والمقدسات الاسلاميه واستباحة
الدم المسلم المحب لأهل البيت والعداء لهم هو تمرد على ملة الاسلام
والدين.
لقد حث الإسلام على حفظ حقوق كافة المسلمين ونهى عن التعدي على
حرماتهم واستباحة أعراضهم، سواءاً أكان بالقول أم بالعمل، فكفل لكل من
شهد الشهادتين صيانة دمه وعرضه وماله، وهذا هو الأساس الذي يتحقق به
التعايش بين سائر الفئات المختلفة.
فالشيعة بالمعنى اللغوي هم الأتباع والأنصار وقد غلب هذا الإسم على
أتباع علي عليه السلام حتى اختص بهم وأصبح إذا أطلق ينصرف إليهم.
وبهذا المعنى اللغوي استعمل القرآن الكريم لفظة الشيعة كما في قوله
تعالى : وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ ) * 83 الصافات ) وكقوله
تعالى : هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ )* 15 القصص.
ليس التشيع لعلي عليه السلام مستحدثا ولا الشيعة فرقة مستحدثة، بل
قد ورد ذكر فضلهم بعنوان ) شيعة علي ) في الأحاديث المأثورة عن رسول
الله صلى الله عليه وآله في كتب إخواننا السنة. نكتفي هنا بذكر ما
أوردنا من أحاديثهم :
في موسوعة المحاسن والمساوي في الإسلام (فقد روى ابن حجر في الصواعق
المحرقة - ص 96 طبع مصر)، قال : أخرج الديلمي، قال رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم : يا علي إن الله غفر لك، ولذريتك وولدك، ولأهلك،
ولشيعتك، فأبشر فإنك الأنزع البطين.
ورواه ابن المغازلي في المناقب، والحمويني في فرائد السمطين،
والمناوي في كنوز الحقايق - ص 202، القندوزي في ينابيع المودة - ص 270
وأبو بكر بن شهاب في رشفة الصادي ص 81 طبع مصر وغيرهم.
وروى أيضا من طريق الديلمي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
قال (يا علي أنت وشيعتك تردون على الحوض رواة مرويين مبيضة وجوههم، وإن
أعدائكم يردون على الحوض ظماء مقمحين).
ورواه المناوي في كنوز الحقائق - ص 203 طبع بولاق، والقندوزي الحنفي
في ينابيع المودة - ص 182 طبع مصر، ورواه محمد صالح الترمذي في المناقب
المرتضوية - ص 101 طبع بمبئي.
وروى الديلمي في فردوس الأخبار، عن أم سلمة رضي الله عنها قالت :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : علي وشيعته هم الفائزون يوم
القيامة ). ورواه المناوي في كنوز الحقائق - ص 98 والقندوزي في ينابيع
المودة - ص 180 و 237 طبع اسلامبول).
وروى سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص - ص 59، عن أبي سعيد الخدري
قال : نظر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى علي بن أبي طالب فقال (هذا
وشيعته هم الفائزون يوم القيامة ).
يدل على اختصاص أهل البيت بعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام
: نص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك، وقد روت ذلك كتب أهل
السنة عن جماعة من الصحابة عنه صلى الله عليه وآله،
ففي صحيح الترمذي - ج 13 ص 200 طبع مصر - روى بسنده عن عمر بن أبي
سلمة قال نزلت هذه الآية على النبي (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس
أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) في بيت أم سلمة، فدعا النبي صلى الله عليه
) وآله ) وسلم فاطمة وحسنا وحسينا وعليا خلف ظهره فجللهم بكساء، ثم قال
(اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ) قالت أم سلمة
: وأنا معهم يا نبي الله ؟ قال (أنت على مكانك وأنت إلى خير).
لقد كان الأئمة الطاهرون أرفع الناس حسباً ونسباً، وأجمعهم للفضائل،
وأسبقهم في ميادين المآثر والأمجاد، استحقوا من مواليهم ومحبيهم أن
يعربوا عما ينطوون عليه من عواطف الحب والولاء، وبواعث الإعجاب
والإكبار، وذلك بمدحهم، ونشر فضائلهم، والإشادة بمآثرهم الخالدة،
تكريماً لهم، وتقديراً لجهادهم الجبّار، وتضحياتهم الغالية في خدمة
الاسلام والمسلمين.
وناهيك في فضلهم أنهم كانوا غياث المسلمين، وملاذهم في كل خطب، لا
يألون جهداً في إنقاذهم، وتحريرهم من سطوة الطغاة والجائرين، وإمدادهم
بأسمى مفاهيم العزة والكرامة، ما وسعهم ذلك حتى استشهدوا في سبيل تلك
الغاية السامية.
