ابو غريب قصة الفصول الطويلة

جمال الخرسان

بين فترة واخرى تطل علينا اجزاء اخرى عن قصة ابو غريب، وكلما تحاول الايام المليئة بالاحداث في جو مثل العراق ان تنسينا تلك القصة يظهر لنا فجئة فصل جديد من احداثها الدراماتيكية ليفتح الباب وراءه امام فصل قادم اكثر اثارة من سابقه ولا يعلم احد متى تطل النهاية.

توبيخ لسبعة ضباط، ثم توبيخ آخر لاربعة وعشرين ضابطا آخرين اضافة الى توجيه لوم الى ابي زيد ذلك الجنرال المعروف في قيادة المنطقة الوسطى للجيش الامريكي في تلك الفترة، ثم نفي من قبل الادارة الامريكية والجهات المتكفلة بالتحقيق بوجود سياسات عامة في ممارسات التعذيب ضد المعتقلين وآلياته مع اعترافها بوجود مزاج عام بين جميع المتورطين في اجواء تلك الفضيحة...،

 ذلك هو ما تكرمت بكشفه بعض الجهات الامريكية، سواء كانت لجان تحقيق او وسائل اعلام ولعل ما خفي كان اعضم، فالقصة ساهم في بطولتها اطراف كثيرة متنوعة... ضباط ومساعدون، محققون في الاستخبارات وفي الجيش، مساهمات في التحقيق من اطراف ليست امريكية، صحف امريكية وكلاب بوليسية.. كما للقصة اطراف ظل اخرى قد تكشفها الايام القادمة متى شاءت اقدار الكواليس.

المعروف للكثيرين ان الرئيس الامريكي السابق جورج بوش قد اطلع على قرابة الالف صورة بين متحركة او ثابتة يضاف اليها قصص وملفات كثيرة لا يمكن لمن يستوقفها مع تأملات ولو مستعجلة ان يختزل القصة في تسلية الجندي الامريكي كما يتسلى الاطفال بالدمى، بل ان الحكاية تتجاوز ذلك بكثير، الملف بكل تأكيد يحمل في رحمه الكثير والمستقبل ربما هو الكفيل بازالة الغموض الذي لازال يكتنف بعض فصول القضية، رغم ذلك الغموض الا انه لا يمكن على الاطلاق ان يمنع التقاط بعض المؤشرات المهمة والتي قد يكون في مقدمتها ان هناك (بالتأكيد) سياسة امريكية في التحقيق على علم كامل بان فضائح الجنس والعري تشكل نقطة ضعف بالغة الاهمية في نفوس العربي والمسلم بشكل عام وتخلف اثار نفسية قوية جدا، اضف الى ذلك مخلفاتها الاجتماعية الخطيرة على السجناء فارادت ان تستثمر تلك النقطة بالذات، ولعل الحجم الهائل من الوثائق والصور في هذا الجانب واعترافات بعض المتهمين في تلك القضية يعطي ذلك التوجه مصداقية اكبر.

الا ان وجود سياسة عامة في التعذيب او مزاج عام كما اعترف به التقرير الذي اصدرته لجان التحقيق لا يستبعد التقاطه اخرى لا تقل اهمية عما سبق يمكن تصيدها فيما ظهر من وثائق حتى هذه اللحظة وهو حالة التسلية والاستماع في تعذيب واذلال السجين من قبل اطراف (في نهاية المطاف) من المفترض انها قادمة من مجتمعات مدنية ذات تأريخ ديمقراطي طويل..لكنها وبكل ما تلتزمه في بلدانها من قيم انسانية وقانوينة ابدت وجها بشعا مغايرا تماما لما كانت تبديه في بلدانها، نعم هذا هو الانسان حيثما نشأ واينما كان يبقى في اعماقه وجهان، وجه الخير بكل ما يحمله من لطافة وعقل وانسانية، ووجه آخر للشر يعكس البشاعة بكل مالها من اشكال والوان، لكن البيئة والاجواء التي تحيط به هي التي تساهم في ظهور احد الوجهين.

فالجندي الامريكي في نهاية المطاف بشر وليس ملاك كما يحلو للبعض ان يقدمه للآخرين، آدمي كما بقية البشر لا تدور حوله الشمس، تلك الظاهرة تستدعي وقفة متأنية من قبل المراقبين واصحاب القرار واعادة النظر في الجرعة الكبيرة من الثقة الممنوحة للجانب الامريكي من قبل اصحاب القرار العراقي بل يستدعي ذلك المشهد توخي الحذر في طبيعة التعامل مع مصائر المعتقلين في السجون الامريكية او العراقية التي قد تضم في اروقتها ابرياء ساقهم اليها سوء الطالع او وشاية كاذبة.

* كاتب عراقي

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 3/آيار/2009 - 6/جمادى الآولى/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م