والناس أزاء أهل البيت، فريقان:
فريق حاقد مبغض، ينكر فضائلهم ومثلهم الرفيعة، ويتعامى عنها، رغم
جمالها واشراقها، فهو كما قال الشاعر:
ومن يك ذا فم مرّ مريض*** يجد مراً به الماء الزلالا
وفريق واله بحبهم وولائهم، شغوف بمناقبهم، طروب لسماعها، ويلهج
بترديدها والتنويه عنها، وان عانى في سبيل ذلك ضروب الشدائد والأهوال.
وهذا ما أشار اليه أمير المومنين عليه السلام بقوله:
(لو ضربتُ خيشوم المؤمن بسيفي هذا على ان يبغضني ما أبغضني، ولو
صببت الدنيا بجماتها على المنافق على أن يحبني ما أحبني، وذلك انه قضى
فانقضى على لسان النبي الأمي صلى اللّه عليه وآله، انه قال: يا علي لا
يبغضك مؤمن، ولا يحبك منافق).
من أجل ذلك كان العارفون بفضائلهم، والمتمسكون بولائهم، يتبارون في
مدحهم، ونشر مناقبهم، معربين عن حبهم الصادق وولائهم الأصيل، دونما طلب
جزاء ونوال.
وكان الأئمة عليهم السلام، يستقبلون مادحيهم بكل حفاوة وترحاب،
شاكرين لهم عواطفهم الفياضة، وأناشيدهم العذبة، ويكافؤنهم عليها بما
وسعت يداهم من البر والنوال، والدعاء لهم بالغفران، وجزيل الأجر
والثواب.
قال صلى اللّه عليه وآله: «إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح،
من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق»(1).
وقال صلى اللّه عليه وآله: «إني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا
بعدي: كتاب اللّه حبل ممدود من السماء الى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن
يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما»(2).
وقد أوضح أمير المؤمنين عليه السلام معنى العترة:
فعن الصادق عن آبائه عليهم السلام قال: سئل أمير المؤمنين عليه
السلام عن معنى قول رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله «إني مخلف فيكم
الثقلين كتاب اللّه وعترتي» من العترة؟
فقال: أنا والحسن والحسين والأئمة التسعة من ولد الحسين، تاسعهم
مهديهم وقائمهم، لا يفارقون كتاب اللّه ولا يفارقهم، حتى يردا على رسول
اللّه صلى اللّه عليه وآله حوضه(3).
وهذا الحديث يدل بوضوح أن القرآن الكريم والعترة النبوية الطاهرة،
صنوان مقترنان مدى الدهر، لاينفك احدهما عن قرينه، وأنه كما يجب أن
يكون القرآن دستوراً للمسلمين وحجة عليهم، كذلك وجب أن يكون في كل عصر
امام من أهل البيت عليهم السلام يتولى إمامة المسلمين، ويوجههم وجهة
الخير والصلاح.
وقال صلى اللّه عليه وآله: «من أحب أن يحيى حياتي، ويموت ميتتي،
ويدخل الجنة التي وعدني ربي وهي جنة الخلد، فليتول علياً وذريته من
بعده، فانهم لن يخرجوكم من باب هدى، ولن يدخلوكم باب ضلالة»(4).
هذا وهناك الكثير من الأحاديث النبوية المحرضة على موالاة أهل البيت
عليهم السلام والاقتداء بهم.
ولابد من الذكر هنا من ان أحاديث الأئمة الأطهار عليهم السلام قد
حثت شيعتهم ومواليهم على التودد لأهل السنة وعدم قطيعتهم، وأكدت على
ضرورة التأدب معهم بآداب أهل البيت عليهم السلام مع غيرهم.
ففي صحيحة عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام
يقول: أوصيكم بتقوى الله عزَّ وجل، ولا تحملوا الناس على أكتافكم
فتذلّوا، إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه: ﴿وَقُولُواْ لِلنَّاسِ
حُسْناً﴾، ثم قال: عودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم، واشهدوا لهم وعليهم،
وصَلُّوا معهم في مساجدهم(5).
واخيرا نسأل الله أن يجمع المسلمين على رضاه، وأن يجعلهم كالبنيان
المرصوص الذي يشد بعضه بعضاً، أو كالجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو
تداعى له سائر الجسد، بالحمى والسهر وقال تعالى: " وَاعْتَصِمُوا
بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ
اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ
قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا".
sabah@sezampro.rs
...........................................
المصادر :
* شبهات حول الشيعة - أبو طالب التجليل التبريزي
* اخلاق أهل البيت عليهم السلام- السيد مهدي الصدر
1) ) المراجعات، ص17.
2) ) المراجعات ص 14.
3) ) سفينة البحار، عن معاني الاخبار وعيون اخبار
الرضا عليه السلام.
4) ) المراجعات ص 156.
5) ) وسائل الشيعة ٥/ ٣٨٢ |